ملخص
إن انقسام اليمين على نفسه هو الذي سيبقي حزب العمال في السلطة ربما لأكثر من دورة برلمانية واحدة.
لا شك أن هذه الانتخابات هي حدث لافت جدير بأن يذكر في كتب التاريخ، إذ نتج عنها أكبر سقوط لحزب المحافظين على الإطلاق - وهو سقوط قد يدوم طويلاً. والآن، سيبقى المحافظون وحدهم خارج المعادلة السياسية.
يبدو أن "إعادة ترتيب السياسة البريطانية" التي طرحها بوريس جونسون كانت مجرد فكرة موقتة ومتداعية.
ففي اللحظات الأكثر عظمة التي عاشها المعجبون بجونسون، تصوروا أنه قد شكل ائتلافا جديداً من الناخبين من الطبقة العاملة المؤيدين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) من جهة، والمحافظين التقليديين من الطبقة المتوسطة من جهة أخرى، وهو التحالف الذي سيهيمن على الساحة السياسية لعقد من الزمان في الأقل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن بعد مرور عامين فقط، تحولت هذه الأحلام إلى ما يشبه الشعور بالغثيان في الصباح التالي لحفلات داونينغ ستريت، وقد قطع حزب المحافظين أوصاله [بيديه].
إذاً، ما هي أوجه الاختلاف بشأن كير ستارمر؟
أحسب أن ثمة أسباباً للاعتقاد أن الغالبية التي حققها حزب العمال ستستمر لوقت أطول. ليس لأنها أكبر حجماً فحسب، على رغم أنها ستعادل ضعف الغالبية التي سجلها جونسون [ولكن] لأن هذه هي النتيجة المصطنعة لنظام التصويت المتبع لدينا. وبلغت حصة حزب العمال من الأصوات أمس 35 أو 36 في المئة، وهي أقل من حصة بوريس جونسون البالغة 45 في المئة.
غير أن السبب الذي جعل حصة متواضعة من الأصوات كهذه تنتج مثل هذا التمثيل الواسع في مجلس العموم هو أن اليمين كان منقسماً. وكما قال البروفيسور سير جون كيرتس تكراراً خلال الليل، فإن أصوات حزب العمال لم تزد كثيراً، لكن أصوات حزب المحافظين هبطت بقدر كبير مع تحول أصوات أنصاره السابقين إلى حزب "ريفورم" (الإصلاح) أو امتناعهم عن التصويت.
ومن المرجح أن يستمر هذا الانقسام في صفوف اليمين. ففي عام 2019، انتصر جونسون في الانتخابات لأن الناخبين كانوا قد سئموا من الطريق المسدود الذي وصل إليه مشروع بريكست، ونفروا من جيرمي كوربين بشكل كبير. وفي غضون أسابيع من انتخابات عام 2019، لم يعد أي من هذين العاملين قائماً. كانت عملية "إعادة الترتيب" قد انتهت قبل فترة طويلة من أزمة معايير المعيشة، وفضيحة "بارتي غيت"، و[ولاية] ليز تراس.
وقد فاز ستارمر في هذه الانتخابات لأن اليمين منقسم، وقد قدم هو بديلاً بدا معقولاً وكفؤاً. وقد يكون من الصعب الحفاظ على السبب الثاني من في مواجهة الطعنات والسهام التي يتعين على أي حكومة أن تواجهها، إلا أن السبب الأول سيظل قائماً، وسيمنح حزب العمال نقاط تقدم انتخابية لفترة طويلة.
وسيبقى كل ما يقوم به [نواب] حزب المحافظين، بل ونواب حزب "ريفورم"، في البرلمان الجديد تحت مجهر نواب حزب العمال إذ سيكرسون أنفسهم لمحاربة بعضهم بعضاً. وهذا يعني، كما كتبت في وقت سابق، أن حزب العمال سيضطر إلى صناعة معارضته الخاصة، وسيكون هناك عدد كبير من النواب الجاهزين ممن قد يميلون إلى القيام بهذا الدور. سيكون هذا الأمر صعباً، ولكن من السخافة بمكان الإيحاء بأن الفوز الساحق في الانتخابات يمثل كارثة بالنسبة إلى ستارمر.
خلاصة القول هي أن الانقسام الانتخابي في أوساط اليمين لا يمكن معالجته بين ليلة وضحاها. فمن ناحية، لا يبدو الأمر شبيهاً بالانقسام في اليسار الذي ساعد على إبقاء حزب العمال خارج السلطة في ثمانينيات القرن الماضي. آنذاك، كان اليسار منقسماً بين حزب العمال والحزب الاشتراكي الديمقراطي الوسطي. وكان الحل بسيطاً: أن ينتقل حزب العمال إلى الوسط، وهذا هو ما فعله في نهاية المطاف.
أما اليوم، فاليمين منقسم بين حزب المحافظين وحزب "ريفورم" الأكثر يمينية منه. وإذا حاول المحافظون رأب الصدع من خلال الانتقال إلى اليمين، فسينفرون الناخبين ممن صوتوا هذه المرة لحزب العمال أو لحزب الديمقراطيين الأحرار، الذين يحتاج المحافظون إلى استعادتهم.
وإذا سعت زعيمة حزب المحافظين الجديدة، التي من المرجح أن تكون كيمي بادينوك، بعد أن استطاعت الاحتفاظ بمقعدها في هذه الانتخابات، إلى الميل صوب حزب العمال والديمقراطيين الأحرار، فإن نايجل فاراج سيبقى جاثماً على كل تلك المساحة إلى يمينها، ويسرق منها أصوات هذه الفئة.
لن يكون من السهل تهميشه، وبالتأكيد لن يتم ذلك على نحو سريع. إن "خيانة" حكومة المحافظين، كما يراها الناخبون، لوعودها في ما يتعلق بالهجرة والضرائب، لا يمكن محوها من الذاكرة بهذه السهولة. وخصوصاً إذا أبقت حكومة حزب العمال معدل الهجرة الصافي أقل بكثير مما كان عليه في ظل حكومة جونسون صاحبة مشروع بريكست، وإذا تجنبت رايشتيل ريفز زيادة الضرائب بشكل ملحوظ.
نعم، ستواجه حكومة حزب العمال تحديات، وقد تفقد شعبيتها بسرعة كبيرة. ولكن مع وجود غالبية تعادل ضعف تلك التي سجلها جونسون، وانقسام أصوات المعارضة بشكل لا يمكن إصلاحه، قد تبقى القلعة الرملية في مأمن من الأمواج لدورتين برلمانيتين.
© The Independent