Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا غالبية لأي من الأحزاب... فهل تحكم فرنسا حكومة أقلية؟

النتائج أعادت خلط الأوراق وبدلت المعطيات والأنظار موجهة إلى ما ستسفر عنه مفاوضات تحالف اليسار

اعتبرت مارين لوين أن تصرف اليمين الجمهوري الذي ضم أصواته إلى حلف الرئاسة كان سبب الخسارة (أ ف ب)

ملخص

نتائج أعادت خلط الأوراق وبدلت المعطيات، والصورة الواضحة التي أرادها ماكرون عندما أقدم على حل البرلمان جاءت "مشوشة"

مفاجأة شبه متوقعة جاءت بها نتائج الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية المسبقة، ووقع ما كان في قائمة الاحتمالات، أي عدم فوز أي فريق بغالبية مطلقة، ومن جيد، وهذا ما بات تقليداً فرنسياً، لم يذهب الفرنسيون بخيارهم إلى النهاية لحمل أقصى اليمين إلى المرتبة الأولى، وتنافس نحو 1094 مرشحاً في هذه الجولة لشغل 501 من مقاعد الجمعية الوطنية.

وفي ختام الدور الأول انتخب 75 نائباً من أصل 577، وحصل "التجمع الوطني" على 39 مقعداً في مقابل 32 للجبهة الشعبية الجديدة، ومقعدين اثنين للمعسكر الرئاسي في فرنسا.

وما خرجت به النتائج هو تقدم "الجبهة الشعبية الجديدة" التي احتلت المرتبة الأولى وحصدت 182 مقعداً، التحالف الرئاسي "معاً من أجل الجمهور" احتل المرتبة الثانية بحصوله على 168 مقعداً، و"التجمع الوطني" أقصى اليمين 143 مقعداً، أي أن التحالف الجمهوري نجح بقطع الطريق أمام جوردان بارديلا.

وتفصيلاً تأتي المقاعد بشكل عام موزعة كالتالي 71 لـ "فرنسا الأبية"، 98 "النهضة"، 126 "التجمع الوطني" (أقصى اليمين)، 64 الحزب الاشتراكي، 33 لحزب البيئة، 34 "موديم" يمين ديمقراطي متحالف مع الرئاسة، 26 "أوريزون" تحالف الرئاسة، 39 للجمهوريين، وتسعة الحزب الشيوعي، ثلاثة لأحزاب يسار وأربعة لأحزاب يمين متفرقة.

ويشار إلى أن حزب اليمين المتطرف "التجمع الوطني" ضاعف عدد نوابه بالنسبة إلى عام 2022، أما حزب "فرنسا الأبية" فلم يتقدم عن الدورة السابقة بل فقد بعض المقاعد.

من الرابح ومن الخاسر؟

نتائج أعادت خلط الأوراق وبدلت المعطيات، والصورة الواضحة التي أرادها ماكرون عندما أقدم على حل البرلمان جاءت "مشوشة"، والواضح هو عدم ظهور أية غالبية لأي من الأطراف، وتراجع قوة "فرنسا الأبية" في تحالف أحزاب اليسار "الجبهة الشعبية الجديدة"، ففي حين كانت تشكل 50 في المئة في تحالف اليسار السابقة " نوبس"، باتت اليوم تشكل الثلث يليها الحزب الاشتراكي، مما يعني أن هذا الحزب استعاد بعض حيويته في هذه الحملة.

الملاحظة الثانية هي أنه في ظل عدم وجود غالبية واحتفال كل حزب من هذه الجبهة الجديدة بالنصر على حدة، كل في مقره في صورة غير موحدة، دليل على التناقضات والانقسامات في ما بينها، وهذا ما أشارت إليه نائبة عن "فرنسا الأبية" كليمانتين أوتان في تصريح إذاعي صباح الإثنين.

والسؤال اليوم، هل يمكن أن يتفق تجمع اليسار كما أشار الأمين العام للحزب الاشتراكي أوليفيه فور، على اسم لا يثير الانقسامات خلال أسبوع؟ فالاختيار يجب أن يأخذ بالاعتبار عاملين: الأول هو توزع المجلس على ثلاث كتل من دون غالبية، ومجموع الذين صوتوا لجوردان بارديلا 10 أو 9 ملايين من الفرنسيين، وهو عامل شدد ناشطون سياسيون على أنه يجب أخذه في الحسبان بهدف إعادة اللحمة إلى المجتمع.

ممثلو الأحزاب أوليفيه بومبار عن "فرنسا الأبية"، ومارين توندوليه عن "الخضر"، وأوليفيه فور عن الحزب الاشتراكي، وفابيان روسيل عن الحزب الشيوعي في مشاورات مستمرة للاتفاق على اسم إما من خلال التوافق أو التصويت.

التوافق لتجنب الشلل

ومن خلال هذه المعطيات فإن أقل ما يمكن قوله إن السلطة باتت مركزة في البرلمان، بحسب ما أشار رئيس الحكومة المنتهية ولايته غبريال أتال في كلمة أعلن خلالها استقالته، لكن هل تتحقق توقعات بعض المحللين بأنه سيكون من الصعب حكم البلاد في ظل غياب غالبية واضحة؟   

هل يمكن توقع تحالف يشمل اليمين واليسار؟ هذا ما استبعده مباشرة بعد إعلان النتائج الأمين العام للحزب الاشتراكي أوليفيه فور حين قال "لا لتحالفات تجمع التناقضات والأضداد"، مستبعداً التحالف مع أحزاب الماكرونية عندما قال "لا للتحالف مع النيو ليبرالية ولا مع الفاشية التي فرضت قوانينها بالاستعانة بالمادة (49/3)"، معتبراً أن "ما فرض بقوة الـ (49/3) سيلغى بقوة الـ (49/3).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المتحدث باسم "التجمع الوطني" (أقصى اليمين) سيباستيان شونو أكد أن حزبه سيبقى في المعارضة الواضحة، ولن يبحث عن تحالفات "مشبوهة كما سيفعل الاشتراكي الذي قد يتخلى عن ميلانشون للتحالف مع حزب ماكرون"، وهذا ما استبعده المحلل السياسي برتران بادي في في تصريح إلى "اندبندنت عربية" قائلاً "من الصعب أن يتخلى الحزب الاشتراكي عن الجبهة الشعبية الجديدة في الوقت الحالي، لأنه مدين لها يفوزه".

كما أن "حزب الجمهوريين" (اليمين التقليدي)، قوة صغيرة ومنقسمة، وزنه لا يسمح له بإحداث فارق، مما يعني أن الحل الوحيد يكمن بحكومة أقلية تعرف كيف تلعب على التوازنات لسد الفراغ موقتاً، بحسب محللين.

كيف تعمل الحكومة الأقلية؟

وفي ظل النظام البرلماني تحتاج الحكومة إلى دعم غالبية النواب، وعندما لا يحصل أي حزب على غالبية مطلقة من المقاعد في البرلمان، فإن الحزب الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات هو الذي يشكل حكومة أقلية، وفي النظام البرلماني فإن الحكومة الأقلية تدوم طالما أحزاب المعارضة التي تشكل الغالبية، تبقى منقسمة، وما إن يتحدون على تصويت مهم أو حجب ثقة، يمكن قلب الحكومة، مما يعني أن مفهوم حكومة الأقلية هو نقيض حكومة الغالبية.

وهو ما أشارت إليه كليمانتين أوتان إلى أنه في ظل حكومة من دون غالبية فما سيحصل هو ترك كل نائب يصوت بحسب ما يمليه عليه ضميره وحسه الشخصي، لا انتماؤه إلى مجموعة برلمانية.

رئيس "حزب الوسط الديمقراطي" فرانسوا بايرو من ائتلاف ماكرون، وممثل حزب "فرنسا الأبية" أوليفيه بومبار لخصا الوضع بالقول إنه "ما من أحد ربح في هذه الانتخابات"، إذ صوت الشعب لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف.

أي برنامج؟

جان لوك ميلانشون كان سبّاقاً في الإعلان عن فرحته، معتبراً أن التغيير قادم وأن مجموعة اليسار الجديدة ستطبق برنامجاً واحداً وهو "إلغاء قانون التقاعد" الذي حدد سنه عند 64 سنة، مع رفع الحد الأدنى للأجور وتجميد الأسعار.

لكن بين النظرية والواقع فرق شاسع، فتطبيق هذه القرارات يتطلب التصويت والحصول على غالبية أو إجراء استفتاء شعبي، كما اقترحت النائبة عن حزبه كليمانتين أوتان، مما يعني أن كل مشروع سيتطلب جهداً للتوصل إلى غالبية تماماً كما كان يحصل لحكومة بورن التي استعانت بالمادة (49/3) لتمرير القوانين الجديدة من دون التصويت، واستبعدت نائبة "فرنسا الأبية" أن يتم اللجوء إلى هذه المادة، مفضلة الاستفتاء وأن "يصوت كل نائب بحسب ما يمليه عليه ضميره، بغض النظر عن المجموعة التي ينتمي إليها".

ماكرون يفضل التريث

الرئيس إيمانويل ماكرون فضل التريث "لانجلاء الغبار"، وبدأ البحث عن تحالفات ممكنة تعطيه الغالبية على رغم ضعف حظوظه، إذ اتصل بأعضاء فريقه والرئيس السابق فرانسوا هولاند الذي نجح في منطقته كوريز، وهو عمدة مدينة تولن، وتساءل متابعون "هل يمكنه التلاعب على نفور هولاند من ميلانشون"؟

وفي هذا الصدد الأمر ليس مضموناً، فالأمين العام للحزب الاشتراكي أوليفيه فور أوضح الموقف، إذ اعتبر أن النتائج ستؤدي إلى إعادة تأسيس واسعة وأن على تجمع اليسار تأسيس مشروع جماعي ورفض النيو ليبرالية والفاشية التي كانت مفروضة، (بالإشارة إلى سياسة ماكرون)، مستبعداً "تحالف الأضداد التي تشكل خيانة للناخبين".

مارين لوبن

وصرحت مارين لوبن بأنها غير متفاجئة، فمسيرتها عودتها على الخسارة عند الخطوة الأخيرة وأنها ستبقى في المعارضة من دون البحث عن تحالفات، واعتبرت أن تصرف اليمين الجمهوري الذي ضم أصواته إلى حلف الرئاسة كان سبب الخسارة، إضافة إلى التحالفات بين أعداء الأمس لقطع الطريق أمام حزبها.

وفي تحليل آخر اعتبر فلوريان فيليبو، وهو الشخصية الثانية سابقاً في حزب لوبن لكنه أسس حزباً جديداً، معتبراً أن لوبن عدلت عن مواقفها وباتت موالية لأوروبا والمفوضية الأوروبية وموالية لحلف الأطلسي، واعتبر أن النتائج أتت بصورة مماثلة لما قبل الانتخابات، مشيراً إلى أن ميلانشون تسرع بإعلان فرحته، "فهو لم يحظ بغالبية الأصوات"، وعندما ستتضح الصورة ويعلن اليمين الذي لم يلتحق بـ "سيوتي" وأحزاب التحالف الرئاسي ضم أصواتهم، فهم من سيكون لهم الغالبية وتكون الصورة في البرلمان على ما كانت عليه من قبل.

ما من غالبية

من الباكر الآن معرفة ما ستكون عليه الصورة، فغبريال آتال رئيس الحكومة أعلن أنه لم يختر حل البرلمان وليس مستعداً أن يتحمل ما نتج من القرار وقدم استقالته، ولكنه يبقى في منصبه المدة التي يتطلبها واجبه الوطني، بخاصة مع قرب موعد الألعاب الأولمبية.

 وهذا قرار لم يكن مفاجئاً، كون فريق ماكرون اتخذ مسافة من الرئيس وعمل كل واحد منهم لإعادة انتخابه للتفرغ لمشروعه الانتخابي الشخصي عام 2027، وهذا ما عبر عنه رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب.

وإدوار فيليب عمدة مدينة لوهافر الذي استعاد مقعده النيابي، وقال في كلمة موجهة للرئيس إن "الرئيس الذي أراد حل البرلمان لتوضيح الصورة هو الآن في مواجهة برلمان من دون غالبية، وبدل الوضوح بات أمام عدم القرار"، وهذا التصويت الذي اعتبر تاريخياً وشهد حملة متوترة لم يأت بأي حسم يوضح الصورة بل أتى برهانات سياسية إضافية.

أستاذ القانون العام في جامعة باريس توماس بيرو يقول لـ "اندبندنت عربية" إن ماكرون لا يمكنه في الوقت الحالي إيجاد تحالف يؤمن له الغالبية، فهو طلب من غبريال آتال البقاء ويتعين على المجموعات الأخرى إيجاد ائتلاف، وبانتظار ما ستسفر عنه هذه المشاورات "يبقى الوضع كما هو".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير