ملخص
يؤكد متخصصون أن مياه البحر قد تغمر نحو 250 كيلومتراً مربعاً من مساحة تونس في غضون عام 2050 متوقعين أن ذلك سينتهي باختفاء عدد من المدن تماماً بحلول 2100
قد تخسر بعض دول شمال أفريقيا كتونس والمغرب والجزائر ومصر في غضون أعوام قليلة عدداً من مدنها الساحلية والسياحية المهمة، وذلك وفق دراسات وتقارير بيئية أكدت أن هذه البلدان الأفريقية المتوسطية تعد من بين أبرز الدول في العالم المهددة بفقدان جزء من يابستها بسبب التغيرات المناخية.
وأكد تقرير لمنظمة "غرين بيس" العالمية المدافعة عن البيئة أن هذه الدول تعد من "الدول المهددة بالتأثير المدمر للتغير المناخي".
وتفيد مصادر عدة بتآكل مساحات كبيرة من سواحل تونس تقدرها بنحو ربع الشريط الساحلي، مما قد ينتهي باختفاء عدد من مدنها، من بينها وجهات سياحية مشهورة كالحمامات وجربة وحتى هضبة سيدي بوسعيد الشهيرة بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، إضافة إلى مناطق منخفضة في المغرب مهددة مثل مصب واد لو في الشمال بجهة تطوان كمرتيل وخليج طنجة وأكادير، إضافة إلى كورنيش الدار البيضاء الشهير.
تآكل اليابسة
وكشفت "وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي" الحكومية التونسية في دراسة سابقة عن أن "البحر قد يغرق نحو 16 ألف هكتار من المساحات الشاطئية، وأن نحو 700 ألف هكتار من الأراضي السكنية والطرق القريبة من السواحل مهددة بالانهيار نتيجة قرب مياه البحر خلال الأعوام الأخيرة". ويبلغ طول الشواطئ التونسية نحو 2300 كيلومتر.
وأكدت الدراسة أن تونس ستعرف في غضون عام 2050 ارتفاعاً لمستوى سطح البحر قد يصل إلى 50 سنتيمتراً.
ووفق الوكالة تعد "مناطق خليج تونس وخليج الحمامات وجزيرة جربة من بين أبرز المناطق المهددة بهذه التغييرات"، وأن "جزراً تونسية عدة قد تفقد مساحات واسعة من اليابسة".
وكشفت وزارة البيئة التونسية عن وجود خطة لحماية السواحل من أخطار الانجراف البحري وتآكل اليابسة، وتضع حكومة المغرب مخططاً كاملاً من أجل الحد من تأثيرات التغيرات المناخية.
وأكد المكلف تسيير "وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي" مهدي بلحاج في تصريح إعلامي سابق أن الشريط الساحلي التونسي يحتل المرتبة الأولى في خطر الانجراف البحري في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وتحدث المسؤول التونسي عن صعوبة التمويلات الهائلة التي تبحث عنها الدولة من أجل الإسراع في أشغال الحماية وإيقاف خطر الانجراف، مؤكداً وجود مشاريع في هذا الاتجاه من أجل الحد من هذه الظاهرة. وكشف المسؤول عن أن حماية السواحل مكلفة جداً، إذ "تصل كلفة حماية الكيلومتر المربع إلى حدود مليون دولار، وهي كلفة كبيرة لخزانة دولة تشكو صعوبات مالية خانقة زادت حدتها مشكلات التغيرات المناخية على غرار الجفاف والانحرافات وارتفاع درجات الحرارة".
عوامل بشرية
من جهته يقول المتخصص في شؤون البيئة بالجامعة التونسية عامر الجريدي في تصريح خاص إن "ساحل هضبة سيدي بوسعيد وسواحل جربة والشواطئ التونسية وسواحل مدن مغربية وجزائرية وليبية ضحية الانجراف البحري. هذه مسألة بيئية طبيعية في معظم بلاد العالم، زادت في تفاقمها وتسارعها أنشطة البشر مع الكثافة السكانية على السواحل التي نشأت على شريطها مدن وصناعات، وما ترتب عنها من تكثف البناء فوق ما يسمى الملك العمومي البحري، بما في ذلك الشواطئ وعمليات استخراج الرمل للبناء منها أو من المساحة البحرية القريبة منها".
ويضيف الجريدي "هذه العوامل البشرية سارعت في تآكل الشواطئ والسواحل".
أما عن ارتفاع معدل درجات الحرارة وتغير المناخ فيقول إن "تأثيرهما يتمثل في زيادة منسوب الرياح والأعاصير التي تؤثر في حركة الأمواج وقوتها، من ثم تسهم في الانجراف الساحلي". ومن جهة أخرى بالنسبة إلى الجزر والشريط الساحلي يقول الجريدي إنها "قليلة الارتفاع عن مستوى البحر، ومن ثم فهي مهددة بالغمر مع ذوبان ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي وتصريفها في المحيطات والبحار التي يرتفع تبعاً لذلك مستواها إلى ما فوق الصفر".
كلف باهظة
ويتابع الجريدي أن "تآكل المناطق الساحلية تؤدي إلى كلف باهظة على الاقتصاد الأزرق في بلدان المغرب العربي"، مواصلاً "من المرجح أن تزداد هذه الكلف في المستقبل، إذ ستتفاقم بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، والتعرض لمزيد من مظاهر التطرف المناخي". وأضاف "يجب على الحكومات في المغرب العربي تدعيم تأهبها لمواجهة الآثار السلبية لتآكل المناطق الساحلية، إضافة إلى إعادة توجيه البنية التحتية الوقائية نحو الحلول المستندة إلى اعتبارات الطبيعة".
ويؤكد متخصصون أن مياه البحر قد تغمر نحو 250 كيلومتراً مربعاً من مساحة تونس في غضون عام 2050، متوقعين أن ذلك سينتهي باختفاء عدد من المدن تماماً بحلول 2100.
هذه الظاهرة لا تهدد تونس وحدها، فالدراسات تؤكد أن مدناً ساحلية كثيرة في العالم تتعرض لمستوى التهديد نفسه على غرار البندقية الإيطالية وجاكرتا الإندونيسية.
ولا تقف أخطار التغيرات المناخية عند تقدم مستوى البحر على حساب اليابسة، فالانزلاق يهدد بدوره مناطق عدة في تونس من أشهرها خصوصاً هضبة سيدي بوسعيد، وهي أشهر وجهة سياحية تونسية وثالث أفضل قرية سياحية في العالم، بحسب أحد المواقع العالمية المتخصصة.
وتقر وكالة حماية البيئة بأنه لا يمكن حالياً تقدير نسبة الخطورة ودرجة الانزلاقات المتوقعة في الهضبة إلا بعد تشخيص دقيق للوضعية، وأن البلدية تقوم ببعض الإجراءات الأولية للحد من هذه الأخطار.
أما المتخصص في علم المناخ في المغرب محمد سعيد قرقور فيقول إن "التقارير الأخيرة التي قامت بها الهيئة الحكومية للتحولات المناخية خلصت إلى أن ارتفاع حرارة الأرض كما هي عليه الآن، وتواصل ذوبان الجليد بفعل هذه الحرارة المرتفعة، سيؤديان إلى تقلص الجليد، وربما إلى اندثاره بصورة نهائية"، مواصلاً "هذا معناه أن المياه التي كانت متكدسة في الجليد ستذوب وستصب في المحيطات، والنتيجة أن مستوى المحيطات سيرتفع، وسيضاف هذا الارتفاع إلى التمدد الحاصل في المياه بفعل ارتفاع حرارتها، لأن المياه عندما تكون باردة يكون حجمها أصغر، ولكنها تتمدد مع ارتفاع حرارتها"، مضيفاً في السياق ذاته "هذا من شأنه أن يهدد المناطق الساحلية، لا سيما المناطق المنخفضة، بما فيها المغرب الذي سيعاني مثل هذه التحديات".
ويفيد قرقور بأن "المناطق المهددة بالمغرب هي المناطق الساحلية المنخفضة على وجه الخصوص، وكذلك المناطق الساحلية التي هيئت بطريقة غير مدروسة"، ويقصد هنا السياحية والمأهولة، مضيفاً "هذا ما جعل هذه المناطق تعاني في الأعوام الأخيرة عمليات تسرب مياه البحر والأمواج العاتية، ومنها أيضاً ارتفاع منسوب مياه البحر الذي لا يشعر به الناس". ويواصل قائلاً "هناك مناطق ساحلية في المغرب مهددة بفعل انخفاضها على غرار سهل الغرب الذي يعد من المناطق المهددة، والذي كان عبارة عن منطقة مغمورة جففت وطورت ووظفت فلاحياً، لكنها تظل من الناحية الطبوغرافية أقل ارتفاعاً من منسوب البحر". وتوجد مناطق منخفضة أخرى مهددة حسب قرقور "مثل مصب واد لو في الشمال بجهة تطوان كمرتيل وخليج طنجة وأكادير، إضافة إلى كورنيش الدار البيضاء الذي ضم في فترة الثمانينيات والتسعينيات مرافق خصوصية عدة مخصصة للسباحة"، كل هذه المناطق المهددة سياحية وجاذبة في المغرب.