Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عدو النباتات والشعوب... هلع في الجزائر من غزو الجراد

ظهور نوع جيد يفاقم قلق المزارعين ووزير الفلاحة قيد المساءلة البرلمانية وشكوك حول "الأمن الغذائي"

تعاني الجزائر من هجمات الجراد كل عام تقريباً خصوصاً على مستوى المناطق الغربية أو القريبة من الصحراء (أ ف ب)

ملخص

على رغم تطمينات الجهات البيطرية والفلاحية بأن هذا النوع من الجراد مسالم وغير ضار وليس من الصنف الذي يجتاح المزارع والبساتين ويحولها إلى خراب، فإن المخاوف تسكن قلوب وعقول الفلاحين لأن النباتات تبقى الغذاء المفضل للجراد بمختلف أنواعه.

تعيش فئات واسعة من الفلاحين في الجزائر على وقع المخاوف من غزو أسراب الجراد واستهداف محاصيلهم الزراعية بعد ظهور أحد الأنواع الغريبة الشكل، مما شغل الشارع وأصبح حديث الناس.

وتسبب نزول أعداد ضخمة من الجراد بمحافظة سطيف شرق الجزائر من الشوارع إلى المناطق الريفية والفلاحية مروراً بحدائق المدينة، في استنفار أوساط السكان الذين هرعوا مسرعين إلى منازلهم وهم في حال هيستيرية، خصوصاً النساء والأطفال.

وما زاد من الهلع نوعية الجراد الغريبة بحسب وصف المواطنين من كبار السن، فهو من الحجم الصغير باللونين الأخضر والبني على غير العادة، إذ تعرف المنطقة هجمات أسراب الجراد الأصفر الكبير واعتاد السكان على رؤيته.

وعلى رغم تطمينات الجهات البيطرية والفلاحية بأن هذا النوع من الجراد مسالم وغير ضار وليس من الصنف الذي يجتاح المزارع والبساتين ويحولها إلى خراب، فإن المخاوف تسكن قلوب وعقول الفلاحين لأن النباتات تبقى الغذاء المفضل للجراد بمختلف أنواعه.

"الفلاحة" قيد المساءلة

تعاني الجزائر من هجمات الجراد كل عام تقريباً خصوصاً على مستوى المناطق الغربية أو القريبة من الصحراء، وتسببت هذه الهجمات مرات عدة في مساءلة برلمانية كتابية لوزير القطاع، وآخرها وجهها البرلماني أحمد ربحي إلى وزير الفلاحة والتنمية الريفية قائلاً إن بعض البلديات في المحافظات الغربية المتاخمة للحدود مع المغرب ومنذ قرابة أسبوعين تعاني غزو أسراب الجراد، وانتشرت بصورة واسعة في بلدتي "تلموني" و"زروالة" التابعتين لمحافظة سيدي بلعباس، وتسببت هذه الأسراب في خسائر للفلاحين والمحاصيل الزراعية.

 

 

وتساءل النائب "ما البرنامج الذي سطرته مصالح وزارة الفلاحة والتنمية الريفية لمعالجة الأراضي المتضررة من هذه الحشرة، وما الاستراتيجية الاستشرافية التي وضعتها لحماية النباتات والمحاصيل الزراعية من غزو الجراد على المستوى الوطني؟".

ومن أجل مواجهة الوضع دخلت الحكومة سباقاً مع الزمن وأصدرت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية في مارس (آذار) الماضي تنبيهات زراعية لمساعدة الفلاحين، وقال المعهد الوطني لحماية النباتات إن تحسن الظروف المناخية خلال الأيام الماضية أسهم في ظهور أولى بؤر الجراد على مستوى مناطق الهضاب العليا ومن بينها محافظة سطيف، والمناطق السهبية الغربية.

ودعت المصالح الفلاحية المواطنين إلى الإبلاغ عن أي ظهور لهذه الحشرة من أجل التدخل في أقرب الآجال بالمعالجة الضرورية، أما باقي فلاحي هذه المناطق فهم مطالبون باليقظة من خلال زيادة المراقبة خصوصاً حول المناطق المزروعة.

ووضعت الوزارة وسائل تكنولوجية حديثة تدعم نظام الاستكشاف كصور الأقمار الاصطناعية بالتعاون مع الوكالة الفضائية الجزائرية لمعرفة الغطاء النباتي، وأعدت مواقع عدة للتنبؤات المناخية تستعمل من طرف معهد حماية النباتات لتسهيل وتوجيه فرق الاستكشاف.

تهديد يستدعي التجند

وأشار الأمين العام لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية حميد بن سعد إلى أنه "بالنظر إلى التهديد الدائم الذي يشكله الجراد الصحراوي على الأمن الغذائي لبلادنا، فإن الجزائر منذ الاستقلال اعتمدت بكل حزم وثبات نمط المكافحة الوقائية من خلال تجنيد جميع الموارد البشرية والمادية اللازمة لاستدامة هذه الاستراتيجية التي من شأنها ضمان التنبؤ المبكر بقدوم هذه الآفة".

وأضاف أن عدداً من المشاريع الاستثمارية المتعلقة بالبناء وإعادة التأهيل التي منحتها الحكومة للمعهد الوطني لحماية النباتات كونه الأداة العملياتية للمكافحة، أتاحت لمصالح مكافحة الجراد الوجود في جميع مناطق البلاد عبر قواعد لوجيستية مجهزة بجميع الوسائل اللازمة للتدخل السريع والفعال، وتأسس مخبر متخصص في علوم الجراد على مستوى محافظة تمنراست بأقصى الجنوب على الحدود مع مالي، بهدف التكفل بالبحث في البيئات الحيوية للجراد ولضمان التغطية التقنية والعلمية الشاملة في جميع أنحاء المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى ذلك حذرت دراسة حديثة لـ"سيانس أدفانسد" من غزو الجراد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وقالت إن انتشار الجراد الصحراوي يزداد مع تغير المناخ، ومن المعروف أن سرباً واحداً بمساحة كيلومتر مربع يمكن أن يأكل الغذاء الذي يكفي لتغذية 35 ألف شخص في يوم واحد.

وأضافت أنه مع ارتفاع درجات الحرارة وتغير نمط الأمطار تصبح البيئة أكثر ملائمة لتكاثر الجراد، مما يعني أنه قد تكون هناك زيادة في عدد هجمات الجراد المدمرة في المستقبل القريب، بالتالي يكون التأثير في الأمن الغذائي وخيماً على اعتبار أنه يمكن للجراد تدمير محاصيل بأكملها في وقت قصير، مما يؤدي إلى نقص في إمدادات الطعام وزيادة الجوع والفقر.

وشددت الدراسة على أن الجزائر والهند والمغرب والسودان وباكستان من المرجح أن تواجه أزمات متزامنة من هذا النوع، ونظراً إلى أن كل من أفريقيا وجنوب آسيا هما مخزنان مهمان للحبوب العالمية فإنه يمكن أن تؤدي هجمات الجراد المتزامنة إلى خسائر جسيمة في المحاصيل بصورة تهدد الأمن الغذائي العالمي.

منظمة الـ"فاو" توضح

وكشفت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن الجزائر شهدت في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) الماضيين هجوماً للجراد قادماً من النيجر ومالي وموريتانيا وتشاد، مشيرة إلى أن السرب الواحد يضم بين 40 و80 مليون جرادة، ويمكن للسرب أن يغطي مساحة تراوح ما بين كيلومتر مربع ومئات الكيلومترات، قاطعاً مسافة قد تصل إلى 130 كيلومتراً في اليوم الواحد، بسرعة تصل إلى نحو 19 كيلومتراً في الساعة.

وحذرت من أن أسراب الجراد تمثل كارثة على المحاصيل الزراعية إذ إن طناً واحداً فقط من الجراد الصحراوي يمكنه أن يلتهم في اليوم الواحد الطعام الذي يكفي لإشباع 2500 شخص من المحاصيل الزراعية، مبرزة أن كل جرادة تستهلك غرامين من النباتات يومياً، بالتالي فإن سرباً من 80 مليون جرادة يلتهم ما يعادل استهلاك 35 ألف شخص يومياً من الطعام.

 

 

وفي السياق يرى أستاذ العلوم الزراعية كمال زيربي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن الجراد عدو النباتات والشعوب، لأن أسرابه إذا دخلت منطقة لا تخرج منها إلا وقد أهلكت الزرع، مما جعل المخاوف تتزايد مع ظهور نوع غريب من هذه الحشرة بمحافظة سطيف.

وقال إن الجزائر تبذل مجهودات ضخمة من أجل تحقيق أمنها الغذائي والوصول إلى الاكتفاء الذاتي وبخاصة في مادة القمح وهي أهم رهان تستهدفه، لذا فإن ظهور الجراد يستنفر الجميع، وقد يكون عاملاً مهماً من أجل إعادة الحسابات ووضع حلول أو استراتيجيات ناجعة تمنع فشل مشاريع زراعية عدة تندرج في هذا الإطار، وآخرها الاتفاق الموقع مع إيطاليا ويشمل زرع 10 آلاف هكتار من القمح في إحدى مناطق الجنوب.

ويواصل زيربي أن إيجاد حلول لمواجهة أسراب الجراد خصوصاً المقبلة من الجنوب الصحراوي بات ضرورياً لإتمام ما بدأته الجزائر بخصوص تحقيق الاكتفاء الذاتي، مضيفاً أن التغيرات المناخية التي أنتجت ظواهر خطرة وأوضاعاً معقدة تضع ضمان الأمن الغذائي على المحك. فالظاهرة مرشحة للتوسع والتكرار لذا يستدعي الأمر اهتماماً متزايداً وكلفاً ضخمة وإمكانات كبيرة لأنه يتعلق بقوت ومستقبل الجزائريين.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة