Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التغير المناخي يلزم الجزائر إنعاش "زراعات مهملة"

عادت البلاد إلى البذور الأصلية وتجربة محاصيل جديدة واقتربت من الاكتفاء الذاتي للقمح

تعتمد الحكومة الجزائرية على مياه الأمطار بصورة واسعة في قطاعها الفلاحي (أرشيفية - شترستوك)

ملخص

تطل الجزائر على البحر الأبيض المتوسط وتصنف ضمن المناطق الدافئة المهددة بانخفاض كمية تساقط الأمطار، وتتوقع الدراسات تراجع كميات تساقط الأمطار من 20 في المئة إلى 25 في المئة بحلول عام 2050.

أجبر تغير المناخ في الجزائر على نمط زراعي مغاير لما هو معهود في عقود سابقة، إذ باشرت السلطات المحلية سلسلة من التدابير للتكيف مع الجفاف وقلة التساقطات المطرية من طريق تشجيع الاستثمار في الزراعات الاستراتيجية والعودة إلى البذور الأصلية، وتجربة محاصيل منشأها أميركا اللاتينية.

وتكاد معظم تحذيرات المتخصصين في الطقس تتقاطع مع هاجس ظاهرة الاحتباس الحراري المسببة للجفاف بشكل لم يسبق له مثيل وفي تدمير هكتارات من المحاصيل، الأمر الذي ربط القطاع الفلاحي ارتباطاً وثيقاً بالمناخ. وهنا سارعت الجزائر إلى تغيير النمط الزراعي عبر الاعتماد على ما يسمى الزراعات المتخصصة الملائمة للظروف الحالية.

وبحسب دراسة جامعية جزائرية للباحثين بوعراب رابح وفتح الله مسعودة حول أثر التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي في البلاد خلال الفترة 1980-2020، فإنها توصلت إلى كون زيادة واحد في المئة بدرجات الحرارة خلال فصلي الربيع والصيف تؤدي إلى انخفاض في الإنتاج الزراعي خلال الفصلين 0.48 في المئة و0.34 في المئة على التوالي. وبينت النتائج وجود أثر سلبي بين تساقط الأمطار في الشتاء والصيف، فزيادتها واحد في المئة خلالهما تؤدي إلى انخفاض في الإنتاج الزراعي 0.05 في المئة.

وتطل الجزائر على البحر الأبيض المتوسط وتصنف ضمن المناطق الدافئة وبانخفاض كمية تساقط الأمطار. وتتوقع الدراسات تراجع كميات تساقط الأمطار في دول الشمال الأفريقي من 20 في المئة إلى 25 في المئة بحلول عام 2050 إضافة إلى إمكانية التعرض للجفاف الأكثر حدة.

البذور العضوية

وللتأقلم مع التغير المناخي في ظل استمرار أزمة الغذاء العالمية وشح السلع وارتفاع أسعارها تسعى الجزائر إلى التركيز على البذور العضوية. وشرعت الحكومة بالتعاون مع متخصصين في مجال الزراعة في تنسيق جهودهم لاستخدام البذور الأصلية وتعزيز إنتاجية المحاصيل أملاً في مواجهة موجة الجفاف التي ضربت البلاد منذ أعوام.

وأطلقت السلطات بنكاً للبذور ومقره المركز الوطني لمراقبة البذور والشتائل، ويضم نحو 6 آلاف سلالة نباتية لمختلف أنواع البقوليات والحبوب والمحاصيل العطرية والطبية، إذ تراهن عليه ليكون ضماناً لتعزيز الأمن الغذائي والسيادة الوطنية، من خلال الحفاظ على التراث الجيني الزراعي وترقية الإنتاج المحلي.

 

 

ومن مزايا البذور الطبيعية تمتعها بقدرة أكبر على مقاومة الآفات والتأقلم مع الرطوبة وقلة استهلاكها المياه، فضلاً عن جودة المنتجات والقيم الغذائية العالية التي تتمتع بها. وينصب التركيز أيضاً على سن القوانين والتشريعات التي ستدعم سياسة استخدام البذور العضوية من حيث الإنتاج والتسويق عبر الهياكل المعنية وتقليص الكلف على المزارعين.

وفي وقت تعتمد الحكومة على مياه الأمطار بصورة واسعة في قطاعها الفلاحي، بخاصة زراعة الحبوب شمال الجزائر بدأت في استغلال المياه المستعملة بشكل ضعيف بعد تصفيتها في السقي الفلاحي الذي يقول المتخصصون إن بإمكانها توفير 20 في المئة من الموارد المائية.

وباتت الجزائر تهتم أكثر بتطوير الزراعات الاستراتيجية، لا سيما البقوليات والبذور الزيتية بما فيها دوار الشمس والأشجار المقاومة على غرار الأرقان والفستق، وشرعت قبل أعوام في تجربة زراعة حبوب "الكينوا" المقبلة من مناطق أميركا الجنوبية، مستهدفة إدماجها في النظم الزراعية، نظراً لقدرتها على التكيف مع طيف واسع من الظروف البيئية القاسية، مثل الجفاف والتربة الفقيرة وبفاعليتها في مكافحة التصحر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونبهت مديرة محطة المعهد التقني لتنمية الزراعة الصحراوية بولاية المغير الجزائرية (حكومي) حليمة خالد في حديث إلى "اندبندنت عربية" إلى تأثير التغيرات المناخية بخاصة تذبذب التساقطات المطرية في البلاد كغيرها من دول العالم وتأثيره بصورة مباشرة على شمال البلد الذي يعتمد على الزراعات المروية بالمطر، مما تسبب في انخفاض رهيب في المردود والإنتاج بصورة عامة للحبوب وطاول الزراعات الأخرى، فكان العام الماضي أكثر حدة من حيث الجفاف.

وقالت حليمة إن الجزائر عرفت منذ بداية الألفية تشجيع الزراعة الصحراوية وأصبحت مشاركة في الإنتاج الوطني، كمثال ولاية الوادي جنوب البلاد اليوم تشارك بـ40 في المئة في مادة البطاطا من إجمال الإنتاج الوطني، أما ولاية بسكرة فمعروفة بالزراعات المحمية والخضراوات، ومع المخطط الخماسي الأخير الذي اهتم أكثر بالزراعة الصحراوية، لذلك جاء إنشاء ديوان تنمية الزراعة الصناعية في المناطق الصحراوية، الذي من شأنه مرافقة توزيع الأراضي الفلاحية في الصحراء لكبار المستثمرين وذوي الأموال.

ولعل من الزراعات الأخيرة التي تسعى الدولة لتطويرها هي الزراعات الزيتية أهمها زراعة دوار الشمس الذي يتأقلم مع معظم الظروف المناخية ويمكنه من تخفيض فاتورة استيراد الزيوت النباتية، إذ كان هناك برنامج لدعم هذه الزراعات وتحديداً في "التسميد"، وشبكة السقي وتوفير المصانع المحولة للمنتج مما يسهل تسويق الفلاحين لمنتجاتهم.

ولفتت المتخصصة في المجال الزراعي إلى انتعاش زراعة الحبوب في المنيعة وأدرار وغيرها من ولايات الجنوب، حيث وصل مردود الإنتاج إلى 80 قنطاراً في الهكتار الواحد لبعض المستثمرين، لكن التحدي الكبير اليوم هو كيفية رفع المردود في القنطار في معظم المناطق الأخرى للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.

ونصحت حليمة خالد بالمرافقة التقنية لرفع المردودية في معظم المناطق الصحراوية لأنها زراعة مسقية مع أتباع الأنظمة المقتصدة للسقي من المياه الجوفية الجنوبية.

اكتفاء ذاتي من القمح

بدوره كشف الرئيس عبدالمجيد تبون في آخر اجتماع لمجلس الوزراء أن تحقيق الجزائر اكتفاءها الذاتي التام من إنتاج القمح الصلب أصبح قريب المنال، بعد إنتاج 80 في المئة من حاجتها السنوية خلال هذا الموسم، موضحاً أن الإنتاج الوفير من القمح الصلب خلال الموسم الحالي سمح بتوفير 1.2 مليار دولار لخزانة الدولة.

غير أن بلوغ الهدف الاستراتيجي سيكون عبر توسيع المساحة المزروعة في الجنوب الكبير إلى 500 ألف هكتار، تشمل الاستثمار القطري بالأساس عبر مساحة 117 ألف هكتار بالجنوب الجزائري، والإيطالي في 36 ألف هكتار، إلى جانب الاستثمارات الوطنية في 120 ألف هكتار.

 

 

وتلقت الحكومة الجزائرية توجيهات بتحسين مردودية الهكتار الذي يجب ألا يقل في الجنوب عن 55 قنطاراً في الهكتار الواحد، لما تملكه تلك المناطق من إمكانات عملاقة، لا سيما الماء والكهرباء.

وبالنسبة إلى المتخصص في الشأن الاقتصادي هواري تيغرسي ركز على ترابط الأمن الغذائي والمائي في ظل التغيرات المناخية، إذ بدأت السلطات العمومية في إيجاد حلول لجميع المناطق والعمل على تحلية المياه المالحة عبر 23 محطة في شمال الجزائر، أما في الجنوب فتم البدء في استغلال المياه الجوفية وحفر الآبار في المناطق التلية.

ودعا تيغرسي إلى الاستثمار في الموارد المائية باسترجاع مياه الشتاء والمياه المستعملة كحل من حلول شح هذه المادة في القطاع الفلاحي الذي يستغل 70 في المئة من المياه.

المزيد من بيئة