Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جائزة "بن بينتر" تكرس أرونداتي روي كاتبة حرة

الروائية الهندية واجهت الظلم العالمي بجرأة ودافعت عن الحقوق الإنسانية

الروائية الهندية البريطانية أرونداتي روي (غيتي)

ملخص

فازت الروائية الهندية التي تكتب بالإنجليزية أرونداتي وري بجائزة "بن بينتر" التي تحمل اسم الكاتب البريطاني الكبير هارولد بينتر، وكان أطلقها "نادي القلم الدولي". واختارت اللجنة روي لكونها كاتبة متميزة لديها الجرأة على مواجهة الرقابات التي تقمع حرية الرأي وعلى الدفاع عن حقوق المظلومين.

أعلنت هيئة "بن بينتر" PEN Pinter الأدبية عن فوز الكاتبة الهندية أرونداتي روي بجائزتها لهذا العام، وهي جائزة سنوية أطلقها نادي القلم الدولي (بن) عام 2009 تخليداً لذكرى الكاتب المسرحي هارولد بينتر الحائز نوبل الآداب، وهي تمنح لكاتب متميز لديه القدر الكافي من الشجاعة للتعبير عن رأيه وكشف حقيقة الحياة والمجتمعات الراهنة على رغم استشراء تكميم الأفواه بشرط أن يكون مقيماً في بريطانيا أو جمهورية إيرلندا أو أية دولة من دول الكومنولث.

على مدار 15 عاماً فاز بجائزة بن بينتر عدد من المبدعين الذين عبروا بجرأة عن مواقفهم من قضايا قومية وعالمية من بينهم الزيمبابوية تسيتسي دانغاريمبغا والشاعر لينتون كويسي جونسون والبريطانية مارغريت أتوود كارول آن دافي وسلمان رشدي وحنيف قريشي وغيرهم.

تتيح الجائزة للفائز أن يسهم بدوره في إبراز صوت آخر لتوسيع دائرة الاحتضان بأن يختار واحداً من ضحايا الرأي ليتقاسمها معه، وذلك في حفلة تقيمها المكتبة البريطانية في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، الذكرى السنوية لميلاد بنتر.

من ضمن هؤلاء الأحرار الروائي الأوغندي كاكوينزا روكيراباشيجا أثناء فترة سجنه عام 2020، وكذلك الشاعر الإريتري أمانويل أسرات، المعتقل لأكثر من 20 عاماً من دون أن توجه له تهمة محددة ومن دون أن يعرف أحد مكانه، ويرجح أنه لم يتناه إلى علمه خبر فوزه بالجائزة المرموقة حتى الآن.

منطقة الراحة

تنوعت اهتماماًت أرونداتي بين السينما والأدب والأنشطة المجتمعية، فضلاً عن تعليقاتها السياسية على أوضاع بلدها الهند، حيث ولدت عام 1959، باسم سوزانا أرونداتي لأم مسيحية سريانية، هي "ماري روي" الناشطة في مجال حقوق المرأة، وأب بنغالي من الهندوس يعمل في إدارة مزارع الشاي. غير أن تلك الزيجة لم يكتب لها النجاح بسبب عكوف الأب على الإدمان، وهي لم تزل في الثانية من عمرها.

واجهت ماري روي وابنتاها صعوبة رجوع المرأة المطلقة إلى بيت الأب. كما واجهن ضغائن الورثة ومحاولة طردهن من كوخ الجد بأية صورة، وهذا ما يفسر اختيار روي دراسة الهندسة المعمارية لتضمن وسيلة لكسب المال تتناسب مع ظروفها وفي الوقت نفسه، تسمح لنفسها من التخلص من أفكار مثالية. بحكم التجربة، يصعب إجبار الذات على تحويل مسارها. سرعان ما ظهرت بذور التمرد على دورها الجديد الذي وصفته "مقاولة"، ورفضت تصميم مبنى لمشروع تخرجها، بدلاً من ذلك، قامت بكتابة أطروحة عن نمو المدن في دلهي بعد حقبة الاستعمار، وهي التجربة التي استعرضتها عام 1989 في فيلم بعنوان، "In Which Annie Gives It Those Ones" عن فتاة تتخلى عن الهندسة المعمارية لتكتب روايتها الأولى.

استغرقت روي في كتابة باكورة إنتاجها الروائي "إله الأشياء الصغيرة/ The God of Small Things" نحو ست سنوات. وما إن صدرت حتى تصدرت أعلى المبيعات، وترجمت إلى 50 لغة، منهم العربية، كما فازت بجائزة البوكر عام 1997.

مع كل هذا النجاح، رفضت الانغماس في الكتابة، ربما لأن طبيعتها القلقة ترفض الركون لمنطقة الراحة، تقول في حوار مع سيدهارتا ديب 2014، العام الذي أدرجت في قائمة "التايم" لأكثر 100 شخص تأثيراً في العالم: "لم أكن أهتم يوماً بأن أكون مجرد كاتبة محترفة تكتب كتاباً ناجحاً ثم تنتقل لتأليف كتاب آخر وهكذا دواليك. ينتابني خوف من رغبة الجميع في متابعتي للأمر ذاته أن أكون الشخص نفسه، أتجمد في الزمن لمجرد أنني نجحت فيه".

دائرة القلق

استغرقت روي 20 عاماً قبل أن تصدر روايتها الثانية "وزارة السعادة القصوى/ The Ministry of Utmost Happiness" التي فازت بدورها بجائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية في يناير 2018، وتناولت طائفة من الأحداث العنيفة في تاريخ الهند الحديثة، بدءاً من الإصلاح الزراعي وإجحاف حقوق المزارعين الفقراء، إلى حرق قطار جودرا عام 2002 وتمرد إقليم كشمير. في الأثناء، أثارت روي الجدل بتأييدها انفصال كشمير عن الهند بعد التظاهرات الواسعة المطالبة بالاستقلال، وهو ما جر عليها غضب الكونغرس الهندي (INC) وحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي اليميني التي طالما عارضت ممارسته وانتقدت في مقالها "نهاية التخيل/ The End of Imagination" تجاربه النووية وكذلك مشاريع السدود الكهرومائية الضخمة على مجاري الأنهار التي حذرت من أنها ستتسبب في تهجير نصف مليون مواطن ولا يتوقع منها سوى فائدة لا تذكر فيما يتعلق بتوفير مياه الري والشرب.

لم تكتف روي بدورها ككاتبة تؤمن بأن قلمها أقوى من السيف، بل انضمت إلى الاحتجاجات أمام المحكمة حين سمحت بالبناء. ولم تحفل بجملة التهم التي وجهت إليها، بل قامت بتقديم عريضة شديدة اللهجة تطالب بإسقاطها. وعلى رغم قبول المحكمة دعواها، فإنها استاءت من لهجتها الحادة، فحكمت عليها بالسجن ليوم واحد ودفع غرامة قدرها 2000 روبية.

تصف روي ما يدفعها دائماً إلى إثارة اللغط بقولها "أنا هستيرية. أصرخ من فوق أسطح المنازل المنكوبة. بينما يقول هو وحزبه "’هسسسس... ستوقظين الجيران!‘ أريد أن أوقظ الجيران، هذا هو هدفي الرئيس. أريد من كل الناس أن يفتحوا أعينهم".

في فيلمها الوثائقي "أضرار السد/ DAM/AGE" نتعرف على بعض التفاصيل المزعجة حول الليلة التي قضتها في سجن تيهار الأشبه بمعتقل. كما نتفهم أن القصة، ليست مجرد سد، إنما هي قصة ما يحدث في العالم اليوم، "من يهتم، ومن لا يهتم، وما يهم، وما لا يهم". اختارت روي من موقعها، أن تكون من الفريق المنشغل بكل ما يحدث في بلدها، وفي كافة أنحاء العالم، وليس فقط بإنجازاتها الفردية، كما نلمس في كلماتها: "لقد تزايد نجاح "إله الأشياء الصغيرة" أكثر فأكثر، ورأيت كيف بات الهواء في المدينة التي كنت أعيش فيها أكثر سواداً، وأصبحت السيارات أكثر أناقة، وارتفعت البوابات وتم حشر الفقراء مثل القمل في الشقوق، وكلما زاد حسابي البنكي، انتابني إحساس بأن كل المشاعر المبثوثة في روايتي، استبدلت بعملات فضية، ولم أكن حريصة على أن أصبح تمثالاً صغيراً بقلب فضي بارد".

محاكمة لإثارة الفتنة

انتقدت روي أوضاع بلدها البائسة وقفت روي ضد العولمة والحرب والرأسمالية على مستوى العالم. تصف في مقال على صفحات "الغارديان" قصف أفغانستان بأنه عمل آخر من أعمال الإرهاب ضد شعوب العالم لا يختلف مطلقاً عن ضربات الـ11 من سبتمبر، وليس مجرد انتقام لنيويورك وواشنطن.

بالشراسة نفسها أطلقت على جورج بوش حين ذهب لزيارة الهند لقب "مجرم حرب"، كما أطلقت على حرب لبنان 2006 اسم "جريمة حرب" متهمة إسرائيل بالإرهاب مثل حليفتها أميركا، هي وكوكبة من المثقفين منهم نعوم تشومسكي وهوارد زين وجون برغر وهارولد بينتر، وذلك في خطاب تداولته الصحف العالمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حصلت روي على جائزة سيدني للسلام 2004 لجهودها في الدفاع عن اللاعنف. كما حصلت على عديد من الجوائز منها جائزة أورويل وجائزة ساهيتيا أكاديمي، وهي جائزة وطنية من أكاديمية الآداب الهندية، عن كتابها "الرأسمالية: قصة شبح وجبر العدالة اللانهائية/ "Capitalism: A Ghost Story and The Algebra of Infinite Justice، لكنها رفضت قبولها "احتجاجاً على ممارسات الحكومة الهندية".

في مؤتمر عقد 2010 في نيودلهي، تحت شعار "آزادي - الطريق الوحيد"، أدلت روي بتصريحات جريئة منها أن كشمير المتنازع عليها لم تكن أبداً جزءاً "لا يتجزأ" من الهند، ومن ثم، اتهمت بمعاداة الوطن والإنسانية، وتشجع كثر على رفع دعاوى ضدها، لكن المدهش أن نائب حاكم دلهي في كيه ساكسينا وافق هذا العام في 14 يونيو (حزيران) على محاكمة روي بسبب التعليقات التي أدلت بها قبل 14 عاماً!

بعد أسبوعين من تهديدها بالاعتقال، فازت روي بجائزة بن بنتر لحرية الرأي التي أشادت لجنة تحكيمها بتعليقاتها الثاقبة على قضايا تراوح ما بين التدهور البيئي وانتهاكات حقوق الإنسان. ونوهت روث بورثويك، رئيسة نادي القلم الإنجليزي، بأعمال أرونداتي التي تروي قصصاً عاجلة عن الظلم بذكاء وإبداع.

إلى جانب بورثويك، تألفت لجنة التحكيم هذا العام من الممثل خالد عبدالله، والكاتب روجر روبنسون. من ضمن ما جاء في حيثيات فوز روي بجائزة بن بنتر على لسان عبدالله أن كتابة روي "بمثابة النجم الهادي خلال الأزمات العديدة والظلام الذي واجهه عالمنا منذ كتابها الأول "إله الأشياء الصغيرة. في هذا العام، بينما يواجه العالم تواريخ بعيدة خلقت هذه اللحظة في غزة، فإن حاجتنا إلى كتاب "لا يحجمون ولا يتزعزعون" أصبحت ماسة. وبتكريم روي فإننا نحتفل بجدارة عملها وتوقيت كلماتها، ونحن في أمس الحاجة إليها".

وأعربت الكاتبة التي وصفت بضمير الهند عن سعادتها بالفوز وتمنت لو أن هارولد بينتر كان معنا اليوم ليكتب عن المنعطف غير المفهوم الذي يتخذه العالم. وبما أنه ليس بيننا ينبغي على البعض أن يبذل قصارى جهده لمحاولة ملء مكانه".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة