أعلن التجمّع الوطني الديموقراطي، ثاني أكبر الأحزاب من حيث عدد نواب البرلمان والمجالس المحليَّة، مشاركته بالانتخابات الرئاسيَّة المقبلة عبر ترشيحه الأمين العام "المؤقت" عز الدين ميهوبي، قاطعاً بذلك أحد أبرز تقاليد الحزب منذ نشأته عام 1997، قبل أن يلحق به التحالف الوطني الجمهوري بإعلان ترشيحه بلقاسم ساحلي، أبرز مناصري الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ما يخلط حسابات المتابعين الباحثين عن ملامح "مرشح النظام"، إن وجد.
وعلى الرغم من أن التجمّع لم يُعلن اسم مرشحه، فإن قيادات فيه تقول إن المرشح "سيكون ميهوبي الذي خلف رئيس الحكومة السابق أحمد أويحي على رأس التجمع"، وكان وزير الثقافة في آخر حكومة شكَّلها بوتفليقة (من 2017 إلى 2019).
حزب السلطة يكسر التقاليد
بقي التجمّع الوطني الديموقراطي وعاءً لدعم مرشح "الإجماع" في كل الانتخابات الرئاسيَّة التي شهدتها الجزائر منذ عام 1999، بمعنى أنه لم يقدم مرشحاً خاصاً به، ولو مرة واحدة في تاريخ وجوده.
ودخول التجمّع معترك الانتخابات الرئاسيَّة المقبلة رسالة من الحزب بشأن "استقلاليَّة قراره"، على الرغم من أن خطابه لم يتغير البتة، بعد سجن أويحي الذي قاده طيلة العقدين الماضيين عدا سنة واحدة أُبعد فيها، وخلفه عبد القادر بن صالح، رئيس الدولة الحالي. فالحزب يعتبر نفسه إلى اليوم امتداداً للنظام القائم وحزباً وطنياً في خدمة مؤسسات الجمهوريَّة.
لذلك، قد يعطي وجود ميهوبي في قائمة المتسابقين انطباعاً عن غياب مرشح "إجماع"، في مقابل "عدة مرشحين من أبناء النظام". وهذا ما يغذيه ترشح رئيس الحكومة الأسبق عبد المجيد تبون للانتخابات إلى جانب رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، أحد أهم معارضي بوتفليقة في ولاياته الثلاث الأخيرة، وصاحب الخطاب المؤيد "بشدة" خطط المؤسسة العسكريَّة للخروج من الأزمة منذ استلامها القرار مطلع أبريل (نيسان) الماضي، بعد دفعها بوتفليقة إلى الاستقالة وملاحقتها قضائياً رموز حكمه.
فتح شهيَّة المتنافسين
يقول المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسيَّة في جامعة الجزائر محمد شيحات، إن "ترشح أسماء مثل تبون وبن فليس يُصعّد من حدة الترقب والتنافس في الساحة السياسيَّة".
وإذا كان عدد المرشحين يتجه إلى التصاعد، فهل سيكون بينهم مرشح تفضّله المؤسسة العسكريَّة؟ يقول أستاذ العلوم السياسيَّة رضوان بوهيدل إن "ثقل المرشحين في حد ذاته يعني أن لا أحد فيهم سيلعب دور الأرنب".
ويضيف "إلى حد الآن هناك أسماء ترفض تأديَّة هذا الدور. مثلاً بن فليس وتبون وأيضاً عبد القادر بن قرينة وعبد العزيز بلعيد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير إلى أن "ما جرى قبل الانتخابات الملغاة في الـ4 من يوليو (تموز) الماضي يختلف تماماً عما يحدث الآن، لأننا شهدنا حينها عزوفاً تاماً عن الترشح، بينما يحدث النقيض اليوم، ما قد يعني غياب إشارات من قلب النظام بأنه يدعم واحداً على حساب آخر".
ويرى بوهيدل أن تهمة الانتساب إلى النظام السابق، التي تنطبق في جزء منها على غالبيَّة المرشحين، "لا تخدم المرحلة الحاليَّة بحكم امتداد عمر النظام السابق عقدين كاملين".
ويضيف، "إذا اتهمنا الكل بأنه كان جزءاً من النظام السابق فلن نجد مَنْ يترشّح. إذ من الصعب إيجاد شخصيَّة أو حزب لم يتعامل مع نظام بوتفليقة من قريب أو بعيد. المطلوب اليوم البحث في برنامج المتنافسين عمن سيؤسس لجزائر جديدة، كما صوَّرها الحراك الشعبي".
قائمة الإسلاميين
وبعدما انفرد بن قرينة بالترشح على رأس حزبه الإسلامي (حركة البناء الوطني)، سيتعرف الجزائريون، مساء السبت، إلى موقف كل من الزعيمين الإسلاميين عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، وعبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنميَّة، بعدما دُعيت مجالس شورى الحزبين إلى الانعقاد من أجل حسم موقفهما من المشاركة في الانتخابات.
واستبق مقري الكشف عن موقف حزبه برسالة إلى الجزائريين صباح السبت، قال فيها "أستغل المناسبة لأوجّه ثلاث رسائل، الأولى: لعامة الناس خصوصاً لمن لم يحسم موقفه من الانتخابات، وليس عنده مشكلة تاريخيَّة أو مصلحيَّة أو أيديولوجيَّة مع الحركة، أطمئنه أن الحركة قامت بكل ما يمكنها القيام به من أجل أن تكون في الموقع الصحيح قبل الحراك وأثنائه، وأشهد أنها قامت بكل ما يمكنها القيام به للوصول إلى قرار صائب بخصوص الانتخابات المقبلة".
أمَّا الرسالة الثانيَّة فكانت إلى "من حسم موقفه، ويأمل موقفاً من حركة مجتمع السلم يقوّي صفّه. أقول له إن الموقف صعب، وإن مدخلات القرار متشابكة جداً ومعقدة كثيراً، ومتضاربة أحياناً".
والرسالة الثالثة "للمنتظرين في الزاويَّة وهؤلاء من يخاصمونك بشكل وجداني وينتظرونك عند كل منعرج ليذبحوك ويثبتوا تهمهم المسبقة والنمطيَّة عليك، فنقول لهم لا نبالي بكم لأن الموقف إن لم يساير هواهم سيذبحونك عاجلاً، وإن ساير هواهم سيسكتون عنك ويحاولون توظيف موقفك لمصلحتهم ثم يذبحونك آجلاً".
في المقابل وضع جاب الله شروطاً تستبق مشاركة حزبه في الانتخابات. وقال صباح السبت، في افتتاح مجلس الشورى الذي سيدرس القرار النهائي، إنه يطالب "بإقصاء أحزاب الموالاة عن الانتخابات الرئاسيَّة، كونها تسببت بالأزمة السياسيَّة الراهنة".
وأشار جاب الله إلى أن المؤسسة العسكريَّة تعد المؤسسة القويَّة التي يرتكز عليها استقرار البلد وأمنه، "لكن هذه المؤسسة القويَّة ما هي إلا فرع من فروع الدولة والشعب الجزائري هو الأصل".