Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بإمكان الجيش السوداني وقف تمدد "الدعم السريع"؟

مراقبون: افتقاد القوات النظامية الثقة بعد الانسحاب وغياب التخطيط يصعب مهامها

عناصر من قوات المهام الخاصة التابعة للجيش السوداني  (أ ف ب)

ملخص

يبدو أن حرب السودان لا تخضع لأي تقييم عسكري جاد، فالجيش على رغم أنه مؤسسة قائمة على التخطيط والتحليل لكنه يتعامل بمبدأ رد الفعل والفعل المعاكس إلا في بعض الأحيان.

أثار التمدد العسكري لقوات "الدعم السريع" في ولاية سنار وسيطرتها على عاصمتها سنجة في الـ29 من يونيو (حزيران) الماضي تساؤلات عدة عن أسباب تراجع الجيش السوداني وتكرار انسحابه من المدن التي تتعرض لهجوم مباغت، فضلاً عن مخاوف مواصلة تلك القوات عملياتها التوسعية.

إلا أن قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان أكد خلال لقاءاته هذه الأيام بالمواطنين في المدن الآمنة قرب انتصار جيشه على قوات "الدعم السريع" وهزيمتها من أجل إنهاء معاناة المواطنين الذين تشردوا ونزحوا إلى داخل البلاد وخارجها ونهبت ممتلكاتهم وانتهكت أعراضهم في هذه الحرب الدائرة بين القوتين منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023.

فهل بإمكان الجيش السوداني إيقاف تمدد "الدعم السريع" وإلحاق الهزيمة بها في ضوء ما نشهده من تطورات على مسرح العمليات؟

رد الفعل

يقول الأمين العام للقيادة المركزية العليا لضباط وضباط الصف والجنود المتقاعدين السودانيين "تضامن" المقدم محمد نور، في تقديري أن هذه الحرب التي غلب عليها طابع حرب المدن فرضت على الجيش كأمر واقع ونُفذت وفق سياق لا يتناسب مع طبيعة مثل هذه الحروب بدليل اعتماد الجيش على القوة الجوية بدلاً من القوات الخاصة التي تختص بأساليب حرب المدن والمناطق المأهولة بالسكان.

يضيف، لكن ما يلحظ أن استعدادات الطرفين لهذه الحرب كانت ظلامية الأمر الذي يؤكد ضلوع طرف ثالث في إشعالها، إذ اتضح جلياً قيام عناصر أمنية ومتطرفة تتبع للحركة المتشددة بمهاجمة قوات "الدعم السريع" المتمركزة بالمدينة الرياضية جنوب الخرطوم في صبيحة يوم الحرب بغرض إجهاض الاتفاق الإطاري السياسي الذي كانت تتوافق عليه القوتين السياسية والعسكرية حينها.

وتابع نور، مع تطور العمليات وضحت القدرة العالية لـ"الدعم السريع" على تطبيق خفة الحركة والانتشار الأمر الذي أسهم في تشتيت جهد الجيش، كما أن اعتماد الأخير على الطيران الحربي يثبت عدم تعويل مشعلي الحرب على القوة الرئيسة لضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة والاستعاضة عنهم بتنظيمات شبه عسكرية تم إعدادها مسبقاً لمفاجئة "الدعم السريع".

وأوضح أن القوة الضاربة لـ"الدعم السريع" جعلها تعتمد بدرجة كبيرة في تأمين مؤنها على التشوين من قوات الجيش والمستنفرين في ظل المواجهات غير المتكافئة، إلى جانب الإمداد الخارجي عبر بعض حلفائها أو علاقاتها الخارجية التي أسسها لها عدوه نفسه، وكذلك القدرات الاقتصادية والمالية واللوجيستية والأمنية والسياسية والاستخباراتية التي يسرها لها النظام السابق.

واستبعد أن يكون هناك دعم قومي راجح لصالح الجيش بسبب صعوبة الاقتناع بدوافع هذه الحرب وما سببته من مأساة كبيرة لكل فئات الشعب السوداني، فضلاً عن ضلوع المتشددين في الحرب التي أذاقت الشعب كل صنوف المعاناة من تشريد ونزوح وفقدان للممتلكات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى نور أن الإنهاك يشكل دائماً عاملاً مهماً في إنهاء الحروب، ويعرف بالإنهاك البشري والاقتصادي والمعنوي والنفسي، وهو وصل إليه الآن طرفا القتال مع وجود فارق بينهما وهو تفوق "الدعم السريع" ميدانياً على الجيش بصورة واضحة.

ولفت إلى أنه في ضوء الوضع الماثل أمامنا فإنه من الصعب أن يوقف الجيش تمدد "الدعم السريع" لأسباب عديدة أهمها صعوبة قدرة الأول على تعويض الروح المعنوية لكثير من قواته وحامياته المنسحبة أو المهزومة، إضافة إلى التآكل المستمر لقدرات الدولة وبنيتها التحتية مما يشكل خصماً على قدرات الجيش أكثر من "الدعم السريع" التي لديها بدائل أخرى تقوم باستخدامها، فضلاً عن التفوق النسبي لـ"الدعم السريع" من الناحية الإعلامية والمعنوية.

ومضى الأمين العام للقيادة المركزية العليا في القول، من الواضح أن قيادة "الدعم السريع" على رغم من الانتصارات التي حققتها على الأرض فإنها تبحث عن أي وسيلة لإنهاء الحرب وهي نقطة الضعف التي يحاول المتطرفون استغلالها لإبعاد الشق المدني والاتفاق معها (الدعم السريع) بصورة منفردة.

يتابع، من الواضح أيضاً أن هذه الحرب لا تخضع لأي تقييم عسكري جاد، فالجيش على رغم أنه مؤسسة قائمة على التخطيط والتحليل، لكن يبدو أنه يتعامل بمبدأ رد الفعل والفعل المعاكس إلا في بعض الأحيان، فضلاً عن اعتماده كلياً على ما تقوم به الوحدات الخاصة من قوات مسلحة أو قوات جهاز الأمن، وما سقوط معظم الحاميات والمناطق العسكرية إلا دليل على ذلك.

وختم نور بالقول، في حين كانت لـ"الدعم السريع" الغلبة من ناحية العتاد والعدة والأفراد وظهر ذاك جلياً في بداية الحرب، فإن غياب التخطيط الميداني الصحيح لم يمكنها من تحقيق النصر بصورة سريعة وحاسمة، وفي تصوري لن يكون هناك طرف منتصر في هذه الحرب، بخاصة أن الأذرع الخارجية لها يد كبرى في استمرار هذا العبث الذي دمر البنى التحتية للبلاد، بالتالي لا بد من تدخل أممي، ومعلوم بحسب التجارب أن الحرب تتوقف بثلاث طرق إما بالانتصار الحاسم لأحد طرفيها أو من طريق تدخل خارجي إقليمي أو دولي أو من طريق التفاوض وهو الحل المتاح في حرب السودان.

أهداف حقيقية

من جانبه قال الباحث في الشؤون العسكرية العميد طيار علي أحمد خالد تمكنت "الدعم السريع" في ظل الوضع الحالي من التمدد في مساحات شاسعة بإقليم دارفور تصل إلى 75 في المئة من اجمالي مساحة الإقليم، إذ احتلت مدناً رئيسة بها ثقل سكاني كبير مثل نيالا وزالنجي والجنينة والضعين وكبكابية ومليط وكتم، وحالياً تسعى هذه القوات للسيطرة على الفاشر عاصمة الإقليم، فضلاً عن تمددها في ولاية الجزيرة وبعض مدن ولاية سنار خصوصاً عاصمتها سنجة.

يضيف، صحيح أن هذا التمدد يمنح هذه القوات هيبة ومعنويات عالية، لكن اتساع مسرح الحرب بهذه الصورة يتطلب تحمل مسؤولية توفير الخدمات التي يتطلبها مواطنو هذه المناطق من مأكل ومشرب وتعليم ورعاية صحية وكهرباء وغيرها وإلا سينزح غالبية هؤلاء المواطنين بحثاً عن الأمان ومتطلبات الحياة اليومية.

وأضاف، من ناحية العمليات العسكرية فإن كبر مساحة مسرح الأحداث يؤدي إلى طول خطوط الإمداد لتوصيل المؤن والعتاد العسكري للقوات المرابطة في تلك المساحات الشاسعة والمتفرقة، مما يحتاج إلى إيجاد منظومة إدارية ذات كفاءة عالية وسرية تامة، فضلاً عن أعمال الصيانة عند تعطل بعض المعدات والمركبات وغيرها، إلى جانب توفير حاجات المقاتلين من الرواتب والحوافز بخاصة الذين لديهم أسر يعولوها حتى لا يلجأوا إلى عمليات النهب والسلب، فلا بد أن يكون لهذا التمدد أهدافه الحقيقية بإحداث تغيير في حياة المواطن من خلال توفير حاجاته ورفع الظلم عنه وليس زيادة معاناته.

وزاد خالد، بالتأكيد فقد الجيش مساحات شاسعة له أثر سلبي من ناحية سياسية، لكن في الوقت نفسه تمكن من الاحتفاظ بقواته وعدم إنهاكها وفقده أعداداً كبيرة خلال معارك واسعة كما حدث لـ"الدعم السريع" التي فقدت قرابة الـ350 ألف مقاتل في هذه الحرب، فالآن برزت منهجية واستراتيجية الجيش رغم بطء تحركه لاسترداد المواقع التي فقدها والدفاع عن المناطق التي يسيطر عليها، وذلك في المعارك الأخيرة التي دارت الخميس الماضي في سنار بتمكنه من صدى هجوم مباغت وواسع لقوات "الدعم السريع" بمهنية واحترافية عالية.

الطيران الحربي 

وواصل، فيما يتصل بالإمداد استطاع الجيش لكونه يملك طائرات ومطارات أن يزود قواته من طريق الإسقاط في مواقع عديدة كالفاشر وبابنوسة والأبيض وسنار بالمؤن والذخائر وغيرها من العتاد بصورة منتظمة رغم اتساع مسرح الأحداث، فضلاً عن عمل إسناد جوي والقيام بمهام قتالية بقصف مخازن الوقود والذخائر والمؤن، إلى جانب توفير عملية استطلاع واسعة لكشف تحركات العدو.

وأردف، تعد مشاركة الطيران الحربي في هذه الحرب ضئيلة جداً خصوصاً في بداية الحرب، إذ لم يشارك بفاعلية كما شارك من قبل في أحداث عديدة، وذلك لافتقاده المنظومة المتطورة بخاصة في جانب توفير المعلومات الدقيقة والمنتظمة والاستطلاع الجوي، لكن الآن الوضع أفضل إذ قام طيران الجيش بتدمير أهداف عديدة للميليشيات كان لها أثر بالغ في حد فعاليته وتحركه.

وأوضح الباحث في الشؤون العسكرية أن "هطول الأمطار هذه الفترة قد يقلل من عنفوان القتال، لكن ليس هناك بشائر بأن الحرب آلت إلى نهايتها، فالمؤشرات الماثلة تشير إلى أن الحرب مستمرة وأن العدو يسيطر على مساحات واسعة، وعلى عاتق القوات المسلحة السودانية مسؤولية كبيرة وهي قادرة على استرداد وتحرير كل الأراضي التي فقدتها، لكن هذا يتطلب مزيداً من التسليح وعودة المنظومة العسكرية لسابق عهدها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير