Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المتممات الغذائية أحدث ملفات التزوير بقطاع الدواء في لبنان

مرضى السرطان والأمراض المستعصية الأكثر تضرراً من هذه المافيات التي تهدد حياتهم

تعرضت حياة مرضى السرطان مراراً للخطر بسبب الفوضى والتزوير في قطاع الأدوية (رويترز)

ملخص

لا تزال عمليات التزوير في قطاع الأدوية تتكرر، وأحدثها طاول المتممات الغذائية الخاصة بالأطفال. فالفساد مستمر وحياة المرضى بخطر، ما لم يوضع حد له.

فهل من مسؤول؟

منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019، توالت عمليات الفساد في مختلف القطاعات، وكانت المتاجرة بأرواح الناس عبر التزوير في قطاع الأدوية الأكثر خطورة، وحتى اليوم تبقى ملفات تزوير الأدوية صادمة.

وفي ظل الفلتان الحاصل في هذا القطاع الذي لم يسلم من تداعيات الأزمة الاقتصادية، انتشرت في الأسواق أدوية حصل تلاعب بنوعيتها، خصوصاً عند رفع الدعم عن قسم من الأدوية. وانتشرت عندها أدوية تالفة ومزورة، وكانت تباع بطريقة غير شرعية مع تزايد أعداد تجار الشنطة وعمليات البيع في السوق السوداء، في وقت فقدت الأدوية في الصيدليات.

وكل الجنون الحاصل في العرض والطلب أفسح المجال للتهريب والفساد، مما شكل تهديداً حقيقياً لصحة المواطنين وسلامتهم، حتى إن الأطفال لم يسلموا في مختلف مراحل الأزمة من مافيات الدواء، واليوم، تسلط الأضواء على ملف المتممات الغذائية الخاصة بالأطفال التي تم التلاعب بتاريخ صلاحياتها، وكأن في ذلك تأكيداً أن الحرب في مواجهة تزوير الأدوية والفساد في القطاع لا تزال مستمرة والمسار طويل قبل أن يوضع حد نهائي لها.

 

فوضى وحياة المرضى بخطر

في فترة الأزمة الاقتصادية، زادت حاجة المواطنين إلى الأدوية بسبب انقطاعها، مما أسهم في انتشار ظاهرة الأدوية المزورة وارتفاع أسعارها بصورة جنونية في السوق السوداء. ومع رفع الدعم عن القسم الأكبر من أصناف الأدوية، بقي مرضى السرطان والأمراض المستعصية الأكثر تضرراً من هذه المافيات التي تهدد حياتهم. ومن الأدوية المزورة ما يمكن أن يتحول إلى سم قاتل.

ولم يقتصر التزوير على أدوية السرطان، بل حصلت عمليات تزوير في أنواع عديدة منها، وإن كانت لأدوية السرطان الحصة الكبرى فيها. واللافت أن المشهد يوحي في لبنان أن ثمة انقطاعاً في الأدوية، فيما يؤكد أطباء أمراض دم وأورام توافر أدوية في لبنان قد يصعب تأمينها في دول أخرى في المنطقة، بما أن المجال مفتوح للبيع في السوق السوداء والتهريب. وكأن أي دواء يمكن أن يتأمن في لبنان في السوق السوداء، نظراً إلى الفوضى الحاصلة في هذا القطاع. والأسوأ أنه غالباً ما لا يمكن التعرف إلى الدواء المزور ما لم تتم مقارنة رقم التعريف الخاص به مع رقم الدواء الأصلي، وهو قابل للتزوير أيضاً. وقد يحوي هذا الدواء المزور مكونات غير فاعلة وغير طبية، مما يزيد من أخطاره.

 

وأوضحت رئيسة مصلحة الصيدلة في وزارة الصحة العامة كوليت رعيدي أن عملية التزوير في الأدوية ترتبط بأي عمل يقضي بإحداث تعديلات في الأدوية سواء كان ذلك في العبوة أو الغلاف أو بتغيير رقم التعريف أو مدة الصلاحية أو في المكونات الفاعلة فيه، كأن تستبدل بمكونات أخرى أو بالماء "فبغض النظر عما في داخل الدواء، أي تعديل فيه يعد تزويراً. عمليات التزوير هذه على اختلافها تزايدت بصورة ملحوظة في بداية الأزمة، في ظل رفع الدعم عن الأدوية وانقطاعها من الأسواق. لكن تراجعت معدلاتها بفضل عوامل عديدة كالمراقبة ومنع التداول، وزيادة نسبة الوعي بين المواطنين الذين أصبحوا شركاء في نشر الوعي، بعد أن سلطت وزارة الصحة الضوء على عمليات التزوير التي يمكن التعرض لها في حال شراء الدواء من مصادر غير موثوقة، وبعد التحذير المتواصل للمواطنين بهذا الشأن".

"وتعد الأدوية الأغلى ثمناً، وتحديداً أدوية السرطان، التي كانت عرضة لعمليات التزوير خصوصاً. هذا ما جعل مرضى السرطان الأكثر عرضة للخطر، خصوصاً أن انقطاع أدويتهم دفعهم غالباً في مرحلة ما إلى السعي لتأمينها من مصادر غير موثوقة"،

وفق ما أوضحت رعيدي كان ملف أحد أنواع الحقن المزورة الأخير الذي تعاملت معه وزارة الصحة اللبنانية ضمن ملفات الأدوية المزورة. وكانت هذه الحقن من علاجات السكري أولاً، قبل أن تظهر فاعليتها في خفض الوزن مما شجع على اللجوء إليها بطريقة عشوائية، وهذا ما أدى إلى بيعها في السوق السوداء بأسعار خيالية مع ارتفاع الطلب عليها، وإلى حصول عمليات تزوير فيها تم الكشف عنها ووضع حد لها. ومما أسهم أيضاً في الحد من عمليات التزوير في الأدوية بصورة ملحوظة تعاون الفرقاء كافة في القطاع الصحي على مكافحة هذه العمليات، ففي المستشفيات مثلاً، هناك حرص على اعتماد الأدوية المؤمنة من مصادر موثوقة حصراً مما أسهم في ضبط الأمور والحد من الفساد في هذا القطاع. علماً أن صلاحية وزارة الصحة العامة في مواجهة هذه العمليات تقتصر على سحب الدواء من الأسواق ومنع تداوله بعد التحقق من المعلومات، في وقت يهتم القضاء بالباقي.

ملف جديد مع المتممات الغذائية

وأخيراً أتى ملف المتممات الغذائية الفاسدة الخاصة بالأطفال ليشغل الرأي العام اللبناني بكل ما فيه من تعقيدات. وعلى رغم أنها ليست القضية الأولى التي تؤكد اتساع أسواق التزوير والتهريب في لبنان، فإن هذه القضية أحدثت ضجة لما تخللها من أخذ ورد وما لها من أبعاد جعلتها في إطار ملف عمليات التزوير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

متممات غذائية منتهية الصلاحية

كانت القضية قد فتحت بعد شكوى تقدمت بها إحدى الشركات حول متممات غذائية مزورة خاصة بها تباع في الأسواق. وأجريت تحقيقات مكثفة تبين على أثرها تورط صيدلي وتاجر نقال تم توقيفهما لتورطهما بتعديل تاريخ الصلاحية لمتممات غذائية للأطفال عائدة للشركة المعنية، لكن يبدو أن هذه القضية اتخذت بعداً آخر بعد تدخل نقابة الصيادلة في التحقيق في هذا المجال، وبعد الاتهامات التي طاولت نقيب الصيادلة جو سلوم لتدخله لمصلحة صاحب الصيدلية، واتهامه باتخاذ إجراءات لمصالح شخصية في حملة شنت ضده.

في الأثناء، طرحت تساؤلات حول مصير هذه المتممات الخاصة بالأطفال التي تم التلاعب بتواريخ صلاحيتها بهدف المنفعة المادية، وما إذا كانت لا تزال متوافرة في الأسواق والصيدليات. وعلى أثر التحقيقات أصدر القضاء قراراً بمنع بيع هذه المتممات الغذائية في الصيدليات بسبب التلاعب بتاريخ صلاحيتها.

ورداً على الاتهامات الموجهة ضده، أكد سلوم لـ"اندبندنت عربية" أنه كان قد تلقى تهديداً من صاحب الشركة المعنية بعد التعميم الصادر عن النقابة بمنع صرف منتجات هذه الشركة، وذلك إثر التحقيقات التي أجرتها نقابة الصيادلة بموازاة التحقيقات التي أجرتها الجهات القضائية.

ورداً على الاتهامات التي وجهت إلى النقابة لتدخلها في القضية والدفاع عن الصيدلي المعني، أكد سلوم أن صحة الأطفال والمواطنين عامة أولوية للنقابة بغض النظر عن الجهة المعنية بالفساد "وهي حريصة على محاسبة أي طرف يمكن أن يقوم بأي إجراء يهدد سلامة الأطفال والمواطنين، وإن كان الصيادلة معنيين بذلك".

أما تدخله في متابعة هذه القضية فيعده عائداً "إلى تقصير وزارة الصحة في القيام بواجباتها"، ورغبته بإيجاد الحل الشافي للتساؤلات حول القضية ومحاسبة المسؤولين، وإلا لما اضطر إلى التدخل، أما المتممات المعنية فلا يمكن للنقابة إلا أن تحصل على قرار بمنع صرفها وليس بسحبها من الأسواق.

وعن هذا الملف أيضاً، أوضحت مديرة الوقاية الصحية في وزارة الصحة العامة جويس حداد أن وزارة الصحة رخصت هذه المتممات الغذائية تحت قسم الهندسة الصحية لاعتبارها من المتممات الغذائية ولا تعد من الأدوية. وانطلاقاً من ذلك لا يعد الصيادلة معنيين بها موضحة أنه عندما صدر القرار الأول عن القضاء، شكل وزير الصحة فراس الأبيض لجنة تحقيق لاعتبار أن وزارة الصحة معنية مباشرة بهذه القضية، وتبين عند الاستماع إلى صاحب العلاقة أن الشركة المعنية باعت الصيدلي كمية كبيرة من هذه المتممات الغذائية في فترة انتشار وباء كورونا، على اعتبار أنه ينوي إرسالها إلى العراق، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق ذلك كما كان يتوقع، مما دفعه إلى التواصل لاحقاً مع تاجر شنطة ليتمكن من تصريفها، خصوصاً أن تاريخ صلاحيتها قد انقضى، وهذا ما دفعهما إلى التلاعب بتاريخ الصلاحية. وتعد صلاحية الوزارة محدودة في ما عدا ذلك، لذلك تحول الملف إلى القضاء الذي تدخل لسحب هذه المتممات بناءً على القرار القضائي.

الجهة الوحيدة

وتعد الوزارة الجهة الوحيدة المخولة سحب الترخيص، كما تبين أن ثمة مستودعاً متورطاً وتم إقفاله، كما تم توجيه إنذار إلى مستودع آخر له علاقة أيضاً، "وقد تقدمنا بكتاب إلى النيابة العامة لمتابعة التحقيقات، كما من المفترض أن يحصل".

ولا يزال الصيدلي والتاجر موقوفين من نحو شهر بسبب تورطهما في هذه القضية والتلاعب بتاريخ الصلاحية قبل توزيعها على المستودعات. لكن حتى اللحظة لم تنجز التحاليل اللازمة بعد، للتأكد من الأثر الذي لهذه المتممات الغذائية المنتهية الصلاحية في الأطفال. لكن لا تنكر حداد أنه من الممكن أن يحصل تحول في المكونات في حرارة وظروف معينة فتصبح سامة أحياناً، ولكن لا بد من انتظار نتائج التحاليل للتأكد من هذا الأثر ولا تزال التحقيقات مستمرة.

في المقابل لا يعد اتهام الشركة محقاً، بحسب حداد، وليس من المنطقي مهاجمتها لاعتبارها باعت المتممات للصيدلي من سنوات عدة، وقد انتهت مدة صلاحيتها خلال هذه الفترة، ولعل توقيف الصيدلي والتاجر إلى اليوم خير دليل على تورطهما وأن الشركة غير معنية، "والوزارة تقوم بواجباتها على أكمل وجه لكن الموضوع يبدو معقداً لدخول أطراف عدة فيه. لكن هذه القضية أصبحت بيد القضاء لكشف المتورطين والملابسات، ومن المفترض أن تظهر كل الحقائق قريباً".

اقرأ المزيد

المزيد من صحة