Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أربيل عاصمة الطبقة الوسطى ومأوى العراقيين

انتقلت إليها أسر بغدادية وفتحت أبوابها للعرب والأيزيديين والشبك والمسيحيين

عراقيون يتجولون في الساحة المركزية بالقرب من قلعة أربيل (أ ف ب)

ملخص

يقول الباحثون إن نجاح القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء والتطوير العقاري وتجارة السيارات والطفرة السياحية منح أربيل وضعية خاصة داخل إقليم كردستان العراق بل وحول المدينة الكردية إلى عاصمة أخرى للعراقيين.

لم تعد أربيل بوابة عبور للعراقيين الفارين من الواقع المرير في الوسط والجنوب والمناطق الشمالية في محيط الموصل فحسب، بل أصبحت مدينة توطين للأسر العراقية التي تريد البقاء في البلاد، وتعيش في كنفه آمنة مطمئنة، بعد أن ضاقوا ذرعاً بظروف الإقامة في بلدان عربية وأجنبية أخرى.

لقد قصروا طريق رحلة الاغتراب، وفضلوا البقاء في محافظة عراقية تبعد 362 كيلومتراً من العاصمة بغداد، بعد أن آوتهم وفتحت أذرعها لهم للعيش الآمن، ووفرت قيادتها ما يؤكد لهم "هنا يمكن أن تكون حياتكم أفضل من العيش في مدن التوتر والشحن الطائفي والفوضى، لا سيما في العاصمة الملتهبة والمحكومة بمنطق الاستحواذ والفساد والانتقام والمطوقة بالميليشيات، والجنوب الغارق بالفساد والفوضى والصراعات".

ذاكرة النزوح القسري

فرض النزوح الموصلي أولاً عام 2014 جراء هجوم "داعش" على المدينة واضطرار مواطنيها إلى الهجرة والنزوح حال تسليم بالأمر الواقع للعيش في المناطق المحررة من هيمنة التنظيم الإرهابي.

واقع يشير إلى تبني تداخلات اجتماعية بين العرب والكرد، تفاعل بدوره ليخلق نوعاً من التفاعل والتفاهم في تقبل الآخر، مما جعل الناس من أهل الموصل بخاصة الأقليات كالمسيحيين والأيزيديين والشبك، وعموم الأقليات التي باتت تحتمي بحكومة الإقليم، يلجأون إلى أربيل ومدن كردستان العراق، رغبة في الحماية والتوطن.

 

 

استيعاب القوى البشرية

زعامة الإقليم من الحزب الديمقراطي الكردستاني أدركت قيمة أن تكون سباقة لاستيعاب القوى البشرية، مهما كان موطنها أو خلافاتها مع المركز، ففتحت صفحة بيضاء مع الجميع بشرط الإقامة الآمنة، وكان فرض الحصول على تأشيرة الدخول لزيارة الإقليم أول مرة مستفزاً للعراقيين جميعاً، وعدوه شرطاً مجحفاً، حين يطلب منك تأشيرة مسبقة وأنت في وطنك أدركت قيادة الإقليم أن ذلك غير منصف، فألغت ذلك الإجراء ورفعت قيود السكن تعبيراً عن ثقتها بصحة مشروعها الوطني وشرعت الأبواب لكل الراغبين في العيش أو الزيارة.

التسامح الكردي وراء النهضة

يقول الباحث هيثم هادي نعمان الهيتي، وهو أستاذ جامعي وباحث بغدادي اتخذ من أربيل سكناً له ولأسرته "تعود هذه النهضة الأربيلية إلى ثلاثة عوامل رئيسة، أولها النهج السياسي الذي اتبعه الرئيس مسعود بارزاني في قضية التسامح مع الآخر، ما بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إذ لم يكن للانتقام لغة أو أسلوباً أي وجود في طريقة التعامل السياسي مع الآخر. لذا أصبحت أربيل مدينة التسامح السياسي حيث لجأ إليها القاصي والداني، وهذا المنهج أعطاها خصوصية مميزة طورتها اقتصادياً وثقافياً وزينتها اجتماعياً".

أما العامل الثاني - يقول الهيتي - فيعود إلى النظام الفيدرالي الذي أثبت نجاحه الباهر على رغم كل محاولات انتهاكه، إذ أنتج واقعاً عصرياً من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لذا أصبحت هذه الفكرة مقبولة ليس في كردستان وحده، بل انتقلت لجماهير أخرى في مناطق متعددة من العراق.

 

 

فرص اقتصادية

ثم يأتي العامل الثالث، وهو نجاح القطاع الخاص وتحفيزه كنتاج رئيس من العاملين الأول والثاني. ونجح القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء والتطوير العقاري وتجارة السيارات ثم اعتبار إقليم كردستان مقصداً سياحياً، لذا تحولت أربيل إلى عاصمة عراقية أخرى، ويجب أن تنتقل تجربتها إلى بقية المناطق في البلاد.

رؤية بارزاني الرائدة

بحسب الباحث العراقي هيثم الهيتي فإنه "في مراجعة تاريخية لموقف مسعود بارزاني في مؤتمر لندن عام 2002، بدا واضحاً أنه هو الوحيد الذي دعا آنذاك إلى فكرة التسامح وانتقد خطاب الانتقام الذي سلكته كل القوى السياسية الأخرى، بل تساءل في أحد لقاءاته الأخيرة، قلت لهم كيف ستنتقمون من مئات الآلاف من العراقيين؟ مؤكداً أن هناك كثيراً من الكرد الذين كانوا يتبعون النظام السياسي السابق تم التسامح معهم وأصبحوا جزءاً رئيساً من المرحلة الجديدة التي حولت كردستان وتحديداً أربيل إلى عاصمة يفخر بها كل عراقي".

كرنفال شعبي

حين تتجول في أربيل تلمس سيطرة واضحة - ناعمة على أمن المدينة وتعليمات صارمة لقوى الأسايش (الأمن الكردي) في التعامل مع عموم الناس داخل المدينة، خصوصاً الوافدين إليها، تجلس متأملاً حركة الناس وتسمع أحاديثهم من كل القوميات والأجناس والطوائف، تختلط اللهجات واللكنات في كرنفال مجتمعي، يسوده الوئام والطمأنينة والسلام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أربيل المدينة التاريخية تدعوك أن تمر بقلعتها الشاهقة والمتوثبة على قلب المدينة، وهي قلعة أشورية يعود تاريخها إلى الألف الأول قبل الميلاد، وهي حصن أثري أدرج على قائمة التراث العالمي، يقطنها عدد صغير من سكان القلعة التي صارت منتجعاً سياحياً ومعلماً بارزاً من أربيل.

نصف مليون زائر

يرى المعماري والمؤرخ والروائي خسرو الجاف أن النهج السلمي في أربيل تكلل بالنجاح في فرض حياة أخوية، ولم تسجل دعوى قضائية واحدة خلال الفترة الماضية بين عربي وكردي في مراكز المدينة. ومن المسر زيارة نصف مليون سائح عراقي أربيل في عيد الأضحى أخيراً، وهذا دليل على أن الحياة آمنة ومتوازنة ومؤشر إلى الإقبال على المدينة ومصايفها، فأضحينا بوابة للطبقة الوسطى التي ترغب بالعيش في أمان.

قطع الرواتب معيق للحياة

لكن المؤرخ خسرو الجاف يعود ليقول "لولا ممارسات الحكومة المركزية في بغداد بقطع رواتب موظفي إقليم كردستان العراق لكانت الحياة في أربيل أوسع وأجمل، وهذه مشكلة كبيرة يواجهها الإقليم الكردي، ويتحمل البرلمان العراقي المنقسم بين الأقلية والغالبية التي تتخذ قرارات مجحفة مسؤولية ذلك".

 

 

وتابع "هناك عدد من أعضاء البرلمان العراقي يتولون أعمالاً أستطيع أن أصفها بأنها (شوفينية) وعدائية، لأي قرار يتعلق بإقليم كردستان مثل رفضهم اعتبار (حلبجة) محافظة على رغم التضحيات التي قدمها شعبها، وكذلك مشكلات تصدير النفط وأزمات المنافذ الحدودية، ومحصلة كل تلك الدوامة مضيعة للوقت لكل الأطراف".

ومضى في حديثه "لولا مشكلات بغداد لكانت أربيل كأي مدينة حضارية في العالم. إن فضاء العمل والحياة والاستثمار مفتوح لكل العراقيين فيها، حتى إننا استقبلنا عراقيين من كل دول العالم للعيش في أربيل".

عمائر حديثة ومكلفة

وينتقد المعماري الجاف البناء الحديث السريع الذي تشهده أربيل، قائلاً "كان بإمكاننا أن نبدأ بخطوة معمارية فريدة الشكل مستوحاة من الخصوصية الكردية، تفرض على المستثمر أن يتقيد بها لكي نبني مدينة ذات طابع خاص اقتداء بدول العالم، لكنني لم أوفق في إقناع المسؤولين بهذه الخطوة، فالعمارات والبيوت السكنية لم تخضع للمعايير الجغرافية - البيئية التي تفرض نمط البناء وتخطيطه".

 

 

وعن اقتصار التحضر في أربيل عن سواها من مدن كردستان الأخرى على رغم الإدارة السياسية الواحدة التي تحكم الإقليم، قال خسرو "ليس هناك إدارة سياسية موحدة في كردستان. هناك أحزاب مختلفة وقسم منها مصاب بأمراض وتوجهات أحزاب بغداد فهي متعددة الولاء، أثرت تأثيراً مباشراً في الإقليم وأعاقت تقدمه، وأكاد أجزم أنه لولا هذه التأثيرات لكانت كل مدن الإقليم مشابهة لأربيل، وهذه مشكلة سياسية وفي حاجة إلى حلول ومعالجات".

أربيل متنفس للحريات

كثير من المثقفين العراقيين والإعلاميين منهم وجدوا في أربيل متنفساً لهم للتعبير عن آرائهم وحرية التحرك في فضاء فيه كثير من ممارسة حقهم في الإعلام، ومن بينهم رئيس تحرير مجلة "ألف باء" العراقية كامل الشرقي.

تحدث الشرقي لـ"اندبندنت عربية" فقال "أصبحت أربيل جهة مفضلة لكثير من العراقيين الهاربين من حرارة الصيف اللاهبة في بقية مناطق البلاد، إذ تتمتع المدينة بموقع جغرافي متميز ومناخ أكثر اعتدالاً، إضافة إلى توفيرها بيئة سياحية وأمنية مريحة تجذب الزوار من جميع أنحاء العراق، وتتميز بمناخ معتدل نسبياً خلال فصل الصيف مقارنة ببقية المناطق التي تشهد درجات حرارة عالية جداً".

 

 

وأضاف "هذه الأجواء اللطيفة تجعلها ملاذاً مفضلاً للعائلات والأفراد الباحثين عن الراحة والاستجمام، وطورت حكومة إقليم كردستان بنية تحتية سياحية متقدمة في المدينة تشمل الفنادق الفاخرة والمطاعم المتنوعة والمرافق الترفيهية، وهناك عديد من المنتجعات السياحية التي توفر وسائل الراحة والرفاهية، بما في ذلك المسابح ومراكز اللياقة البدنية والمنتجعات الصحية".

ومضى في حديثه "من خلال مكوثي فيها فإن أربيل بسمعة جيدة من جهة الأمن والاستقرار مقارنة ببقية مناطق العراق التي قد تشهد اضطرابات أمنية، حيث توفر السلطات المحلية خدمات أمنية عالية المستوى تضمن سلامة الزوار، مما يجعلها وجهة مفضلة لكثير من العراقيين الباحثين عن الأمان والاستقرار أثناء إجازاتهم الصيفية".

ترغيب السائحين

وأكد أن "أربيل تنظم مجموعة متنوعة من الفعاليات والنشاطات الترفيهية والثقافية خلال فصل الصيف، تشمل هذه الفعاليات المهرجانات الموسيقية والعروض الفنية والأسواق الشعبية التي تعكس التراث الكردي الغني، وهذه الأنشطة تسهم في خلق أجواء احتفالية مبهجة تجذب العائلات والشباب على حد سواء".

 

 

ويعزو الشرقي كثرة إقبال العراقيين على أربيل جراء ما تنفذه حكومة إقليم كردستان من حملات ترويجية لجذب السياح من مختلف مناطق العراق، مسلطة الضوء على ميزات أربيل السياحية والمناخية. هذه الحملات تسهم في زيادة وعي الناس بجماليات المدينة والخدمات المتاحة فيها، مما يزيد من تدفق السياح إليها خلال فصل الصيف.

أودع أربيل بعد أيام مكثتها هناك، متأملاً ثراءها وإحاطتها بعشرات الأحياء السكنية الجديدة، وأستمع للغة السلام التي تخلت عنها مدن عراقية أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير