ملخص
أقبلت السعوديات على المبادرات الحكومية لتعزيز مساهمتهن في سوق العمل
في مايو (أيار) 2023، أصبحت المهندسة السعودية المتخصصة في الطب الحيوي ريانة برناوي أول امرأة عربية تصعد إلى الفضاء، بعد انضمامها إلى مهمة أطلقتها شركة خاصة إلى محطة الفضاء الدولية. على رغم أن السعودية عرفت لفترة طويلة بقيودها الصارمة على توظيف المرأة، إلا أنها في السنوات الـ15 الماضية سارعت إلى توفير فرص أكبر لعمل النساء خارج المنزل. وكانت رحلة البرناوي واحدة من سلسلة من الإنجازات الرائدة: ففي الواقع، أصبحت مئات الآلاف من النساء السعوديات الآن هن أول من يعمل خارج المنزل في أسرهن في مختلف الأماكن مثل دور السينما ومحطات القطار ومراكز التسوق ومكاتب الشركات، ويتمتعن بفرص لم تكن تتخيلها الأجيال السابقة.
تاريخياً، كان توظيف المرأة في السعودية منخفضاً للغاية، سواء على المستوى العالمي أو وفق معايير الشرق الأوسط. عام 2011، بلغت نسبة الرجال السعوديين العاملين 56 في المئة، مقابل 10 في المئة فقط من النساء السعوديات. ولطالما شجعت الحكومة السعودية النساء على الحصول على شهادات الدراسة الثانوية والالتحاق بالجامعات، وتمكنت نساء كثيرات من الدراسة في الخارج بفضل برنامج الملك عبدالله للمنح الدراسية الخارجية الذي يدعم الطلاب السعوديين الساعين للحصول على شهادات في جامعات أجنبية. لكن الدخل المرتفع نسبياً للرجال السعوديين وبرامج الدعم الاجتماعي الواسعة التي تقدمها الحكومة، وفرت إمكانات مادية جيدة جعلت النساء غير محتاجات إلى وظيفة. وقد اختار عدد كبير منهن عدم العمل، نظراً إلى القواعد والأعراف الثقافية القوية في المملكة التي تعارض التفاعل بين الجنسين [نتائج الاختلاط والتفاعل]. وقد واجهت النساء اللاتي عملن خارج المنزل قيوداً قانونية أيضاً، إذ لم يسمح لهن بالعمل في صناعات ومهن معينة أو في الورديات الليلية.
بعد عامي 2010-2011 عملت الحكومة السعودية على مواجهة حقيقة مفادها أن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب لم يعد من الممكن معالجته من خلال توفير وظائف في القطاع العام فحسب. وكان عدد السكان يفوق عائدات النفط في البلاد. فأطلقت الحكومة لاحقاً حملة تشجع القطاع الخاص على خلق مزيد من الوظائف للسعوديين، أدت بشكل غير متوقع إلى زيادة الفرص ليس للرجال فحسب بل أيضاً للنساء اللاتي انضممن إلى القوى العاملة بأعداد فاجأت صناع القرار: فاعتباراً من عام 2023، توظفت نسبة 31 في المئة من السعوديات. وهذا التحول يعيد تشكيل وجه الاقتصاد والمجتمع، إذ أصبحت المرأة السعودية مصدراً لإمكانات اقتصادية هائلة وصارت تتمتع بحضور واضح وقوي في الحياة العامة في المملكة.
لقد استفادت المرأة السعودية منذ فترة طويلة من نظام تعليم عام شامل، مع توافر تعليم مجاني حتى مرحلة الدراسة الجامعية وما بعدها أحياناً [أي مرحلة الدراسات العليا]. في ستينيات القرن الماضي، بدأ التعليم الرسمي للنساء والفتيات يصبح متاحاً على نطاق واسع عندما أعلن الملك سعود التزامه تعليم الفتيات في المواد التي من شأنها إعدادهن للأمومة. وبفضل الدعم من نخبة النساء السعوديات، شهد التعليم العالي للمرأة توسعاً في الثمانينيات. ولكن هذا لم يترجم غالباً إلى وظائف في القطاع الخاص: قبل عام 2010 تقريباً، كان ثلثا النساء السعوديات العاملات تقريباً يشغلن وظائف في القطاع العام، وكن يعملن بمعظمهن في مدارس البنات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعدت مثل هذه الوظائف بمثابة مراكز رفيعة ومرغوبة اجتماعياً، وكثيراً ما كانت تقدم أجوراً أعلى، وأمناً وظيفياً أفضل، وساعات عمل أكثر جاذبية، وبيئات عمل تفصل بين الجنسين. في المقابل، كان العمل في القطاع الخاص غير النفطي، مثل وظائف البناء والضيافة وتجارة التجزئة، أقل أجراً وأقل جاذبية، حتى بالنسبة إلى الرجال. وغالباً ما شغل هذه الوظائف العمال الوافدون: في عام 2011، شكل السعوديون أقل من 15 في المئة من القوى العاملة في القطاع الخاص. وكانت النساء تشكل جزءاً صغيراً من هذه النسبة التي هي في الأساس ضئيلة. في الواقع، 86 في المئة من الشركات السعودية الخاصة لم تكن توظف النساء.
واستجابت الحكومة بحزم لمعالجة البطالة بين الشباب، التي ارتفعت بشكل مثير للقلق إلى 30 في المئة، وللحد من اعتماد البلاد على العمالة الأجنبية. فرأى صناع السياسات أن الوظائف كانت متوافرة، ولكن لم يكن السعوديون هم الذين يشغلونها. ومع قدوم يونيو (حزيران) 2011، أعلنت الحكومة عن اشتراطها على شركات القطاع الخاص توظيف نسبة معينة من العمال السعوديين وأطلقت برنامجاً لمعالجة البطالة يقدم مساعدة مالية شهرية للباحثين عن عمل. وفي الشهر الأول من البرنامج، تقدمت أكثر من 500 ألف امرأة للحصول على المزايا، بما في ذلك الوصول إلى برامج التدريب عبر الإنترنت.
بشكل غير متوقع، ارتفع عدد النساء العاملات على نحو ملحوظ: فإلى جانب جاذبية المزايا المقدمة، اغتنمت نساء كثيرات الفرصة فسارعن إلى العثور على عمل خارج المنزل. وبينما كانت الشركات تبحث عن موظفين سعوديين، عين كثير منها نساء للمرة الأولى. بحلول عام 2015، كانت نسبة توازي ثلثي الشركات الخاصة تقريباً في السعودية قد وظفت النساء، وتضاعفت نسبة السعوديات العاملات في القطاع الخاص ثلاث مرات تقريباً، لتصل إلى 27 في المئة.
مسار تصاعدي
أعلن الملك عبدالله أيضاً عن إصلاحات تخص النساء. فنالت المرأة السعودية حق التصويت والترشح في الانتخابات البلدية، ثم نصت اللوائح التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2012 على أن تكون وظائف معينة في مجال البيع بالتجزئة، مثل بيع الملابس الداخلية ومستحضرات التجميل، محصورة بالنساء فحسب، مما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد الوظائف المتاحة لهن.
في عام 2018، رفعت الحكومة الحظر المفروض على قيادة النساء، وهو قرار زاد من قدرتهن على الحركة ومكنهن من العمل في شركات النقل الخاصة [خدمات سيارات الأجرة] مثل أوبر. في عام 2019، عدلت الحكومة ما يسمى نظام الوصاية الذي كان يتطلب من المرأة الحصول على إذن أحد أقاربها الذكور للعمل أو السفر أو حتى الحصول على الرعاية الطبية. وألغى القانون الجديد هذه القيود وحظر على الشركات طلب إذن الولي [الوصي] شرطاً للتوظيف، مما أشار إلى أن توسيع حقوق المرأة أصبح أولوية بالنسبة إلى القيادات السعودية.
وشكل عديد من هذه الإصلاحات جزءاً من رؤية السعودية 2030، وهو برنامج حكومي أطلقه في عام 2016 محمد بن سلمان، ولي ولي العهد آنذاك، لتقليص اعتماد المملكة على النفط وبناء اقتصاد أكثر تنوعاً ومرونة. وكانت إحدى الركائز الأساسية للاستراتيجية الاقتصادية في إطار هذا البرنامج هي زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة إلى 30 في المئة بحلول عام 2030. وبدا هذا الهدف طموحاً آنذاك، لكن السعودية سبق أن حققت تلك النسبة لا بل تجاوزتها حتى.
كلما عزز المجتمع السعودي دمج المرأة في مكان العمل، تشجعت الحكومة كثر في السعي إلى إصلاحات طموحة.
في السنوات الست الماضية، حددت الإصلاحات الحكومية أيضاً الصناعات التي يمكن للنساء العمل فيها ووضعت مبادئ توجيهية لساعات عملهن، فضلاً عن أنها جرمت التحرش الجنسي، وضمنت المساواة في الأجور واستحقاقات التقاعد، وحظرت على أصحاب العمل إنهاء خدمة العاملات الحوامل. وكانت النتيجة الإجمالية هي زيادة غير مسبوقة في الفرص الاقتصادية المتاحة للمرأة في جميع أنحاء المجتمع السعودي: فقد أصبح عدد النساء العاملات في القطاع الخاص الآن ثمانية أضعاف ما كان عليه قبل 12 عاماً، وكان هذا الارتفاع الكبير بمعظمه مدفوعاً بالنساء الحاصلات على شهادات الثانوية العامة. ومع ازدياد معدلات توظيفهن في القطاع الخاص، انخفضت نسبة النساء السعوديات العاملات في القطاع العام إلى الثلث، في حين ظلت نسبة العمال السعوديين الذكور العاملين في هذا القطاع أعلى من 50 في المئة. علاوة على ذلك، تحسن تصنيف السعودية في تقييم أحوال النساء في تقرير "المرأة وأنشطة الأعمال والقانون" الصادر عن البنك الدولي، والأخير يقيس المساواة بين الجنسين في قوانين العمل في الدول، فارتفع مجموع النقاط التي حصلت عليها المملكة من 29 من أصل 100 في عام 2011 إلى 71 نقطة في عام 2023، ويعد ذلك من بين أكبر الزيادات التي حققتها أي دولة على مدى السنوات الـ50 الماضية.
واستطراداً، أسهم هذا التحول الاقتصادي في تعزيز حضور المرأة في مختلف المجالات العامة، وجعل الأسر تحقق استقراراً مالياً أكبر، ورفع إنتاجية الشركات من خلال زيادة قدرتها على الوصول إلى المواهب [أي أنها صارت قادرة على توظيف مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً من العمال الموهوبين والمتمتعين بكفاءة عالية، بمن في ذلك النساء]. ويبدو أن هذه التحولات يعزز بعضها بعضاً: فكلما دمج المجتمع السعودي النساء في مكان العمل، تشجعت الحكومة أكثر في السعي إلى تطبيق إصلاحات طموحة. ففي عام 2019، على سبيل المثال، التحق أقل من ربع الأطفال السعوديين برياض الأطفال. وكجزء من رؤية 2030، حددت الحكومة هدفاً يتمثل برفع هذه النسبة إلى 40 في المئة، جزئياً لدعم عودة الأمهات إلى العمل.
تعزيز المكاسب
في بحث أجريته عام 2022 مع كونراد ميلر ومحمد شفلك حول الجهود السعودية الرامية إلى إجراء إصلاحات منذ الربيع العربي، وجدنا أنه بمجرد أن تبدأ الشركات السعودية في توظيف النساء، فإنها تميل إلى توظيفهن بأعداد كبيرة. وبالعادة، خلال العامين التاليين بعد تعيين أول موظفة فيها، تزيد الشركة السعودية نسبة الإناث في قوتها العاملة إلى نحو 20 في المئة. ومع ذلك، فإن 12 عاماً هو وقت قصير لكي يتغير الاقتصاد والمجتمع بهذه السرعة. في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حدثت زيادات مماثلة في توظيف النساء بشكل تدريجي على مدى 50 عاماً. وقد شهد كلا المجتمعين درجة كبيرة من الاستياء وحتى ردود الفعل العنيفة أثناء سعيهما لتطوير الأنماط والأعراف الاجتماعية والبنى القانونية لدعم عمل المرأة خارج البنية الأسرية التقليدية [أي خارج دورها التقليدي داخل الأسرة].
واجهت عملية التحول في المملكة العربية السعودية صعوبات أيضاً. وقد وجد استطلاع للرأي أجراه المتخصصون في الشأن الاقتصادي ليوناردو بورشتين وأليساندرا إل غونزاليس وديفيد ياناغيزاوا دروت في عام 2020 أن أكثر من 80 في المئة من الرجال السعوديين يدعمون عمل المرأة خارج المنزل، لكن هؤلاء الرجال كانوا يميلون باستمرار إلى الاستهانة بمستوى الدعم الفعلي لهذه الفكرة بين أقرانهم. لم تتمتع شركات القطاع الخاص بخبرة كبيرة في إدارة النساء العاملات. في الواقع، أفاد عديد من أصحاب العمل في الاستطلاع الذي أجريته عام 2019 بالتعاون مع كلوديا إيغر، وتيمو فيتزر، وصالح العديني، أنهم كانوا مرتبكين في شأن طريقة الامتثال للتشريعات المتعلقة بالنساء في مكان العمل وتلبية تفضيلات الموظفين في ما يتعلق بالفصل بين الجنسين. لقد فرض توظيف النساء تحديات تتجاوز مجرد إنشاء أماكن عمل مختلطة بين الجنسين وإدارتها، وأبلغ أصحاب العمل عن حاجتهم إلى توسيع استراتيجيات التوظيف، وتحديث سياسات الموارد البشرية، وتكييف هياكلهم التنظيمية، بل وحتى تغيير ثقافاتهم المؤسسية. وقد تفسر هذه العوائق سبب اختيار نحو ثلث الشركات السعودية إبقاء جميع موظفيها من الذكور.
في الحقيقة، يمكن لصناع السياسات أن يدعموا توظيف المرأة من خلال طرق مختلفة. أولاً، يجب على القادة السعوديين الاستمرار في التأكيد أن مشاركة المرأة في سوق العمل أمر بالغ الأهمية. لقد أرسلت رؤية 2030 وغيرها من الإصلاحات الأخيرة مؤشرات قوية إلى أن استثمارات الشركات في توظيف النساء، واستثمارات النساء في حياتهن المهنية، ستحقق فوائد كبيرة. ولكن يجب على القادة السعوديين الاستمرار في التعبير بوضوح وفي إجراء تغييرات ملموسة لدعم هذه الأجندة خارج نطاق رؤية 2030. ويشكل التغيير الذي تقوده السلطات العليا أهمية بالغة، ولكن يجب على الهيئات المحلية والبلدية أيضاً أن تبذل مزيداً من الجهود الرامية إلى إظهار دعمها لتوسيع فرص توظيف النساء.
تحتاج النساء أيضاً إلى دعم عملي في بناء حياتهن المهنية. قال عدد كبير من الأمهات السعوديات في استبيان أجريته عام 2018 مع باتريشيا كورتيس وكلوديا غولدين إن نقص مرافق رعاية الأطفال كان السبب في عدم بحثهن عن وظيفة. وعلى رغم أن الحكومة توفر بالفعل التعليم العام الشامل بدءاً من سن السادسة، إلا أن إضافة دور الحضانة وتوسيع نطاق توفر هذه الدور من شأنه أن يساعد الأمهات على البقاء في العمل خلال مراحل مبكرة من نمو أطفالهن. هناك حاجة أيضاً إلى تحسين المعايير التنظيمية والدعم المالي لرعاية الأطفال الصغار جداً.
ترغب الشركات السعودية في توظيف النساء، لكنها تشعر بالقلق من أن القيام بذلك، في الأقل في البداية، قد يكون مكلفاً للغاية ومحفوفاً بالأخطار. لذا، يمكن للحكومة السعودية مساعدة الشركات الخاصة على تحمل الكلف الأولية من خلال تقديم المنح لتغطية نفقات تحسين أماكن العمل مثل دورات المياه المخصصة للنساء وأماكن الصلاة، ودعم جهود التوظيف، وتقديم التدريب لموظفي الموارد البشرية. إضافة إلى ذلك، تستطيع الجهات التنظيمية أن تلعب دوراً في تقليل عدم اليقين والضبابية من خلال إعطاء الشركات توجيهات واضحة ومتسقة حول طريقة الالتزام بالقوانين الجديدة المتعلقة بتوظيف النساء. وفي أعقاب التحول الكبير الذي طرأ على فرص عمل المرأة على مدى العقد الماضي، يتمثل التحدي الأساسي في ضمان استمرار هذا التقدم.
*جينيفر بيك أستاذة مشاركة في الدراسات الاقتصادية والبيئية في كلية سوارثمور الأميركية.
مترجم من فورين أفيرز، يونيو (حزيران) 2024