Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهاجرون مغاربة يغادرون فرنسا هربا من "اليمين"

تصاعد خطاب "التمييز" دفعهم إلى الفرار وتنحصر وجهاتهم بين العودة للوطن أو الدول الإسكندنافية أو الخليج

لم يعد يشعر المغاربة بالأمان والطمأنينة في فرنسا بسبب تصاعد التمييز والعنصرية (اندبندنت عربية)

ملخص

دراسة فرنسية بعنوان "فرنسا، تحبها لكنك ترحل عنها" نوهت بأن باريس يغادرها مزيد من الفرنسيين المسلمين، الذين وصلوا فرنسا بعد فترة الاستعمار وهم في الغالب يحملون شهادات ومؤهلات عالية، للإقامة في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة والإمارات، أو في الدول المغاربية، نظراً إلى "التمييز" الذي يتعرضون له.

بشيء من الأسف والغبن قرر الزوجان مهدي ومنى الرجوع إلى بلدهما تونس خلال هذا الصيف بعد أكثر من 25 سنة إقامة في باريس حيث ولد أطفالهما الثلاثة الذين يحملون الجنسية الفرنسية.

تقول منى التي تملك مشروعاً تجارياً حراً مع زوجها إنهم أخذوا القرار "بعد تفكير طويل ونقاش عميق مع كل العائلة الموسعة"، وتضيف أن "دراسة ابنتها الصغيرة هي التي جعلت الأمر صعباً منذ البداية، لكن مع وجود الحلول البديلة في تونس أنهينا النقاش وقررنا العودة نهائياً وإتمام دراستها في تونس بخاصة أنه توجد مدارس فرنسية".

وتعتقد منى أنهم أخذوا القرار الصائب بخاصة أن "الظروف المادية في فرنسا أصبحت لا تطاق وأن نسبة الضرائب مرتفعة جداً"، مما جعلهم يختارون فتح مشروع في تونس لا سيما أن لديهم منزلاً خاصاً والحياة أبسط في تونس، حسب تعبيرها.

من جانبه، يقول زوجها مهدي إن تصاعد العنصرية ضد المسلمين والعرب في فرنسا أصبح لا يطاق وإنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان والطمأنينة هناك.

لكن لم يخف الزوجان خوفهما من عدم إمكانية اندماج ابنتهما في الدراسة في تونس وخوفهما من الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، وخيرا ولديهما بين البقاء في فرنسا والعمل هناك وفي الوقت نفسه البحث عن عمل في بلد آخر مثل بلدان الخليج أو البلدان الإسكندنافية، وبين العودة إلى تونس بحسب ما قالته الأم، بخاصة أن الابن الأكبر مهندس والآخر يعمل في مجال صناعة الأدوية.

ضحايا للتمييز العنصري

وفي مكان آخر من العالم قرر نضال ومروى من تونس تغيير الوجهة بعد تجربة دامت سبع سنوات في كندا والذهاب إلى إحدى دول الخليج العربي بعد قبول طلبهما للعمل هناك، ويقول نضال "لم أعد أحتمل طقس هذا البلد الكئيب، والأهم أريد أن تباشر ابنتي سنواتها الأولى في الدراسة في بيئة عربية مسلمة من دون الخوف من تعليمها أشياء ومبادئ لا تتلاءم وثقافتنا، لا سيما أن المثلية الجنسية أصبحت كابوساً للجالية المسلمة هنا".

وفق ما كشفه تحقيق بعنوان "فرنسا، تحبها لكنك ترحل عنها" صدرت دراسة من 320 صفحة نوهت بأن باريس يغادرها مزيد من الفرنسيين المسلمين، الذين وصلوا فرنسا بعد فترة الاستعمار وهم في الغالب يحملون شهادات ومؤهلات عالية، للإقامة في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة والإمارات، أو في الدول المغاربية، نظراً إلى "لتمييز" الذي يتعرضون له، حسب الدراسة.

وشارك في إعداد الدراسة ثلاثة باحثين فرنسيين هم الأكاديمي الجامعي أوليفييه إستيفيس، والأستاذة المشاركة في الاقتصاد والعلوم الاجتماعية أليس بيكارد، ومدير أبحاث بالمركز الوطني للبحث العلمي المتخصص في العنصرية جوليان تالبين.

وأجرى الأكاديميون الثلاثة في الفترة ما بين 2011 و2023 مقابلات مع 1070 شخصاً كشفت عن أن الفرنسيين المسلمين سواء كانوا ملتزمين دينياً أو لا، يكافحون للعثور على مكان لهم في فرنسا على رغم تأهيلهم الجامعي العالي، كما كشف التحقيق عن أن هؤلاء هم أيضاً ضحايا للتمييز بسبب أسمائهم أو مظهرهم أو دينهم.

 

 

للتعرف أكثر إلى أوضاع المهاجرين في فرنسا وأسباب تفكير البعض من البلدان المغاربية في العودة إلى أوطانهم أفادت الصحافية التونسية المقيمة في باريس ألفة سحبون في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "الوضع في فرنسا يشهد احتقاناً كبيراً خصوصاً بعد صعود اليمين المتطرف والتخوف الأكبر لدى الجالية العربية والإسلامية مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة".

حان الوقت للتحرك

وتواصل سحبون "التخوف جاء خشية من أن يكون المسلمون أوائل ضحايا صعود اليمين المتطرف، بخاصة أن التشريعات الفرنسية تمنع مثلاً وضع اللباس الإسلامي أي الحجاب في المدارس وفي أماكن العمل، على رغم أن فرنسا من الدول الأوروبية التي تضم أكبر عدد من المسلمين تقريباً نحو 6 ملايين مسلم".

وتابعت سحبون "هنا الجاليات ذات الأصول العربية والإسلامية تندد بهذا الصعود لليمين المتطرف ودعت المسلمين إلى عدم التصويت له".

وسبق لعميد مسجد باريس شمس الدين حفيظ أن ندد وقال في وقت سابق إنه "حان الوقت للتحرك والتأكيد أن هذا الصعود لليمين في فرنسا يضر بالجالية المسلمة وجعل المغاربة أو المسلمين هنا وكأنهم مصدر قلق لفرنسا وأن هويتهم غير منسجمة مع مبادئ فرنسا".

وفي السياق ذاته تقول الصحافية ألفة سحبون "الغالبية في فرنسا يرون المهاجرين المغاربة إما في صورة إرهابي أو مجرم أو همجي"، مضيفة "هذه الأفكار والأحكام لم تأت من فراغ بل هي نتيجة سنوات من الخطاب التحريضي ضد الجالية المغاربية ومن هم من أصول تونسية أو جزائرية أو مغربية".

وواصلت الصحافية حديثها "اليوم يشعر هؤلاء بأنهم مستهدفون وبعد ظهور الخطاب العنصري بقوة سواء في المدارس أو في الأماكن العامة وفي وسائل الإعلام"، مضيفة "الخطاب الرسمي هنا كرس هذه الفكرة الخاطئة وفي المقابل الجالية المسلمة أصبحت تعيش نوعاً من التمزق بين ثقافتهم المنبوذة وثقافة الغير التي قد لا تتلاءم وقناعتهم ومعتقداتهم".

وتؤكد سحبون أن عديداً من الجاليات العربية والمسلمة يفكرون جدياً في مغادرة فرنسا إذا صعد اليمين المتطرف والبحث عن أماكن أخرى للعيش فيها بسلام. وأشارت إلى أن "عديداً من العائلات التي أعرفها شخصياً من تونس أو الجزائر أو المغرب غادرت أو تفكر في مغادرة فرنسا في هذه الفترة، بل ومنهم من ولد هنا"، لافتة إلى أن "الكل هنا أصبح يشعر بالتضييق والعنصرية بخاصة أن وسائل إعلام فرنسية تكرس أيضاً لهذا الخطاب العنصري وتسهم في التسويق لصورة سيئة عن الإسلام".

وتعتقد ألفة سحبون أنه "حتى الجنسية الفرنسية لم تغير شيئاً في حياة المهاجرين ذوي الجنسية المزدوجة" معتبرة إياها وسيلة فقط لتسهيل الأمور الإدارية والحياتية لكن، حسب تعبيرها، "ينظرون إلى هؤلاء العرب نظرة ازدراء على رغم أن معظمهم من الفئات المهمة وأصحاب مشاريع يدفعون ما عليهم كغيرهم، إلا أن الهوية العربية الإسلامية أصبحت وكأنها تهمة في هذا البلد"، معتبرة الفرنسيين ضحية إعلام سوق أفكاراً خاطئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن الأسباب المهمة الأخرى التي تشجع البعض على ترك فرنسا، حسب الصحافية ألفة سحبون، غلاء المعيشة والوضع المادي الصعب بخاصة الفترة بعد انتشار كورونا إلى اليوم، وقالت "تضرر الاقتصاد الفرنسي وعديد من العائلات منها التونسية التي أصبحت تعمل لسنة كاملة من أجل توفير تذاكر العطلة في تونس خلال الصيف".

ولفتت الصحافية التونسية إلى أن "البعض أصبح يفكر بجدية في الرجوع إذا توفرت ظروف أفضل من العيش في فرنسا أو العيش في بلدان أخرى على غرار دول الخليج العربي، بخاصة القادرون مادياً أو أصحاب المهن المطلوبة هناك ومن ثم الشعور بالحرية في ممارسة المعتقدات الدينية وتربية الأطفال في بيئة عربية مسلمة من دون تضييق وعنصرية".

تحول في وجهات الهجرة

وقال مكتب الإحصاء الفرنسي في أحدث إحصاء له عام 2022 إن المهاجرين يمثلون 10.3 في المئة من إجمالي السكان، وتبلغ نسبة المهاجرين من المغرب 12 في المئة، بينما يمثل الجزائريون 12.7 في المئة، والتونسيون نسبة 4.5 في المئة. وأكدت الإحصائية أن الإسلام هو ثاني ديانة اعتناقاً في فرنسا.

ويقول بازين مهاجر جزائري في فرنسا من الجيل الثاني الذي اتصلنا به عبر منصات التواصل الاجتماعي بعد تعليق له على أحد خطابات مرشح اليمين الفرنسي للانتخابات الرئاسية جوردان باردلا بأنه سيغادر فرنسا.

بازين هو رجل أربعيني قرر الرجوع إلى الجزائر رفقة ابنه، وعن الأسباب أجاب باقتضاب "غلاء الأسعار والضرائب المرتفعة، إضافة إلى الخطاب التحريضي والعنصري ضد العرب والمسلمين"، مضيفاً "أنا أيضاً لا أرضى أن أربي ابني الوحيد وسط مجتمع يشجع على المثلية الجنسية، بل أسعى إلى أن يكبر وسط مجتمع عربي إسلامي".

المؤثرة الجزائرية على وسائل التواصل الاجتماعي روبيكا أيضاً فاجأت متابعيها بأنها قررت مغادرة فرنسا بسبب العنصرية وصعوبة العيش في فرنسا وأنها ستختار تونس أو المغرب للعيش فيهما.

من جانبه، يقول رئيس مجلس الجالية المغربية في الخارج إدريس اليزمي في تصريح خاص "ربما توجد حالات قررت الرجوع إلى بلدانهم أو تغيير الوجهة لأسباب عدة، لكن هذه الحركة لم تعد ظاهرة إلى اليوم". ويرى أن "التنقل من مكان إلى آخر للبحث عن الظروف الأفضل أصبح متاحاً لهذا الجيل عكس الجيل الذي سبقه لعوامل عدة، أهمها البحث عن دخل مادي أفضل وبيئة ملائمة للاندماج فيها وتربية أطفالهم حسب تعاليم معتقداتهم وتقاليدهم".

وأوضح "الشباب أو العائلات اليوم والمهاجرون بخاصة في أوروبا كثيراً ما يبحثون عن فرص أفضل في دول الخليج مثلاً لأسباب عدة منها مادية وأخرى ثقافية".

وأضاف اليزمي أن "النظام العالمي الجديد أصبح يتنافس على الكفاءات في مجالات عدة من أهمها الصحة، وغالب الأطباء والكادر الصحي في أوروبا وبخاصة فرنسا من البلدان المغاربية والأفارقة والمهاجرين بصفة عامة، وتضييق الخناق على هؤلاء لن يكون في صالح باريس، بالتالي تتيح لهم الفرصة لوجهات أخرى أفضل".

تضييق الخناق

أما الباحث في علم الاجتماع في اختصاص حركات الهجرة التونسي خالد الطبابي فتحدث في تصريح خاص عن وجود تحول في وجهات الهجرة خلال السنوات الأخيرة وبخاصة خلال هذه الفترة من تونس نحو فضاءات أخرى أو من بلدان الـ"شنغن" أي الأوروبية نحو البلدان الإسكندنافية أو بلدان الخليج العربي، وهذه الهجرة تخص الحاصلين على شهادات علمية عالية".

ويضيف الطبابي "الأجيال الجديدة في تونس أو في بلدان المغرب العربي عموماً أصبحت ناطقة باللغة الإنجليزية بعد سيطرة اللغة الفرنسية سابقاً، وهذا يساعدهم أكثر ويوسع خيارات الهجرة نحو فضاءات تتلاءم أكثر وطموحاتهم أو ثقافاتهم".

من بين العوامل الأخرى التي أسهمت في تغيير وجهة المهاجرين من بلدان إلى أخرى أو العودة إلى بلدانهم حسب الباحث خالد الطبابي "تنامي سياسات العنصرية بخاصة في فرنسا وإيطاليا لتضييق الخناق على المهاجرين ومحاولة عزلهم في أحياء معينة في مارسيليا أو باريس وإبعادهم عن الأحياء الراقية التي يقطنها فرنسيون".

هذه السياسات، حسب الطبابي "تخلق نوعاً من تصدع المجتمع الفرنسي وعدم اندماج المهاجرين، وتخلق أيضاً نوعاً من الاضطرابات النفسية بخاصة لدى المغاربة"، متابعاً "كل هذه العوامل تصبح مشجعة على البحث عن فضاءات بديلة سواء لتحسين الدخل المادي أو تحقيق الاندماج في مجتمع آخر مع محيط اجتماعي وثقافي يقبل الاختلاف أو يتماهى مع ثقافة هؤلاء المهاجرين".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات