أثار قرار رئيس الوزراء العراقي، القائد العام للقوات المسلحة، عادل عبد المهدي بإحالة نائب قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي إلى إمرة وزارة الدفاع انتقادات سياسية وشعبية واسعة في العراق.
واعتبرت بعض الأوساط الرسمية أن القرار الذي صدر يوم الجمعة، 27 سبتمبر (أيلول) الحالي، يعكس حجم التدخلات السياسية في المؤسسة الأمنية، خصوصاً أن الساعدي يطلق عليه لقب "أيقونة النصر" عند رأي عام واسع، على خلفية انخراطه القوي في محاربة تنظيم "داعش"، ووصفت هذه الأوساط استبعاده بهذه الطريقة إهانة لتاريخه العسكري والتضحيات التي قدمها.
عقوبة غير مبررة
ووصف الساعدي قرار إحالته إلى إمرة وزارة الدفاع بالعقوبة غير مبررة، وهي جاءت بتوصية من قائد جهاز مكافحة الإرهاب اللواء طالب شغاتي إلى رئيس الوزراء الذي لم يكن يعرف أسباب الإحالة، بحسب الساعدي، الذي طالب بإحالته إلى التقاعد بدلاً من "إمرة وزارة الدفاع التي لا تتبع جهاز مكافحة الإرهاب".
وفي المعلومات التي حصلت عليها "اندبندنت عربية"، فإن عبد المهدي ينوي إعادة النظر بقرار إعفاء الساعدي من منصبه بسبب موجة ردود الفعل الغاضبة التي عبّر عنها الآلاف العراقيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومواقف بعض الأطراف السياسية، إلا أنه يجري حالياً مناقشات مع مستشاريه، وقد يكون القرار هو إحالة الساعدي إلى التقاعد لا سيما بعدما أعلن الأخير أنه لن ينفذ قرار الإحالة إلى إمرة وزارة الدفاع.
مواقف سياسية
من جهتها، قالت النائب عن ائتلاف "دولة القانون" عالية نصيف إن "الساعدي تشهد له ساحات المعارك، واليوم للأسف تجازيه الحكومة بالنقل إلى أمرة وزارة الدفاع وتجريده من منصبه من دون إعطاء أي مبرر أو سبب مقنع".
وأضافت، في بيان، أن "هناك تناقضاً عجيباً في طريقة التعامل مع الضباط من حيث إقصاء الأكفاء المشهود لهم بنزاهتهم وإطلاق يد الفاسدين الذين يتقاضون الرشى مقابل عدم استحصال الرسوم الجمركية ويتاجرون بالمخدرات، بل إن هؤلاء على الرغم من فسادهم يحصلون على الترقيات والمناصب".
وتابعت نصيف، "كان الأجدر بالحكومة أن تحيل ملفات هؤلاء الضباط الفاسدين إلى التحقيق بدلاً من إقصاء القادة الشجعان المعروفين بنزاهتهم ومهنيتهم كالساعدي، الذي جازف بحياته دفاعاً عن وطنه وشعبه".
ورجح النائب عن ائتلاف "سائرون" رياض المسعودي تدخل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في أزمة الساعدي، وقال إن "رأي الصدر واضح. فهو يقدّر الساعدي ويعتبره من أسباب النصر على "داعش"، لكنه لن يجري اتصالات مع الحكومة بهذا الخصوص حتى الآن". وأضاف "إذا ثبت أن إحالة الساعدي إلى إمرة الدفاع كانت بدوافع سياسية سيتدخل جميع الشرفاء لإصلاح الأمر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن النائب محمد شياع السوداني، عبر موقع "تويتر"، توجيه سؤال برلماني إلى رئيس الوزراء لبيان أسباب تجميد الساعدي، وقال "استناداً إلى أحكام الفقرة السابعة من المادة 61 من الدستور سنوجه سؤالاً برلمانياً إلى القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء لبيان أسباب نقل المقاتل قائد قوات مكافحة الإرهاب إلى وزارة الدفاع بالإمرة، ما يعني تجميد صلاحياته العسكرية بشكل كامل، وهذا يتنافى مع ما قدمه هذا المقاتل من إقدام وشجاعة وهو الذي رفض ارتداء رتبته العسكرية ما لم يحرر بلده بالكامل".
كما دعا زعيم تحالف "القرار العراقي" أسامة النجيفي القائد العام للقوات المسلحة إلى العدول عن قراره، وقال إن "انعكاس هذه الخطوة على المقاتلين والشعب يمثل رسالة سلبية تصيب المعاني العالية بالإحباط وعدم القناعة بالإجراءات".
وطالب النجيفي في بيان عبد المهدي بـ"إعادة النظر في إحالة الفريق الساعدي إلى الإمرة، وإعادته إلى موقعه معززاً مكرماً"، قائلاً إن "هذا الأمر عُد تجميداً" للساعدي.
دوافع القرار
وتفيد الأنباء المسربة أن الصراع بين رئيس الجهاز طالب شغاتي والساعدي كان السبب الرئيس في تجميد الأخير. ووفقاً للمحلل السياسي سليم الحسني، فإن "عبد المهدي يخشى رئيس الجهاز لقربه الوثيق من الأميركيين، فيستجيب لرغباته دائماً وأن عزل الساعدي بهذه الطريقة التي تعد عقوبة، يدل على حجم الخلاف داخل المؤسسة الأمنية".
ووفقاً للقانون العراقي، يحتاج قرار إقالة أو نقل أصحاب الدرجات الخاصة (وبينهم الساعدي) إلى موافقة البرلمان بتوصية من رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة بموجب قانون جهاز مكافحة الإرهاب رقم 31 لسنة 2016. وعليه، فإن قرار عبد المهدي يحتاج إلى مراجعة السلطة التشريعية، وقد يكون مناسبة لإعادة إحياء مفاوضات تقاسم المناصب الخاصة بين الكتل البرلمانية، التي توقفت قبل أسابيع بسبب الخلاف على عدد ونوع المناصب المخصصة لكل كتلة.
سلسلة إقالات
وتناقلت وسائل إعلام محلية أنباء غير مؤكدة عن نقل اللواء محمد محسن القريشي الملقب بـ"أبو الوليد" قائد لواء "الذئب" إلى إمرة قيادة الشرطة الاتحادية وتجميد قائد العمليات الخاصة في كركوك اللواء معن السعدي، في مشهد يوحي بوجود مخطط لإقالة واستبعاد عدد كبير من قيادات الصف الأول في الأجهزة الأمنية تمهيداً لتعيينات جديدة واختيار شخصيات مقربة من الأطراف السياسية المسيطرة على البرلمان والحكومة، وأن ما يشاع عن وجود خلاف بين شغاتي والساعدي لا يعدو كونه سبباً واحداً من جملة أسباب ودوافع لتغيير شكل وطبيعة الأجهزة الأمنية المتهمة بالقرب من الجانب الأميركي وتقاسم المناصب الشاغرة من خلال صفقة "الدرجات الخاصة".