Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تخشى أميركا من عودة الإرهاب؟

إخفاقات الولايات المتحدة بعد ربع قرن في مواجهة التيارات المتشددة

تبدو الخريطة الجيوسياسية العالمية، قابلة وقادرة على تفريخ المزيد من الإرهابيين بحسب التعبير والتعريف الأميركيين (أ ب)

ملخص

في ظل مخاوف من ضربة إرهابية لأميركا خلال الأشهر المقبلة، أيهما بات أخطر على الداخل الأميركي الإرهاب العالمي أم المحلي؟

هل بدأت أضواء التحذير الحمراء بالفعل في الإضاءة داخل الولايات المتحدة مرة جديدة، وبعد قرابة ربع قرن من أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001؟

علامات عدة في الطريق تشير إلى أن قيادات الأجهزة الأمنية في الداخل باتت قلقة إلى حد الانزعاج، من شبح الإرهاب الذي ضرب أميركا بقوة ذات مرة في بداية الألفية الثالثة، لا سيما في ظل الأوضاع الدولية المرتبكة، ما بين مواجهة كبرى مع روسيا الاتحادية في أوكرانيا، الأمر الذي يمكن أن يتسبب في أي لحظة بعينها بردود فعل موسكوفية شرسة، لا سيما إذا استُخدمت أسلحة متقدمة تصيب قلب الحواضن الروسية، عطفاً على جرح غزة المفتوح، حيث يخشى البعض من أن الموقف الأميركي غير المحايد، يكاد يكون سبباً من أسباب الخشية من انتقام المتشددين.

والثابت أنه منذ الانسحاب الأميركي العشوائي من أفغانستان في أغسطس (آب) 2022، هناك هاجس مخيف يخيم فوق سماوات الولايات المتحدة، من أن يضحى ذلك البلد الآسيوي الذي عُرف بأنه "مقبرة الإمبراطوريات"، حاضنة مجدداً للتيارات المتشددة الضالة، من عينة تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وغيرهما.

ترتفع مستويات القلق من الإرهاب القائم والقادم، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أدوات التواصل الاجتماعي، وإمكانات الذكاء الاصطناعي، والتي كانت غائبة زمن اعتداءات نيويورك وواشنطن، ما يجعل من الإرهاب السيبراني كارثة متوقعة في أي لحظة وأخرى، ولهذا بات هذا الفرع من فروع الإرهاب المعولم، يمثل عبئاً كبيراً على كاهلي أجهزة الأمن والاستخبارات الأميركية.

على أن السؤال المثير هذه المرة هو: هل ما تخشاه تلك الأجهزة هو الإرهاب العابر للحدود، كما في المرة السالفة، أم هناك توقعات مخيفة بدورها، تتعلق بالإرهاب المحلي الداخلي، لا سيما من جانب جماعات العنف اليميني المتطرف؟

يعلو صوت حديث الإرهاب، والولايات المتحدة تعيش حالة من الاستقطاب السياسي غير المسبوق، وتقف على عتبات انتخابات رئاسية مثيرة، تبدو نتائجها غير واضحة، لا على صعيد المرشح الفائز وحسب، بل في مجال استقرار أميركا أو توترها. وأصدر مركز أبحاث كندي تقريراً بعنوان "آفاق السياسة الكندية" يتحدث عن احتمالات حدوث حرب أهلية في الداخل الأميركي، وكيف يتوجب على كندا أن تفكر في وضع مماثل؟
من أين يمكن للمرء أن يبدأ هذه القراءة؟

المباحث الاتحادية وهجمات منسقة

نهار الخميس الحادي عشر من أبريل (نيسان) المنصرم، وأمام اللجنة الفرعية للتخصيصات بمجلس النواب، تحدث مدير المباحث الاتحادية الأميركية، كريستوفر راي عن المخاوف التي تعم أميركا من حدوث "هجوم منسق"، على الأراضي الأميركية.

فما الذي يستدعي قلق المسؤولين الأميركيين في هذا التوقيت تحديداً؟
المؤكد أن ارتفاع الثقة لدى مؤيدي تنظيم "داعش" الإرهابي، والذي انعكس بسلسلة تهديدات عبر الإنترنت ضد أوروبا، إلى جانب الهجوم المميت على قاعة الحفلات الموسيقية في روسيا، كلها أمور تدفع المسؤولين الأمنيين في الداخل الأميركي إلى كثير من القلق.

 والثابت أنه لطالما شعر مسؤولو الأمن القومي وإنفاذ القانون بالقلق إزاء مجموعات صغيرة أو أفراد يستلهمون المؤامرات الإرهابية في جميع أنحاء العالم لشن هجمات في الولايات المتحدة، لكن مدير مكتب التحقيقات الاتحادي (FBI)، كريستوفر راي أخبر المشرعين أن شيئاً أكثر إثارة للقلق قد يكون قيد الإعداد.

هل يخشى كريستوفر راي من حدوث فعل مشابه على غرار هجوم "داعش خراسان" الذي شهده العالم في قاعة الحفلات الموسيقية في روسيا أواخر مارس (آذار) الماضي؟

المؤكد جداً أن مكتب التحقيقات الاتحادي بات شبه مقتنع بأن خطراً ما سيطل من نافذة الأحداث الأفغانية بنوع خاص، وأنه قد تتجاوز خطورته ما جرى في مسرح موسكو.

وفي تصريحات متلفزة لها عبر برنامج "في الغرفة" على قناة "سي أن أن" الإخبارية الأميركية، قالت كريتسين أبي زيد، مديرة المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب، في حوارها مع محلل قضايا الإرهاب بيتر بيرغن إن الجماعات الإرهابية تكافح بطرق عدة لتكوين قدرة كبيرة ذات صلة بالولايات المتحدة.
لم تكن كريستين وحدها من يرى أن الإرهاب يقترب من أميركا أو ينوي ذلك، إذ شاركها في ذلك الجنرال مايكل كوريلا، قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، الذي اعتبر أن "داعش خراسان" يحتفظ بالقدرة والإرادة لمهاجمة المصالح الأميركية والغربية بالخارج خلال أقل من ستة  أشهر ومن غير سابق إنذار، وقد جاءت تصريحاته خلال جلسة للجنة في مجلس الشيوخ في مارس (آذار) الماضي.
من ناحية أخرى، أعرب متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي لإذاعة "صوت أميركا" في أبريل الماضي، أنه "لا تزال الولايات المتحدة في بيئة تهديد متزايدة". وأضاف المتحدث "تواصل وزارة الأمن الوطني العمل مع شركائنا لتقييم بيئة التهديد وتقديم التحديثات للشعب الأميركي وحماية وطننا. نحث الجمهور على البقاء يقظاً والإبلاغ الفوري عن الأنشطة المشبوهة إلى سلطات إنفاذ القانون المحلية".

تقرير وزارة الأمن الداخلي

هل كانت هناك قراءات بعينها سبقت تصريحات كريستوفر راي، ببضعة أشهر، وتقطع بدورها أن أميركا باتت عرضة من جديد لخطر أعمال إرهابية؟

يبدو أن ذلك حدث بالفعل، ففي منتصف سبتمبر 2023، حذر مسؤولون أميركيون من "خطر كبير"، من الإرهابيين المحليين والأجانب خلال عام 2024، وذلك في إطار تقييم جديد للتهديدات أصدرته وزارة الأمن الداخلي.

يميط هذا التقرير النوعي اللثام عن خطر الإرهاب الداخلي بصورة موسعة، ذلك أنه يشير إلى انتشار نظريات المؤامرة والمظالم الشخصية وما يصفه بـ "الأيديولوجيات العنصرية والإثنية والدينية والمناهضة للحكومة الدائمة"، والتي غالباً ما تتم مشاركتها في المنتديات عبر الإنترنت، وكلها تعمل على تحقير المجموعات الصغيرة والأفراد داخل الولايات المتحدة.

 هل يعني ذلك تراجع خطر الإرهاب الخارجي؟

بالقطع لا، ذلك أن التقرير عينه يحذر من أن الجماعات الإرهابية الأجنبية البارزة، مثل "القاعدة" و"داعش"، تسعى بنشاط إلى إعادة بناء "علاماتها التجارية"، وستتطلع إلى إلهام أتباعها لتنفيذ أعمال عنف.

يؤكد التقرير على مواصلة الإرهابيين الأجانب التعامل مع مؤيديهم عبر الإنترنت للحصول على الأموال، وإنشاء وسائل إعلام ومشاركتها، وتشجيع الهجمات.

ويتوقف التقرير بنوع خاص عند تنظيم "داعش خراسان"، ويقول إنه "اكتسب أهمية أكبر من خلال موجة هجمات أسفرت عن خسائر كبيرة في الخارج، والنشرات الإعلامية باللغة الإنجليزية التي تهدف إلى عولمة المظالم المحلية للجماعة بين الجماهير الغربية".
إلى جانب ما تقدم يحذر التقييم الجديد من أن الإرهابيين الأجانب يبحثون في ما يبدو عن نقاط الضعف في الولايات المتحدة. وجاء فيه أيضاً أن "الأفراد الذين لهم صلات بالإرهاب مهتمون باستخدام طرق السفر القائمة والبيئات المتساهلة لتسهيل الوصول إلى الولايات المتحدة".
يتفق ذلك التقييم إلى حد كبير مع نشرة النظام الاستشاري الوطني للإرهاب التي أصدرتها وزارة الأمن الوطني في مايو (أيار) 2023، عندما حذرت من أن الولايات المتحدة باتت عالقة في "بيئة تهديد متزايدة".
وتبدو القراءات الداخلية الأميركية حول الإرهاب مثيرةً للتفكير، بين مَن ينكر بالمرة احتمالات حدوث أفعال جسيمة مثلما حدث قبل عقدين، وبين من يرى أن تاريخ الإرهاب قابل للتكرار، عبر استلهام الرؤية والأفكار... ماذا يعني ذلك؟

يمكن فهم هذا المتناقضات من خلال بعض تصريحات منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الداخلي الأميركي، نيكولاس راسموسن، التي أطلقها في مارس من العام الماضي، حين أشار إلى أن وقوع هجوم يشبه هجوم 11 سبتمبر 2001 هو "أمر لا يمكن تصوره تقريباً".

السبب في ذلك الاستبعاد عند راسموسن على حد تعبيره هو تحقيق ما سماه "التأثير القمعي على قدرة جماعات مثل داعش والقاعدة على تنفيذ هجمات واسعة النطاق هنا في الوطن".
لكن وعلى رغم ذلك، كان مسؤولون آخرون يحذرون من أنه في حين أن جماعات مثل "القاعدة" من غير المرجح أن تكون قادرة على تنفيذ ما يصفونها بـ "هجمات مذهلة"، فمن الصعب القضاء على التهديد بشن هجمات من أتباعها الذين يستلهمون دعاياتهم أو الهجمات التي تُنفذ بأقل قدر من التوجيه من التنظيم، كفكرة عميل إرهابي يعمل عبر الإنترنت. هنا يطفو على السطح الخطر الأكبر والمتمثل في قيام مرتكبي الجرائم المنفردين أو الهجمات الجماعية الصغيرة التي تحدث من دون سابق إنذار.

هل يمكن أن يعبر الولايات المتحدة مَن يضمر لها شر الإرهاب؟

المقطوع به أن الإرهابيين الجدد إن جاز التعبير يعرفون جيداً كيف ينفذون إلى الداخل، على رغم قوائم منعهم، وربما كانت الحدود المفتوحة من الشمال والجنوب مدخلاً لتلك التسريبات وما يمكن أن يستتبع ذلك من عمليات إرهابية.


مخاوف من أوكرانيا وغزة وإيران

تبدو الخريطة الجيوسياسية العالمية، قابلة وقادرة على تفريخ المزيد من الإرهابيين بحسب التعبير والتعريف الأميركيين.

غير أن علماء الاجتماع يصفون هؤلاء بأنهم "المعترضون بالعنف، بمعنى أولئك الذين لديهم قضية أيديولوجية أو دوغمائية، ويدافعون عنها، سلماً تارةً وحرباً تارةً أخرى، وما يراه البعض إرهاباً، يعتبره هؤلاء مواجهة في حدود الممكن والمستطاع، حتى وإن كلف الأمر التضحية بالنفس، كما هي الحال في العمليات الانتحارية.

هنا تظهر على الخريطة ثلاثة مواضيع عالمية يمكنها أن تتسبب في عنف أميركي داخلي، تتراوح مستوياته، وإن يجمع بين الثلاثة، رؤية واحدة تتجاوز النسبي إلى المطلق.

البؤرة الأولى تتمثل في أوكرانيا، حيث بات الروس السلافيون يشعرون أنهم مهددون في حضارتهم وعقيدتهم من جانب الليبرالية الغربية.
ومع احتمالات تعرض روسيا – بوتين عما قريب جداً، لأسلحة غربية، أميركية وأوروبية متقدمة، وإحداث خسائر فادحة في الحواضن الروسية التاريخية بخاصة، سيكون من الطبيعي تصور رغبة وقدرة الانتقام الروسي على الأراضي الأميركية، عبر أعمال عنف تزيد من القلق المستشري أميركياً.

النقطة الثانية من مخاوف أميركا المتجددة تتعلق بحرب غزة، فقد سرت في الأوساط الأمنية الأميركية مخاوف من تهديدات عميقة في الداخل الأميركي، يمكن أن تدعمها وتزخمها "حماس"، ومن يناصرها في مختلف الولايات الأميركية، حيث الوجود الفلسطيني- الأميركي والعربي- الأميركي، والجميع يشعر بالمهانة والامتهان من جراء الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة.

وبالوصول إلى الجزئية الثالثة، نجد أنها مرتبطة مباشرة بالمواجهة الأميركية– الإيرانية، لا سيما إذا فكرت واشنطن بالتعرض للبرنامج النووي الإيراني بصورة عسكرية، أي محاولة قصفه أو إنهائه.

 ليس سراً أن معركة الولايات المتحدة مع النقاط الثلاث المتقدمة، تلعب فيها الجغرافيا دوراً متقدماً، وبخاصة في ظل العلاقات الروسية والإيرانية الجيدة للغاية، مع عدد كبير من دول أميركا اللاتينية، ما يجعل احتمالات تسرب أنصار تلك الملفات، إلى قلب الداخل الأميركي أمراً وارداً، ويزيد من الأخطار القائمة بالفعل... فهل هذه مجرد تحليلات؟

ربما تكون لدى مكتب التحقيقات الاتحادي معلومات بالفعل، ولهذا تحدث كريستوفر راي في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن دعوة مَن أسماها "مجموعة مارقة" من الجماعات الإرهابية، بما في ذلك "حزب الله"، و"القاعدة"، و"داعش"، أتباعها لمهاجمة الولايات المتحدة، المصدر الرئيس للأسلحة والمساعدات المالية لإسرائيل.
هنا يقطع راي بأنه مع تزايد التهديد الإرهابي بالفعل، فإن الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط رفعت التهديد إلى مستوى آخر تماماً، بحسب شهادته أمام لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب، وإن توقف بشكل خاص عند إيران، التي وصفها بأنها "أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم"، وذكر أنها استهدفت أيضاً بشكل مباشر وغير مباشر موظفين أميركيين في الداخل والخارج، واستأجرت مجرمين للتخطيط لاغتيالات ضد مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين رفيعي المستوى، إضافة إلى المنشقين الذين يعيشون على الأراضي الأميركية.

وبالعودة إلى جزئية مهمة للغاية، مررنا عليها مرور الكرام، في المقدمة، فهل تواجه الولايات المتحدة مخاوف حقيقية من داخلها، بمعنى هل الإرهاب المحلي بات بالفعل يشكل خطراً داهماً على مستقبل الأميركيين؟ لا سيما وأن هناك حوادث تاريخية لا تزال ماثلة في الأذهان مثل حادثة تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما في 19 أبريل 1995.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


اليمين المتطرف جرثومة عنف كامن

لم يعد سراً أن هناك تصاعداً كبيراً على المستويين النوعي والكمي، لعمليات العنف المسلح التي قام بها أنصار التطرف القومي المتعصب للبيض في الولايات المتحدة في العقدين الأخيرين بنوع خاص.
وتبين الأرقام الواردة في تقرير صدر أوائل يناير (كانون الثاني) الماضي عن "المعهد الوطني للعدالة"NIJK ، أنه لا يزال عدد هجمات اليمين المتطرف يفوق جميع أنواع الإرهاب والتطرف العنيف الداخلي.

منذ عام 1990، ارتكب المتطرفون اليمينيون جرائم قتل ذات دوافع أيديولوجية أكثر بكثير من المتطرفين اليساريين أو المتشددين الدينيين بدورهم، بما في ذلك 227 حدثاً أودوا بحياة 520 شخصاً، وفي الفترة ذاتها، ارتكب متطرفون من اليسار 42 هجوماً بدوافع أيديولوجية أودت بحياة 78 شخصاً.

 من هنا خلص تقييم التهديد الأخير الذي أجرته وزارة الأمن الداخلي الأميركية إلى أن المتطرفين العنيفين المحليين يشكلون تهديداً حاداً.

ولعله من المثير في بيانات "المعهد الوطني للعدالة"، اكتشاف تفشي فيروس العنف في كافة الأوساط الأميركية، فعلى رغم أنه ليس من غير المألوف أن تهيمن أيديولوجية معينة على الخطاب العام حول التطرف، إلا أن بيانات تحليلية عدة تشير إلى أن المتطرفين والأفراد الأميركيين الذين يرتكبون جرائم الكراهية بشكل روتيني، يأتون من جميع أنحاء الطيف الأيديولوجي، بما في ذلك اليمين المتطرف، واليسار المتطرف، والمتشددون، أو من أي أيديولوجية ذات قضية واحدة.

هل هناك في داخل هذا التيار عناصر تجعل من تفشيه كارثة كبرى على الأمن والأمان المجتمعيين في الداخل الأميركي؟

بالتأكيد الأمر بالفعل على هذا النحو، والجزئية هنا موصولة بالأعضاء القادمين من خلفية عسكرية، وبخاصة أولئك الذين شاركوا في عمليات عسكرية أميركية محدودة أو في حروب وغزوات كما هي الحال في حربي أفغانستان والعراق.
ووفقاً للإحصاءات الحالية، يمثل الأفراد ذوو الخلفيات العسكرية 11.5 في المئة من إجمالي المتطرفين المعروفين الذين ارتكبوا جرائم عنيفة وغير عنيفة في الولايات المتحدة منذ عام 1990.

 وعلى رغم أن هذه النسبة تبدو صغيرة إلا أن اتجاهاً متزايداً للإقبال على أعمال التطرف العنصري من جانب أفراد عسكريين يتجلى في الأفق في السنوات الأخيرة.

ونظراً لنمو التطرف المحلي العنيف بين الأفراد العسكريين، أصبحت العلاقة بين الخدمة العسكرية والتطرف مصدر قلق كبيراً، فقد حددت دراسات سابقة صادرة أيضاً عن "المعهد الوطني للعدالة"، الخبرة العسكرية كعامل خطر محتمل لمحاولة الإرهاب الفعلي، إذ تزداد احتمالية التطرف والتحول إلى العنف، عندما يكون الأفراد قد تركوا الخدمة العسكرية بالفعل.

كذلك تشير الدراسات عينها، إلى أن الأفراد ذوي الخبرة العسكرية قد يكونون عرضةً للتجنيد من قبل جماعات متطرفة عنيفة محلية بسبب مهاراتهم الفريدة، التي تعتبر جماعة متطرفة أنها ستسهم في نجاح هجوم إرهابي. كما يبدو أن الانتقال من الحياة العسكرية إلى الحياة المدنية هو عامل جذب للانخراط في التطرف العنيف.
هل يعني ذلك أن فيروس التطرف بدأ ينخر في النسيج المجتمعي الأميركي، وباتت التهديدات من الداخل لا تقل ضراوة عن الخارج، الأمر الذي استدعى من قبل عدد من كبار العقول الأميركية المهمة إضاءة أنوار الإرهاب الحمراء مرة جديدة؟

عن أصداء ما قبل 11 سبتمبر

في العدد الأخير من مجلة "فورين أفيرز"، الصادر في يونيو (حزيران) الجاري، تناول اثنان من أهم العقول الأميركية، مشهد الإرهاب في الداخل الأميركي في الآونة الحالية. الأول، غراهام أليسون، عالم السياسة الأميركي الشهير، وصاحب مصطلح "فخ ثيؤسيديدس"، والعديد من النظريات الخاصة بالسياسة الأميركية الخارجية، وغالباً ما كان يوجه نقداً ولوماً شديدين للإدارات الأميركية المتعاقبة.

الثاني، مايكل جي كوريل، خبير شؤون الأخطار الجيواستراتيجية، وشغل من قبل منصب نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

عنوان القراءة التي صدرت عن الباحثين الكبيرين، "أضواء التحذير من الإرهاب تومض باللون الأحمر مرة أخرى"، وعنوان فرعي آخر "أصداء الفترة التي سبقت 11 سبتمبر".
هل في الأمر تكرار لمأساة الماضي الذي خلف إرثاً نفسياً وعقلياً لدى ملايين الأميركيين، بات من الصعب عليهم الفكاك من تبعاته؟

تقول سطور المقال المشترك إن "النوايا المعلنة للجماعات الإرهابية، والقدرات المتنامية التي أظهرتها في الهجمات الناجحة والفاشلة الأخيرة في مختلف أنحاء العالم، وحقيقة إحباط العديد من المؤامرات الخطيرة في الولايات المتحدة، تشير إلى نتيجة غير مريحة ولكن لا مفر منها، وهي ببساطة أن الولايات المتحدة تواجه تهديداً خطيراً بحدوث هجوم إرهابي في الأشهر المقبلة.

لماذا هناك من يسعى مجدداً للهجوم على الداخل الأميركي؟

بحسب القراءة التي بين أيدينا، تكثر الدوافع لدى مرتكبي الهجمات الإرهابية المحتملين، فقد أدى عقدان من الحرب في أفغانستان والعراق، فضلاً عن ضربات المسيرات الأميركية في أكثر من اثنتي عشرة دولة، إلى توليد الاستياء تجاه الولايات المتحدة، وهو ما قد يدفع الأفراد إلى السعي للانتقام العنيف.

يبيّن الكاتبان أنه وعلى رغم أن الحرب الأميركية على الإرهاب قد قضت على أعداد كبيرة من المقاتلين والمخططين، إلا أن "داعش" والجماعات الأخرى لا تزال تمتلك القيادة، والجنود، والهياكل التنظيمية اللازمة لتنسيق الهجمات.
 

أين توجد نقطة الخوف الكبرى هذه المرة؟

ينبع الخوف من عدم المقدرة على التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية والاستخبارية الأميركية.

في خريف عام 1999، جمعت وكالات الاستخبارات الأميركية معلومات تشير بقوة إلى أن "القاعدة" تستعد لشن هجمات متعددة تتزامن مع حلول الألفية. وعلى رغم أن الخصوم والتوقيت كانا واضحين، إلا أن الأهداف وطريقة الهجوم لم تكن كذلك.

هذا النقص في التفاصيل لم يمنع الرئيس السابق بيل كلينتون من إصدار أمر برد سريع وشامل. وكما يروي مدير الاستخبارات المركزية السابق جورج تينيت، في مذكراته فإن ما أعقب ذلك كان "جنون النشاط"، فقد نفّذت وكالة الاستخبارات المركزية عمليات في 53 دولة ضد 38 هدفاً، بما في ذلك اعتقال العشرات من الإرهابيين المشتبه فيهم. تعاونت الوكالة مع شركاء أجانب، أبرزهم السلطات الكندية، لتفكيك خلية إرهابية جزائرية في كندا، ومساعدة السلطات الأردنية في القبض على 16 إرهابياً يخططون لهجوم على سياح في العاصمة عمان.

ونتيجة لذلك لم تنجح أي جماعة إرهابية في تنفيذ هجوم في الألفية. لكن على رغم ذلك، نفذت خلية "القاعدة" عملية الحادي عشر من سبتمبر بصورة غير متوقعة وآليات مبتكرة لم تخطر على بال أحد.
هنا يبقى التساؤل الرئيس، "كيف يمكن لأجهزة الاستخبارات الأميركية استباق من يتطلعون لإيقاع الأذى بالأميركيين بعدة خطوات أو خطوة واحدة على الأقل، منعاً لوقوع مأساة جديدة ممكنة جداً؟
أما التساؤل الآخر والذي يحتاج إلى قراء قادمة قائمة بذاتها فهو "إذا كان هناك خطر وقوع أعمال إرهابية تحدق بالولايات المتحدة من جديد، فهل يعني ذلك أن كافة الإجراءات التي أتخذتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، جمهورية وديمقراطية، قد أخفقت قولاً وفعلاً في مواجهة  هذا الخطر غير المرئي؟
الجواب باختصار عن بعض كبار خبراء مكافحة الإرهاب، هو أن أميركا شنت حربها بفورة غضب، وليس على الإرهاب، وأنها استخدمت مطرقة شديدة الوقع، لتهش بها الذباب.

وبين هذا وذاك، ربما فات كبار المحللين والخبراء، أن الإرهاب فكرة، والأفكار لا تموت، لا سيما في ظل بقاء حالة المظالم، بمعنى أنه طالما غابت العدالة، لن يوجد سلام، بل مهددات، منها الحروب المباشرة، والإرهاب غير المباشر.

ترى هل يقع المحظور؟

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات