Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جيل بايدن... "سيدة ماكبث" أم رئيس الظل؟

كيف يمكن للسيدة الأولى أن تنقذ الحزب الديمقراطي من هزيمة أمام الجمهوريين؟ ولماذا تصمم على إكمال زوجها السباق الرئاسي؟

تحاول جيل بايدن إنقاذ الحملة الرئاسية لزوجها ويصورها نقادها بالزوجة المتعطشة للسلطة   (أ ف ب)

ملخص

خلف أبواب البيت الأبيض سيناريو مرير، بل الأشد مرارة لجيل بايدن بنوع خاص ذلك أن الديمقراطيين خلال الساعات الأخيرة تبدو مواقفهم منقسمة بالتساوي، بين الذين مع ترشح بايدن والذين هم ضده.

من الخارج يبدو مظهرها وكأنها ناعمة جداً، بعيدة كل البعد من مؤامرات السياسة ودسائس السياسيين، غير أن الذين قدر لهم الاقتراب منها يدركون إلى أي حد كم هي سيدة قوية، وشديدة البأس، وقوية الشكيمة. ولهذا يقول الراوي، إنها من يقف وراء أزمة الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يعاني عناد مرشحه الرئيس بايدن، إذ يرفض فكرة الانسحاب من سباق الانتخابات الرئاسية بسبب أوضاعه الصحية سواء الجسمانية أو الذهنية.

 في أعقاب المناظرة التي جرت بين بايدن وترمب بدت سيدة أميركا الأولى جيل بايدن تدافع عنه ليكمل الطريق، فقد التقطت كاميرات التلفزة وعدسات الصحافيين مشهد تصفيقها لزوجها وتهنئته على أنه أجاب عن كل الأسئلة، متغاضية عن السقطات الجسيمة التي وحل فيها.

منذ تلك اللحظة، والاتهامات تنهال فوق رأسها باعتبارها السبب الرئيس في الخسارة الفادحة التي ستحل بالديمقراطيين، وستفتح الطريق أمام المرشح الجمهوري دونالد ترمب للعودة إلى البيت الأبيض.

 الأسئلة في شأن جيل بايدن عديدة والإجابات غامضة، والبداية من عند الأسباب الحقيقية التي تجعلها راغبة في ولاية ثانية لزوجها، ومقدرتها على مواجهة الانتقادات الكثيفة الموجهة إليها، ثم وربما هذا هو الأهم، "هل حان الوقت بأن تصارح رجلها، بأنه حان الوقت الذي ينسحب فيه بكرامة من السباق، منهياً ولاية رئاسية بعزة واحترام، قبل أن يتعرض لسيف ديموقليس المصلت على رقبته، متمثلاً في التعديل الـ25 من الدستور الأميركي، إذ يمكن لنائب الرئيس وعدد من وزرائه إزاحته بذريعة العجز عن ممارسة عمله كرئيس؟".

من تكون جيل بايدن؟

 جيل تريسي جاكوبس بايدن، من مواليد عام 1951 في بلدية هامنتون بولاية نيوجيرسي، هي أستاذة جامعية أميركية، وسيدة أميركا الأولى، بعد أن كانت السيدة الثانية للولايات المتحدة منذ عام 2009 إلى 2017، وأخيراً زوجة الرئيس الأميركي الـ46 جو بايدن.

لا تبدو جيل أماً وسيدة منزل ككثيرات من زوجات الرؤساء، فهي حاصلة على درجة الدكتوراه في علم التربية، ومعلمة في إحدى الكليات المجتمعية، وأم، وجدة، ومؤلفة كتب من الأكثر مبيعاً في الداخل الأميركي.

عام 1975 التقت السيناتور جو بايدن الذي كان يعيش وقتها دراما إنسانية، تمثلت في حادثة أدت إلى وفاة زوجته وابنته الرضيعة، وقد بدا واضحاً أن جيل استطاعت أن تحتويه عاطفياً وإنسانياً.

 تم زواجهما في مقر الكنيسة الصغيرة "شابل" الموجودة في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك عام 1977، وأصبحت من تلك اللحظة والدة ابنيه بو، الذي سيموت لاحقاً متأثراً بمرض السرطان، وهنتر الذي تملأ الدنيا أخباره في شأن قضاياه المختلفة.

في عام 1981 أنجبت جيل ابنتها الأولى من بايدن، أشلي، ليتعمق رباط الحياة الزوجية بين الاثنين مرة، وفي زمن الانتخابات أخرى، إذ التساؤلات المثيرة عن هدف جيل مما يشبه إجبار بايدن ولو من وراء الكواليس على إكمال سباق يكاد يكون خاسراً بإجماع عتاة الديمقراطيين أنفسهم.

تبدو جيل مهمومة بكثير من المبادرات التعليمية، وهو مجال تخصصها، لا سيما وسط الأقليات والأعراق غير القادرة على دفع كلف الدراسة في المدارس والجامعات الخاصة.

 ومن جهة ثانية كانت وفاة بو، ابن بايدن عام 2015، متأثراً بسرطان المخ دافعاً قوياً لها في بلورة التزام وطني تجاه مرضى السرطان في الداخل الأميركي بصورة عامة.

ولعل من نافلة القول إن المجال يضيق عن سرد وعرض كل دقائق حياة السيدة الأولى الدكتورة جيل بايدن دفعة واحدة في هذه القراءة، لا سيما أن ما يهمنا هو موقفها من انتخابات الرئاسة، وما إذا كان يتحتم عليها أن تمضي قدماً في تهيئة الطريق لمرشح آخر، يضمن فوز الديمقراطيين حتى وإن كانت التضحية هنا متمثلة في حرمانها من أن تكون السيدة الأولى لمدة أربع سنوات أخر.

 جيل تطمئن الأميركيين

على صدر صفحات مجلة "فوغ" الشهيرة، ظهرت السيدة الأولى بحلة حريرية وأقراط ذهبية غالية الثمن في محاولة منها لطمأنة الأميركيين في شأن قدرات زوجها عقب مناظرته الدراماتيكية مع ترمب.

 غير أن البيان الذي قدمته السيدة الأولى للمجلة بعد أداء الرئيس بايدن الكارثي لم يكن أكثر طمأنينة، فقد أصرت على أن الرئيس "سيفعل دائماً ما هو الأفضل للبلاد"، حتى مع إعلانها بتحد أنه "لن يسمح لتلك الدقائق الـ90 بتحديد السنوات الأربع التي قضاها رئيساً"، مؤكدة "أنها ستواصل القتال".

لم تلق مقابلة جيل مع مجلة "فوغ" آذاناً صاغية في الداخل الأميركي حتى بين الديمقراطيين، وهي التي وجهت إليها انتقادات حتى قبل أن تدخل البيت الأبيض، إذ تعرضت لهجوم بسبب استخدامها لقب "دكتور" مما حمل شبهة عنصرية جندرية.

 

 

كانت ردود الفعل حول مجلة "فوغ" سلبية غالب الظن، فقد تعرضت من بعده لهجوم شرس من جانب بعض النقاد الذين اعتبروها دافعاً لزوجها في غير التوقيت المطلوب، وهي التي كانت من قبل بارزة للغاية في الحملة الانتخابية خلال 2020.

هنا بدا التساؤل في الأرجاء الأميركية "هل تسعى جيل إلى مجد شخصي، أم تعمل لمصلحة البلاد؟".

بعض النقاد الأميركيين وصف جيل بايدن بأنها "سيدة ماكبث" المتعطشة للسلطة، وأنها تدير "رئاسة الظل"، وتصر على أنها تريد فقط أن ينقذ زوجها أميركا من دونالد ترمب.

تبدو جيل وكأنها تجيد البراغماتية السياسية، وغالب الظن هي كذلك، لا سيما أنها بعد المناظرة المأسوية شرعت في جولة بثلاث ولايات لنشر رسالة مفادها أن الهدف الوحيد لعائلة بايدن هو إيقاف ترمب ومساعدة أميركا، وقد حاولت جاهدة أن تصور نفسها زوجة داعمة وليست زوجة سياسية طموحة أو شخصاً اعتاد على زخارف البيت الأبيض.

في هذه الآونة، لم يكن ليفت المحافظون من الجمهوريين استغلال تصميمها على مواصلة قرع الطبول لمصلحة المرشح البالغ من العمر 81 سنة، إذ صوروها على أنها شخصية "ليدي ماكبث".

 ووصفتها مذيعة "فوكس نيوز" السابقة ميغن كيلي بأنها "طامحة إلى السلطة "، وتدير "رئاسة الظل"، وفي حين أعلن تقرير "دردج ريبورت" أن جيل القاسية تتمسك بالسلطة أضافت عضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية وايومنغ هاربيت هاغمان، أن جيل مذنبة بارتكاب "إساءة معاملة كبار السن"، لأنها "دفعت بايدن إلى المسرح للمشاركة في معركة وهو غير مسلح".

وصلت الانتقادات الموجهة إلى جيل حدود زوجها الأول بيل ستيفنسون، الذي تزوجته في الفترة ما بين 1970 و1975، فعبر مقابلة تلفزيونية اعتبر "أنها تود إبقاء زوجها في السباق الرئاسي جراء قضائها وقتاً ممتعاً في البيت الأبيض".

هل تنقذ جهودها بايدن؟

عرف الجمهور الأميركي جيل بايدن جيداً على مدى أكثر من ثلاث سنوات كسيدة أولى تنتقل بين أدوار مختلفة ومتعددة، فيما الآن تحاول إنقاذ حملة زوجها الرئاسية وتخضع لتدقيق جديد من النقاد الذين صوروها كزوجة متعطشة للسلطة تدفع زوجها المسن إلى الترشح مرة أخرى، حتى تتمكن من الحفاظ على أسلوب حياتها في البيت الأبيض.

قبل أسابيع من المناظرة المشؤومة رأى الجمهور أيضاً جيل بايدن في دورها كربة أسرة، وهي تجلس خلف هانتر في المحكمة الفيدرالية في ديلاوير أثناء محاكمته، وإدانته بتهم جنائية تتعلق بالسلاح.

تقول مدير الاتصالات الخاصة بالسيدة الأولى إليزابيث ألكسندر إن الدور الأكثر أهمية لجيل بايدن هو كونها زوجة للرئيس، وليس واحدة من مستشاريه السياسيين.

ظلت جيل بايدن قريبة من زوجها أثناء تطور الدراما التي أعقبت المناظرة، وشاركت في حملته الانتخابية معه في نورث كارولاينا ونيويورك ونيوجيرسي، ثم توقفت عن المشاركة في حملة منفردة قبل أن تلتقيه مرة أخرى في البيت الأبيض.

 

 وقفت جيل نيابة عن بايدن مرة أخرى في جولة بدأتها الإثنين الماضي عبر كارولاينا الشمالية وفلوريدا وجورجيا بهدف حشد الدعم من المحاربين القدامى وأسر العسكريين، ولكنها كانت أيضاً جزءاً من الجهد الأوسع الذي بذله فريق بايدن لمحاولة توجيه المحادثة نحو ترمب.

في المحطات الثلاث قالت جيل "على رغم كل الحديث الدائر حول هذا السباق، فقد أوضح جو أنه سيشارك بكل ما لديه. هذا هو القرار الذي اتخذه، وكما دعم مسيرتي المهنية دائماً، فأنا أيضاً سأشارك بكل ما لدي".

 يعن للقارئ أن يتساءل، هل مصير أمة، وليست أي أمة، بل الولايات المتحدة الأميركية التي تملأ الدنيا وتشغل الناس، يمكن أن يدار بهذه الصورة العاطفية؟

 ربما هذا ما استدعى استنتاج من قبل كثير من الأقلام والأبواق الإعلامية الأميركية للتركيز على الدور الذي تقوم به جيل، ومطالبتها بأن الوقت قد حان لتغيير دفة المسار، والحفاظ على فرصة الديمقراطيين في الفوز، وعدم السماح لترمب بالعودة إلى البيت الأبيض من جديد، لكن في ظل فريق رئاسي زوجها ليس على رأسه.

هل تخبر زوجها بوقت الانصراف؟

عبر "واشنطن بوست" تم توجيه رسالة إلى جيل بايدن من مواطنين أميركيين ديمقراطيين من عدد كبير من الولايات، مفادها أنه حان الوقت لكي تخبر زوجها الرئيس بأنه قد حان بالفعل وقت الانصراف والبحث عن مرشح آخر يمثل الديمقراطيين.

على سبيل المثال، يقول كل من كريس وكارول كيرنز من واشنطن العاصمة "نحن نحبك جيل، ونحب جو بايدن، ولهذا السبب فإنه من الضروري والملح للغاية أن تقنعوا الرئيس بالتخلي فوراً عن حملته الانتخابية والإفراج عن مندوبيه".

 تضيف الرسالة "لقد حقق بايدن كثيراً من الإنجازات لكثر خلال حياته، بخاصة خلال فترة رئاسته. فقد تغلب على عقبات هائلة وانتقادات لا أساس لها من الصحة واغتيالات شخصية، وسجله رائع بكل بساطة، لكن من الواضح الآن أنه لا يستطيع تحقيق الفوز في إعادة انتخابه، وأن الانطباع الذي تركه عبر مناظرته الأخيرة عن حالته الصحية لن يتغير ولا يمكن تغييره، لا يمكن لأحد أن يتجاهل ما رأيناه جميعاً، وإذا استمر في السباق فسيتشوه إرثه بصورة لا يمكن إصلاحها، وسيكون مستقبلنا كأمة في خطر وكما قال بايدن نفسه (ديمقراطيتنا في خطر)".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم يكن آل كيرنز وحدهما من وجه هذا النداء للسيدة جيل بايدن، التي تفضل المناداة بلقب دكتور جيل، فقد كتب لها عدد من ديمقراطيي نيويورك من المواطنين العاديين لا من السياسيين أو القيادات الحزبية رسالة مطولة أخرى جاء فيها "عزيزتي جيل: لقد أشدنا بالحضور الثابت لعائلتك خلال انتفاضة السادس من يناير (كانون الثاني)، كما أشدنا بقيادة الرئيس بايدن خلال جائحة (كوفيد-19)، وعديد من الأزمات الدولية. لقد عزز الدعم الأميركي لحلفائنا في الناتو، وقدم تدابير حماية البيئة مع تعزيز النمو الصناعي الأميركي ودعم حقوق الصحة الإنجابية للمرأة، كما عزز ديمقراطيتنا في وقت محفوف بالأخطار في بلدنا والعالم، والآن أصبح احتمال عودة دونالد ترمب يهدد البلاد وديمقراطيتنا وقيمنا الإنسانية، فهو وحلفاؤه ينشرون الأكاذيب الفاضحة بثقة بالنفس مذهلة".

 علامة الاستفهام التي ترد على ذهن القارئ هي، ما المطلوب إذاً من جيل في هذا التوقيت الحساس جداً؟

 باختصار غير مخل، وبحسب ما جاء في الرسالة، هو أن تحث زوجها على إنهاء حملته الانتخابية للرئاسة، فقد حان الوقت لكي يتولى الجيل الأصغر المسؤولية بطريقة تمنع ترمب من الاستمرار في مساره وتبني على إرث زوجك بدلاً من السماح بتدميره.

 يكاد منطوق العوام في الداخل الأميركي يتسق شكلاً وموضوعاً مع بقية الأصوات النخبوية التي تطالب جيل بالأمر نفسه، ماذا عن هؤلاء؟

 من توماس فريدمان إلى مونيكا هيسه

قبل نحو أسبوعين كتب توماس فريدمان عبر "نيويورك تايمز" ناصحاً الرئيس وعائلته، بأن الوقت قد حان للقول وداعاً بعد أن استعرض سيرة أول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن، الرجل الذي رفض أن يكمل ولاية ثالثة، وقد كان له أن يبقى رئيساً مدى الحياة، لا سيما أنه بطل الاستقلال كما أن تحديد مدة الرئاسة بدورتين أمر لم تكن تعرفه أميركا قبل رئاسة أيزنهاور خمسينيات القرن الـ20.

طالب فريدمان بايدن بأن يقطع الطريق على منافسه ترمب، والآلية الوحيدة التي تمنع عودة الرئيس الجمهوري السابق إلى البيت الأبيض تتمثل في الانسحاب وإتاحة الفرصة لوجه ديمقراطي قادر على أن يقود الديمقراطيين إلى الفوز لا الرهان على الخسارة.

 في ثنايا وحنايا رسالة فريدمان بدا واضحاً أن فريدمان يشير إلى الدور الذي يمكن لجيل أن تقوم به، وإن كان بالتلميح لا بالتصريح، وحتى لا يتسبب في حرج بالغ للأسرة في داخلها.

 على العكس من فريدمان، صرحت مونيكا هيسه، في "واشنطن بوست" الأميركية، القريبة بل الوثيقة واللصيقة بالبيت الأبيض، بالقول إلى جيل بايدن بأنه حان الوقت لإجراء محادثة صعبة مع زوجها.

 

 ما الذي يمكن أن تحمله مثل هذه المحادثة الصعبة والكلام الخشن؟

تقول هيسه "لا أقول لجيل بايدن إنه ينبغي لها أن تطلب من زوجها الانسحاب من السباق بالضرورة، فهي شريكته وليست رئيسته، وما يفعله أو لا يفعله ليس من مسؤوليتها أو ذنبها، ولكنني آمل أن تكون لديها رؤية واضحة له، لأن الرجل الذي في مقابله، ترمب، لا يحمل أي رؤية لاستعادة أميركا الحرة مرة جديدة".

تتابع هيسه "هنا ربما يتعين على جيل أن تقنع زوجها بأن الأمر لا يتعلق بقدرته على القيادة، بل يتعلق بمدى اعتقاد الأميركيين الذين شاهدوا المناظرة بقدرته على القيادة".

هل يمكن بالفعل لجيل أن تتحدث مع بايدن عن إرثه، والـ50 سنة التي قضاها في بنائه؟ وكيف يمكن أن يهدم كل ذلك في غضون أشهر على يد ناخبين لا يهتمون بالماضي الطويل لموظف عام مخلص، ولكن بالحاضر المباشر لحياة الناخبين أنفسهم؟

 على أن السؤال الصعب، من أي منطلق يمكن لجيل أن تفعل ذلك؟

يبدو من الواضح أن المنطلق الوحيد الذي يمكنها من خلاله أن تباشر هذا السيناريو هو منطلق الحب. ومن منظور فريد من نوعه لأميركية تهتم بما يفعله مكتب الرئيس لجو بايدن بقدر اهتمامها بما يمكن أن يفعله جو بايدن لمنصب الرئيس، يمكنها أن تتحدث إليه بحنان بدلاً من التوبيخ، والقلق بدلاً من الذعر.

تبدو الحقيقة المؤكدة أنه ما من شخص آخر بالداخل الأميركي في وضع يسمح له بالقيام بذلك، لا سيما أن بقية الأميركيين الذين تابعوا المناظرة من على أرائكهم كانوا في حالة من الذعر.

لم تكن المناظرة مجرد مجموعة ساخرة من صور "الرجال العجائز الغاضبين" كما توقع البعض. كانت المناظرة هي الـ90 دقيقة الأكثر رعباً من لقطات كارثية تابعها الأميركيون وعلى لسانهم سؤال "ما مستقبل الولايات المتحدة؟".

 هل كان بايدن يدرك مآلات أميركا وهو هناك تحت الأضواء الساطعة، وهو ينطف حلقه ويفتح فمه، ويحاول جاهداً التوصل إلى فكرة متماسكة في مواجهة خصم عنيد يتلاعب بالحقائق أحياناً، ويصيب الحقيقة أحياناً أخرى؟

 ربما لم يكن بايدن يدرك ذلك بالفعل، لكن جيل زوجته، كانت هي الأكثر إدراكاً بحقيقة المشهد، فهل ستفعل وتنصحه بالانسحاب؟

جيل لن تطلب من بايدن الانسحاب

حتى كتابة هذه السطور، يبدو واضحاً أن جيل ليس لديها النية لنصح زوجها بالانسحاب من السباق الرئاسي، فقد قالت نهار الإثنين الماضي الثامن من يوليو (تموز) الجاري، أثناء توقفها في ويلمنغتون بولاية نورث كارولاينا لإطلاق مبادرة تستهدف قدامى المحاربين وعائلات العسكريين "الرئيس بايدن يستيقظ كل صباح مستعداً ليعمل معكم". وتابعت "هذا هو كل ما تدور حوله هذه الانتخابات".

 لم تكتف بذلك بل أضافت "على رغم كل الحديث حول هذا السباق، أوضح جو أنه مشارك به بصورة كاملة"، قبل أن يهتف الجمهور "أربع سنوات أخرى".

هل من أمر ما يمكن تفهمه من هذه التصريحات التي صدرت عن جيل، التي لا تنفك تتمسك بها صباح مساء كل يوم، وربما جاءت قمة الأطلسي في واشنطن الأيام القليلة الماضية لتعزز عندها الرغبة في إكمال المسيرة، على رغم سقطات بايدن الجديدة؟

تشرح كيت بروير، من شبكة الـ"CNN" الأميركية الأسباب التي تدفعها إلى الإيمان بأن جيل لن تحدث بايدن في شأن الانسحاب فتقول "جيل هي المدافعة الأعظم والأكثر ولاءً لزوجها من أي أحد آخر، وبصفتي شخصاً درس حياة السيدات الأوليات لم أندهش على الإطلاق لأنها كانت أشد مؤيديه صراحة في الأيام التي أعقبت المناظرة الكارثية التي دارت بين الرئيسين، ولكن ما رسالتها؟

 

حتماً أقنعته جيل بأن تأثير هذه المناظرة سيمر، وبخاصة في ظل قناعاتها بأن جو ليس الشخص المناسب للوظيفة فحسب، إنه الشخص الوحيد المناسب للوظيفة".

خلف الكواليس تتجلى شخصية جيل بايدن التي تشبه شخصية نانسي ريغان، فبعد أن أخطأ الرئيس في الحديث أثناء مؤتمر صحافي دام قرابة ساعتين خلال يناير 2022، سألت جيل مستشاريه "لماذا لم يوقف أحد ذلك؟".

تخبر كيت بروير، كيف أن جيل بايدن ليست حالة شاذة، فالسيدات الأول غالباً ما يشاركن في مؤتمرات أزواجهن الرئاسية أكثر مما يدركه معظم الناس، ولا يقتصر الأمر على هيلاري كلينتون ونانسي ريغان، بل يمتد إلى روزالين كارتر. تضيف "على رغم أن زوجها خسر انتخابات الولاية الثانية له عام 1980 في مواجهة رونالد ريغان، فإنها وفي 2015 عبر لقاء لها مع بروير كانت لا تزال تشعر بالمرارة جراء تلك الهزيمة، فبعد 40 سنة، كانت وصمة العار المرتبطة بولاية واحدة لا تزال عالقة في ذهنها، فيما حلقها يمتلئ بالمرارة".

الإحساس نفسه شعرت به بيتي فورد، زوجة الرئيس جيرالد فورد، الذي جاء من دون انتخابات كنائب لنيكسون المستقيل، وكان قرار العفو عن نيكسون كلفه هزيمة قاسية عام 1976 أمام منافسه الديمقراطي جيمي كارتر، ووقتها شعرت بيتي بألم بالغ بقي معها بقية حياتها.

على أن الفارق هو أن كارتر يعد صاحب أطول مسيرة مهنية بعد الرئاسة، واعتبر من الشخصيات التي رد لها الأميركيون اعتبارها، وعرفت جائزة نوبل طريقها إليه، وخاض وأسس لمبادرات إنسانية عديدة وواسعة.

لكن المؤكد أن جيل تعرف الفارق، وأن سيناريو كارتر غير قابل للتحقق في حياة بايدن، ومن هنا قد تفضل المضي قدماً مهما تكن نتيجة المغامرة الانتخابية على أن ينسحب. هل هناك ما هو أسوأ مرارة من الانسحاب، وقد يرغم جيل على تغيير رأيها؟

التعديل الـ25 البديل الأكثر مرارة

خلف الباب سيناريو مرير، بل الأشد مرارة لجيل بايدن بنوع خاص، ذلك أن الديمقراطيين خلال الساعات الأخيرة تبدو مواقفهم منقسمة بالتساوي، بين الذين مع ترشح بايدن، والذين هم ضده.

في الوقت عينه من الواضح للغاية أن كبار الممولين لحملة بايدن أوقفوا تمويلهم، من وراء الشكوك التي تحوم حول قدرته على إكمال السباق الرئاسي، وهو أمر يوجه ضربة قاسية للحملة الانتخابية الرسمية.

الضربات في واقع الحال تتوالى فوق رأس جماعة بايدن، لا سيما بعد انشقاق أسماء كبيرة من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، عطفاً على تخلي أصدقاء فاعلين من هوليوود، كانوا عوناً وسنداً لبايدن طوال تاريخه السياسي، ومن بين هؤلاء الممثل الأميركي الشهير جورج كلوني، ذلك الذي صرح بأنه لم يعد يعرف بايدن الحالي، وهو تصريح كفيل بالاختصام من حضور سيد البيت الأبيض بقوة.

 في الوقت عينه لم يعد سراً أن أحاديث ما ورائية تجري عن ترشح كامالا هاريس، وإن كان الظن أنها مناورة، فيما المرشح الحقيقي ونائبه غالباً أوراق ديمقراطية مخفية لمفاجأة مقبلة.

 في كل الأحوال، وحال عناد بايدن ويقين الديمقراطيين بأنه سيكون بمثابة المرشح الذي سيبقي على آمالهم في البقاء بالبيت الأبيض لسنوات أربع مقبلة، لن يتبقى سوى السيناريو الأكثر مهانة والمتعلق بالتعديل الـ25 من الدستور الأميركي، أي سيناريو عزل الرئيس.

هذا السيناريو يتجنبه الديمقراطيون قدر استطاعتهم، إيماناً واحتساباً منهم بأنه سيعمق حالة الانقسام بين صفوفهم وسيصب في خانة ترمب قولاً واحداً. هنا ربما يكون أمام جيل بايدن الاختيار بين سيناريوهين، إما الانسحاب بكرامة وإما العزل بمهانة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير