تزامنت حملة رفع التجاوزات عن الأملاك العامة في العراق مع قرب الانتخابات المحلية جعلها مادة دسمة في الدعاية الانتخابية، والصراع الدائر بين الأطراف النافذة في البلاد، لا سيما في محافظتي بغداد والبصرة.
وتشهد محافظات عراقية حملات لإزالة التجاوزات، أو ما يعرف بـ"العشوائيات"، أبرزها ما حصل في كربلاء، إذ تمت الإزالة دون توفير البديل، ما أدى إلى خروج تظاهرات غاضبة تندد بهذه الحملة التي أطلقتها الحكومة الاتحادية وبعض الحكومات المحلية. وبحسب إحصاء لوزارة الإسكان تعدّ بغداد والبصرة وبابل من المحافظات الأولى في توسع العشوائيات.
جذور الأزمة
وتعود أزمة العشوائيات والتجاوز على أملاك الدولة، أو ما يعرف في العراق باسم "الحواسم"، إلى عام 2003. فبعد سقوط نظام الرئيس الأسبق، صدام حسين، إثر دخول القوات الأميركية، وانهيار مؤسسات الدولة الأمنية والخدمية، تحولت الممتلكات العامة إلى مقار للأحزاب والجماعات المسلحة، فيما سمح غياب القانون وضعف الحكومات المتعاقبة ببناء آلاف الوحدات السكنية والمشاريع التجارية غير المرخصة.
ولم تتمكن السلطات التنفيذية من حل أزمة السكن حتى الآن، كما عرقلت بعض الكتل البرلمانية مقترحات قوانين تسمح بتوزيع الأراضي على المواطنين، بحجة "استغلال قضية توزيع الأراضي في الدعاية الانتخابية".
اعتراضات سياسية
وأكدت لجنة الخدمات في البرلمان العراقي أن العاصمة وحدها بحاجة إلى أكثر من 300 ألف وحدة سكنية للقضاء على العشوائيات وحل أزمة السكن، فيما حمّلت الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية مسؤولية توسّع العشوائيات في عموم محافظات البلاد، فيما طالبت برفع تجاوزات المسؤولين داخل المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد.
وقال النائب منصور البعيجي، لـ"اندبندنت عربية"، إن "تطبيق القانون أمر مهم، لكن الأهم هو التخطيط المسبق لمستقبل العائلات التي تسكن هذه العشوائيات أو في ممتلكات الدولة، ومن الضروري البدء بإخراج الأحزاب من العقارات التي تسيطر عليها أولا".
وأشار إلى أن "البرلمان العراقي مُطالب بمناقشة الأزمة خلال الجلسات المقبلة وإيجاد حلول عملية تنهي معاناة آلاف العراقيين قبل بدء موسم الشتاء".
ورأى عضو لجنة التخطيط الاستراتيجي البرلمانية، محمد البلداوي، أن عملية إزالة العشوائيات يجب أن يسبقها توفير للأراضي لغرض توزيعها على الشرائح المشمولة.
وأوضح البلداوي أن "المشروع المذكور يحتاج إلى استراتيجية للعمل بموجبها، وأن لجنة التخطيط وضعت آليات ومعالجات وتوصيات جاءت وفق استنتاجات للواقع الحالي، كما أن المجلس الأعلى للإسكان بدأ العمل وفق التوصيات التي تم وضعها، وعلى الحكومة أن تراجع ما أُرسل إليها وما صوّت عليه البرلمان من قرار نيابي بشأن معالجة السكن في عموم البلاد".
واعتبر النائب عن محافظة البصرة، عدي عواد، أن "هذه الحملة ضحك على الذقون، وكسب للوقت، لإلهاء الناس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بالأخبار التي لا تضرّ ولا تنفع".
ووصف عدي عواد قرارات الحكومة بـ"المتخبطة"، فهي تشكّل لجاناً لرفع التجاوزات بطرق غير واضحة، لذلك نرى بعض المظلوميات في بعض المحافظات، بحسب تعبيره.
مفوضية حقوق الإنسان
وقدّمت مفوضية حقوق الإنسان، اليوم، ما اعتبرته "حلا عمليا" للحكومة لإنهاء أزمة العشوائيات، وقال عضو المفوضية، علي البياتي، في بيان "لحل أزمة العشوائيات في بغداد ندعو الحكومة إلى إسكانهم في مجمع بسماية السكني باعتبار المشروع استثمارا حكوميا، وإيجاد فرص عمل في المناطق المجاورة لهم من خلال إنشاء معامل ومصانع وتقسيط المبالغ لهم".
وأردف "بغداد فيها ألف مجمع عشوائيات من مجموع 3700 من عموم العراق، أي ما يقارب 800 ألف نسمة، وبالإمكان الاستفادة من المواطنين الساكنين أيضا في هذه العشوائيات في مشاريع بناء المجمع ذاته المستمر في عملية البناء والتطوير والاتفاق مع الشركات المنفذة لتشغيل الأيدي العاملة".
وأضاف أن "هذه المواقع العشوائية تضمّ ما يقارب 522 ألف وحدة سكنية يعيش فيها أكثر من 3 ملايين مواطن أجبرهم العوز والفقر والظرف الأمني على العيش هناك".
وأشار البياتي إلى أن "طرد أي من هؤلاء المواطنين وإزالة مسكنه دون توفير بديل له هو تجاوز على حقوق الإنسان، باعتبار أن حق السكن مكفول في الدستور وتتحمل الدولة مسؤولية توفيره لكل مواطن".
ودعا إلى "إجراء إحصاءات بشأن وضع تلك الأسر من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وتحديد من هم بحاجة إلى البقاء في تلك المواقع، ومن لديه بديل آخر لكنه يسكن العشوائيات"، مؤكداً ضرورة "عدم نسيان الجانب الإنساني عند تطبيق القانون واعتماد التخطيط العمراني للمدن".
حل الأزمة
ولا يبدو أن أزمة العشوائيات والتجاوزات في طريقها إلى الحل على الرغم من استمرار هدم المنازل والمحال المشيدة في الأراضي المملوكة للدولة في بعض المحافظات، وتحذير بعض الفصائل المسلحة من أن استمرار الحملة قد يؤدي إلى إيقافها بالكامل خلال الأيام المقبلة، كما أن فشل حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في إخراج الأحزاب النافذة من المباني العامة والقصور الرئاسية، جعل الحكومة عرضة للانتقاد وأضعف موقف السلطات التنفيذية في حملة رفع التجاوزات، والأهم من كل ذلك فإن اقتراب موعد الانتخابات المحلية المقررة في أبريل (نيسان) 2020 جعل غالبية الأطراف السياسية ترفض تهديم المنازل والمحال التجارية غير المرخصة، خوفا من تأثير ذلك على شعبيتها وحظوظها في الانتخابات.