ليس صحيحاً أن إجراءات اتهام الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مجلس النواب ستكون سهلة، فالحقائق التي تتكشّف يوماً بعد يوم، سواء كانت تصب في صالح الرئيس الأميركي أو ضده، ستزيد الأمور تعقيداً وارتباكاً. وليس صحيحاً أن التصويت على اتهام ترمب رسمياً من قِبل مجلس النواب في نهاية التحقيقات مضمون بالكامل، كما أنّ عزل الرئيس في مجلس الشيوخ تحيط به الشكوك، لأنه يتطلب انضمام وتأييد 20 عضواً على الأقل من الأعضاء الجمهوريين إلى 47 من الأعضاء الديمقراطيين في التصويت النهائي لعزله، لكن المؤكد أن أول المستفيدين من معركة تكسير العظام خلال التحقيقات التي ستستمر أشهراً عدة، هي المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس إليزابيث وارين.
خلال الأسابيع الأخيرة، وقبل إعلان نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب بدء التحقيقات في ما يصفه الإعلام الأميركي بـ"فضيحة أوكرانيا"، تزايدت شعبية وارين بعدما أبلت بلاء حسناً في مناظرتها الأخيرة، لتنافس نائب الرئيس السابق جو بايدن على مركز الصدارة في استطلاعات الرأي.
بايدن متهم
أصبح اسم بايدن في مركز اتهامات القضية المثارة حول مدى ممارسة ترمب ضغوطاً على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال محادثة هاتفية نشرها البيت الأبيض في 25 سبتمبر (أيلول) الجاري، والتي طالب فيها ترمب بفتح تحقيق مع هانتر بايدن، نجل نائب الرئيس السابق بتهمة الفساد خلال عضويته في مجلس إدارة شركة "بوريسما" التي تعد أكبر شركة خاصة أوكرانية في مجال النفط والغاز، في الوقت الذي كان بايدن يشغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المرجح أن يضر ذلك بحظوظ بايدن الانتخابية طوال فترة التحقيقات التي تجريها لجان مجلس النواب الست في القضية، خصوصاً أنّ الرئيس ترمب أطلق بالفعل حملة دعائية يتهم فيها بشكل صريح بايدن بالتورط في قضية فساد كبرى، وأنّ الكونغرس يسعى إلى اتهام الرئيس والانتقام منه لأنه يكافح الفساد.
وإذا كان تركيز ترمب على بايدن سيقنع الديمقراطيين بأن نائب الرئيس السابق هو أقوى المرشحين المنافسين للرئيس الأميركي وأكثرهم قدرة على هزيمته، إلاّ أنّ الناخبين الديمقراطيين قد يخشون أن تُضعِف حملات ترمب الشرسة من حظوظ بايدن في نهاية السباق الانتخابي بصرف النظر عن الحقيقة، ومن ثم يتخلون عنه ويتحوّلون لتأييد مرشحين ديمقراطيين آخرين.
مكسب وارين
لكن أبرز المرشحين الآخرين حتى الآن هي إليزابيث وارين، ليس فقط لأنها أقرب المرشحين لبايدن في استطلاعات الرأي أو لأن منافسها التالي بيرني ساندرز، خسر السباق ضد هيلاري ومن السهل أن يهزمه ترمب الذي يصفه بأنه "اشتراكي النزعة"، وإنما أيضاً لأن وارين وفريقها الانتخابي يعرفون كيف يمكن أن تكسب من وراء الصراع الحالي بين بايدن وترمب، وهو صراع سيلحق بكليهما الأذى، من دون أن تلحق بها أية أضرار، وستحتفظ بنفوذها من مهاجمة الخصوم، بينما تتماهى مع غضب الديمقراطيين من محاولة ترمب طلب المساعدة من حكومة أجنبية والزج باسم خصمه السياسي بايدن في الوحل.
ويقول آدم غرين، المؤسس المشارك لحملة التغيير التقدمي الداعمة لوارين "إن فضيحة أوكرانيا توحد الديمقراطيين في كل مكان، بما في ذلك المرشحين المتنافسين، كما أن وارين اتخذت موقعاً قيادياً حينما سبقت المرشحين الآخرين في الدعوة إلى عزل ترمب".
لكن عدداً من الديمقراطيين يعتبرون أن السبب الرئيس الذي يصب في صالح وارين أن اسم بايدن أصبح مرتبطاً بفضيحة أوكرانيا، وتقول باتي سوليس دويلي، مساعدة بايدن خلال ترشحه نائباً للرئيس أوباما عام 2008 "إنّ الاعتقاد بأن دفاع الديمقراطيين عن بايدن سيسهم في دعم موقفه، هو اعتقاد خاطئ، لأن اسم بايدن سيكون في صدارة ومركز الأحداث طالما استمرت إجراءات التحقيق والمساءلة داخل الكونغرس، لأن هذا هو الدفاع الوحيد الذي يملكه الرئيس ترمب".
الردود المعاكسة
ويشير مراقبون إلى أن محاولات بايدن الرد بقوة على اتهامات ترمب بشبهة الفساد مع نجله في فضيحة أوكرانيا، تؤكد أن بايدن يدرك حجم الأخطار التي يواجهها في المعركة الانتخابية ضد خصم عنيد وقوي هو الرئيس ترمب، ولهذا ينصحه مؤيدوه بتحويل الهجمات ضده إلى حملة حشد وطنية ضد الرئيس الأميركي تركز على أن جوهر القضية يتعلق بانتهاك الدستور الأميركي وليست فقط منافسة انتخابية، كما ينصح مؤيدو بايدن أن يكون هجوم نائب الرئيس السابق أكثر قوة وشراسة ضد ترمب.
ويخشى كثيرون داخل الحزب الديمقراطي من أن تكون انتخابات عام 2020 أشبه بانتخابات عام 2016 حين أصبحت قضية إساءة استخدام هيلاري كلينتون لبريدها الإلكتروني سلاحاً مشهراً بيد ترمب، ما قد يؤدي، في حال فشل عزل ترمب واستمرار بايدن في منافسته، إلى خسارة الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية، إذ يُتوقع أن يواصل الرئيس الأميركي اتهاماته لبايدن وعائلته بالفساد.
منافسة ترمب
أما إذا فازت وارين بترشيح الحزب الديمقراطي، ونجا ترمب من إجراءات إدانته وعزله، فلن يكون لديها ما تخسره من الحرب الطويلة بين ترمب وبايدن، فهي من ناحية لم تعقد صفقات مالية أو اقتصادية في الظل وتحارب الفساد بضراوة، ولا شك أنها ستستفيد من هجوم بايدن ضد الرئيس ومن التحقيقات التي تجري في الكونغرس حول شبهة مخالفة الرئيس الأميركي للدستور عبر طلب تدخل حكومة أجنبية ضد خصم سياسي.
ويدعم وارين في هذا الأمر أنها أطلقت في 16 سبتمبر الحالي خطة مفصلة حول كيفية مكافحة الفساد الحكومي، مؤكدةً كراهيتها للفساد وحكومة اللصوص. وقالت أمام حشد انتخابي في ولاية نيو هامبشاير "الديمقراطيون والجمهوريون يتشاركون في كراهيتهم للفساد، لا أحد يريد حكومة يشتريها الأغنياء".
ضد الفساد
وتصفُ وارين المشاكل الكبرى التي تواجه الولايات المتحدة بدءًا من تكاليف الرعاية الصحية، إلى التغير المناخي، بأنها ترتبط بنفوذ الأغنياء والمؤسسات الكبرى على صانعي القرار في واشنطن، وتشمل خطة وارين لمكافحة الفساد حظر عمل المُشرعين في جماعات الضغط لصالح حكومات أو شركات أجنبية، وتمويل البحوث التي يجريها الكونغرس بهدف إضعاف سلطة جماعات الضغط.
ولأن إجراءات التحقيق وتوجيه الاتهام إلى الرئيس ترمب ستجذب انتباه وتركيز وسائل الإعلام بعيداً من السباق الانتخابي، فإن موقف وارين السابق من الفساد ونصاعة سجلها، حظيا بتقدير واعتبار في الأوساط السياسية والإعلامية.
أهمية التوقيت
ويلعب توقيت بدء التحقيقات لاتهام الرئيس دونالد ترمب دوراً مهماً قد يفيد إليزابيث وارين إلى حد بعيد. فإذا نجح الديمقراطيون في إتمام التحقيقات التي قالت نانسي بيلوسي إنها تريد أن تجرى بكفاءة وسرعة، فإن تصويت جميع أعضاء مجلس النواب على قرار الاتهام ربما يجري قبل أسابيع قليلة من بدء أول عملية اقتراع حزبية لانتخاب المرشحين الديمقراطيين المقررة في بداية فبراير (شباط) المقبل، ما سيجعل وارين في وضع أفضل انتخابياً أمام بايدن الذي يُعد حتى الآن خصمها الرئيس.