Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبرت السعودية امرأة بمفردي في سيارتي وما اكتشفته مفاجئ

في مواجهة مساحات صحراوية شاسعة وطرقات تسير على جوانبها الجمال وشعورها بشيء من التوجس في بلاد لم تسمح للمرأة بقيادة السيارة سوى منذ سبع سنوات تعيش كاتبة المقالة تحديات وتجارب ممتعة أثناء مغامرتها في شبه الجزيرة العربية 

مراسلتنا المغامرة عاشت تجربة قيادة جيدة في السعودية لمسافة 3 آلاف كيلومتر (أليس موريسون)

ملخص

قادت أليس موريسون بمفردها عبر السعودية، واكتشفت في رحلتها بعض التغييرات التي طرأت على المملكة والتجارب الفريدة والمناظر الطبيعية الخلابة ولقاءتها مع السكان المحليين المضيافين

"لماذا؟"، تساءل صديقي باستغراب عندما أخبرته عن نيتي التجول بالسيارة حول السعودية وحدي. فأجبته باختصار "لأنني أستطيع ذلك، بعد طول انتظار". بدأ افتتاني بشبه الجزيرة العربية عندما قدم لي والدي نسخة من كتاب "الرمال العربية" Arabian Sands، عن رحلة عبور الربع الخالي البطولية التي قام بها ويلفريد ثيسيجر.

درست بعدها اللغة العربية وسافرت في كل دول المنطقة، لكن لازمني شعور بأن السعودية مغلقة وممنوعة علي، أما الآن فيمكن للمرء الحصول على تأشيرة زيارة إلكترونية في دقائق قليلة، فيما منحت النساء حق قيادة السيارات عام 2018، كان الأوان آن.

استغرب أنس الذي صادفته في مكتب استئجار السيارات عندما أريته خريطة مساري المخطط، "ستحتاجين إلى خيار الكيلومترات غير المحدودة لهذه الطريق"، أخبرته بأنني أشعر بقلق شديد في شأن القيادة في السعودية، إذ شعرت بالرعب وأنا أستقل سيارات أوبر.

تقبل الأمر برحابة صدر ملفتة نظراً إلى أنني كنت على وشك استئجار إحدى سياراته، "ها! في اليوم الأول ستقودين ببطء"، قالها وهو يقلد السيد ماغو الذي يقود السيارة على مهل. "لكن بعدما تقطعين هذه المسافة من الكيلومترات..."، نقر أسنانه بظفره وتظاهر بإخراج يده من السيارة وبرفع صوت الموسيقى وقال "ستقودين كأنك واحدة منا".

غادرت الرياض في تمام السادسة والنصف من صباح يوم الجمعة في رحلة ذهاب وإياب استغرقت في النهاية 3215 كيلومتراً (1998 ميلاً). كان هدفي الأول زيارة جدة بمدينتها التاريخية القديمة ومجتمعها المكون من خليط عالمي. كنا في منتصف مايو (أيار) والحرارة الخارجية تبلغ 40 درجة مئوية، لكن السعودية تتقن الاستفادة من مكيفات الهواء لذلك ظللت أشعر بالبرودة، احتجت إلى هذه البرودة والراحة إذ كانت أمامي أيام كثيرة من القيادة الطويلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أول الأخطار التي واجهتني كانت التعامل مع الرمال. اصطدمت بزحف الرمال في وسط الطريق فتأرجح مقود السيارة من جهة إلى الثانية. ثم صادفت الجمال العابرة للطريق. فجأة ظهر أمامي جمل كبير قطع سبيلي. كانت ورائي شاحنة ضخمة فأضأت مصابيح الخطر بسرعة وتوقفت وأنا أدعو أن يتوقف بدوره.

وركنت السيارة في مساحة استراحة لكي أملأها بالوقود وأهدئ من روعي. برأيي، تمنح الاستراحات على الطريق السريع، شأنها في ذلك شأن المتاجر الكبرى، نظرة فورية داخل أي بلد. لم يكلفني نصف خزان الوقود سوى 12 جنيهاً استرلينياً، فيما كانت مراحيض النساء في المنطقة المخصصة للوضوء في مسجد النساء. شعرت بالارتياح في عباءتي وحجابي.

ما عاد القانون يفرض ارتداء أي من الاثنين الآن، وهذا تغيير هائل في السعودية. لكن يجب مراعاة الحشمة في اللباس بحيث تصل الأكمام إلى المرفقين والتنورة أو البنطال إلى تحت الركبة. بما أنني أقطن في المغرب فأنا معتادة على ارتداء ثياب محتشمة وشعرت بالراحة في العباءة وغطاء الرأس.

طبعاً استقطبت الأنظار على رغم ذلك، لكنها جاءت إجمالاً من النساء والفتيات. كان الحجاب الذي ارتديته زهرياً وبرتقالي اللون وليس أسود كما درجت العادة، وأفضل أن أفكر بأن تلك النظرات كانت بداعي الإعجاب بالثياب وليس مدفوعة بسؤال "ما هذا الذي ترتديه؟".

شعرت بالجوع فاخترت تناول سندويش من الفلافل مع صلصة حارة وعصير برتقال طازج (1.50 جنيه استرليني). كان الطباخ الودود يمني الجنسية، وقد أراني صور أطفاله ومزرعته في بلده. وأخبرني بأنه يزور موطنه مرة في السنة مدة شهر تقريباً. وتوقفت في النهاية في متجر صغير، هو عبارة عن بازار تجد فيه كل متع الأرض وملذاتها، من رسن للإبل حتى بوظة ماغنوم بطعم الكراميل.

قطعت 10 ساعات على الطريق قبل أن أصل إلى الطائف بالتزامن مع عاصفة رعدية تضيء السماء ببريق مدهش، وتعتبر الطائف منتجعاً جبلياً ساحراً تقصده الأسر السعودية بحثاً عن بعض البرودة في الصيف، وتشتهر المنطقة بحدائق الورود وقرود البابون.

كما تنتشر الملاهي والملاعب والأكشاك الصغيرة التي تبيع العصائر والوجبات الخفيفة في كل مكان، لكني حجزت مسبقاً غرفة في فندق "انتركونتيننتال" لأنني كنت أبحث في الليلة الأولى عن الراحة والأمان. كما شعرت ببعض التوجس من طريقة تقبل الناس لكوني امرأة تسافر وحدها، واكتشفت أنهم قابلوني بود وتحدثوا معي كثيراً، إذ كانت مديرة المطعم سيدة سعودية فخورة ببوفيه الإفطار الضخم الذي يضاف إليه جدار من كعك الدونات.

بعدما خرجت من الطائف، لاح في الأفق خطر آخر أثناء القيادة. فلا يسمح لغير المسلمين دخول مكة، أقدس المدن الإسلامية وموقع الحج المفروض على المسلمين مرة في العمر إن استطاعوا إليه سبيلاً.

وبسبب وجود أكثر من ملياري مسلم في العالم، يتبع نظام القرعة في زيارة الحج، وجهني برنامج "غوغل" للخرائط إلى طريق مباشر، لكنني رأيت لافتة ضخمة كتب عليها "لغير المسلمين المتجهين نحو"  يتبعها أسماء ثلاث بلدات لم أتعرف على أي منها، ارتبكت لكنني استمررت باتباع "غوغل". لم يكن أمامي أي مكان يمكن أن أركن فيه، لذلك واصلت القيادة على أمل أنني لا أنتهك أي قوانين، فمحاولة دخول مكة عن قصد لأي شخص غير مسلم قد ينتج منها تغريمه وترحيله.

عند بلوغي جدة، بعد يوم قيادة قصير قضيت فيه ثلاث ساعات فقط على الطريق، انتهى بي المطاف خارج الطريق المعبد كلياً على مسار ترابي جلس فيه رجال يرتدون الثوب الأبيض والشماغ الأحمر والأبيض فوق شاحناتهم لمشاهدة المغيب، فيما أخذت نساء محجبات ببيع المحارم وبعض الحلي الرخيصة من فوق بسط ممدودة على الأرض.

 لقيت استقبالاً لطيفاً وودوداً من موظفة الاستقبال في "فندق شدا"، أشعرني بالارتياح. والفندق من تصميم أخوات سعوديات، يدرنه بأنفسهن. في كل محطة من رحلتي، التقيت بنساء يعملن إلى جانب الرجال، من مكتب الهجرة في المطار إلى أعلى المناصب في الجامعات. ويتميز الديكور في كل الأماكن بلمسات عصرية متداخلة بالأجواء العربية التقليدية مثل المصابيح وتجهيزات الإضاءة المصنوعة من الخوص، شعرت بأنها واحة من الهدوء.

ولدت وترعرعت سارة عمر في جدة، وهي تملك وكالة سفريات في المدينة. كما أنها مرشدة سياحية مرخصة، ولذلك كانت الخيار الأمثل لترافقني في جولة حول البلدة التاريخية القديمة. وصلت إلى مكان لقائنا بشعرها الأسود المجعد، الذي يرسم هالة حولها وعباءتها الحرير التي تثير الغيرة [الجميلة] التي يحاكي تصميمها عناصر من شماغ الرجال.

بدأنا الجولة عند بوابات المدينة القديمة، وقالت لي "عندما كنا صغاراً، اعتدنا القدوم إلى هذا المكان صبيحة العيد. كنا نركب في عجلة خشبية كبيرة يديرها رجل واحد يدوياً، ثم ندور على الأهل والأصدقاء ونجمع العيدية والحلوى".

وتجري أعمال ترميم دقيقة للمدينة لكي تحافظ على سحرها، ترتفع المباني العالية المزينة بالشرفات أو النوافذ المغطاة بشبكة من الخشب المزخرف – الروشان - على جوانب الشوارع الضيقة المليئة بأشجار النخيل.

دلتني سارة على ربض، "هذا منزل تموله الحكومة ويأوي نساء أرامل ومطلقات بالمجان، ما يزال عدد من هذه المساكن موجوداً في جدة".

مع غروب الشمس امتلأت الشوارع بالمارة بعدما برد الجو، خرجت العائلات للتبضع وتناول الحمص مع مخلل الشمندر و"رقائق بطاطا الشارع" الدسمة واللذيذة المغطاة بصلصة الثوم والفلفل الأحمر. كانوا جميعاً من النساء والأطفال، فسألت إن كانت هذه المنطقة مخصصة للنساء فقط، فضحكت سارة وأجابت "لا، لكن في ثقافتنا الرجال يتركون أماكن الجلوس النساء، وهم جميعاً يقفون هناك مع طعامهم".

تركت جدة وأجواءها المتساهلة لأتوجه شمالاً، وكانت مكافأتي أجمل المناظر الطبيعية في الرحلة، سهول ذهبية اللون تزينها أشجار الأكاسيا المتناثرة هنا وهناك وسط جبال حمراء شاهقة. توقفت ليلاً في وادي الديسة، وهو آية من الجمال ستضم قريباً إلى محمية محمد بن سلمان الطبيعية التي توشك على الافتتاح، وهي واحة مليئة بشجر الدفلى ذي الأزهار الزهرية التي تنمو وسط أعمدة من الحجر الرملي. أمطرت السماء قليلاً فسرت فوق الرمل المبتل بين أشجار النخيل، قفزت ضفادع صغيرة من تحت رجلي. في الأراضي الصحراوية، تأخذ رائحة التراب المبلل طابعاً مميزاً جداً.

وتعتبر هذه المنطقة مأهولة منذ آلاف السنوات، فالمياه هي الحياة، ووجدت دليلاً على ذلك في مجموعة رسوم ونقوش في الحجر على جانب الطريق تصور مشاهد لمعارك وقعت منذ آلاف السنوات.

في طريق العودة للرياض، رأيت خبراً عن سجن شابة لمدة 11 عاماً بتهم تتعلق بخيارها لملابسها وتعبيرها عن آرائها على الإنترنت، أعادتني قراءة المقالة للواقع.

تمنحك الرحلات وقتاً للتفكير والتأمل، فاجأتني السعودية. كل من التقيتهم تعاملوا معي بانفتاح وود، إذ قدت السيارة عبر الصحاري والسواحل والجبال والواحات، ووجدت تنوعاً أكثر مما توقعت بكثير. هذا ما قابلني في الثقافة أيضاً، من طعام الشوارع في جدة إلى النقوش الحجرية في وادي الديسة.

لكن ما فاجأني بشكل رئيس هو سهولة القيادة وحدي وقيامي بالاستكشاف وحدي، لم تصادفني أية عوائق خلال رحلتي كامرأة وحدها، ولم أشعر بعدم الارتياح، باستثناء رعشة الرجلين بعد القيادة لمدة 10 ساعات. شعرت بروح التغيير والتطور في البلاد والتقيت بنساء مثل سارة والمديرة في فندق "انتركونتيننتال" يملأهن شعور الفخر ببلادهن. حتى بعدما قطعت 3215 كيلومتراً، ما زلت أشعر بأنه أمامي كثير لكي أكتشفه وأتعلمه.

نزلت أليس في فندق "انتركونتيننتال الرياض" و"انتركونتيننتال الطائف" و"فندق شدا" في جدة.

لو رغبت في القيام بهذه الرحلة لكنك قلقة من السفر وحدك، تنظم شركة إنتربيد للسفر Intrepid Travel رحلة نسائية إلى السعودية تشمل جزءاً من هذا المسار.

تذيع شبكة أنباء "بي بي سي" سلسلة أليس موريسون الجديدة "مغامرات في الجزيرة العربية: أسرار الأنباط" Arabian Adventures: Secrets of the Nabateans خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى والثانية من يونيو (حزيران) وستتوفر السلسلة على "بي بي سي آي بلاير" بعدها.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات