Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مواقع الكتب الإلكترونية تجذب القراء وتسبق الإعلام التقليدي

الهدف كسر ظاهرة "الأكثر مبيعاً" وتشكيل وعي جديد لمفهوم القراءة

القراءة الجديدة (من الكتاب)

ملخص

من المعروف أن المعاني الحقيقية للنص لا تظهر إلا بالتفاعل بين القارئ والنص. فالقارئ ينتج معنى النص طبقاً لمنظومة الأعراف الفكرية التي ينتمي إليها. والآن تسعى الصفحات الإلكترونية المعنية بالكتاب والقراءة إلى تخطي مفهوم عدد المبيعات أو الترويج لمؤلف أو دار نشر معينة، وترسيخ مشاركة ذائقة ما أو تشكيل توجه معين.

احتل استقبال القارئ وتلقيه النص الأدبي مكانة كبيرة في النقد، حتى إنه حظي بمدرسة مستقلة بدأها هانز روبرت ياوس وولفغانغ إيزر عام 1967 في جامعة كونستانس الألمانية. وقامت هذه المقاربة على أساس أن النص الأدبي له وجود افتراضي، إلى أن يلتقطه قارئ ويمنحه معنى مادياً حقيقياً. بهذا أصبح للقارئ دور محوري ووجود ضمني في عملية تأويل النص. وفي الولايات الأميركية المتحدة طورت الناقدة لويز روزنبلات دور القارئ مبكراً في الثلاثينيات من القرن الـ20، كرد فعل على قصور مدرسة النقد الجديد. وفي السبعينيات من القرن الـ20 طورت روزنبلات - عاشت 100 عام وعاماً - نظرية كاملة حول دور القارئ وسمتها النظرية التفاعلية، وكما يشي الاسم تقوم النظرية على أن المعاني الحقيقية للنص لا تظهر إلا بالتفاعل بين القارئ والنص. أسهم عديد من النقاد بعد ذلك في هذه المدرسة، ومنهم ديفيد بلايخ ونورمان هولاند اللذان أضافا البعد النفسي لاستجابة القارئ، وستانلي فيش الأميركي الذي أكد أن القارئ ينتج معنى النص طبقاً لمنظومة الأعراف الفكرية التي ينتمي اليها.

وعلى رغم اختلاف الصياغة النظرية فإنهم أقروا جميعاً المبدأ ذاته: تلقي القارئ للنص هو ما يكشف المعنى. لكنهم كانوا على وعي بإشكالية كبيرة، ماذا يحدث عندما تتضارب أشكال التلقي أو تتعارض استجابة قارئ مع استجابة قارئ آخر؟ أيهما أصح؟ وماذا عن تحيزات القارئ؟ أسهمت هذه الإشكالية في سحب بساط النجومية من تحت أقدام مدرسة التلقي مفسحة المجال لصعود ما بعد البنيوية.

في القرن الـ21 لم تعد تحيزات القراء إشكالية، بل أصبحت أحد أهم أسباب الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يكفي أن ينشر "أدمن" أي صفحة متخصصة بالكتب تعليقاً على عمل أدبي ليمدحه ويؤكد المتعة التي حظي بها من القراءة، حتى تتوالى علامات الإعجاب أو التعليقات من متابعي الصفحة. وبهذا يكتسب العمل حياة جديدة ووجوداً، أو بالأحرى وجوداً ملحوظاً يدور على مواقع التواصل عبر خاصية إعادة النشر. بالحديث عن العمل وعن الكاتب وترشيحه للقراءة، تقوم صفحات الكتب بالدور الذي حاولت دور النشر القيام به في نهاية الألفية، وهو تصعيد بعض الكتب إلى درجة "الأكثر مبيعاً"، وهو أمر لم ينجح كثيراً لأنه كان قائماً على مصالح دور النشر مباشرة.

أما في صفحات الكتب فالأمر قائم على سعي القارئ إلى اكتساب شهرة تمنحه صفة "القارئ الشهير"، كما تسميه مي التلمساني في مجموعة المقالات التي جمعتها في كتاب "النقد في الهاب" (دار الشروق وبوك هاب، 2024)، بمعنى آخر، كانت دور النشر تسعى إلى زيادة عدد المبيعات لزيادة الأرباح، وبالمثل، يسعى الإنفلونسر إلى زيادة العدد لكن "ليس عدد المبيعات، بل عدد المتابعين، فطموحهم يتجاوز محاولة بيع الكتاب أو الترويج لمؤلف أو دار نشر بعينها. طموحهم هو مشاركة ذائقة ما أو تشكيل توجه معين في القراءة أو تحقيق مكانة اجتماعية من طريق الشهرة حتى لو كانت محدودة".  

انتبهت التلمساني إلى المكانة التي تحتلها صفحات الكتب على مواقع التواصل و"فيسبوك"، ولاحظت الكيفية التي يتم بها التعليق على الكتب والتفاعل المهول الذي تتلقاه هذه المنشورات، بل إن بعض الصفحات تقتبس من العمل أو تجري لقاءً مع المؤلف والمؤلفة، وبذلك تتحول الصفحة إلى "هاب" حقيقي وليس افتراضياً. و"هاب" هي كلمة إنجليزية دارجة تعني المركز أو القلب أو الصرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 في تلك الصفحات تنمو شهرة القارئ "من الهامش الذي داوم المتن على إقصائه". وبسبب تراجع المساحات المخصصة للنقد وعروض الكتب في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، اكتسبت صفحات الكتب على "فيسبوك" أهمية ومكانة لا يمكن تجاهلهما. وذلك بفضل، كما تقول التلمساني، "ظاهرة القراء الشهيرين من ممارسي النقد الانطباعي الذي أصبح من المهم الآن تعيين أدواته وآليات انتشاره وقدرته على التواصل والتسويق، وبخاصة بين الشباب". وعليه، وبالتعاون مع صفحة بوك هاب والأدمن سيف الدين عصام، عقدت التلمساني ورشة نقد مجانية وعن بعد - ساعة واحدة أسبوعياً لثمانية لقاءات - للمشاركين في الصفحة، عن كيفية تناول الكتب نقدياً والنقاط الأساسية التي يجب توافرها في عرض أي كتاب. وصدر نتاج هذه اللقاءات في كتاب "النقد في الهاب". بدأ كل لقاء بطرح مادة نظرية مدعومة بأمثلة، تتبعها بعض التمارين التي يقبل عليها المشاركون في الورشة. في نهاية كل لقاء كان المشاركون ينشرون استجابتهم للتمرين على الصفحة، وهو ما يؤدي إلى مزيد من التفاعل. بالطبع هناك الافتراض الأساسي أن كل ما ينشر عن الكتب في هذه الصفحات هو نقد ذاتي أو انطباعي، فهذه العروض لا تسعى إلى استعراض مصطلحات نقدية علمية.

في النهاية تكتسب هذه الصفحات شعبيتها من اللغة السلسة الموصلة للأفكار بسهولة، والقادرة على خلق انطباع عن النص، يشجع أعضاء الصفحة ومتابعيها على التفاعل. تبدو لي المفارقة الكبرى في أن القصور الذي شكل عائقاً أمام مدرسة تلقي النص واستجابة القارئ في القرن الـ20 هو الذي تحول إلى عنصر نجاح في صفحات الكتب في القرن الـ21.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة