Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرنسا أمام "جمود تشريعي" واحتدام الخلاف بين أطراف اليسار

الكتل الثلاث لن تتمكن من تشكيل حكومة غالبية وستحتاج إلى دعم الآخرين لتمرير أي قانون

تبرز تساؤلات حول من سيشغل منصب رئيس الوزراء في فرنسا (أ ب)

ملخص

احتدم الخلاف بين الأحزاب اليسارية بفرنسا في شأن اختيار رئيس الوزراء الجديد، مما دفع زعيم الحزب الشيوعي فابيان روسيل إلى التحذير من أنهم يخاطرون "بإغراق السفينة" على رغم نجاحهم في الانتخابات

كشفت النتائج الأولية للجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية الفرنسية عن فوز تحالف اليسار بأكبر عدد من الأصوات، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق عتبة الـ289 مقعداً المطلوبة لضمان الغالبية المطلقة في البرلمان. ونتيجة لذلك تواجه فرنسا "سيناريو غير مسبوق" يتمثل في "برلمان معلق"، وفقاً لتقرير وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية.

وبحسب بيانات وزارة الداخلية حصل اليسار على 182 مقعداً، بينما نال تحالف إيمانويل ماكرون الوسطي 168 مقعداً، وفاز التجمع الوطني بـ143 مقعداً، وهذا يعني أن الكتل الثلاث لن تتمكن من تشكيل حكومة غالبية وستحتاج إلى دعم الآخرين لتمرير أي تشريع، مما يعقد عملية التحالف لتشكيل حكومة مستقرة.

وفي ضوء النتائج المثيرة للجدل للجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا تبرز تساؤلات حول من سيشغل منصب رئيس الوزراء. وما الفرضيات والسيناريوهات الممكنة؟

في هذا السياق أعلن السكرتير الأول للحزب الاشتراكي أوليفييه فور في وقت سابق أن اليسار سيقدم مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء "خلال الأسبوع". ويتزامن هذا الإعلان مع ضرورة توصل الجبهة الشعبية الجديدة إلى توافق حول مرشح مشترك بين الحزب الاشتراكي وحزب فرنسا الأبية.

احتدام الخلاف

احتدم الخلاف بين الأحزاب اليسارية في فرنسا اليوم الثلاثاء في شأن اختيار رئيس الوزراء الجديد، مما دفع زعيم الحزب الشيوعي فابيان روسيل إلى التحذير من أنهم يخاطرون "بإغراق السفينة" على رغم نجاحهم في الانتخابات.

ومن المرجح أن يقبل الرئيس إيمانويل ماكرون استقالة الحكومة الحالية بقيادة غابرييل أتال الذي ينتمي إلى تيار الوسط لتمكين الوزراء الذين نجحوا في الانتخابات من الانضمام للبرلمان عندما ينعقد الخميس المقبل.

وقال روسيل لتلفزيون "بي أف أم"، "إذا لم نتمكن من إيجاد حل في الساعات والأيام المقبلة فستغرق السفينة"، واصفاً حالة المحادثات بأنها "مؤسفة".

وقدم أتال استقالته إلى ماكرون بعد خسارة الانتخابات مباشرة. ورفض ماكرون في البداية استقالته، لكنه سيترأس اجتماعاً لمجلس الوزراء صباحاً قد يقبل خلاله الاستقالة. وستستمر الحكومة في تسيير الأعمال حتى تشكيل الحكومة الجديدة.

خطر الانسداد

يرى الباحث السياسي نبيل شوفان أنه بغياب غالبية واضحة على مقاعد الجمعية، وفي حال تفادي خطر الانسداد المؤسساتي، فإن الحكومة التي ستقود فرنسا ستكون إما ائتلافاً حكومياً بغالبية ناتجة من تحالف أكثر من كتلة برلمانية، وهي ستكون بالضرورة متضمنة الكتلة الرئاسية على اعتبار استحالة تحالف اليسار مع اليمين المتطرف، أو حكومة أقلية كأن تقدم الجبهة الشعبية الجديدة مرشحاً رئيساً للوزراء، وهذا لم يحصل حتى الآن مع استبعاد اتفاق الاشتراكيين في اليسار المعتدل مع أقصى اليسار في حزب فرنسا الأبية.

وعلى حد اعتقاد نبيل شوفان فإن "هذه الحكومة اليسارية تجرب حظها قبل أن تواجه سريعاً اقتراحاً بإسقاط الثقة، وبعد ذلك يمكن أن يتولى ائتلاف أكثر وسطية السلطة، قبل أن يفسح المجال أمام حكومة فنية". وقال "سنكون حينها أمام حكومات قصيرة العمر ومفاوضات دائمة بين المجموعات البرلمانية، وربما تواجه فرنسا بعض الجمود التشريعي، على اعتبار أن الثقافة السياسية الفرنسية شديدة التعلق بفكرة الحكومة الحزبية". ويرى شوفان أن عدم تحقيق أية كتلة للغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية يضع الحكومة في موقف حرج، إذ يمكن لأية كتلة برلمانية أن تطالب بحجب الثقة في أي وقت. وهذا الأمر يجعل استقرار الحكومة موضوعاً مشكوكاً فيه، مما يدفع إلى التفكير في سيناريوهات جديدة للمفاوضات السياسية.

ناقشنا في حديثنا مع شوفان فرضيات عدة بما في ذلك إمكانية تشكيل تحالفات جديدة أو تغيير في استراتيجيات العمل بين الكتل لضمان استمرارية الحكومة وتفادي الأزمات السياسية.

السيناريو الأول

يرى نبيل شوفان أن فرص توافق الجبهة الشعبية الجديدة على اسم رئيس وزراء تتضاءل بصورة متزايدة. التحالف اليساري مستمر في مطالبته برحيل رئيس الوزراء غابرييل أتال والذهاب بمفرده إلى ماتينيون، مما يتطلب تقديم مرشح متفق عليه بين جميع أحزاب الجبهة.

وتشير صحيفة "لو باريزيان" إلى أن إيمانويل ماكرون قد يقبل استقالة حكومة أتال في الـ16 من يوليو (تموز)، مما يزيد من حدة المفاوضات داخل اليسار. وقد رفض ترشيح هوغيت بيلو المدعومة من الحزب الشيوعي من قبل الاشتراكيين.

وهناك أيضاً نقاش حول وزيرة التعليم السابقة في عهد فرنسوا هولاند نجاة فالو بلقاسم كمرشحة محتملة. كما يدرس الاشتراكيون والخضر والشيوعيون ترشيح لورانس توبيانا المتخصصة في الشأن الاقتصادي لتولي منصب رئيسة الوزراء، وعلى رغم ذلك يتردد حزب فرنسا الأبية في قبول شخصية من المجتمع المدني، بينما تتعرض توبيانا لانتقادات من بعض الأعضاء القريبين من ماكرون.

تتسبب هذه الخلافات في توترات داخل الجبهة الشعبية الجديدة، مما يهدد بتفككها. حتى في حال توافق اليسار على اسم رئيس وزراء، تظل المادة الثامنة من الدستور لا تلزم رئيس الجمهورية بتعيين رئيس وزراء من كتلة الغالبية الضعيفة أو حتى من الجمعية الوطنية بأكملها.

السيناريو الثاني

أشار شوفان إلى فرضية إنشاء تحالف بين اليسار والوسط واليمين والوسط مع الكتلة الوسط الرئاسية، وهذا سيؤدي بالضرورة إلى انفصال الاشتراكيين والبيئيين عن "فرنسا الأبية".

وفي حديثه عن هذه الفرضية أشار شوفان إلى أنه مع الوصول إلى هذا الانسداد السياسي الناتج من تصويت اجتماعي لم يعد ينتج غالبية مستقرة، وبات يحتم مراجعة نموذج الجمهورية الخامسة، والانتقال من ثقافة المواجهة إلى ثقافة التسوية والتفاوض والتعاون والعمل معاً، لضمان عدم تعطل الجمهورية والحفاظ على السلم والأمن فيها.

"من وجهة نظر ديمقراطية، لم يكن أحد من هذين المعسكرين ليحقق هذه النتيجة لولا تحالفهما في جبهة جمهورية، فقد انتخب نحو 130 نائباً من كلا المعسكرين بعد انسحاب أحدهما لمصلحة الآخر، وهذه المقاعد كان ليشغلها نواب من التجمع الوطني اليميني المتطرف. لذا من الضروري أخذ تصويت الفرنسيين بعين الاعتبار، وهو ما يتطلب التخفيف من بعض المواقف البرامجية بهدف تشكيل حكومة ائتلافية تتجاوز الكتلة السياسية الواحدة، هذا يقودنا للقول إن الفرنسيين أنفسهم اختاروا هذا التحالف وإن أي سيناريو يخالف توجهات التصويت وصناديق الاقتراع سيفشل"، بحسب الباحث السياسي نبيل شوفان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا السياق يؤكد شوفان أن كتلة الوسط الرئاسية يبدو أنها تبحث عن حلول وسطية في هذا القوس الجمهوري الذي واجه حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في الانتخابات الأخيرة، والمتضمن الجبهة الشعبية الجديدة وكتلة الرئيس الوسطية ونواب جمهوريين.

وبخصوص احتمال التقارب بين ماكرون والجمهوريين يعتقد شوفان أن "الأمر وارد جداً، بل إنه قائم خلف الكواليس"، على حد تعبيره، فيما يبقى التحدي أن الكتلة التي يقودها غابرييل أتال لا تزال في حاجة إلى نواب من كتلة اليسار لأن الجمع بين 160 نائباً من كتلة ماكرون و60 برلمانياً يمينياً جمهورياً لن ينتج غالبية مطلقة.

ويرى شوفان أنه بسبب هذا التقارب لا تستطيع الكتلة الرئاسية التحالف مع الجبهة الشعبية الجديدة بصورتها الحالية، وتقول إن لدى أقصى اليسار برامج وهمية لا يمكن التعامل معها مطلقاً، ويقول شوفان "إن القطب الآخر في الجبهة المتمثل بالاشتراكيين لا يزال زعيمهم أوليفييه فور يرفض الانفصال عن اليسار المتطرف، لأنه لا يريد تفويت فرصة ترشيحه من قبل الجبهة".

وتابع شوفان "كثر في حزبه يعلمون ضرورة التوسع خارج صفوف اليسار، ولو لمجرد موازنة نفوذ كتلة فرنسا الأبية"، وقد استشهد شوفان في حديثه بقول أحد نواب الاشتراكيين إن كثيراً من زملائه "الأكثر ليبرالية" يرحبون بالانفتاح على التآلف السياسي مع كتلة الوسط الرئاسية (معاً) حتى لو ضمت نواباً من اليمين التقليدي (الجمهوريين)، وهذا حدث نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما حكم الديجوليون والشيوعيون معاً. ويضيف أنه يجب عدم تجاهل عودة "الأولنديين" بقوة إلى رغبتهم باستعادة قيادة الحزب الاشتراكي بعد نجاح حققه الرئيس السابق للجمهورية فرنسوا هولاند في الانتخابات الأخيرة.

ويبدو أن التحدي الأبرز أمام رئيس كتلة رئيس الجمهورية غابرييل أتال هو فصل جزء من اليسار وجزء من اليمين، وإدخالها إلى ما يسميه الكتلة المركزية لتشكيل ائتلاف محتمل. وعلى رغم أن هذه "الطبخة السياسية" لا تزال تصيب اليسار واليمين التقليديين، فإن التصويت الأخير يثبت أن الفرنسيين بصدد تغيير ثقافتهم السياسية من المواجهة التاريخية إلى التآلف. وفي الحقيقة يبدو أن عدم قبول الطرفين (اليمين واليسار) بهذا الأمر حتى الآن، يبقي السياسة الفرنسية في حالة جمود إلى أجل غير مسمى.

السيناريو الثالث: الحكومة الفنية

يشير الباحث السياسي نبيل شوفان إلى أن فرضية الحكومة الفنية قد تكون خياراً مستقبلياً، لكنها ليست مطروحة حالياً. ويرى أن هذا السيناريو قد يظهر بعد فشل الحكومة الأولى أو إسقاطها، كبديل لفشل التآلف الحزبي. وفي هذه الحالة ستشغل المناصب الوزارية بمتخصصين غير حزبيين، من كبار الموظفين الحكوميين المسؤولين عن إدارة شؤون الدولة، لكن يعبر شوفان عن قلقه من أن "هذه الحكومة قد تفتقر إلى الحس السياسي، مما يجعلها أيضاً معرضة للإطاحة داخل الجمعية الوطنية".

السيناريو الرابع: تشكيل ائتلاف من جميع الكتل

يعتقد شوفان أن احتمال تشكيل ائتلاف شامل، بما في ذلك التجمع الوطني، ضعيف جداً، لأنه لن يتيح فرصاً لإجراء إصلاحات توافقية، بل قد يؤدي إلى تصعيد التوترات. ويشير إلى أن مصادر مقربة من التجمع الوطني أكدت أن الحزب لن يسحب الثقة تلقائياً من حكومة تحالف الأحزاب اليسارية، حتى لو ضمت وزراء من حزب فرنسا الأبية.

يذكر أن نائبين من مجموعة حزب الجبهة الوطنية سينضمان إلى البرلمان الجديد، وأن إدوارد فيليب رئيس حزب آفاق المتحالف مع الوسط الرئاسي التقى بالفعل زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن. وعلى رغم ذلك يمتلك الرئيس صلاحيات خاصة تمكنه من تمرير قراراته أو رفض توقيع قوانين من نواب متطرفين، كما يمكنه إحالة قراراته إلى المجلس الدستوري أو طرحها للاستفتاء.

بركات: نحو تشكيل حكومة تكنوقراط

وفي حديث إلى "اندبندنت عربية" يرى الباحث السياسي محمد رجائي بركات أنه نظراً إلى نتائج الانتخابات البرلمانية التي لم تمنح الغالبية لأي طرف وبسبب الخلافات القائمة، فإن الجبهة الشعبية الجديدة، التي تعد نفسها الفائز الأول في الانتخابات، عاجزة حتى الآن عن الاتفاق على اسم لتقديمه إلى رئيس الجمهورية، الذي بدوره لا يرغب في مشاركتهم الحكم. وأضاف بركات أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول تشكيل تحالف يحقق الغالبية في البرلمان، حتى لو تطلب الأمر ضم شخصيات من التحالفات الأخرى. وفيما يتعلق بالاحتمالات الممكنة، يعتقد بركات أن ماكرون يمكنه أيضاً تعيين شخصية من خارج التحالفات الثلاثة لتشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة شؤون البلاد حتى نهاية فترة رئاسته.

ويبدو أن فرضية إنشاء حكومة تكنوقراط واردة، خصوصاً إذا لم تتحقق أية غالبية واضحة في البرلمان خلال الفترة المقبلة. وفي هذه الحال سيكون إنشاء حكومة كهذه الخيار المتبقي لاقتراح بعض الإصلاحات وإدارة الشؤون الداخلية، وإنشاء حكومة تكنوقراط من خلال تعيين شخصيات ليس لها أي انتماء سياسي في مختلف الحقائب الوزارية، وغالباً ما تتألف من أشخاص من المجتمع المدني أو كبار الموظفين.

فرنسا على مفترق طرق

تبدو مهمة تشكيل حكومة مستقرة تحدياً حقيقياً في ظل الانقسامات الحالية، مما يستدعي من جميع الأطراف تقديم تنازلات لضمان استقرار البلاد. القرارات المقبلة ستحدد مصير الحكومة، وقد تفتح الأبواب لتشكيل ائتلافات جديدة أو حتى اللجوء إلى حكومات فنية. فهل ستكون الأطراف السياسية قادرة على تجاوز الخلافات والعمل معاً لمصلحة فرنسا في هذه المرحلة الحساسة؟

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير