ملخص
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة التي فرضها مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي بتحطم مروحية كانت تقله في شمال إيران، يتنافس المرشحون بشدة في ما بينهم على كسب تأييد المواطنين، لكنهم يجمعون على طاعة المرشد وتنفيذ برنامجه.
"الوضع سيئ" هذه رسالة رددها جميع المرشحين الستة الذين يخوضون تنافساً في ما بينهم في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
تحدث محمد باقر قاليباف وهو لواء متقاعد في الحرس الثوري، والرئيس الحالي لمجلس الشورى الإيراني، عن "الفرص الضائعة" وضرورة اتخاذ "قرارات عاجلة وقصيرة الأمد" من أجل الحد من انتشار الفقر.
وسعيد جليلي حذر من أن الدمار وصل حداً حيث "يوجد خطر تراجع البلاد لأكثر من عقدين فتصعب إدارة الأمور الطبيعية فيها". وأضاف أن "المشكلات الهيكلية والأساليب الخاطئة" تسببت بظهور "سارقين يعملون لإيجاد انتماء إلى الدول الأجنبية من خلال إجراءات سياسية تكفل مصالح أصحاب السلطة والمال وتمنع نمو المجتمع وتطوره".
وأما مسعود بزشكيان الذي يتقدم رويداً رويداً ليصبح مرشحاً للإصلاحيين، فتحدث عن "الفقر الواسع" وتراجع الخدمات العامة. وقال إن المدارس الحكومية لم تعد قادرة على تقديم خدمات في البلاد حيث أن 70 في المئة من الطلبة ليست لهم حظوظ في النجاح ودخول الجامعات. وبذلك أصبح التعليم العالي حكراً على 30 في المئة من أبناء الطبقة المرفهة في البلاد.
الوزير الأسبق للعدل مصطفى بور محمدي تحدث عن المآسي في المجتمع الإيراني وجذورها الفقر والفساد واليأس من عدم وجود مستقبل جيد. وقال بور محمدي إنه يرغب بإبرام "اتفاق مبني على المحبة" مع الشعب لكي نتمكن "من العيش جنباً إلى جنب بشكل جيد".
السير على نهج "القائد"
والمرشح الآخر علي رضا زاكاني، عمدة طهران الحالي، وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، رئيس "مؤسسة الشهيد" تحدثا عن وجود مآسٍ في البلاد، وقدما نفسيهما كمبشرين بفتح الأبواب المغلقة في البلاد. فالقضية تكمن في أن "الوضع سيئ". وتحدث المرشحون عن مأساة استمرار الوضع الحالي.
وقال مسعود بزشكيان "ليس مقرراً أن نقدم برنامجاً أو ننفذ سياسة جديدة. سنستمر بالسير على النهج الذي تسير عليه الحكومة الحالية. الأولوية ستكون لتنفيذ السياسات العامة للنظام". وأضاف "ما أملكه هو من القائد (المرشد علي خامنئي) وسيكون برنامجي هو تنفيذ نواياه".
"تنفيذ نيات المرشد" هو في الواقع برنامج بقية المرشحين أيضاً، إذ اعتبر بور محمدي أن "القائد المعظم يريد إيجاد حضارة إسلامية جديدة، وهذا هو الهدف الأساس في حكومتي".
وفي الوقت ذاته، أكد جميع المرشحين أن مهمتهم تتلخص في المضي على نهج "الرئيس الشهيد" إبراهيم رئيسي. وذكر زاكاني أنه إذا ما نجح في الانتخابات سيشكل حكومته بواسطة وزراء حكومة رئيسي.
أما صحيفة "كيهان" التي يُعرف عنها أنها تعبر عن نيات المرشد ورغباته، فأوصت المرشحين بأن يتخذوا من رئيسي قدوة.
وصرح محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري أن مقتل رئيسي يجب أن يشكل فرصة لتغيير المسار السياسي للنظام، مضيفاً أنه "يمكن أن يكون بداية تطور في إجماع القوى البناءة من أجل تقديم خدمات صادقة في البلاد".
لكن ما هو "نهج رئيسي"؟ لا شك أنه خلال الـ 1000 يوم من فترة ولاية رئيسي، فإنه عمل على ترسيخ التهدئة قصيرة الأمد داخل النظام. وكان رئيسي أول رئيس في البلاد قبل هذا الواقع بأن رئيس النظام يجب ألا يتصور أن بإمكانه إقرار المسار السياسي للنظام.
وكان هذا الشعور من جانب رئيسي قد أزال قلق المرشد أو ولي الفقيه، فلم تكن هنالك خشية من أن يعمل الرئيس على نسج علاقات مع القوى الكبرى، بخاصة الولايات المتحدة، ليقلل من مكانة المرشد إلى منصب شكلي.
أسلوب التسامح
وكان الخميني وكذلك خامنئي يعملان على أسلوب التسامح مع الولايات المتحدة، شرط ألا يتعامل "الشيطان الأكبر" مع المنافسين المحليين.
وشهدنا خلال 1000 يوم من ولاية رئيسي تعاوناً بين النظام الإيراني والولايات المتحدة. هذا التعاون أدى إلى تطبيع العلاقات مع الدول العربية المجاورة وإدارة مشتركة بين إيران وأميركا للردود على حرب غزة ما أدى إلى إلغاء بعض العقوبات، حيث ارتفعت صادرات النفط الإيراني بتوافق ضمني من واشنطن إلى أكثر من مليوني برميل نفط.
وفي المقابل تحفظت إدارة الرئيس جو بايدن على الرد حيال قمع الشعب الإيراني وتصرفت بأسلوب جبان.
الجانب الآخر من طريقة رئيسي في الحكم، كان الترويج للعمل أكثر من القيام بإنجازات ملموسة.
خلال الـ 1000 يوم من ولايته كانت له 28 زيارة خارجية أي 130 يوماً من فترة ولايته حتى مقتله، أمضاها في السفر.
والزيارات إلى المحافظات أيضاً شملت 100 يوم آخر من فترة غيابه من العاصمة. وخلال هذه الزيارات حرص رئيسي على استعراض الإنجازات، ومنها الانضمام إلى مجموعة شنغهاي ومجموعة بريكس وافتتاح مشروع سد صغير على الحدود بين إيران وأذربيجان.
خلال هذه الفترة كان الرئيس الإيراني السابق أقل قوة من أسلافه لكنه تظاهر بأنه رئيس قوي. لذلك ظهر بمظهر الرئيس النشيط جداً، لكن في الواقع يمسك المرشد بخيوط اللعبة.
يقول مثل: "إذا ما أردت عدم التغيير، يجب أن تعمل على تغيير كل شيء"، فالمسرحية التي شارك بها خامنئي ورئيسي ولّدت هذا التصور بأن كل شيء يتطور ويتغير باستمرار في حين أنه لم يتغير أي شيء.
لذلك، إذا ما اعتمدنا تصريحات المرشحين الحاليين يجب أن نقول إن جميعهم خرجوا من تحت قبعة ساحر. وفي أحسن الأحوال سيخرج من تحتها رئيس جديد على شاكلة إبراهيم رئيسي. أي أن النظام القائم على الخمينية بعد أربعة عقود من الجدل يعمل على تثبيت طبيعته المتجذرة بالأوهام.
وهذا النوع من النظام في مصطلحات العلوم السياسية يختلف عن النظام الديكتاتوري. في الأنظمة الديكتاتورية يعمل المسؤولون على إملاء سلسلة قوانين وتشريعات ملزمة يشكل فيها العمل والكلام أساس كل شيء. لكن في الأنظمة الخيالية لا توجد أي قوانين وتشريعات ثابتة لأن القائد المتوهم يمكن أن يغير المسار في أي لحظة.
مصير المرشد
في الوقت الحاضر هنالك واقع آخر يساعد على "نسف الأمور" في نظام الجمهورية الإسلامية وهي علامة استفهام كبيرة أمام مصير المرشد علي خامنئي. فهل سيبقى على قيد الحياة خلال الأربع سنوات المقبلة من ولاية الرئيس المقبل في إيران؟ وإذا ما بقي حياً واستمر الرئيس المقبل في الحكم لولاية أخرى هل سيصمد على التعامل مع مرشد متوهم؟
اللعبة الانتخابية الحالية مهمة بسبب احتمال غياب خامنئي بشكل طبيعي. والسؤال الذي يطرح نفسه هل سيصمد المرشحون الستة في التعامل مع الوضع في البلاد إذا ما توفي المرشد؟
إذا ما كانت الانتخابات واقعية، فهنالك اختباران يجب أن يجتازها أي من الفائزين في الانتخابات:
الاختبار الأول هو إمكان تنفيذ البرامج السياسية والثاني إمكان تنفيذ الوعود التي يطلقونها خلال الحملة الانتخابية.
في ما يتعلق بما يطلق عليه انتخابات في إيران، لم تُطرح أي من الاختبارات المذكورة لأن المرشحين الستة ليست لهم برامج واضحة إلا تأكيدهم على تنفيذ أوامر المرشد. كما لا يملك أي منهم تجارب كبيرة في الشؤون السياسية والإدارية، وكان جميعهم موظفين عاديين في النظام الإيراني.
ونظراً لأن المرشحين الستة هم في الواقع من الجيل الثاني للثورة الإيرانية فليس لهم نشاط مهم خلال الثورة ضد الشاه. أي أنهم جميعاً ركبوا قطار النظام بعد انتصار الثورة وهم مدينون للمرشد في الحصول على مسؤوليات في النظام.
لكن يسعى جميعهم إلى الظهور بمظهر مختلف عن الآخر. فيقول مسعود بزشكيان: "أنا أنتمي إلى مبادئ الأصوليين وأطالب بإصلاحات"، لكنه لم يوضع أي مبادئ يلتزم بها. وأي إصلاح ينوي تنفيذه.
ورداً على بعض اتهامات المعارضين الذين يصفونه بالانفصالي، يردد بزشكيان في الوقت الحالي شعارات وطنية عن إيران ويتحدث عن "الأرض الغالية" والبلد المؤسس لحضارات تمتد لآلاف السنين".
أما محمد باقر قاليباف الذي يشمل كتاب أعماله حملة قمع همجية ضد المحتجين، يحاول أن يظهر بمظهر المصلح الاجتماعي، فيقول: "نحتاج إلى التفاهم والوئام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فخور بالإعدامات
ومصطفى بور محمدي الذي وقّع على أحكام إعدام الآلاف و"يفتخر بذلك"، يتحدث عن ضرورة الاهتمام بـ "العشق والمحبة".
وقاضي زاده هاشمي وهو رئيس لإحدى مؤسسات المافيا الكبيرة في البلاد، يتحدث عن ضرورة الخصخصة أي انتقال القطاع الحكومي إلى المؤسسات العائدة إلى العصابات تحت إشراف الحرس الثوري.
وجليلي الذي أظهر في أدائه عدم نضج سياسي ودبلوماسي خلال مسؤوليته في مجلس الأمن القومي والمفاوضات النووية يتحدث عن ضرورة الاهتمام بـ "الدبلوماسية النشطة والمبدعة"، ويعد الناخبين بأنه سيعمل على نقلة كبيرة لإيران في العالم على أساس الفرص الكثيرة الكامنة في البلاد.
وزاكاني الذي حوّل بلدية طهران إلى مركز لنهب الثروات العامة يتحدث عن مكافحة الفساد بشكل حازم.
وإذا ما نظرنا إلى تجربة الانتخابات السابقة في النظام فإن الفائز الطبيعي في هذه الانتخابات يجب أن يكون مصطفى بور محمدي. لأنه تداول الحكم في إيران يجري على أساس تداول الحكم بين أصحاب العمائم البيضاء والعمائم السوداء. (علي خامنئي أولاً وبعده أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي من بعده، ثم حسن روحاني وبعده إبراهيم رئيسي).
من جانب آخر، يُحتمل أن يخرج ائتلاف لترشيح محمد باقر قاليباف تمهيداً لوصول قائد في الحرس الثوري إلى القصر الرئاسي.
أما الهيكل المتهالك للإصلاحيين فيأمل بأن يخرج مسعود بزشكيان من تحت قبعة الساحر ليضم في حكومته عدداً من "أولاد نيويورك" (مثل محمد جواد ظريف).
ونظراً لإجراء الانتخابات بين الإيرانيين المقيمين في الخارج أيضاً، فقد بدأ أربعة من المرشحين حملاتهم الانتخابية في أوروبا والولايات المتحدة على أمل ترغيب 8 ملايين إيراني في الخارج بالمشاركة في الانتخابات.
لكن في الواقع لا يؤدي تغيير الرؤساء في النظام القائم على الخمينية إلى تخليص البلاد من المأزق الحالي. إيران بحاجة إلى تغيير النظام وليس تغيير الدميات. ما هو مطروح هو إنهاء الحكم القائم على الأوهام وليس المرشحين الذين يقدمون أنفسهم بأنهم منفذون لأوامر المرشد.
التصويت في الانتخابات قرار فردي يعود إلى مراجعة الواقع والضمير الشخصي لكل من ينوي المشاركة في التصويت. وعدم التصويت في هذه اللعبة المسيئة هو في الواقع نوع من التصويت لتغيير النظام.
لذلك تحول شعار "أنا لن أصوت" إلى رمز للتصويت على تغيير النظام. نعم أنا لن أصوت.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"