Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هاجس الخلايا النائمة يؤرق عواصم ولايات السودان الآمنة

حملات أمنية وإدارية لتأمين المدن وإخضاع الأجانب وبعض النازحين للفحص والتدقيق الأمني

حملات إزالة وضبط أمني بمدينة بورتسودان (حسن حامد - اندبندنت عربية)

ملخص

سعت الولايات السودانية التي لم تصل إليها نيران الحرب المشتعلة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" إلى تنظيم حملات أمنية وضبط المخالفين خوفاً من وجود خلايا نائمة قد تسهم في زعزعة الاستقرار النسبي الذي لا تزال تنعم به تلك المناطق.

تحت وطأة المخاوف من تمدد الحرب في السودان صعدت معظم المدن في الولايات الآمنة التي لم يصل إليها القتال الإجراءات الأمنية الإدارية في حملات منظمة لضبط حركة الأفراد والبضائع وتنظيم الأسواق ومحاربة الأنشطة التجارية الهامشية وإزالة التعديات العمرانية، شملت معظم مدن ولايات البحر الأحمر (بورتسودان) وكسلا ونهر النيل (عطبرة وشندي ومروي) والشمالية والقضارف والخرطوم.

وبدأت السلطات في تلك الولايات إخضاع الأجانب وبعض النازحين للفحص والتدقيق الأمني. ويرى مراقبون أن تلك الإجراءات والحملات وإن تدثرت بغطاء تنظيم الأسواق والشوارع لكنها طالت بعض الفئات والمجموعات على أساس الانتماء الجهوي والقبلي، لا سيما تلك المرتبطة بالمكون الاجتماعي لقوات "الدعم السريع" في دارفور، مما قد يشكك في أصل وطبيعة الدوافع وراء تلك الحملات، وهل هي عامة ومجردة أم وراءها أهداف أخرى قد تكون عنصرية؟

وسط انتقادات بممارسة التمييز الجهوي والعنصري والتعدي على حرية المواطنين تشدد السلطات في معظم عواصم الولايات الآمنة منذ أسابيع حملاتها في ملاحقة الباعة المتجولين والمحال العشوائية في الأسواق والشوارع، ضمن حملات تقول إنها "تهدف إلى تنظيم أسواق المدن ومكافحة الانفلات الأمني وضبط الخلايا النائمة لقوات الدعم السريع".


مسيرات انتحارية

وفي سياق التهديدات التي تتعرض لها تلك الولايات، أسقطت الدفاعات الجوية بفرقة شندي العسكرية بنهر النيل الأسبوع الماضي مسيرتين انتحاريتين تتبعان "الدعم السريع". كما أسقطت المضادات الأرضية بولاية القضارف مسيرتين تتبعان أيضاً "الدعم السريع" كانتا تستهدفان تجمعاً للنفرة الشعبية لدعم المقاومة الشعبية برئاسة حكومة الولاية، وبحضور الوالي المكلف وعدد من أعضاء حكومته إلى جانب قيادات الأجهزة الأمنية والأهلية والمجتمعية بالولاية.

وأوضح والي القضارف المكلف اللواء محمد أحمد حسن أن الجيش والأجهزة النظامية الأخرى على أهبة الاستعداد للتعامل مع أي مهددات، مطالباً المواطنين بالمساهمة في تعزيز الأمن وكشف المندسين، محذراً من أن "سقوط ولاية القضارف يعني سقوط السودان عامة".

تحوطات بـ"الشمالية"

وفي ولاية الشمالية أكدت مصادر متابعة أن السلطات الأمنية بمحلية أبوحمد تحفظت في سياق حملتها الأمنية على أكثر من 500 أجنبي من جنسيات أفريقية من دول مجاورة داخل المدينة، فيما تتواصل عمليات ضبط الوجود الأجنبي بأسواق التعدين التقليدي عن الذهب مع إبعاد مخالفي لوائح تنظيم عمل الأجانب.

وكشف المدير التنفيذي لمحلية مروي، محجوب محمد سيد أحمد، عن وجود خلايا نائمة بالمحلية، مطالباً برفع الحس الأمني للمواطنين وسط الأحياء. وأضاف سيد أحمد "كان للخلايا النائمة دور كبير في دخول الميليشيات إلى مدن ود مدني بولاية الجزيرة، وسنجه عاصمة ولاية سنار"، مشككاً في وجود الآلاف من عناصر الخلايا النائمة بالمحلية، مما يستدعي الحذر ومراجعة الوجود الأجنبي وتحديث بياناته في منطقة مروي.

وكان قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان وصل إلى مدينة الدبة ضمن زيارته الولاية الشمالية أمس الخميس، وعقد اجتماعاً مع اللجنة الأمنية ولجنة الاستنفار والمقاومة الشعبية بالمحلية.

وفي وقت سابق توعدت قوات "الدعم السريع" في مقاطع فيديو بثها بعض قادتها الميدانيين بالزحف نحو مدينة الدبة بالولاية الشمالية عبر صحراء "درب الأربعين" التاريخي من إقليم دارفور.


حملات في عطبرة

أما في ولاية نهر النيل المجاورة للخرطوم فكثفت اللجنة الأمنية بمحلية شندي، أقرب مدن الولاية إلى العاصمة من الجهة الشمالية، حملاتها على المواقع المزدحمة بالأسواق ومحطات المواصلات وكل التجمعات ومنافذ ومداخل المحلية من كل الاتجاهات، بوصفها أوكاراً للجريمة ومناطق اشتباه وجود الخلايا النائمة.

وتفقد المدير التنفيذي رئيس اللجنة الأمنية للمحلية خالد عبدالغفار الحملات المشتركة بين سلطات المحلية والأجهزة الشرطية والتنفيذية المتخصصة، وضبطت مخالفات عدة وأزيلت كل محال سوق الشاحنات القديمة تمهيداً لترحيلها إلى شرق المدينة.
وأوضح عبدالغفار أن الحملات تتم وفقاً لقانون الطوارئ إلى جانب القوانين الولائية والأوامر المحلية الأخرى التي تهدف معاً إلى بسط حالة الأمن والاستقرار والحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم في ظل الظروف الأمنية الراهنة التي تشهدها البلاد.

على الصعيد نفسه نفذت محلية عطبرة بالولاية ذاتها حملة واسعة استهدفت تأمين المدينة والقبض على الخلايا النائمة، وإزالة كل التشوهات والمخالفات الإدارية والظواهر السلبية في الأسواق.

إغلاق النيل الأبيض

وعلى خلفية المخاوف وما تبثه قوات "الدعم السريع" بوجود حشود لها على الضفة الأخرى من نهر النيل الأبيض، أصدر الوالي المكلف عمر الخليفة أمر طوارئ منع بموجبه استخدام المواعين النهرية لأي أغراض بالولاية، بما يشمل المعدية و"اللنشات" والمراكب أو أي وسيلة أخرى يستخدمها الإنسان في نهر النيل الأبيض.

واعتبر أمر الطوارئ كل من يقوم بنقل الأشخاص والأشياء الأخرى أو ممارسة أي نشاط على نهر النيل الأبيض مخالفاً لهذا الأمر، وسيعرض نفسه لعقوبة السجن أو الغرامة أو العقوبتين معاً في حالة تكرار المخالفة مع مصادرة الوسيلة.

وفي أمر طوارئ منفصل أمر الوالي المكلف بإغلاق كل الأندية والمقاهي والأسواق بالولاية، اعتباراً من الساعة السادسة مساءً، باستثناء المرافق الصحية والمخابز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تأهب واستعدادات

في أول اجتماع لـ "المقاومة الشعبية" بولاية كسلا بعد إعادة تشكيلها شددت على الأولوية القصوى للاستعداد وتأمين الولاية.

وأعلن والي الولاية المكلف اللواء معاش الصادق محمد الأزرق عن "تشكيل غرفة إعلامية لدحض الإشاعات وتزويد الرأي العام بالولاية المعلومات والحقائق عن معركة الكرامة". وقدم الأزرق تنويراً عن الوضع الأمني بالولاية، خلال لقائه برابطة الصحافيين الوافدين إلى كسلا، مطمئناً أن كسلا محروسة برجال القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى والمستنفرين.

وفي النيل الأزرق أكدت حكومة الإقليم استقرار كل الأوضاع بفضل ترابط الجبهة الداخلية وتماسك مكونات المنظومة الأمنية بحماية الوطن.

ودعت في بيان لها مواطني الإقليم إلى عدم الالتفات للإشاعات المغرضة التي تروج لها الدوائر المعادية للوطن من خلال العملاء والخونة والمأجورين.

وحيا البيان "صمود الجيش والحركة الشعبية والأمن والشرطة وكتائب المقاومة الشعبية المسلحة"، داعياً المنظمات المختلفة إلى "ضرورة الانتظام في برامج الدعم والإسناد للنازحين والمتأثرين بأحداث ولاية سنار الموجودين بالإقليم".

الخرطوم الجريحة

وفي الأجزاء التي يسيطر عليها الجيش بولاية الخرطوم وقفت لجنة أمن الولاية برئاسة الوالي المكلف أحمد عثمان حمزة، على تقارير خطة تأمين الولاية ومكافحة الجريمة والقبض على الأشخاص المخالفين أوامر الطوارئ.
وأوضح تعميم صحافي من حكومة الولاية أن اجتماع لجنة الأمن اطلع على تنفيذ أمر الطوارئ الخاص بحظر التجول وإغلاق المحال التجارية وضبط تجاوزات ومخالفات عدة، وقرار حظر الدراجات النارية الذي أسفر عن حجز مئات الدراجات المخالفة.

وأشار الوالي حمزة إلى ترحيل بعض المصانع الموجودة بالمنطقة الصناعية في أم درمان إلى دولتي تشاد وجنوب أفريقيا، مما جعل الولاية تتشدد في ترحيل المصانع منها وألزمت ملاك المصانع إبراز أوراق الملكية لتفادي الغش والانتحال.

وناشد الوالي المكلف "منظمات المجتمع المدني وأبناء الوطن الخيرين بضرورة مواصلة الدعم لسد حاجة المواطنين"، لافتاً إلى أن "الولاية فقدت نسبة مقدرة من إيراداتها في القطاع الصناعي وقطاع الخدمات بسبب الأوضاع الراهنة".

مساعدة قانونية

قانونياً، قالت هيئة محامي دارفور إنها ومن خلال المتابعة والاتصالات وإفادات ذوي المعتقلين أحصت وجود أكثر من 150 شاباً بالمعتقلات وسجون الأجهزة الرسمية بمدينتي بورتسودان وعطبرة، تم القبض عليهم من الشوارع والطرقات العامة والمحال التجارية والأكشاك وفتح بلاغات جنائية ضد بعضهم بموجب المادتين 50 و51 من القانون الجنائي لعام 1991 تقويض النظام الدستوري والتعاون مع "الدعم السريع"، وتصل عقوبة الجرائم المدعاة إلى الإعدام.

وأوضحت الهيئة أنها ستباشر التنسيق مع المحامين بكل من مدينتي بورتسودان وعطبرة لتقديم المساعدة القانونية لجميع المتأثرين بالانتهاكات والقبض الجزافي، حتى يتم إطلاق سراحهم وهم أبرياء من الأفعال المنسوبة إليهم.

ضبط أمني وإداري

في السياق وصف الباحث الأكاديمي في مجال الحكم والإدارة البشير الريح الحملات بأنها "هجين من الضبط الإداري والأمني، لكن حجم التعديات الكبير يكشف عن مدى الفوضى التي كانت تضرب بأطنابها في تلك المدن، بعدما اتضح أن ثلث الأسواق غارق في العشوائية، مما يشير إلى غياب أجهزة الحكم المحلي طوال الفترة الماضية، إلى جانب الإهمال والتراخي في تطبيق القوانين بصورة جعلت الأسواق تتمدد بهذه الصورة السرطانية تحت بصر السلطات". وأضاف الريح "يبدو أن الحرب كشفت بالفعل عن استغلال الأجهزة الإدارية تلك التشوهات كمورد لتمويل أنشطتها، ومن ثم سمحت أو غضت الطرف عن تلك الفوضى حتى اكتشفت أخيراً أنها أصبحت ستاراً للاختراق والتجسس بواسطة الخلايا النائمة. ما يحدث الآن يشير إلى أن الأجهزة التنفيذية والإدارية بتلك الولايات تحتاج نفسها إلى إصلاح، لأنها تعايشت مع هذا الخلل الإداري وسمحت بنموه كظواهر سلبية طوال الفترات الماضية، نتيجة تكسبها منها بما كانت تجنيه من جبايات من مثل تلك الأنشطة قبل الحرب على رغم عدم قانونيتها".

ونوه الأكاديمي السوداني بأن "الحرب كشفت عن أن ثمة علاقة وثيقة بين تنظيم أنشطة المدن وعمليات الضبط الأمني، مما يتطلب رفع وعي الأجهزة التنفيذية والإدارية وحسها الأمني، وربما هي في حاجة إلى مراجعات على مستوى الأشخاص والأدوار والوظائف والنظم والتشريعات".

تفاوض وشروط

من جهة أخرى، وفي وقت انطلقت فيه "مفاوضات غير مباشرة" عبر وسطاء بين وفدي الجيش وقوات "الدعم السريع" بمدينة جنيف بسويسرا أمس الخميس، لبحث تسهيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، جدد البرهان موقفه عدم التفاوض مع "الميليشيات الإرهابية المتمردة"، مشدداً على "عدم العودة إلى منبر جدة التفاوضي إلا بعد انسحابها وخروجها من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين في كل مدن السودان التي استباحوها". وأضاف البرهان، لدى مخاطبته أمس الخميس، نفرة محليات الدامر وعطبرة وبربر بولايتي الشمالية ونهر النيل "سننتصر قريباً وسنسحق التمرد، وثقتنا كبيرة بأن هذه المعركة ستنتهي بهزيمة الميليشيات الإرهابية وحلفائها وأعوانها".

واندلعت الحرب السودانية بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، بالعاصمة السودانية بولاية الخرطوم، لكن نيرانها سرعان ما تمددت إلى إقليم دارفور وولايتي الجزيرة وسنار وسط البلاد، ثم جنوب كردفان وإقليم النيل الأزرق وتخوم ولاية نهر النيل، متسببة في أسوأ موجة نزوح ولجوء وصفت بالأكبر في العالم، ومهددة بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير