ملخص
في شارع عمومي وسط قطاع غزة قتلت مستشارة قانونية برصاص مسلحين مجهولين بعدما انتشرت الفوضى ولم تعد حكومة غزة قادرة على مواجهة الفلتان الأمني.
في شجار عائلي كبير أطلق مسلحون النار في كل أرجاء السوق الشعبية لدير البلح وسط قطاع غزة كان المكان مكتظاً بالناس والنازحين، إذ تأوي المدينة نحو 1.1 مليون نسمة، مما تسبب في سقوط سبعة قتلى وإصابة عدد آخر بجروح.
من غير المعروف ما هو سبب المشكلة العائلية، وكذلك لا يزال غير واضح لماذا أطلقت النار في سوق مكتظة بالناس، لكن ما هو مؤكد أن عناصر الشرطة وقوات الأمن لم تصل إلى مكان الحادثة، وبقي المتشاجرون يصرخون ويتعاركون حتى تدخل وجهاء العائلات والعشائر وضبطوا الموقف.
فلتان أمني
عجزت الشرطة وفرق الأمن عن الوصول إلى مكان الحادثة بسبب خوفهم من استهداف إسرائيل لهم، إذ ركز الجيش ضرباته على جميع أجهزة حكومة غزة التي تديرها "حماس"، بعدما وضع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القضاء على الحركة وحكومتها هدفاً للمعارك.
أثارت هذه الحادثة التي لم تكن الأولى وليست الأخيرة كثيراً من مخاوف سكان غزة بأن تعم الفوضى في القطاع ويغيب الأمن وتتعزز النزاعات الداخلية، وهذا ما قد يؤدي إلى حرب أهلية وفتنة كبيرة بين الفلسطينيين أنفسهم، إلى جانب الحرب العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد حركة "حماس".
يعتقد سكان غزة أنهم باتوا قريبين جداً من انتشار الصراعات والشجارات، لكن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تؤكد أن الفوضى باتت أصلاً جزءاً من الحياة الاجتماعية في القطاع، وتنتشر بسرعة بسبب غياب أو انهيار الحكومة وحدوث فراغ سياسي.
عمليات نهب وسرقة
في الواقع كثيرة هي حالات الفوضى وتشمل قطاع غزة بأكمله أي النصف الشمالي والجنوبي، ولا يمكن حصر صورها، لكن في الشق الجنوبي تنتشر عمليات السطو والنهب والسرقة بصورة شبه يومية، ويضاف إلى ذلك إطلاق النار والقتل خارج القانون.
تطاول عمليات النهب والسطو والسرقة في كل شيء، ولا تقتصر على سرقة المساعدات الإنسانية وحسب، بل تمتد إلى السطو على بيوت الفلسطينيين القائمة أو المدمرة وكذلك الاعتداء على مخازن المنظمات الدولية، إضافة إلى سرقة المستشفيات وحتى المقار الحكومية والمؤسسات والمحال التجارية وإيواء النازحين.
يقول مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان مصطفى إبراهيم، "أخطر ما في الأمر أن هناك حالات سطو على بيوت يعيش فيها مالكوها، رصدنا حالات عدة، إذ دخل خارجون عن القانون إلى شقق سكنية وطلبوا من أصحابها الصمت ونهبوها، وفي حالات أخرى اعتدوا على الرجال في الوحدات السكنية وأطلقوا عليهم النار، وثقنا حالة قتل واحدة".
صور الفوضى والقتل
في الحقيقة باتت قوات أمن وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة عاجزة عن فرض سيطرتها على الفوضى في الشارع، ووثقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ذلك، بعدما رصدت حالات انتشار الفوضى والجريمة في القطاع وعزت ذلك إلى الفراغ السياسي الذي تسببت فيه الحرب الإسرائيلية.
ومن صور الفوضى أن مسلحين باتوا ينظمون هجمات شبه يومية على منازل مدنيين بهدف سرقتها، ووصل الأمر إلى حد انتشار ظاهرة "قطاع الطرق" إذ استُهدف المارة وسرقت أموالهم ومقتنياتهم، في صورة تزيد صعوبة واقع الحياة في القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأقدم مسلحون على اقتحام في مدينة غزة وسط إطلاق النار محاولين خطف شخص من هناك ونهبوا بعض ممتلكات المستشفى خلال الهجوم وتمكنوا من اقتياد الجريح، وسجلت مؤسسات حقوقية عدة حالات أخذ ثأر قديم وكثيراً من عمليات البلطجة ضد المواطنين العزل.
وتنتشر هذه القضايا في ظل الفقر الشديد وعدم انتظام المساعدات في مختلف مناطق القطاع، لكن الأخطر من جميع ما سبق قضايا القتل وتصفية الحسابات بين الناس، ولا يوجد إحصاء واضح بعدد القتلى في قطاع غزة نتيجة الجرائم الجنائية.
تفكيك حكومة غزة
يقول مدير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية أجيث سونغاي، إن "القتل خارج نطاق القانون والنهب في غزة أمران مرتبطان بغياب إنفاذ القانون وذلك نتيجة تفكيك إسرائيل للقدرة المحلية على الحفاظ على النظام العام والأمن في القطاع".
ويضيف سونغاي "تتكرر من حين لآخر حالات قتل شنيعة وتبدو أنها ضمن تخطيط محكم، كما حصل قبل ثلاثة أسابيع مع مستشارة قانونية في دير البلح قتلت على يد مسلحين من دون أسباب واضحة".
تعتقد المؤسسات الحقوقية بأن قتل الفلسطينيين بأيدي خصومهم الفلسطينيين وسط الحرب المدمرة أمر خطر، إذ يفترض أن توحد هذه المرحلة السكان لكن غياب القانون والحكومة استغلته عائلات وجماعات لتحقيق أهداف مرعبة.
ويوضح أن "الخطر في تفشي النهب والقتل خارج نطاق القانون وإطلاق النار يأتي في وقت يعيش فيه سكان غزة أزمة إنسانية حادة، لافتاً إلى أنه حتى ما تبقى من عناصر شرطة "حماس" ينفذون عمليات قتل خارج القانون وهذا يؤكد أن الفوضى تنتشر".
ويؤكد سونغاي أن الحرب أدت إلى تفكيك حكومة غزة وتمزيق النسيج المجتمع في غزة تلقائياً، مما أدى إلى تأليب الناس بعضهم على بعض في صراع على البقاء، وكل ذلك يحدث ولا تزال إسرائيل لم تعد خطة اليوم التالي للحرب.
"حماس" سنعود
لم تظهر "حماس" رد فعل كبير على ما يحصل في غزة، لكنها حاولت قليلاً ردع الخارجين عن القانون من طريق إطلاق النار على أرجل اللصوص وبعض الأشخاص الذين يطلقون النار، في ظل عدم قدرة رجال الأمن التابعين لها اعتقالهم لعدم وجود سجون واستهداف إسرائيل لعناصر الشرطة.
يقول المتحدث باسم حركة "حماس" وليد كيلاني، "الاعتداءات الإسرائيلية عاقت بصورة كبيرة عمل الشرطة وهو ما اضطرها إلى العمل وفق خطط طوارئ بديلة، لكن بسبب الاستهدافات فقدت وزارة الداخلية بعض الشيء من قدرتها على مواصلة نشاطها وتطبيق القانون".
ويضيف "استهداف الشرطة المدنية المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني دليل إضافي على سعي إسرائيل إلى نشر الفوضى وضرب السلم المجتمعي في القطاع. الاستهداف الإسرائيلي يزداد كلما بدأت الشرطة في تنفيذ خطط تهدف إلى ضبط الحال الأمنية ومحاربة الفوضى".
يقر كيلاني بأن الجيش الإسرائيلي ينفذ خطة تسعى إلى تفكيك منظومة الأمن داخل غزة، لكنه يؤكد أن "حماس" جاهزة للتصدي لهذه الحال والحكومة في القطاع قادرة على إعادة ترتيب أوراقها ومواصلة العمل من جديد بمجرد ما تتوقف الحرب.