هل باتت الروبوتات تمتلك الوعي كالبشر فتحب وتكتئب وتنتحر؟

في حادثة صادمة هي الأولى من نوعها في العالم، أعلنت بلدية مدينة غومي الواقعة وسط كوريا الجنوبية قبل بضعة أيام، فتحها تحقيقاً رسمياً بانتحار روبوت كان يستعان به في إنجاز مهام إدارية داخل مبنى البلدية بعد أن ألقى بنفسه من أعلى الدرج لأنه لم يتحمل ساعات العمل الطويلة.

وبينما تحاول السلطات الكورية الجنوبية تفسير واقعة انتحار هذا الروبوت الذي كان يعمل بجد في تسليم المستندات اليومية والترويج للمدينة ونشر المعلومات على السكان المحليين، فقد أشعلت هذه الحادثة جدلاً عالمياً واسعاً حول دوافع الروبوت وعما إذا كنا اقتربنا من مرحلة مفصلية تتمتع فيها الروبوتات بوعي ذاتي شبيه بالبشر.

ادعت شركة "غوغل" الأميركية قبل عامين أن روبوتها "لامدا" واع ومدرك ذاته ومحيطه (أ ف ب/ غيتي)

حقيقة ما حدث

في الحقيقة كل ما يتداول على وسائل التواصل الاجتماعي حول "اكتئاب" هذا الروبوت وإقدامه على الانتحار لا يمت إلى الحقيقة بصلة، فالمسألة أبسط من ذلك بكثير، إذ تسبب الإفراط في العمل بعطل تقني بسيط ونظراً إلى وجوده إلى جانب الدرج سقط الروبوت وتعطل تماماً.

وما حدث مع هذا الروبوت الذي يطلق عليه اسم "المشرف" الفريد من نوعه، يحتم علينا الإضاءة على واقع ضغط العمل في كوريا الجنوبية لفهم أسباب تعطله، إذ إن تحقيق هذه الدولة الآسيوية المتطورة تقدماً هائلاً في الاقتصاد والتكنولوجيا جنباً إلى جنب مع ثقافة الشركات الناشئة المتنامية، جعل من الكوريين الجنوبيين شعباً مرهقاً أكثر من أي وقت مضى.

وهذا ما توضحه الأرقام، إذ أشارت بيانات "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" OECD لعام 2022، إلى أن الكوريين الجنوبيين يعملون بمعدل 1901 ساعة سنوياً، أي 149 ساعة أطول من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 1752 ساعة. وفي الأسبوع الماضي، أضرب عمال شركة "سامسونغ"، إحدى الشركات الأكثر قيمة في البلاد، مطالبين بتحسين الأجور وظروف العمل، فيما قالت نقابة العمال إنها تريد نظاماً أكثر شفافية للمكافآت والإجازات، وتريد من الشركة معاملتها كشريك على قدم المساواة.

والسبب في ضغط العمل الكبير يعود إلى البيئة التنافسية المحتدمة التي تفرض على الموظفين ضغوطاً هائلة لتحقيق الأهداف، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات التوتر والإرهاق. وعلى رغم الجهود التي بذلتها الحكومة الكورية الجنوبية، العام الماضي، لخفض الحد الأقصى القانوني لساعات العمل من 68 إلى 52 أسبوعياً فإن المواقف الثقافية والمجتمعية الراسخة، وارتفاع كلف المعيشة وتوقعات الشركات تشكل مجتمعة عائقاً لهذه الإصلاحات.

تجدر الإشارة إلى أن كوريا الجنوبية لديها أعلى كثافة للروبوتات في العالم، وتوظف روبوتاً اصطناعياً واحداً لكل 10 موظفين، بما يعادل سبعة أضعاف عدد العمال الآليين مقارنة بالمعدل العالمي، وهذا ما يترك الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية متخلفة عن الركب.

الروبوتات والمشاعر الإنسانية

وبعيداً من ظروف العمل في كوريا الجنوبية وارتباطها المباشر بتعطل الروبوت، تطرح هذه الحادثة علامات استفهام حول قدرة الروبوتات، أقله في الوقت الحالي، على محاكاة الدماغ البشري وتطوير مشاعر وعواطف شبيهة بتلك التي يمتلكها الإنسان، لكن العلماء يجزمون أن كل ما تستطيع الروبوتات فعله حالياً ينحصر باستشعار العالم والعوامل من حولها، ومن خلال القيام بذلك يمكنها الاستجابة للظروف.

ولتوضيح الأمر أكثر، يمكن للبرامج أو الروبوتات التعبير عن الحزن أو السعادة، لكنها لا تشعر بذلك بالطريقة التي نعرفها ونفعلها، وكل ما يقال عكس ذلك هو مجاف للحقيقة، فمثلاً ادعت شركة "غوغل" الأميركية قبل عامين أن روبوتها "لامدا" واع ومدرك ذاته ومحيطه نظراً إلى قدرته على التحدث بإتقان، ليتبين لاحقاً أنه برنامج دردشة أنشأه البشر ووظيفته التعلم من التجربة والتحسن من تلقاء نفسه.

خلاصة القول، كان روبوت "لامدا" قادراً على ربط ملايين الجمل وإعطائها معنى والتحدث عن عدد كبير من المواضيع، ووجود روبوتات تمتلك مشاعر بشرية لن يكون ممكناً إذا لم يوجه الإنسان للخوارزمية ما يجب القيام به وكيفية العمل، وبصرف النظر عن التقدم الملحوظ في صناعة الروبوتات، لا يزال يتعين علينا أن نحافظ على توقعات متدنية لناحية تطور الآلات وامتلاكها عواطف بشرية، ونترك هذا الموضوع لأفلام الخيال العلمي.

إضافة إلى ما تقدم، تواجه الروبوتات في كثير من الأحيان صعوبة في قراءة العواطف البشرية، إذ غالباً ما يكون هناك انفصال بين ما يقول الناس إنهم يشعرون به وما يشعرون به بالفعل، وهذا ما يدفعنا إلى الاستنتاج بأن الآلة قد لا تصل أبداً إلى هذا المستوى من الفهم.

اكتساب الوعي

وإذا ما أردنا الحديث عما إذا كانت أجهزة الكمبيوتر أو الروبوتات قادرة على اكتساب الوعي أم لا، فالإجابة ليست سهلة تماماً خصوصاً أن هناك كثيراً مما لا نعرفه عن الوعي البشري، وفي حين يقوم المبرمجون وعلماء الكمبيوتر بإنشاء خوارزميات يمكنها محاكاة التفكير على مستوى سطحي، فإن فك الشيفرة اللازمة لإعطاء الوعي للآلة يظل بعيداً من متناولنا.

ويكمن جزء من هذه المشكلة في تعريف الوعي، وهنا يقول أستاذ الفلسفة في جامعة "كاليفورنيا ريفرسايد" الأميركية، إريك شويتزجيبيل، إن الأحاسيس الحية هي جزء من الوعي وعبر أجهزة الاستشعار يمكن للروبوتات وأجهزة الكمبيوتر تجربة أو في الأقل اكتشاف المحفزات التي يمكن أن نفسرها على أنها أحاسيس، مشيراً في الوقت نفسه إلى حالات أخرى من الوعي كالحديث مع النفس والصور المرئية والعواطف والأحلام، وكلها عناصر يمكننا تجربتها ولا تستطيع الآلات القيام بها.

من دون هذا الفهم قد يكون من المستحيل منح الآلات الوعي، وعوضاً عن ذلك يمكن إنشاء برامج تحاكي الفكر، بحيث تمنح هذه البرامج الآلة القدرة على التعرف إلى الأنماط والاستجابة لها، لكن في نهاية المطاف لن تكون الآلة على علم بنفسها وستبقى ببساطة تستجيب للأوامر.

ومع ذلك هناك فرق من المهندسين والعلماء حول العالم يعملون على تطوير الوعي الاصطناعي، ويكمن التحدي الرئيس الذي يصعب مهمتهم بعدم امتلاكنا فهماً كاملاً لكيفية عمل الدماغ البشري، لذا فإن بناء نسخة اصطناعية منه لخلق وعي فعلي سيكون أشبه بالمستحيل.

ماذا لو امتلكت الروبوتات وعياً شبيهاً بالبشر؟

وبعد أن فندنا الأسباب التي تمنع وجود روبوتات واعية تمتلك مشاعر شبيهة بالبشر في العقود القليلة المقبلة، نشير إلى أن هناك نقاشاً افتراضياً وتساؤلات أخلاقية خطرة يطرحها كثر في عالم التكنولوجيا عن سيناريو توجد فيه روبوتات واعية وكيفية تفاعلها مع العالم وإذا كانت ستمنح الحقوق القانونية وغير ذلك.

وتشكل الآلات الواعية الأساس لعديد من حكايات الخيال العلمي، فتتصور أفلام مثل "ذا ماتريكس" أو "ذا تيرمينايتور" عالماً تمكنت فيه الآلات من إخضاع البشرية معتمدة على مفهوم "التحسين الذاتي المتكرر"، الذي يشير إلى القدرة النظرية للآلة على فحص نفسها، والتعرف إلى الطرق التي يمكنها من خلالها تحسين تصميمها الخاص ثم تعديل نفسها أو بناء إصدارات جديدة ومحسنة، بحيث سيكون كل جيل من الآلات أكثر ذكاءً وأفضل تصميماً من الجيل السابق.

وبالفعل يتوقع عالم الحاسوب الأميركي راي كورزويل الذي اشتهر بتنبؤ المستقبل بدقة غريبة أن تصبح الروبوتات في المستقبل البعيد ماهرة جداً في تحسين نفسها، وبأننا سيتعين علينا حينها إعادة تعريف الواقع لأنه لن يشبه الحاضر على الإطلاق.

وهذا النوع من التوقعات يفتح النقاش حول مصير البشر في العالم الجديد، فتتحدث بعض السيناريوهات عن اندماجنا مع الآلات، وبعضها الآخر عن توصل الآلات إلى استنتاج مفاده بأن البشر لم يعودوا ضروريين، فتتجاهلنا بينما تستمر في بناء تكنولوجيا أكثر إثارة للإعجاب، وفي أسوأ الحالات تقضي علينا إما كنوع من الحفاظ على الذات أو انتقاماً.

وكما سبق وأسلفنا تبقى جميع هذه السيناريوهات موضع النقاش افتراضية، فقد لا نتعلم أبداً سر خلق الوعي الاصطناعي، ومن الممكن أن يكون الوعي في الأساس فيزيولوجياً ولا يمكننا محاكاته بصورة مصطنعة.