ملخص
بعد طرد القوات الأميركية من النيجر تبحث الولايات المتحدة عن مكان لإنشاء قاعدة عسكرية فيه تواجه من خلالها التمدد الروسي في القارة، والأقرب كوت ديفوار.
انتهت أول من أمس الأربعاء فعاليات مؤتمر وزراء الدفاع الأفارقة الذي نظمته القيادة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) في بوتسوانا، وحضر المؤتمر الذي امتد من الـ24 إلى الـ26 من يونيو (حزيران) الجاري كبار القادة العسكريين من جميع أنحاء الدول الأفريقية، في إطار تشجيع الشراكات وتعزيز التعاون في مجال الأمن.
ويعقد المؤتمر للمرة الأولى في أفريقيا وهي أيضاً المرة الأولى التي تجمع فيها الولايات المتحدة الأميركية وزراء الدفاع الأفارقة، وسط تحركات أميركية قال عنها العقيد ركن المتقاعد من القوات المسلحة الموريتانية البخاري مؤمل، بأنها تأتي على خلفية خسارة واشنطن لقاعدتها الأمنية في النيجر مقابل تمركز للقوات الروسية هناك.
شركاء جدد
وأكد العقيد الموريتاني في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" أن هذه التطورات تقلق الولايات المتحدة الأميركية التي بدأ وجودها العسكري يتناقص في القارة الأفريقية، مما دفع بها بصفة ملحة إلى البحث عن شركاء أفارقة جدد من خلال تنظيمها لهذا المؤتمر العسكري في بوتسوانا الذي سبقته زيارة وصفت بـ"النادرة" لقائد كبير في الجيش الأميركي إلى غرب أفريقيا للحفاظ على ما تبقي من الوجود العسكري الأميركي هناك وبخاصة بعد طرد النيجر قوات الجيش الأميركي في أبريل (نيسان) الماضي.
ووافقت الولايات المتحدة الأميركية على سحب قواتها العسكرية من النيجر والتي يزيد عددها على 1000 جندي تتركز مهمتهم في محاربة الجماعات المتطرفة هناك، وجاء الطلب النيجري مباشرة بعد الانقلاب على الرئيس النيجري محمد بازوم في الـ26 من يوليو (تموز) 2023، مقابل تنصيب قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبدالرحمن تشيباني نفسه قائداً للمجلس العسكري الجديد.
وتتحرك الولايات المتحدة في النيجر عسكرياً انطلاقاً من قاعدتين عسكريتين، الأولى تعرف بالقاعدة الجوية 201 وتقع في مدينة أغاديز على مسافة تقدر بنحو 920 كيلومتراً من العاصمة نيامي، وتستخدم في رحلات المراقبة المأهولة وغير المأهولة إضافة إلى مهام عسكرية أخرى، وكلفت الخزانة الأميركية 100 مليون دولار، إضافة إلى قاعدة جوية ثانية قرب مطار ديوري هاماني الدولي في العاصمة نيامي، ومن المتنظر أن تستكمل أميركا سحب قواتها العسكرية من النيجر بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل.
قاعدة بديلة
ونوه مؤمل إلى أن الولايات المتحدة بصدد البحث عن قاعدة عسكرية بديلة لها في أفريقيا خصوصاً في ظل الانتشار الروسي المتزايد الذي يقلق المصالح الأميركية خصوصاً في ظل تراجع القوى الأمنية الأوروبية هناك وبعد أن شهدت المنطقة انقلابات عديدة على أنظمة الحكم الموالية للمعسكر الغربي، وكان آخرها انقلاب النيجر ومالي وبوركينا فاسو والتي حلت محلها قيادات شابة موالية للقطب الروسي.
وتابع المسؤول العسكري الموريتاني أن انسحاب القوات الأميركية من النيجر يأتي على خلفية تراجع قوة التأثير للدول الغربية في أفريقيا وعلى رأسها الولايات المتحدة، مبيناً أن التراجع في قوة التأثير له تداعيات في الميزان العسكري إذ سيشجع التقلص الأميركي في القارة السمراء على صعود دول أخرى على غرار تركيا وإيران لتصبح أفريقيا ساحة صراع دولي عسكري بين أميركا وروسيا، وآخر اقتصادي تقوده الصين التي بدأت هي الأخرى تتموضع في أفريقيا، إذ ستمثل مستقبلاً مركز ثقل عسكري واقتصادي بالقارة.
وعلاقة بمؤتمر بوتسوانا أكد مؤمل أن الولايات المتحدة بحثت من خلال جمعها عدداً من كبار القادة العسكريين الأفارقة عن صورة جديدة لنمط تعاون مع أفريقيا سيكون فيها الوجود العسكري أقل بروزاً مما كان، إذ ستحاول واشنطن الحفاظ على وجودها العسكري بصورة خفية حتى لا تثير حفيظة الرأي العام الأفريقي، خصوصاً الشاب منه والرافض للوجود العسكري الغربي في أفريقيا وبصفة خاصة القوات الأميركية والفرنسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن الوجود العسكري الأميركي مستقبلاً لن يكون في صورة قواعد عسكرية على النمط التقليدي بل ستواصل أميركا التغلغل عسكرياً من طريق تسيير تكوين مستمر للضباط والوحدات العسكرية الأفريقية وتأمين استشارات لأنظمة الدفاع الأفريقية يقودها خبراء وضباط أميركيون.
وقال إن الدعم اللوجيستي سيكون هو الآخر إحدى صور الوجود العسكري الأميركي الخفي في أفريقيا والذي سيكون في صورة استخبارات من طريق المسيرات، موضحاً أنه حسب ممثل الولايات المتحدة في اجتماع بوتسوانا يظهر أن هناك اهتماماً جغرافياً بشرق القارة الأفريقية، التي تسمي "القرن الأفريقي" حيث توجد واحدة من أهم القواعد العسكرية الأميركية في جيبوتي التي تتركز بها في الوقت نفسه قاعدة عسكرية صينية وأخرى فرنسية، وربما قريباً ستظهر قاعدة عسكرية روسية.
كوت ديفوار والمغرب
وتابع العقيد الموريتاني أن منطقة" بحيرة التشاد" أيضاً مرجحة لأن تكون قاعدة عسكرية أميركية بديلة عن قاعدة النيجر لأنها تعاني إرهاب "بوكو حرام"، قائلاً إن كوت ديفوار تبقى الشريك الأقرب للولايات المتحدة لإقامة قاعدة عسكرية على أراضيها بعد رفض النيجر تواصل الوجود العسكري الأميركي هناك.
وقال المسؤول العسكري الموريتاني إن بحوزته بعض المعلومات التي تشير إلى بحث الولايات المتحدة عن وجود عسكري لها في المغرب، وبخاصة بعد اعتراف الحكومة الأميركية بطلب المغرب ضم الصحراء الغربية كجزء منه، مؤكداً أنه عادة ما يكون للقرار السياسي مقابل من الناحية العسكرية لا يقف فقط عند بيع واشنطن السلاح للجيش المغربي، بل ربما يصل إلى الوجود العسكري بصورة أو بأخرى بالرباط لمراقبة الأوضاع في شمال أفريقيا انطلاقاً من قاعدة عسكرية أميركية بالمغرب.
الدوافع
وأشار مؤمل إلى أن الوجود العسكري الأميركي في القارة السمراء له دافعان أساسيان الأول جيوسياسي مع خصومها وعلى رأسها روسيا والصين، إضافة إلى موضوع المحيطات المحيطة بالقارة الأفريقية التي أصبحت هي الأخرى موضع صراع قوي بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.
وفيما يتعلق بالدافع الثاني أكد العقيد الموريتاني أنه بعد حرب أوكرانيا وروسيا تولد انطباع لدي القادة الأفارقة وسياسييها بأن اهتمام الولايات المتحدة تراجع في أفريقيا وانصب حول أوروبا بسبب الحرب المذكورة سلفاً، مشيراً إلى أنه يلاحظ بأن حرب أوكرانيا دفعت روسيا للاهتمام أكثر بالقارة الأفريقية سياسياً، لأن أكثر دول القارة لم تندد بالصورة التي كانت تتوقعها واشنطن على خلفية التدخل الروسي في أوكرانيا.
ولفت إلى أن روسيا زادت من وجودها في القارة السمراء من طريق قوات "فاغنر"، ورداً على ذلك أعادت الولايات المتحدة النظر بالقارة الأفريقية، إضافة إلى التهديدات التقليدية التي كانت تخشاها أميركياً في أفريقيا أو ما يسمى بتوسع رقعة الجهاديين والجريمة العابرة للحدود والمخدرات والهجرة غير النظامية التي أضيف إليها الآن الصراع مع روسيا والصين، وهو ما يفسر أهمية استمرار الوجود الأميركي في أفريقيا.