ملخص
يبدو أن الطلب المكثف على الأسلحة الصينية يدفع عدداً من الشركات إلى توسيع أنشطتها في أفريقيا، ففي وقت سابق على سبيل المثال افتتحت شركة "نورينكو" الصينية المتخصصة في صناعة الأسلحة فرعاً لها في العاصمة السنغالية داكار، في إطار جهود أوسع تبذلها الشركة لتوسيع نطاق عملها في منطقة غرب أفريقيا.
في وقت ينشغل فيه العالم بمحاولات إطفاء حرائق اندلعت هنا وهناك على غرار ما يحدث في أوكرانيا وقطاع غزة حيث تشتد الحرب بين حركة "حماس" وإسرائيل، نجحت الصين في زيادة مبيعاتها من الأسلحة إلى أفريقيا التي تعاني هشاشة أمنية وفوضى سياسية تكاد تكون مزمنة.
وكشف تقرير لمركز أبحاث "جيوبوليتيك مونيتور" الأميركي عن أن الصين التي تضخ استثمارات هائلة في عدد من الدول الأفريقية زادت صادراتها من الأسلحة بشكل كبير إلى دول جنوب الصحراء والساحل، خصوصاً السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وأنغولا حيث تشتعل النزاعات.
وأوضح المركز أن قفزة الصين على مستوى مبيعات الأسلحة إلى الدول الأفريقية جاءت نتيجة لتراجع روسيا التي أصبحت لديها حاجة كبيرة إلى أسلحتها بسبب الحرب التي تشنها على أوكرانيا منذ (شباط) 2022.
تراجع روسيا
وعلى رغم أن روسيا حققت مكاسب واضحة في السنوات القليلة الماضية بعد تقهقر فرنسا من مواقعها السابقة بسبب انقلابات قادت إلى صعود حكام مناهضين لباريس وحضورها الأمني والعسكري، إلا أن كثيرين يعزون تقدم بكين في أفريقيا إلى تراجع موسكو التي تنشغل بشكل كبير بالوضع في أوكرانيا.
كما أن روسيا باتت خاضعة لعقوبات دولية مشددة، مما يجعل صادراتها سواء العسكرية أم غيرها مقيدة إلى حد ما.
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية سلطان ألبان إن "زيادة مبيعات السلاح الصيني إلى أفريقيا وتحقيق بكين تقدماً على حساب الروس في المنطقة يعود لسببين، الأول انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، والثاني يتعلق بمحاولات الصين تنويع منافذ دخولها إلى القارة الأفريقية، فلم يعد البعد الاقتصادي كافياً بالنسبة إلى بكين في ظل تركيز منافسيها التقليديين على أنها تغرق أفريقيا بالمديونية، بالتالي وجدت نفسها محل انتقاد من منافسيها مما جعلها تسعى إلى تنويع أدوات دخولها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف ألبان لـ"اندبندنت عربية" أن "هناك منحى آخر يتعلق ببعد التنافس على منطقة الساحل وغرب أفريقيا يختلف عن التنافس في أية منطقة أخرى، مثلاً قد نجد مبيعات الأسلحة الصينية في جغرافيا الساحل بينما لا نجدها في موضع آخر من القارة، لأن الأمن يشكل الأولوية الرئيسة في منطقة الساحل".
وأردف أن "الصين لا تملك حتى الآن سوى قاعدة عسكرية واحدة في جمهورية جيبوتي ضمن ست قواعد رئيسة في الدولة نفسها، بهدف تحقيق بعد استراتيجي يتعلق بتأمين التجارة الدولية عبر البحر الأحمر".
مقابل مالي تفاضلي
وما يجعل الطلب يزداد على الأسلحة الصينية المقابل الذي تحدده شركات صناعتها، وهو مقابل أرخص مقارنة بالأسلحة التي تنتجها الدول الغربية.
ويبدو أن الطلب المكثف على الأسلحة الصينية يدفع عدداً من الشركات إلى توسيع أنشطتها في أفريقيا، ففي وقت سابق على سبيل المثال افتتحت شركة "نورينكو" الصينية المتخصصة في صناعة الأسلحة فرعاً لها في العاصمة السنغالية داكار، في إطار جهود أوسع تبذلها الشركة لتوسيع نطاق عملها في منطقة غرب أفريقيا.
وقال الباحث السياسي النيجري محمد أوال إن "هناك متغيرات كثيرة ترصد في أفريقيا وبخاصة في غربها، ففي ظل تزايد المشكلات الأمنية الناجمة عن حركات تمرد وانقلابات وأنشطة لجماعات متطرفة لجأت الأنظمة وحتى بعض الميليشيات إلى اقتناء أسلحة صينية بعد تراجع العروض المقدمة من روسيا مع رغبة ملحة في وقف التعاون مع الغرب".
ولفت أوال في تصريح خاص إلى أن "الملاحظ أيضاً أن الصين لا تعتمد فقط على الشركات الأمنية الخاصة في عمليات بيع ونقل أسلحتها، بل هناك تعويل على دور للجيش، وهذا في الواقع سابقة بالنظر إلى أن بكين كانت تعتمد على قوة ناعمة في شكل استثمارات وليس على قوة عسكرية".
وبين أنه "مع مرور الوقت أدركت الصين أن التركيز على الاقتصاد فقط أمر لن يحقق أهدافه طالما هذه الدول لا تنعم بالاستقرار وليس لديها قدرات تمكنها من هزم التهديدات الأمنية، لذلك لجأت بكين إلى أولاً زيادة نشاط الشركات الأمنية الخاصة في أفريقيا، وثانياً تزويد دول القارة بالعتاد والأسلحة بأسعار تفاضلية مقارنة بما هو متاح من الغرب وروسيا".
اكتفاء بإمدادات السلاح
في السنوات الماضية كانت الصين عرضة لعدد من الهجمات في دول أفريقية، إذ تستثمر هناك على غرار ما حصل في مارس (آذار) 2023 عندما قتل تسعة عمال صينيين في هجوم شنه مسلحون على موقع لتعدين الذهب في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهو موقع تستغله بكين.
مع ذلك لا تنشر الصين سوى قاعدة عسكرية وحيدة في أفريقيا هي في جيبوتي، ولم ترصد أنشطة لأجهزتها العسكرية، لكنها وقعت في السنوات الماضية نحو 40 اتفاقاً أمنياً مع حكومات أفريقيا بهدف حماية عمالتها واستثماراتها.
وقال سلطان ألبان إن "الحضور الفرنسي كان أكثر طغياناً في منطقة الساحل الأفريقي والصحراء ربما بحكم الخلفية التاريخية الاستعمارية، لكن طرد باريس عسكرياً وتشبثها بالبقاء في بعض الدول بالبعد العسكري والأمني نفسه ومحاربة الإرهاب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية جعل الصين تدرك أن الرهان على الاقتصاد فقط في المنطقة لا يكفي، وأنه يجب عليها المضي قدماً بتجارة السلاح من أجل توسيع دائرة المكاسب الاقتصادية".
وأبرز أن "بكين وقعت اتفاقات عدة بالفعل في المجال العسكري ببعض الدول الأفريقية وتستقبل مدارسها العسكرية آلاف الأفارقة للتكوين والتدريب، فضلاً عن تصدير السلاح، وفي معظم الأحيان ستكتفي الصين بهذه الجوانب من دون السعي إلى تركيز قواعد عسكرية أو نشر قوات في الدول الأفريقية، لأنها ستواجه أزمة أكبر، وهي القضاء على الإرهاب الذي يعد مشكلة معقدة لم تستطع دول كبرى القضاء عليه مثل فرنسا والولايات المتحدة".
واختتم ألبان "أعتقد أن الصين لا تريد أن يحصل لها ما حصل للولايات المتحدة وفرنسا في القارة الأفريقية، لذلك ستكتفي بتقديم إمدادات عسكرية إلى دول القارة، لكن بهذه الاستراتيجية هي تتقاطع بشكل رئيس مع سياسات تركيا تجاه القارة".