Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خفايا ودلائل زيارتي بوتين إلى كوريا الشمالية وفيتنام

أنعشتا حنين موسكو لاستعادة القطبية الثنائية في العالم وأثارتا قلق واشنطن ومخاوف سيول

روسيا وقعت اتفاق "الشراكة الاستراتيجية" مع كوريا الشمالية خلال الزيارة الأخيرة (أ ف ب)

ملخص

 تسمرت أنظار كثيرين في الولايات المتحدة عند الاستقبال المهيب الذي حظي به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كوريا الشمالية خلال الزيارة الأخيرة والثانية في تاريخ علاقات البلدين، وكذلك زيارته فيتنام فيما احتجت سيول رسمياً واستدعت السفير الروسي لديها.

لا تزال الزيارتان اللتان قام بهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كل من كوريا الشمالية وفيتنام تشغلان اهتمام الأوساط السياسية والعسكرية المحلية والعالمية، فيما يحتدم الجدل حول أبعاد ما وقع خلالهما من وثائق وفي الصدارة منها وثيقتا "الشراكة الاستراتيجية"، وإن تباين مضمونهما بقدر تباين موقع كل من البلدين كوريا الشمالية وفيتنام على خريطة السياسة العالمية.

وكانت وزارة خارجية كوريا الجنوبية استدعت سفير روسيا في سيول جورجي زينوفييف لتسليمه مذكرة احتجاج حول هذه الزيارة، ووصفتها بأنها "محاولات ابتزاز وتهديد غير مقبولة".

ولم تكتف كوريا الجنوبية بذلك إذ سارعت إلى الإعلان عن قرارها في شأن إعادة النظر في موقفها في شأن الإمدادات العسكرية لأوكرانيا والبدء في إرسال "أسلحة فتاكة"، رداً على اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وكوريا الشمالية.

وعدت مصادر الكرملين أن ردود الفعل الخارجية تجاه ما وقع من وثائق يمكن التنبؤ به ولكنه غير مفهوم على حد قول دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الرئيس بوتين، الذي قال إن "أي نشاط في السياسة الخارجية لروسيا حتى لو كان يتركز في المناطق المجاورة مباشرة لبلدنا ينظر إليه بعداء، ويتم النظر إليه من منظور الاتجاه الرئيس للتطلعات الغربية لقمع روسيا وجميع أنواع أنشطتها وذلك ما يسبب سوء فهم كاملاً، لأن التعاون مع شركائنا ليس موجهاً بأية حال من الأحوال ضد دول ثالثة ولكنه يهدف حصرياً إلى زيادة رفاهية شعوب تلك البلدان التي تشارك في هذا التفاعل".

أما عن تقديرات الكرملين لمواقف الولايات المتحدة فأوجزها بيسكوف في قوله إن الولايات المتحدة ستمارس ضغوطاً على جميع شركاء روسيا، مؤكداً أن التعاون الذي تقدمه موسكو "خال تماماً من أية مواجهة في ما يتعلق بدول ثالثة وهو مفيد للطرفين، وبالطبع يلبي تماماً مصالح شركائنا بما في ذلك فيتنام".

تعميق "الشراكة الاستراتيجية"

وتسمرت أنظار كثيرين في الولايات المتحدة عند الاستقبال الذي حظي به الرئيس بوتين في كوريا الشمالية خلال الزيارة الثانية في تاريخ علاقات البلدين، بعد الأولى التي قام بها بوتين في مستهل أعوام حكمه في مطلع القرن الـ21.

ويتذكر المراقبون تلك الزيارة واللقاءات التي جمعت بوتين والرئيس الكوري الشمالي السابق كيم إيل سونغ الذي ولد في الاتحاد السوفياتي السابق عن أب خدم ضابطاً في صفوف القوات المسلحة السوفياتية، وزار بوتين كوريا الشمالية إذ وقع على اتفاق "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" بما تنص عليه من دفاع مشترك يؤكد "تقديم المساعدة الفورية لبعضهما بعضاً إذا تعرضت موسكو أو بيونغ يانغ لهجوم أو وجدتا نفسيهما في حالة حرب".

 وثمة ما يشير إلى أن زيارة بوتين كوريا الشمالية يمكن اعتبارها امتداداً لزيارة الزعيم الكوري كيم جونغ أون روسيا في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، وهي الزيارة التي تركز اهتمام الجانبين خلالها حول التعاون العسكري الشامل بما توصل إليه الطرفان الروسي والكوري الشمالي من اتفاقات تعاون شملت كل مفردات التسليح، بما فيه ليس فقط الصاروخي والفضائي بل والنووي حسب تقديرات مراقبين.

 

 

وما دام الشيء بالشيء يذكر فإنه يمكن القول إن زيارة الرئيس الروسي كوريا الشمالية تعد امتداداً للزيارة التي قام بها بوتين في مايو (أيار) الماضي للصين، وإضافة إلى ما توصل إليه هناك من اتفاقات تعاون لم يجر الكشف بعد عن كل تفاصيلها.

وكان المراقبون أسهبوا في تناول مفردات تلك الزيارة كونها من أهم أركان التحالفات "الشرقية" التي نجح بوتين في تشكيلها منذ جاء إلى سدة الكرملين في مطلع القرن الحالي، وكان منها "مجموعة بريكس" التي يتزايد عدد أعضائها عاماً بعد عام.

ولعل ما اتخذته بكين من قرارات في شأن الأزمة الأوكرانية وعدم حضورها "مؤتمر السلام" الذي عقد أخيراً في سويسرا، يمكن أن يكشف عن كثير من مفردات الموقف الصيني تجاه علاقات بكين مع موسكو.

ومن هنا كانت اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" التي وقعها الزعيم الروسي مع نظيره الكوري الشمالي وثمة من يعدها موجهة ضد الهيمنة الأميركية بما تنص عليه من مساعدة متبادلة وتعزيز "التعاون العسكري التقني"، في حال تعرض أي من بلديهما للعدوان.

وحول التعاون العسكري بين الجانبين قال بوتين إنه لا يستبعد احتمال إرسال أسلحة روسيا إلى كوريا الشمالية بما يعني منظومات الأسلحة الصاروخية الحديثة، وأكد بوتين في الوقت نفسه أن إرسال كوريا الجنوبية أسلحة إلى أوكرانيا "سيكون خطأ كبيراً" وأعرب عن أمله ألا يحدث، وقال إنه سيكون مدعواً في حال حدوثه إلى اتخاذ القرار المناسب الذي لن يروق على الأرجح للمسؤولين الكوريين الجنوبيين على حد تعبيره.

وقال الرئيس الروسي للصحافيين خلال زيارته فيتنام "نحتفظ بحق إرسال أسلحة إلى مناطق أخرى في العالم مع أخذ اتفاقاتنا مع كوريا الشمالية في الاعتبار، ولا استبعد هذا الاحتمال"، واستطرد موضحاً "أعني أنه لا أستبعد أن يكون ذلك من خلال اتفاقاتنا مع كوريا الشمالية، وإلى أين ستصل تلك الأسلحة فيما بعد فيمكننا القول أيضاً كما يقولون في الغرب لا نسيطر على تلك الأسلحة وليس مهماً كيف استخدمت، نحن أيضاً يمكننا قول ذلك دعهم يفكرون في هذا الموضوع".

فيتنام ودبلوماسية "الخيزران"

وإذا كان الحديث حول زيارة بوتين لكوريا الشمالية تركز أكثر عند آفاق التعاون العسكري والدفاع المشترك وتجاهل العقوبات والضغوط الأممية والدولية، فإن الزيارة التي قام بها بوتين إلى فيتنام وتعد الخامسة في سلسلة زياراته لهانوي منذ زيارته الأخيرة خلال 2017 غلب عليها الطابع الاقتصادي، وإن لم يغب عنها ما تنشده فيتنام من تعاون عسكري مع موسكو.

وفي إطار ما يسمى "دبلوماسية الخيزران" في إشارة إلى ما تنتهجه هانوي من سياسات تتسم بالمرونة والبراغماتية والتعاون مع كل الأطراف، استقبلت هانوي الرئيس بوتين على رغم كل تحذيرات واشنطن التي لم تكن موسكو بغافلة عنها، وكانت الحكومة الفيتنامية أشارت إلى هذه المعاني في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني تقول فيه إن "فيتنام تنفذ بنشاط سياستها الخارجية بروح الاستقلال والاعتماد على الذات والتنوع والتعددية".

 وأشار دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين إلى أن ما توصلت إليه زيارة بوتين إلى فيتنام من نتائج "يهدف إلى إعطاء زخم إضافي جديد لتطوير التعاون الروسي الفيتنامي، وبخاصة أن هناك إمكانات كبيرة في مجموعة متنوعة من المجالات".

واعترف بيسكوف بأن المفاوضات مع القادة الفيتناميين "كانت موضوعية ومحددة بطبيعتها وتمت مناقشة موضوعات محددة والآن لا يزال هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به على مستوى الخبراء ورجال الأعمال من أجل تنفيذ هذه الاتفاقات".

أما عن الضغوط والتحذيرات الأميركية فأشار إلى "أنه ليس لدي روسيا أي شك في أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً على جميع شركائنا"، وأضاف بيسكوف "إن التعاون الذي تقدمه روسيا "خال تماماً من أية مواجهة في ما يتعلق بدول ثالثة وهو مفيد للطرفين، وبالطبع يلبي تماماً مصالح شركائنا بما في ذلك فيتنام".

أما عن مواقف فيتنام من الأزمة الأوكرانية فإنه يمكن القول إنها تبدو أقرب إلى الحياد الذي منعها من المشاركة في "قمة السلام" التي عقدت في سويسرا منتصف الشهر الجاري، وكانت فيتنام سبق وامتنعت أيضاً عن التصويت على أربعة قرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرتها في معرض إدانة "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، إلى جانب تصويتها ضد طرد موسكو من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وننقل عن المديرة المساعدة لبرنامج آسيا في مجموعة الأزمات الدولية هونج لو ثو ما قالته لوكالة الأنباء الفرنسية حول "إن فيتنام تدير سياستها الخارجية على أساس تراثها التاريخي ومصالحها الخاصة، فهي تريد أن تظهر أنها قادرة على استقبال القادة الصينيين والأميركيين والروس وأن الصداقة مع أي شخص هي دبلوماسية متعددة الأطراف"، من منظور "دبلوماسية الخيزران" وذلك ما تمثل في نتائج زيارة الرئيس الروسي لفيتنام،وما يمكن إيجازه فيما توصل إليه الجانبان من اتفاقات شملت مختلف مجالات التعاون الاقتصادي وبخاصة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار، فضلاً عن التعاون العسكري الذي تنشده فيتنام وتسعى إليه موسكو في إطار استراتيجيتها المعاصرة.

استعادة حلفاء الأمس

ومن منظور ما قاله رئيس فيتنام توم لاما حول إن هانوي "كانت دائماً وما زالت تعد روسيا أحد شركائها ذوي الأولوية في سياستها الخارجية"، جرت زيارة بوتين لفيتنام التي تسعى جاهدة إلى إقامة علاقة متوازنة مع مختلف البلدان، وبما يجعلها الوجهة الأنسب لزيارة الزعيم الروسي..

وقال زميل مركز ويلسون في واشنطن براشانت باراميسواران إن "بوتين يأمل في أن ترسل زيارته لفيتنام إشارة مفادها أن روسيا ليست معزولة في آسيا بعد شن عمليته العسكرية الخاصة في أوكرانيا"، وإذا كان أشار إلى قصر قائمة أصدقاء موسكو فإنه يمكن التوقف عند توجهات الرئيس الروسي وما تحمله من إشارات منها مما يعني الحنين إلى الماضي ومحاولات استعادة حلفاء الأمس، وهو الذي بادر عام 2001 باتخاذ قرار انسحاب بلاده من القاعدة البحرية الحربية في كمران بفيتنام ومحطة الرادار للرقابة في كوبا.

 ولعل ما قاله بوتين في موسكو عقب عودته من جولته الآسيوية يمكن أن يشير إلى بعض من ملامح استراتيجية العمل الروسية في الفترة القريبة المقبلة.

وكشف بوتين في لقائه خريجي الأكاديميات العسكرية الذين منحهم أوسمة الوطن ومكافآته عن مواصلة روسيا تطوير "ثالوثها النووي" ضماناً للردع الاستراتيجي والحفاظ على توازن القوى في العالم، وأعلن أن حصة الأسلحة الحديثة في القوات النووية الاستراتيجية الروسية وصلت إلى 95 في المئة وفي القوات البحرية النووية 100 في المئة، إضافة إلى بدء إنتاج صواريخ "تسيركون" النووية التكتيكية فرط الصوتية وزيادة إمداد القوات الروسية في العملية الخاصة بأوكرانيا بالطائرات المسيرة بمختلف أنواعها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير