Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرقة مقام غزة... نهاوند الحرب وبياتي النزوح

تجمع أعضاؤها في مصر بعد شهور من اندلاع القتال وأعادوا إطلاق فرقتهم لتكون صوتاً لكل الفلسطينيين

تشتت فرقة مقام غزة بسبب الحرب والنزوح لكنها تجمّعت مرة أخرى في مصر مصادفة (اندبندنت عربية)

ملخص

شهور عصيبة تجمّد فيها كل شيء إلا وقع المعاناة والقصف والدمار، حتى نجح كل منهم منفرداً في الخروج من غزة إلى مصر، لتجمعهم المصادفة مرة أخرى ويعيدوا إحياء حلمهم من القاهرة... فرقة "مقام غزة" نهاوند الحرب وبياتي النزوح

تشتعل الحرب فتتبدل الأحوال وينتشر الدمار والموت في كل مكان، وفي أتون الحروب المستعرة دائماً ما يدفع الناس الثمن، فتختلف الأوضاع ويجد كل منهم نفسه مضطراً إلى أن يضع خططه وأحلامه جانباً ولو بشكل موقت، ليكون هدفه الأسمى النجاة والبقاء، ومن بعدها ربما يمكن النهوض مرة أخرى للقتال على ناصية الحلم المؤجل.

أعضاء فرقة مقام غزة الموسيقية كانت لهم حياة وحكايات وأحلام ومشاريع تسير في مسارها الطبيعي، استيقظوا في السابع من أكتوبر (تشرين الثاني) 2023 على نبأ الحرب، وعاشوا أوقاتاً عصيبة تحت القصف لينزحوا إلى الجنوب مثل جموع الفلسطينيين الذين تركوا منازلهم وحكاياتهم وأحلامهم سائرين نحو المجهول.


شهور عصيبة تجمد فيها كل شيء إلا وقع المعاناة والقصف والدمار، حتى نجح كل منهم منفرداً في الخروج إلى مصر، لتجمعهم المصادفة مرة أخرى ويعيدوا إحياء حلمهم من القاهرة بإعادة إطلاق الفرقة، لكن بإحساس مختلف وتجربة جديدة، وهي أن يكونوا صوتاً لكل أهل غزة الذين لا يزالون تحت القصف، وليكون التراث الفلسطيني حاضراً جزءاً من الهوية الفلسطينية ورمزاً لهؤلاء الذين يعانون تحت وطأة الحرب.

"استكمال أحلام الفرقة"

شهدت دار الأوبرا المصرية الحفل الأول لفرقة مقام غزة في القاهرة، ولقي دعماً وترحيباً كبيراً من جموع المصريين، سواء لأغنيات الفرقة المستوحاة من التراث الفلسطيني، أو لهؤلاء الموسيقيين القادمين من غزة متمسكين بأن يظل صوتهم صادحاً ومعبراً عن هويتهم.

 

يقول قائد فرقة مقام غزة أنس النجار "أعمل في مجال تعليم الموسيقى منذ أكثر من 13 عاماً، وقد تأسست فرقة مقام الموسيقية عام 2020، ونحن مجموعة من الموسيقيين من غزة كنا أصدقاء بالأساس، وتكونت الفرقة لحبنا الشديد للموسيقى ولرسالتنا، بخاصة أننا نعيش في مكان له خصوصية، باعتبار أن غزة محاصرة وتعاني أزمات متلاحقة، وبدأنا نقيم حفلات في غزة لاقت نجاحاً كبيراً، بخاصة أن الفرقة تجمع بين الآلات الموسيقية الشرقية والغربية، وتقدم التراث الفلسطيني بصورة جديدة، وكانت خطتنا أن نستمر في تقديم الحفلات داخل غزة وخارجها لكن الحرب جاءت".

ويضيف النجار أنه "مع بداية الحرب انقطع تواصلنا ببعضنا، باعتبار أن كلاً منا يقيم في منطقة مختلفة داخل غزة، وكلنا تشتتنا ونزح بعضنا إلى الجنوب وعشنا معاناة شديدة، لأننا خسرنا كل شيء، منازلنا وآلاتنا الموسيقية، ولمدة تزيد على الشهرين ونصف الشهر عشنا ظروفاً بالغة الصعوبة حتى استطاع كل منا الخروج إلى مصر، من دون ترتيب مع الآخرين، لنعود للتواصل ونقرر أن ننطلق من جديد، وبالفعل قدمنا أولى حفلاتنا في مصر داخل دار الأوبرا المصرية والتي كانت بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية والسفارة الفلسطينية، وكان الاستقبال رائعاً من الشعب المصري، فمصر دائماً ذوّاقة للفن، وسنعمل جاهدين خلال الفترة المقبلة على استكمال أحلامنا للفرقة التي بدأناها في غزة".

"خرجنا من غزة بعد أن فقدنا كل شيء"

أجواء شديدة الصعوبة عاشها النازحون من منازلهم شمال غزة مع اشتداد القصف ونقص مقومات الحياة التي غيرت من واقع أهل غزة وأثرت فيهم، وبخاصة الفنانين الذين تنعكس مشاعرهم وحالهم النفسية على إبداعهم.

 

ويحكي مؤسس الفرقة وعازف الإيقاع إياد أبو ليلة، "كنا نعيش حياتنا بصورة طبيعية، وفي السابع من أكتوبر 2023 بدأت الحرب وبعد أيام نزحنا للجنوب حيث كانت كل مناطق الشمال تقصف بشدة، فأقمنا في مدرسة تابعة لـ(أونروا) في رفح وكانت الحياة صعبة جداً، بخاصة في وجود أطفال، فلا توجد أية مقومات للحياة، لا أكل ولا شرب ولا كهرباء، وإضافة إلى فقدان الأمان فقد كنا نعيش في خطر شديد، وبعدما جئنا لمصر كنا نظن أننا بعدنا من القلق، لكن كنا واهمين، فالقلق لا يزال قائماً على كل أحبتنا في غزة، وبحكم عملنا كموسيقيين فنحن نسافر كثيراً، لكن هذه المرة الوضع مختلف فقد خرجنا من غزة بعد أن فقدنا كل شيء".

ويضيف أبو ليلة أن "حياة الموسيقيين مختلفة، فهم يعبرون عن مشاعرهم بالفن، وفي ظل وضع الحرب كان الأمر صعباً جداً، وكنت أتأمل بعض الفنانين الذين يقومون بعمل نشاطات للأطفال في أماكن النزوح وهذا أمر شديد الصعوبة، فكيف يمكن للفنان أن ينشر الفرح ويسعد من حوله وهو داخله مكسور من وقع الحرب".

"أفكارنا وقلوبنا مرتبطة بغزة"

لم ينفصل الفن أبداً عن الحرب، بل إن الحروب كثيراً ما كانت عاملاً محفزاً للفنان لإبداع فن خاص من رحم الألم والمعاناة والخبرات الإنسانية التي يعيشها في قلب الحدث، فالتجربة الفنية بالقطع تتأثر بالأوضاع السياسية أو بطبيعة البيئة التي تنشأ فيها أياً كان وضعها، وعند الحديث عن فلسطين على وجه التحديد فإن الأزمات المتلاحقة التي عانتها على مدى 75 عاماً هي عمر النكبة، أفرزت مبدعين في كل المجالات كانوا صوتاً للقضية، وعبروا عنها بأدوات مختلفة مثل الفنون التشكيلية والشعر والأدب والموسيقى.

وفي أوضاع مثل القائمة حالياً في غزة فإن معاناة الفنانين الذين عايشوا أجواء الحرب غالباً ستنعكس على تجاربهم الفنية، وسيكون لها تأثير واضح يستغرق بعض الوقت حتى يتمكن الفنان من استيعاب الوضع وتجاوز الأزمة، لكن بلا شك سيظهر أثرها في فنونهم باختلافها.

 

يقول عازف الإيقاع سامح أبو ليلة "أنا موسيقي من جباليا، وكنت أعمل في معهد للموسيقى في غزة كمدرب إيقاع، ولدي أسرة وزوجة وأطفال، وكنا نعيش حياة طبيعية وعندما قامت الحرب تغير كل شيء، فخرجنا من منازلنا بعد أيام من اندلاعها وبعد أن أُلقيت علينا منشورات في الـ 10 من أكتوبر 2023 تطلب إخلاء المنطقة، وبالفعل نزحنا مع غيرنا من العائلات إلى الجنوب وتوجهنا لرفح وأقمنا فيها 60 يوماً متواصلة في ظروف صعبة، وبعدها جئنا إلى مصر، وبعدما وصلنا لمصر ظلت أفكارنا وقلوبنا مرتبطة بغزة وكل من فيها، بخاصة بعدما تلقينا نبأ وفاة وإصابة أفراد من عائلتي، فالوضع صعب على الجميع داخل غزة وخارجها".

ويضيف، "لم أتخيل أن أقابل أصدقائي وأعضاء الفرقة مرة أخرى في مصر، فقد خرج كل منا بمفرده ونحاول حالياً أن ننطلق في بداية جديدة ونكون فيها صوتاً لأهل غزة، وفي مصر وجدنا كثيراً من الدعم من المصريين، سواء على المستوى الفني أو الإنساني، فعندما كنا في غزة كنا منقطعين عن العالم ولا نعرف أي شيء عما يحدث خارجها، لكننا وجدنا تضامناً كبيراً في مصر ودعماً على كل المستويات، ونأمل في أن نستمر في رسالتنا ونستكمل مشوارنا من جديد".

"ليست كباقي الحروب"

ليست الحرب الأولى التي يشهدها قطاع غزة الذي عانى أزمات متلاحقة على مدى أعوام، ولكنها حرب فاصلة كانت سبباً في تغييرات فاصلة لكثير من الناس على كل المستويات، وتسرد مغنية الفرقة ليندا مهدي أنه "قبل الحرب كان عندي حياة طبيعية وكنت أذهب لعملي وأمارس هوايتي في الغناء، فنحن أبناء غزة عشنا كثيراً من الحروب، ومن طفولتي وأنا أعيش أجواء الحروب والصراعات، لكن هذه الحرب تختلف، فهي كارثة وتغيير مصير، وكل الحروب السابقة كانت تدور ونحن في منازلنا، أما هذه المرة ففرض علينا النزوح، وهي معاناة لا يمكن وصفها بالكلمات ولا يمكن أن يتخيلها إلا من عاشها، فالبقاء في منازلنا كان يمنحنا ولو شعوراً بسيطاً بالأمان، أما في هذه الحرب فحتى الأماكن التي وصفوها بأنها آمنة لم تكن كذلك".

 

وتضيف، "بالطبع الحرب تؤثر في الفنان، ولا أستطيع التعبير عن نفسي إلا من خلال الغناء وفي قلب الحرب كان هذا أمراً شديد الصعوبة، فالأولوية هي الحماية والبحث عن الأمان والبقاء على قيد الحياة، ولم نكن قادرين على القيام بأي نشاط أو التفاعل مع المجتمع، إضافة إلى عدم وجود أية وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي، وكان هناك هدف لإسكات أي صوت فلسطيني، ولكن عندما جئنا إلى مصر وجدنا كثيراً من الدعم واستطعنا التواصل مع العالم ونقل صوت أهل غزة، ونحاول حالياً استعادة دورنا والحفاظ على الهوية الفلسطينية وترسيخها في أذهان الناس، وأن نجعل الناس تستمع وتغني التراث الفلسطيني".

"آلتي الموسيقية رفيقة النزوح"

عند الحديث عن الموسيقيين تحديداً فإن الآلة الموسيقية هي الصديق والرفيق الدائم، وهي جزء رئيس من حياة الفنان باعتبارها وسيلته للتعبير عن مشاعره، وفقدانها يمثل جرحاً كبيراً لن يقدره سوى الفنانين، إذ فقد أعضاء فرقة مقام غزة معظم آلاتهم الموسيقية في الحرب، لكن أحدهم نجح في النجاة بآلته التي نزحت معه من مكان إلى آخر وانتقلت معه من غزة إلى مصر لتصدر أنغامها من جديد في القاهرة.

 

عازف القانون فراس شرافي يقول، "نحن كفنانين نقاوم بالموسيقى وتراثنا الفلسطيني، ولهذا عندما نزحت من بيتي شمال غزة لم أحمل معي سوى آلتي الموسيقية التي رافقتني من شمال غزة إلى جنوبها، ثم إلى رفح وأخيراً إلى مصر، فهي وسيلتي للمقاومة والحفاظ على تراثنا الفلسطيني الذي يمثل جزءاً كبيراً من هويتنا، ولا بد من أن نعمل بموسيقانا على أن يظل حياً وباقياً".

ويكمل أن "الفنان في أي مكان وفي أي حال ينقل إحساسه بموهبته أو بآلته الموسيقية، فهي رفيقه الدائم ووسيلته الوحيدة، وحالياً إذا كان خارج غزة فعليه أن ينقل للعالم ما شاهده وعايشه بالفعل من خلال تقديم موسيقى وأغنيات تعبر عما يحدث وعن المشاهد التي كان جزءاً منها، من خلال اختيار كلمات وألحان تعبر عنها، فهذا هو الدور الأكبر للفنان وقت الحرب، وفي حالنا بدأنا استعادة موسيقانا واستكمال ما بدأناه في غزة، والانطلاق من مصر التي استقبلنا جمهورها استقبالاً رائعاً".

اقرأ المزيد

المزيد من فنون