Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل انتهى الدرس؟ نصيب تلاميذ لبنان من "حصة الحرب"

غادر كثير منهم مدارسهم المعتادة إلى أخرى هرباً من القصف أو بسبب الوضع الاقتصادي الصعب

ألقت ظروف الحرب في جنوب لبنان بثقلها على الواقع التربوي المتأزم أصلاً في طول البلاد وعرضها (أ ف ب)

ملخص

تعد مغادرة الطالب لمدرسته من ضمن الأمور الصعبة، فالمدرسة بيته الثاني الذي يمضي فيه أعواماً طويلة من حياته وتشكل جزءاً لا يتجزأ من كيانه، وفيها يقيم صداقاته الأولى التي قد تدوم طوال عمره.

منذ بداية الأزمة الاقتصادية الراهنة تدهور الوضع المعيشي للمواطن اللبناني إلى حد كبير، وأصبحت شريحة كبيرة من المجتمع عاجزة عن الاستمرار في نمط العيش الذي كان معتمداً قبلها. ويعد القطاع التربوي من القطاعات التي شهدت تحولاً كبيراً بسبب الأزمة. فصحيح أن التعليم حق للجميع، لكن كثيرين باتوا عاجزين عن تحمل الارتفاع الكبير في أقساط المدارس.

وفي الأعوام الأخيرة سجل ارتفاع كبير في هذه الأقساط مما أرغم كثيراً من المواطنين على نقل أطفالهم إما إلى مدارس رسمية أو تلك التي وضعت أقساطاً أقل يمكن تحملها، في ظل الوضع المعيشي الصعب بعد أن ألقت ظروف الحرب في جنوب لبنان بثقلها على الواقع التربوي المتأزم أصلاً.

وينطبق ذلك خصوصاً على طلاب المناطق الجنوبية التي تشهد قصفاً متواصلاً منذ بداية الحرب في غزة. إذ اضطر الأهالي إلى الانتقال من بيئتهم في المناطق الحدودية بحثاً عن مناطق أكثر أماناً. وكلها ظروف فرضت على آلاف الطلاب الانتقال من المدارس التي أمضوا فيها أعواماً من حياتهم، مع ما لذلك من تداعيات سلبية على صحتهم النفسية.

الانتقال صعب دائماً

وتعد مغادرة الطالب لمدرسته من ضمن الأمور الصعبة فالمدرسة بيته الثاني الذي يمضي فيه أعواماً طويلة من حياته وتشكل جزءاً لا يتجزأ من كيانه، وفيها يقيم صداقاته الأولى التي قد تدوم طوال عمره. حتى إن شخصيته تتكون بصورة أساس في مدرسته مما يجعل أثر الانتقال كبيراً على حياته ونموه وعلاقاته.

الآن أتت الأزمة لتقسم الطلاب إلى فئات، ما بين الذين ينتمون إلى شرائح أكثر يسراً في المجتمع، وأولئك الذين يندرجون في شريحة تأثرت بالأزمة بشدة وباتت عاجزة عن تحمل الوضع المعيشي الصعب والارتفاع الكبير في الأقساط المدرسية. لذلك استطاعت فئة من الطلاب الاستمرار في المدارس نفسها، فيما فرضت الظروف على الفئة الثانية الانتقال إلى مدارس خاصة بأقساط أقل أو اللجوء إلى مدارس رسمية.

 

 

أيضاً فرضت الحرب في القرى الحدودية واقعاً تعليمياً جديداً على الطلاب، فانقسموا بين أولئك الذين اضطروا إلى متابعة التعليم من بعد، والذين انتقلوا من مدارسهم وقراهم نحو مدارس أخرى في مناطق آمنة. وأظهرت إحصاءات وزارة التربية أن أكثر من 10 آلاف طالب تركوا مدارسهم بسبب ظروف الحرب بعد أن أغلقت عشرات المدارس في المناطق الحدودية أبوابها.

الأثر بحسب السبب

ولأن المدرسة تشكل جزءاً لا يتجزأ من كيان الطالب وحياته فإن الأثر السلبي يبدو كبيراً بالنسبة إلى جميع الطلاب الذين اضطروا إلى الانتقال من مدارسهم. وهو ما تؤكده المتخصصة في المعالجة النفسية بالمركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت جومانا عمار، مشيرة إلى أن ذلك الأثر يختلف بحسب الأسباب التي استدعت الانتقال من مدرسة إلى أخرى أو إلى بيئة مختلفة. فالطلاب الذين غادرت عائلاتهم بسبب انفجار مرفأ بيروت غير الطلاب الذين انتقلوا إلى مدارس جديدة بسبب الظروف الاقتصادية أو نتيجة الحرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضيف "بصورة عامة يتعلق الطالب بمدرسته التي يمضي فيها معظم أوقاته أياً كان عمره. حتى إن هناك من الطلاب من يتأثر بقدوم العطلة الصيفية وانتهاء العام الدراسي. لذلك يعد الانتقال من المدرسة أمراً صعباً ويترك أثراً كبيراً لدى الطلبة. ويبدو الوضع أسوأ والأثر أكبر في حال الاضطرار إلى مغادرة المدرسة والانتقال إلى أخرى بسبب الظروف الاقتصادية".

وتتابع "يولد الانتقال من المدرسة إحساساً بانعدام الأمان خصوصاً إذا كانت الظروف الاقتصادية هي السبب، إذ يشدد المتخصصون في التربية وعلم النفس عامة على ضرورة ألا يشعر الطفل بصعوبة الظروف الاقتصادية والوضع المعيشي للأهل. بعض الأهل قد يختارون إخفاء الحقيقة عن الطفل وإبلاغه بأن انتقاله إلى مدرسة أخرى هو لمصلحته ولأنها الأفضل له، خصوصاً إذا كان في سن صغيرة".

ما فقده طلاب الجنوب

وفي المقابل لوحظ أن ثمة حالات لأطفال شعروا بالراحة النفسية بعد الهجرة من البلاد بسبب انفجار المرفأ، لما ولده الحدث من خوف وشعور بانعدام الأمان لديهم. لكن يبدو الوضع مختلفاً بالنسبة إلى طلاب الجنوب الذين تركوا مدارسهم بسبب ظروف الحرب، ومنهم من غادروا قراهم. ويعد الانتقال من المدرسة فحسب أسهل لأن البيت يبقى مصدر الأمان للطفل، ومن الصعب جداً أن يفقد المدرسة والبيت معاً كمصدرين للأمان والثبات. فالانتقال إلى منطقة أخرى يولد خوفاً وقلقاً وصدمة، إضافة إلى القلق من إمكانية خسارة البيت بصورة نهائية بسبب القصف المستمر وخسارة أقارب لا يزالون في المنطقة التي تتعرض للقصف.

 

 

وتقول عمار "بالنسبة إلى الأهل فإن قرار الانتقال يكون صعباً كذلك، وهم يتخذونه بعد مرحلة طويلة من المعاناة والتفكير. وحال القلق والتردد هذه تنعكس أيضاً على الأطفال فأياً كانت أعمارهم يشعرون بها. ومن المهم أن يحاول الأهل حماية الأطفال من هذا التوتر لأنه سينعكس على صحتهم النفسية. مع أهمية الحفاظ على روتين معين لدى الانتقال من المدرسة ليشعر الطفل بمزيد من الاستقرار والأمان".

وتنصح عمار أيضاً بأن يطمئن الأهل الطفل حول الوضع المادي للأسرة، ويؤكدون له أنها مرحلة موقتة وخطوة ستساعد على الخروج من الوضع المادي الصعب وتأمين عيش كريم له. ومن الممكن أن يطمئنوه عبر الاستمرار بالتواصل مع الأصدقاء القدامى. أما في حال الهجرة فمن الممكن أن يتأقلم الطفل مع محيط جديد خصوصاً إذا كان أصغر سناً، فيما يستمر الأكبر بالتواصل مع أصدقائه كما كان في السابق.

وتختم عمار "بالنسبة إلى طلاب الجنوب من المفترض أن تكون النقلة موقتة، مع إعطاء وعد للطفل بالعودة إلى مدرسته وقريته. وهذه الفكرة بذاتها تريحه وتؤمن له شعوراً بالاطمئنان. أما في حال فقدان الأمل فتكون الأمور أكثر صعوبة. وكون هذا الوضع ينطبق على الكل يجعله أكثر تقبلاً له".

المزيد من متابعات