Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كلاريسا بيرت: أفضل ما كتب أدونيس هو في محاكاته المتنبي

المستشرقة الأميركية ترجمت الشعراء الجدد وترى أن الشعر الجاهلي يطل على عالم سحري له قواعده

المستشرقة الأميركية كلاريسا بيرت تلقي محاضرة في القاهرة (اندبندنت عربية)

ملخص

بدأت المستشرقة الأميركية كلاريسا بيرت Clarissa Burt علاقتها بالشعر العربي من العصر الجاهلي الذي أعدت فيه أطروحتها للدكتوراه (جامعة شيكاغو) متناولة ظاهرة التوازي في القصيدة الجاهلية، وصولاً إلى دراساتها وترجماتها لقصائد من الشعر العربي الحديث إلى الإنجليزية للشعراء محمود درويش وعبدالوهاب البياتي وأمل دنقل وفدوى طوقان وأحمد طه ووديع سعادة وحسن طلب وهدى عمران وقاسم حداد وأسامة الدناصوري وغيرهم.

في حوار مع "اندبندنت عربية" تقول المستشرقة الأميركية كلاريسا بيرت إن تخصصها في اللغة العربية جاء من طريق دراستها للغات السامية المقارنة في الجامعة الكاثوليكية في واشنطن بهدف التخصص في التوراة والإنجيل. وتضيف أنها تركت هذه الجامعة من دون الحصول على الليسانس وتوجهت إلى دراسة الشعر الأميركي في Evergreen state college في مدينة أوليمبيا عاصمة ولاية واشنطن. وبعد التخرج في هذه الجامعة عادت إلى دراسة اللغات السامية في جامعة شيكاغو بعدما أدركت أن برنامجها في هذا المجال كان الأفضل بين الجامعات الأميركية. وخلال عام 1984 حصلت بيرت على منحة من الجامعة الأميركية في القاهرة لدراسة الشعر العربي القديم تحت إشراف المستشرق الأميركي ياروسلاف ستيتكيفيتش. وتلفت بيرت إلى أنها في هذه الفترة تعرفت على شعراء من أجيال مختلفة وساعدها الشاعر أحمد طه في تعريفها على الوسط الأدبي المصري عموماً. وأشارت بيرت إلى أنها غيرت مسار حياتها العملية أكثر من مرة لكن ظل تعلقها بالشعر هو الثابت كتابة ودراسة، "لأن الشعر بالنسبة لي من أقوى وسائل الإنسان للتعبير عن إنسانيته، فإذا كانت اللغة من أهم ظواهر الإنسان ككائن فالشعر أهم ظاهرة كلامية. هو أهم من النثر كوسيلة للتعبير عن المشاعر".

العربية والسامية

وعقب سؤالها عن رأيها في إخراج اللغة العربية من اللغات السامية في الجامعات الأميركية، عبرت بيرت عن رفضها ذلك قائلة "إنهم عادة في البرامج المتعلقة باللغات السامية يقومون بالفصل بين اللغات السامية الشديدة القدم والعربية التي يضعونها مع اللغات الشرقية الحديثة نسبياً مثل الفارسية والتركية، وأنا غير مؤمنة بهذا الفصل لأنه مبني على أيديولوجيات لا علاقة لها بالحقائق". وأضافت بيرت أن إخراج اللغة العربية من برامج التعليم السامية "تصنيف مبني على أفكار عنصرية في الذهن الغربي، فدراسة اللغات السامية قائمة في الغرب على أسباب دينية تتعلق بالتوراة والإنجيل ومحاولة جعلهما متوافقين مع الهوى الغربي. وبعض يرى أنك إذا تركت العربية مع اللغات السامية فإن هذا يعني الاعتراف بالاستمرارية بين الأديان والأجيال".

وتؤكد بيرت أن إبعاد العربية في هذا الصدد "هو جزء من الأيديولوجيا المخفية للدراسات الأوروبية لإثبات أن المسيحية هي أعلى شيء. إلا أن من يدرسون اللغات السامية المقارنة يعرفون تمام المعرفة ولا شك لديهم في سامية اللغة العربية".

مكانة الشعر

وتذكر بيرت أنها حينما جاءت إلى مصر عام 1984 فوجئت أن الشعر يحظى باهتمام جمهور واسع. وتضيف بيرت أنها لم يتح لها التعرف على الثقافة الأميركية أكاديمياً، لأنها من البداية اتجهت ناحية اللغات والثقافات القديمة. لكنها تستثني من ذلك الشعر الأميركي وخصوصاً شعر المرأة مثل آن سكستين (1924: 1974) وأدريان ريتش (1929-2012). لكنها كانت تعرف – كما تقول - أن المثقفين في أميركا يتذوقون الشعر ويرونه مهماً للأدب الإنجليزي والأميركي "غير أن مكانة الشعر في أميركا عموماً محدودة مقارنة بما هي عليه في العالم العربي". وحول أسباب اتجاهها إلى دراسة الشعر الجاهلي وليس العربي المعاصر ترى بيرت أن ذلك أمر طبيعي لأنها قادمة من دراسة اللغات السامية القديمة فكيف يمكن أن تقفز مرة واحدة إلى الشعر العربي الحديث، وبخاصة أنها أحبت الشعر السامي القديم فكتبت دراسات في الشعر الموجود في التوراة. وأنها درست على يد ياروسلاف ستيتكيفيتش (1938- 2020) وهو متخصص في العصر الجاهلي، وأحياناً كان يتناول عصوراً أخرى "ولما بدأت قراءة الشعر العربي وجدت به ظاهرة التوازي فاخترتها موضوعاً للدكتوراه".

وتقول بيرت إن الشعر الجاهلي بالنسبة إليها "هو مثل الباب السحري الذي يفتح لك عالماً سحرياً له قواعده الخاصة لكنه مختلف تماماً عن عالمك أنت". وتضيف أن الشعر الجاهلي غني جداً بتفاصيل الحياة، وهو أمر تفتقده قصائد العصور التالية "لأن قصائد العصر الجاهلي تخرج من ثقافة البدو ونمط حياة قديم جداً، لديه قدرة على التعبير عن هذا العالم وإعادة بنائه في أذهاننا فكيف للمرء ألا يعجب بهذا؟!".

حرب البسوس

وتقول بيرت إنها عندما قدمت دراسة عن آداب حرب البسوس قرأت شعر المهلهل وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة وكل القصائد المتعلقة بهذه الحرب، وكانت تعرف أن هناك سيرة شعبية عنها فأرادت معرفة الامتدادات الشعرية والثقافية من أيام الجاهلية إلى الآن، فبحثت في الأجيال الأخرى عن حضور حرب البسوس وكيف تعاد معالجة هذه الحرب أدبياً في الأجيال المتتالية. وأوضحت أن سبب تعلقها بهذا الموضوع من الأساس جاء صدفة عندما كانت بصحبة عدد من شعراء السبعينيات في مصر، الذين عرفوها على شعر أمل دنقل (1940: 1983) وكانوا يقولون لها إنه آخر شاعر جاهلي وهو شاعر صعلوك "فتأكدت أن الصعاليك في أي جيل لهم صوت مهم جداً".

وتكشف بيرت أن هذا الموضوع دفعها إلى الاهتمام كذلك بالشعراء الصعاليك والسؤال الأهم بالنسبة إليها كان هو لماذا احتفظ العرب بأشعار الصعاليك وكانت من مفاخرهم، على رغم أن الشعراء أنفسهم لم يهتموا بها "فوجدت أن سبب ذلك ربما يعود إلى أنها تعبر عن شيء مهم جداً في الروح الثقافية العربية".

شعراء السبعينيات

وعن علاقتها بشعراء السبعينيات في مصر تقول بيرت إنها تعرفت عليهم في بداية طريقها العلمي وكانت قدراتها اللغوية العربية في طور التكون، ولاحظت أن هؤلاء الشعراء "متحمسون للغاية وفي الوقت نفسه يشعرون بالإحباط، لأنهم لم يجدوا طريقاً إلى نشر شعرهم أو قبول شعرهم في أي مكان رسمي، ففتحوا الطريق لأنفسهم عبر نشر شعرهم ومساعدة بعضهم بعضاً بجهود ذاتية واستمروا في هذه الطريقة لسنين، ولم تعترف بهم المؤسسات الثقافية الرسمية إلا بعد عشرين عاماً من بداية انطلاقتهم". وتوضح بيرت أنها فهمت وقتها أنه كان هناك صراع في الوعي الثقافي العربي حول مسألة ما الشعر؟ هل هو الموروث في القصيدة العمودية من قافية وعروض؟ هل هو قصيدة التفعيلة؟ أو هو الشعر الحديث الذي شكله شعراء المهجر؟

وتشير إلى أنها تابعت هذا الجدل الفكري ورفض المؤسسات للتجديد لكن في نهاية الأمر بدأت تسمح لهم بنشر أفكار حول هذا الجدل، ونشر بعض هذه النصوص ومناقشة أفكارهم. وتضيف أنها بدأت تتعاطف مع حركتهم، وعلى رغم الأقوال التي كانت تسمعها بأنه ليس هناك بين شعراء السبعينيات شاعر كبير فإنها لم تهتم بهذه الأقاويل، فالشهرة ليست معياراً للنجاح وأنها لا تقدر الشعراء حسب شهرتهم. وتؤكد بيرت أنها وجدت لدى شعراء السبعينيات شعراً ممتازاً وقوياً على رغم أن المؤسسات الرسمية لم تعترف بهم وقتها، مضيفة أنها شعرت كأنهم كانوا يحملون شعلة الشعر من كل هذه الأجيال التي سبقتهم ليسلموها إلى الأجيال التالية، وتظن بيرت أنهم خدموا الثقافة العربية بذلك خدمة كبيرة وكانت ترى أنه ومع مرور الوقت سيناقش شعرهم في الرسائل الأكاديمية وهي التي ستقرر قيمته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوضح بيرت أنها لا تحب شعر أدونيس كثيراً لكنها معجبة أكثر بكتابه "الكتاب أمس المكان الآن" وهو كما يقول في العنوان التوضيحي "مخطوطة للمتنبي..."، لأنه يكتب التراث الشعري والتراث الفكري والتاريخي من جديد في هذه المجلدات الثلاثة بطريقته الخاصة، وتظن أن شعره في هذه المجلدات أجمل من شعره في غيرها. وعبرت بيرت عن إعجابها بشعر وديع سعادة الذي تعرفت عليه قبل عشرين عاماً بطريقة عابرة في القاهرة، وقرأت له ديوان "محاولة وصل ضفتين بصوت". وتقول: "وجدت في شعره طابعاً وجودياً يعبر عن تجربة صعبة تحدث فيها عن أشخاص يذوبون أمام القارئ، ولا يستخدم في هذا الديوان أسماء ولا يذكر أماكن، فقط يتناول تجربة الروح أمام ما يجري حولها. ويتحدث عن فقدان الآخر والأماكن والأحباب والأصدقاء".

وترجمت بيرت لسعادة ديوانين هما "وصل الضفتين بصوت" و"نص الغياب"، وحصلت أخيراً على أعماله الكاملة وتعمل على ترجمتها "لأن له صوتاً إنسانياً مهماً بين الشعراء المعاصرين. وانطلقت تجربته من تفكك الثقافة في الحرب الأهلية في لبنان وخلال عام 1998 ذهب بأهله إلى أستراليا وكتب كثيراً من شعره في غربته معبراً عن تجربة الإنسان في مكان جديد لا يعرف لغته، ويحمل داخل نفسه أشياء لا تعرفها الكائنات التي يعيش معها". وترى بيرت أن لشعر وديع سعادة قيمة كبيرة ليست على المستوى العربي فقط وإنما العالمي كذلك.

الحضور العربي

وعبرت بيرت عن إعجابها كذلك بتجربة الشاعرة المصرية إيمان مرسال "لأنها تمتلك صوتاً جريئاً جداً. وأحببت في شعرها أنها تتكلم عن ذكريات من طفولتها وشبابها كشفت عبرها عن صورتها من دون تجميل. وقامت بتعرية الذات وعبرت عن أشياء شريرة وقبيحة حول نفسها، ورسمت صورة لإنسانة عادية". وفي سياق آخر أبدت بيرت محبتها الخاصة للشعر الصوفي في نصوص النفري "بسبب طابعها الوجودي الذي كثيراً ما ميز كذلك القصيدة الجاهلية التي يتناول فيها الشاعر رحلته في الصحراء، بما فيها من حيوانات بعضها مفترس والآخر فرائس". وحول حضور الثقافة العربية في الثقافة الأميركية قالت بيرت إنها منذ أن بدأت ولأكثر من ثلاثين عاماً لم يكن هناك سوى قلة يترجمون من العربية إلى الإنجليزية ولم يكن هناك كثير من الأدب العربي معروف في الثقافة الأميركية العامة سوى "ألف ليلة وليلة"، "لكن في الأعوام الأخيرة الأمور تغيرت في الجامعات وفي الثقافة الأميركية بصورة عامة. وأسهم في ذلك العرب الأميركان، فهناك أدب عربي أميركي يكتبه هؤلاء المهاجرون ليعبروا عن ثقافتهم وتجاربهم باللغة الإنجليزية مما فتح عيون الناس على الثقافة العربية".

وتضيف "نشاهد صدى ذلك في ما يحدث في الجامعات الأميركية من احتجاجات ضد الحرب في غزة، لأن الأدب العربي المترجم أو المكتوب بالإنجليزية بدأ يؤثر في الثقافة الأميركية وبات فاعلاً في الوسط الأدبي الأميركي". وتكشف بيرت عن قناعتها بأن "وجود الجيش الأميركي لفترة طويلة في العراق منح حركة الترجمة إلى العربية دفعة كبيرة، وبخاصة مع الأدب الذي كتبه الجنود العائدون وغيرهم من الأميركان الذين عاشوا في العراق وأحبوا أشياء في الثقافة العراقية فتناولوا الثقافة العربية بصورة غير نمطية، وربما يكون ذلك الأمر الجيد الوحيد لحرب أميركا على العراق". وتلفت بيرت إلى أن ترجمة الأدب العربي في أميركا لم تبلغ بعد القدر المنشود "لكنها أفضل كثيراً مما كانت عليه في العقود الماضية". وتختم كلارسا بيرت حديثها بأنها ما زلت طالبة في الشعر العربي وتحتاج إلى حيوات أخرى حتى تقرأ ما يكفي منه.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة