ملخص
أدى تدهور القطاع الصحي في البلاد إلى تنامي ظاهرة السوق السوداء ودخول وسطاء في توفير عدد كبير من الحاجات الطبية. ووصل سعر أسطوانة الأوكسجين في ولايات كردفان ودارفور إلى 300 ألف جنيه سوداني نحو (150 دولاراً أميركياً)، مما أدى إلى حدوث حالات وفيات.
باتت أوضاع المرضى في السودان بغاية التعقيد بسبب تردي المنظومة الصحية التي وصلت حد الانهيار نتيجة خروج 70 في المئة من مستشفيات العاصمة الخرطوم عن الخدمة، فضلاً عن تأثر نحو 30 في المئة من المؤسسات الطبية بصورة كلية أو جزئية في الولايات التي شهدت نزاعاً مسلحاً.
ولم يعد السودانيون مهددين بفقدان حياتهم برصاصة طائشة أو قذيفة تسقط على منزل أحدهم، فأصحاب الأمراض التنفسية والجلطات والقلب توالت عليهم الأزمات بصورة فاقت التصور بسبب نقص تزويد المستشفيات الأوكسجين.
تفاقم الأوضاع
وعجز عدد من المستشفيات في الفترة الأخيرة عن توفير الرعاية الكافية للمرضى نتيجة النقص الحاد في أسطوانات الأوكسجين، وتفاقمت الأزمة بصورة غير مسبوقة في مستشفيات ولايات شمال وجنوب وغرب كردفان، فضلاً عن مستشفيات في إقليم دارفور ووصل الأمر مرحلة نفاد الأوكسجين، وتجددت الأزمة في مستشفى "النو" بأم درمان و"البان جديد" في الخرطوم.
ومنذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023 توقفت مصانع الأوكسجين وخدمة الإمدادات الطبية بسبب القصف المدفعي والجوي ودوي الرصاص، فضلاً عن أخطار تنقل الكوادر الطبية خشية التعرض للموت أو الاعتقال، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع ومعاناة المرضى بدرجة لا توصف.
جهود مستمرة
الطبيب السوداني عبدالغني فرح الذي يعمل في مستشفى "الأبيض" غرب الخرطوم قال إن "الأوضاع صعبة والتأخير في طلب العناية يعني أن عدداً من المرضى يهددهم الموت نتيجة النقص في هذه المادة الحيوية بالمستشفيات، إلى جانب وجود حالات طارئة تحتاج إلى متابعة بصورة منتظمة"، وأضاف أن "تزايد معدلات النزوح من الخرطوم أسهم في الضغط على المؤسسات الطبية وعلى استهلاك الأوكسجين، لا سيما في ظل اعتماد آلاف المرضى على مستشفيات مدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان التي تعد الأكثر أمناً واستقراراً مقارنة ببقية مناطق الإقليم". وأوضح فرح أن "الأوكسجين يعد العلاج الرئيس لأصحاب الأمراض التنفسية والجلطات والقلب، وهو الذي يضمن لهم البقاء على قيد الحياة بخاصة حال تعرضهم لضيق التنفس بصورة مستمرة"، ولفت إلى أن "مستشفيات الولاية تعاني نقصاً حاداً في أسطوانات الأوكسجين منذ أكثر من 10 أيام، وهناك جهود مستمرة من أجل وضع الحلول اللازمة حتى لا تبلغ مرحلة الكارثة".
رحلة بحث
إزاء هذا الوضع عجز كثير من المرضى وأسرهم عن توفير الأوكسجين بسبب نفاد المدخرات المالية والظروف الاقتصادية الصعبة. وتواجه أسرة الطفل السوداني مهند عبدالرسول خضر صعوبات في الحصول على أسطوانة الأوكسجين لابنها المصاب بمرض الربو، وقال والده إنهم "نزحوا من الخرطوم إلى مدينة الدلنج في ولاية جنوب كردفان بعد تصاعد القتال في العاصمة، وتلقى مهند العلاج في مركز صحي بالمنطقة مدة شهر، لكن الأطباء أخبروهم أنه يحتاج إلى عناية طبية مع وضع جهاز التنفس الاصطناعي بسبب معاناته الالتهاب وانقباض العضلات المحيطة بالشعب الهوائية، مما يجعل التنفس أكثر صعوبة"، وأضاف خضر أن "غالبية المستشفيات في الولاية تعاني نقصاً في الأوكسجين، ومع الشح في الأسطوانات باتت تباع في السوق السوداء، فكانت النتيجة ارتفاعاً جنونياً في أسعارها وأزمة جديدة في وجه المواطن".
سوق سوداء
وأدى تدهور القطاع الصحي في البلاد إلى تنامي ظاهرة السوق السوداء ودخول وسطاء في توفير عدد كبير من الحاجات الطبية. ووصل سعر أسطوانة الأوكسجين في ولايات كردفان ودارفور إلى 300 ألف جنيه سوداني نحو (150 دولاراً أميركياً)، مما أدى إلى حدوث حالات وفيات.
وبحسب مرافقين لمرضى في مستشفيات الأبيض "فإن هناك وسطاء لديهم علاقة بمهنة الطب موجودين في بعض المؤسسات الطبية يعرضون على المواطنين توفير أسطوانات الأوكسجين مقابل دفع مبالغ مالية، خصوصاً أنهم يدركون حاجة مراكز العناية المكثفة وحضانات الأطفال إلى أجهزة التنفس الصناعي، فضلاً عن ارتباط هذه المادة الحيوية بالعناية المكثفة والحالات الحرجة والعمليات الجراحية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شبح الموت
ويضج المشهد اليومي في بعض المستشفيات برحلات مواطنين لا تخلو من معاناة، يأملون من خلالها العثور على أسطوانة أوكسجين أو ملء أخرى فارغة علها تنقذ مرضاهم.
وقال استشاري العلاج بالأوكسجين معاوية الطيب إن "هناك نقصاً في الأسطوانات بعدد من مستشفيات الخرطوم نتيجة توقف عمل شركة الهواء السائل بسبب الحرب، إلى جانب أزمة انقطاع التيار الكهربائي في معظم المناطق بالولاية، مما يضاعف من معاناة مئات يواجهون شبح الموت"، وأشار إلى أن "الأزمة في النقص الحاد وليس النفاد الكامل، لا سيما في مستشفيات أم درمان وبعض المناطق في مدينة بحري، لذا يتطلب الوضع التحرك العاجل لحلحلة المشكلات بصورة فورية من أجل مرضى الجهاز التنفسي والقلب"، ولفت الطيب إلى أن "الأوكسجين يعد جزءاً أساساً من الرعاية الصحية في المستشفيات، وفي بعض حالات المرضى، ويؤدي نقصه أو انقطاعه إلى حوادث قد تصل إلى الموت".
أمل منتظر
في غضون ذلك أعادت وزارة الصحة تشغيل مصنع إنتاج الأوكسجين بمستشفى "كوستي" في ولاية النيل الأبيض جنوب السودان، الذي توقف فترة لأسباب فنية بحسب السلطات في الإقليم.
وقال وزير الصحة والتنمية الاجتماعية بالولاية الزين سعد آدم إن "استئناف عمليات إنتاج الأوكسجين بمصنع الخليفة في مدينة كوستي عمل كبير جاء نتاج الرعاية والاهتمام والمتابعة المتواصلة، لذا بذلت الجهود لمعالجة المعوقات التي أدت إلى توقف الإنتاج"، وأضاف آدم أن "المصنع يعمل حالياً بكامل سعته ويوفر الأوكسجين لجميع المؤسسات الصحية والمستشفيات بالولاية ويغطي حاجة الأقاليم المجاورة والمؤسسات الطبية التابعة لها".
وبحسب إدارات الصحة فإن المصنع يسهم في انفراج أزمة نقص الأسطوانات بمستشفيات ولايات كردفان خلال الفترة المقبلة.