Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"البريد الإلكتروني"... حيلة المسؤولين في مقاومة الشفافية

لماذا يلجأ سياسيون إلى منصات تواصل خاصة لنقل معلومات أو تواصل حول الشأن العام؟

قوانين دول غربية عدة تنص ضمن قوانين حرية المعلومات على حق الإعلام أو الأفراد أو جهات التحقيق في الاطلاع على محتوى البريد الإلكتروني الخاص للمسؤولين والساسة (رويترز)

ملخص

ما الضرر في أن يستخدم مسؤول أو سياسي بريده الإلكتروني في مراسلات تتعلق بقرارات أو سياسات أو معلومات تتعلق بالدولة؟

قبل أيام تابع الملايين وقائع جلسة استماع اللجنة الفرعية في مجلس النواب الأميركي التي أدلى فيها المدير السابق للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية أنتوني فاوتشي بأقواله الخاصة باستجابة الولايات المتحدة الأميركية لجائحة كورونا.

تحدث فاوتشي عن الجائحة والفيروس وما يعرفه العالم عن أصله وتوصيات الصحة العامة في أثناء الجائحة ومدى فاعلية إجراءات التباعد والإغلاق والكمامات، وكذلك حقيقة استخدامه البريد الإلكتروني (الشخصي) في مراسلات (خاصة بالجائحة).

بدت موضوعات جلسة الاستماع منطقية والنقاط التي يجري توجيه أسئلة في شأنها صعبة وحادة ومتتالية مع صعود نبرة توجيه الأسئلة غضباً تارة، وبحثاً عن إجابات أكثر وضوحاً أو صراحة تارة أخرى، لكن بقيت الجزئية المتعلقة باستخدام الطبيب الأشهر في أميركا بريده الإلكتروني الشخصي أو استخدام غيره من العاملين في المعهد بريدهم الإلكتروني في مراسلات تتعلق بالجائحة مع استخدام وسائل تقنية لمحو بعض هذه الرسائل بهدف التهرب من حتمية الكشف عن المعلومات طبقاً لقانون حرية المعلومات أمراً غير مفهوم لكثر.

الخاص والمراسلات

ما الضرر في أن يستخدم مسؤول أو سياسي بريده الإلكتروني في مراسلات تتعلق بقرارات أو سياسات أو معلومات تتعلق بالدولة؟ أليس بريداً إلكترونياً شأنه شأن أي بريد؟ وحتى وإن كان يرسل أو يستقبل معلومات أو محتوى سرياً أو غير منضبط أو غير قانوني بحكم وظيفته، فهل ستعييه السبل إن هو أراد تناقلها بعيداً من أعين الدولة والجهات الرقابية؟

الرقابة على محتوى المراسلات الرسمية لا تمثل أزمة في الأقل بالنسبة إلى الرأي العام. قوانين دول غربية عدة تنص ضمن قوانين حرية المعلومات على حق الإعلام أو الأفراد أو جهات التحقيق في الاطلاع على محتوى البريد الإلكتروني الخاص للمسؤولين والساسة، بمن في ذلك الرؤساء ورؤساء الوزراء، ما دام استخدامه جرى لأغراض تتعلق بالعمل، لكن بشروط وقيود تحددها قوانين كل دولة على حدة.

حدة توجيه الأسئلة في جلسة الاستماع التي خضع لها فاوتشي قبل أيام زادت حين تعلق الأمر باستخدام البريد الإلكتروني الخاص بمسائل تتعلق بالجائحة في بداية ظهورها. الرجل أنكر استخدام البريد الخاص وقال إنه لم يكن على علم بأن أحد كبار المستشارين السابقين في المعهد استخدم بريداً إلكترونياً خاصاً لتداول مراسلات حول الجائحة.

فداحة البريد الخاص

"فداحة" خطأ استخدام البريد الخاص في شأن رسمي مثل ظهور جائحة وتداول قرارات وإجراءات وآراء المسؤولين عن الملف على بريد خاص وليس البريد الرسمي ظهرت في قول فاوتشي الدفاعي "الأفراد في المعاهد الوطنية للصحة والمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية هم مجموعة ملتزمة للغاية من الأشخاص. وهذه الحالة التي أشرت إليها حالة شاذة وغريبة".

إذا كان استخدام البريد الإلكتروني الشخصي لمسؤول أو وزير أو رئيس دولة لتبادل معلومات أو تواصل مع جهات أو أفراد في مسائل تتعلق بالعمل "حالة شاذة وغريبة" في بعض الدول فهو أمر لا يلفت الانتباه كثيراً أو أبداً في دول أخرى. الأمر يتعلق بقوانين حرية تداول المعلومات التي تختلف في نصوصها وقواعدها واستثنائها من دولة إلى أخرى. في أميركا على سبيل المثال ينص قانون حرية المعلومات على أن لكل شخص الحق في طلب الوصول إلى سجلات الوكالة الفيدرالية، وذلك باستثناءات منصوص عليها في القانون.

في المقابل فإن سياسيين ومسؤولين في هذه الدول يحاولون بين وقت وآخر تجنب الوقوع تحت طائلة نصوص هذا القانون، إما دون علم بعدم إمكانية استخدام البريد الخاص في مراسلات رسمية أو تتعلق بالصالح العام، وإما لمنع الكشف عن أمور يفضلون أن تبقى سرية.

سرية المراسلات

سرية المراسلات تعني أن هناك شيئاً ما يخشى معرفته يوماً ما، لذلك يفضل بذل الجهد لتجنب عمليات التدقيق والتفتيش المحتملة "من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة إلى أوراق الملاحظات اللاصقة: كيف يتجنب السياسيون الفحص الدقيق؟"، هذا عنوان ورقة كتبها محاضر العلوم السياسية في كلية بيركبيك التابعة لجامعة لندن بن ورذي خلص فيها إلى أن الغاية من لجوء السياسيين والمسؤولين إلى منصات تواصل خاصة لنقل معلومات أو تواصل حول الشأن العام تكون "مقاومة الشفافية".

سبق أن وجه إلى وزير الصحة والرعاية الاجتماعية البريطاني السابق مات هانكوك ومسؤول آخر رفيع المستوى اتهاماً بمحاولة "مقاومة الشفافية" حين اكتشف استخدامه حسابات بريد إلكتروني خاص في الوزارة بالأعمال الحكومية في بدايات الجائحة.

سلاح قوي وتحايل

ويشير ورذي في ورقته إلى أن قوانين حرية تداول المعلومات سلاح قوي في العادة يصعب مقاومته، لكن هذا لا يمنع بعض السياسيين والحكومات من بذل قصارى جهدهم للتحايل عليه. وعلى رغم قوله إن هذه المقاومة نادراً ما تكون منهجية على مستوى الحكومات فإن هناك أمثلة عديدة ظهرت في السنوات الأخرى، ومعظمها منسوب إلى مسؤولين في مستويات رفيعة جداً.

المنصب الأرفع في الخارجية الأميركية هو منصب الوزير، لذلك حين تفجرت تفاصيل استخدام هيلاري كلينتون وقت أن كانت وزيرة للخارجية بين عامي 2009 و2013 خادماً خاصاً لبريدها الإلكتروني في مهام رسمية في أثناء توليها منصبها جرى وصفها بـ"الفضيحة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"الفضيحة" تحولت إلى أداة انتخابية فعالة مضادة في يد المرشح المنافس لها في انتخابات الرئاسة دونالد ترمب عام 2016. في ذلك العام قرر مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) إعادة تحريك القضية في أكثر أوقات الحملتين الانتخابيتين حساسية وأهمية. وانتهى الأمر إلى نجاح حملة ترمب في استخدام "الفضيحة" لصالحه تماماً.

لعبت الحملة على وتر عدم جدارة من تستخدم خادماً خاصاً للبريد الإلكتروني لا يحظى بالحماية في التواصل وتداول معلومات وأمور تتعلق بالصالح العام للدولة والشعب لتتقلد منصب الرئيس. وأضافت أنها بهذا التصرف وضعت الولايات المتحدة الأميركية في خطر.

... وإيفانكا أيضاً

المفارقة الغريبة واللافتة هي أن إيفانكا ترمب، ابنة ترمب وقت أن كان رئيساً، استخدمت بريدها الإلكتروني الخاص لإرسال مئات الرسائل المتعلقة بأعمال وقرارات رسمية في البيت الأبيض وفي التواصل مع مسؤولين حكوميين عام 2018، لكن "الفضيحة" هذه المرة مرت مرور الكرام من دون صخب كبير.

يشار إلى أن إيفانكا كانت التحقت رسمياً بإدارة والدها موظفة دون راتب في منصب مساعدة الرئيس عام 2017، مما أثار غضب البعض في أميركا ممن رأوا في ذلك التعيين، ولو دون مقابل، ما يتناقض وأخلاقيات العمل.

الطريف أن تفجر "فضيحة" استخدام إيفانكا بريدها الخاص في عمل رسمي في داخل البيت الأبيض جرى حله بإعلان محاميها أنها أرسلت هذه الرسائل قبل أن تطلع على القواعد التي تمنع ذلك. وقال مسؤولون في البيت الأبيض آنذاك إن إيفانكا توقفت حين جرى إخبارها بأنه لا ينبغي عليها فعل ذلك.

بريفرمان والخرق الأمني

فعلت ذلك وزيرة الداخلية البريطانية السابقة والمثيرة للجدل بسبب سياساتها الخاصة بالمهاجرين واللاجئين سويلا بريفرمان، إذ أرسلت رسالة إلكترونية "رسمية" بالغة الحساسية عبر بريدها الخاص، وجرى وصف ما فعلته بـ"الخرق الأمني". الرسالة كانت مسودة بيان وزاري يتعلق بتأشيرات الهجرة وفيها قدر كبير من المعلومات بالغة الحساسية حول سياسة الحكومة البريطانية في هذا الشأن.

في اليوم نفسه من عام 2022 تقدمت بريفرمان باستقالتها بعدما "زعمت" أنها أرسلتها بالخطأ، وأنها بمجرد إدراك خطئها أبلغت القنوات الرسمية بسرعة، وطلبت من المرسل إليه حذف الرسالة بسرعة، لكن ثبت أن الأمر استغرق ساعات. وبعد استقالتها بـ10 أيام بسبب انتهاكها قواعد الأمان المتعلقة باستخدام البريد الإلكتروني أعاد ريشي سوناك تعيينها، مما أثار انتقادات عدة، لكن بريفرمان أقيلت إقالة بائنة العام الماضي بعدما قارنت بين مسيرات شهدتها لندن تأييداً للفلسطينيين ومطالبة بإنهاء الحرب في غزة ومسيرات طائفية جرت في إيرلندا الشمالية أواخر القرن الـ20، معتبرة المسيرات المؤيدة الفلسطينيين "تأكيداً لهيمنة من جانب مجموعة بعينها، لا سيما الإسلاميون".

بولندا تكسر الاحتكار

مسؤولون رفيعو المستوى في بولندا كسروا هيمنة دول بعينها على "فضائح" استخدام البريد الخاص. ففي عام 2021 تفجرت فضيحة مشابهة أبطالها مسؤولون بولنديون أبرزهم رئيس الوزراء السابق ماتوش مورافيتسكي وأحد مساعديه ووزير الصحة السابق آدم نيدزيلسكي.

المراسلات التي جرت عبر البريد الإلكتروني للمسؤولين تعلقت بإجراءات وقواعد شراء لقاحات كورونا وتعامل الحكومة البولندية مع احتجاجات ضد قيود الإجهاض ومعلومات عسكرية بولندية وسخرية من تلفزيون الدولة.

وقتها وجهت المعارضة البولندية سهام الانتقاد والهجوم اللاذع للمسؤولين الذين استخدموا بريدهم الإلكتروني الخاص معرضين أمن وسرية شؤون إدارة الدولة للخطر. وبالطبع جرى استخدام ما جرى كأداة سياسية، إذ طالبوا باستقالة كل من ضلع في "الفضيحة".

أمر فادح في جزء من الكوكب

ولأن استخدام البريد الإلكتروني الخاص بكبار المسؤولين والسياسيين في مراسلات تتعلق بشؤون دولهم أمر فادح في جانب من دول الكوكب ومسألة عادية ومعتادة في دول أخرى في الكوكب نفسه، بل فهم سبب فداحتها على الجانب الآخر من الأرض يصبح أمراً صعباً، فإن الغرض من "إجبار" المسؤولين على إدارة شؤون الدولة والأعمال الحكومية عبر القنوات الرسمية لا الخاصة هو إمكانية التدقيق فيما كتبوا وقرروا وتداولوا وتواصلوا وقت الحاجة، وحتى يسهل الاحتفاظ بسجلات موثقة لها.

هيئة الإذاعة البريطانية أجابت عن سؤال: ما الخطأ في استخدام الوزراء عناوين البريد الإلكتروني الخاصة في مراسلات حكومية أو رسمية؟ في مقال موسع منشور بالإنجليزية عام 2021. وتشير إلى أنه قبل أن يصبح البريد الإلكتروني وسيلة الاتصال المفضلة كانت المراسلات الرسمية والحكومية تجرى عبر الرسائل والمذكرات المكتوبة على الورق، ولم يكن ذلك ضماناً بأن تكون المراسلات علنية، إذ ظلت هناك إمكانية تمرير المذكرات والخطابات للوزراء دون علم آخرين بما يجري. وهناك أيضاً إمكانية أو احتمال إجراء الوزراء محادثات خاصة دون تدوين الوقائع والمحتوى واردة على رغم أنها غير مسموح بها.

يظل الهدف الأسمى هو الاحتفاظ بسجلات لرسائل البريد الإلكتروني والوثائق الأخرى امتثالاً لقوانين حرية المعلومات التي تتيح للجمهور والصحافيين إمكانية الوصول إلى بعضها حال طلبها.

الهدف الآخر الذي لا يقل أهمية عن الأول، لكن لا يحظى بالشعبية نفسها، هو أن استخدام الحسابات الشخصية في البريد الإلكتروني يعرض الحكومات والأنظمة لأخطار تتعلق بالأمن القومي ولعمليات التخريب والوقوع فريسة لطلبات الفدية من عصابات كبرى عكس الحسابات الرسمية التي تحظى عادة بدرجات أوفر من الحماية.

المعلومات الرسمية والمراسلات الحكومية وتبادل إرسال القرارات والإجراءات المتعلقة بالدول والشعوب عبر المنصات الإلكترونية منظومة حديثة نسبياً. "فضائح" التهرب من قوانين حرية المعلومات عبر اللجوء إلى البريد الخاص، أو عدم معرفة خطورة استخدام البريد الخاص لا الرسمي في مثل هذه المراسلات، لا تقف عند حدود البريد الإلكتروني، لكن إدارة الحكومات عبر "واتساب" خطر آخر، وإن لم يكشف عن فضائحه أو معرفة الخروق التي دارت على أثيره بعد. ويظل الشد والجذب بين البريد الخاص والرسمي ومعاقبة هذا المسؤول وفضح هذا الوزير والبحث في أغوار قوانين تداول المعلومات والكشف عن محتوى الرسائل وغيرها أموراً تشغل بال جانب من الكرة الأرضية وليس كل الكرة.

المزيد من تحقيقات ومطولات