Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين إيران وإسرائيل... مأساة أخرى مسرحها اليمن

الجماعة ما بين البقاء في هامش منحها ابتزاز الإقليم ومصير قاسم سليماني

صورة متداولة للغارات على الحديدة (وسائل التواصل)

ملخص

علاوة على المقامرة باليمن ومستقبله في سبيل الأهداف الخاصة للجماعة يبرز التساؤل عن الجدوى الموضوعية للأهداف المعلنة لعمليات الحوثي من الناحية العسكرية والاستراتيجية استناداً إلى ما حققته 10 أشهر من المناوشات غير المجدية عسكرياً ولا استراتيجياً لمصلحة القضية الفلسطينية.

لم تنفك الآلة الإعلامية الحوثية ومحور إيران عن الحديث المكرر عن نصرة غزة وإسقاط الاستكبار الإسرائيلي والأميركي بتفجير محدود أحدثته طائرة مفخخة انفجرت في حي سكني بتل أبيب فجر الجمعة الماضية، إذ قال زعيم الجماعة أمس الأحد إنهم من أطلقوها في إطار "معادلة جديدة للحرب بالمنطقة"، في حين يكتنف الشك والريبة تحليلات غالبية المراقبين السياسيين إزاء خلفيات هذه الحادثة وحيثياتها.

وأمام الهجمات الحوثية ردت إسرائيل بقصف جوي عنيف استهدف مساء السبت ميناء الحديدة المطلة على البحر الأحمر (غربي اليمن) ومصافي النفط الواقعة بداخله، راح ضحيته ستة قتلى و80 جريحاً، في كارثة جديدة تطاول مقدرات البلاد لتفاقم مأساته الإنسانية الأسوأ على مستوى العالم.

وفضلاً عن المقامرة باليمن ومستقبله في سبيل الأهداف الخاصة للجماعة يبرز التساؤل عن الجدوى الموضوعية للأهداف المعلنة لعمليات الحوثي من الناحية العسكرية والاستراتيجية استناداً إلى ما حققته 10 أشهر من المناوشات غير المجدية عسكرياً ولا استراتيجياً لمصلحة القضية الفلسطينية بما فيها الضربة المثيرة للريبة والجدل بعدما اخترقت الأجواء الإسرائيلية وتفجرت قرب السفارة الأميركية.

وفي العملية التي وصفها بيان الحوثيين بـ"النوعية"، قتل إسرائيلي وجرح 10 آخرون بحسب إعلان هيئة البث التي أكدت "إجراء الحكومة الإسرائيلية جملة من التدابير منها اجتماع تقييم الأوضاع الأمنية"، تبعه القصف الجوي على الحديدة، فيما قالت المعارضة إن حكومة بنيامين نتنياهو "فقدت القدرة على توفير الأمن للإسرائيليين في أي مكان بإسرائيل".

المقامرة باليمن نيابة عن إيران

وعقب ليلة حالكة عاشتها مدينة الحديدة جراء القصف الإسرائيلي الذي أدخل المدينة الساحلية في سحابة كئيبة سوداء لا تزال تخشى المقبل مع وعيد  حوثي لا ينقطع، تزايدت مخاوف السكان من تكرر الغارات في بلد لا يمتلك نسبة بسيطة من مستوى تكافؤ الفرص مع القوة الإسرائيلية التي أعلنت صراحة مسؤولية إيران عن هجوم تل أبيب ووضع استهداف الأراضي اليمنية على طاولة النقاش، خصوصاً أن المتحدث الرسمي للحوثيين استبق ذلك باستعداد الجماعة "لكل السيناريوهات"، مما قد يوسع من دائرة الحرب والصراع، خصوصاً أن الجماعة الموالية لإيران أعلنت اليوم إطلاق صواريخ باليستية نحو إسرائيل أكدت الأخيرة التصدي لها.

القيادة إلى المحرقة

إزاء ذلك يقول الخبير العسكري عبدالعزيز الهداشي إن الحوثي يقود اليمن إلى محرقة ستقتل من بقي من اليمنيين الذين ما زالوا يتنفسون نيابة عن إيران، ويشير إلى أن إمكانات الحوثي تعادل واحداً إلى 10 آلاف بالنسبة إلى الحوثيين، حتى الضربات التي شنها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 لم تكُن مؤثرة عدا عن تدمير زجاج سيارة في إيلات لا أكثر في حين أن أميركا لم تكُن ترغب في توسيع نطاق الحرب وكانت تردّ على الحوثي ردّاً ناعماً.

 

ويؤكد الهداشي أن ما حدث "هو تجاوز لقواعد الاشتباك بمقتل إسرائيلي في تل أبيب وجرح سبعة، بالتالي ردت إسرائيل بنفسها هذه المرة"، مضيفاً أن هذا التطور ناتج من مغامرات حوثية تقحم البلاد في حرب مع إسرائيل والجماعة لا تملك منظومة دفاع جوي ولا قوة متكافئة، ويفسر هذا السلوك بأنه نهج الجماعات الميليشياوية التي تخلق أعداء، ولو لم يكُن هناك عدو، ستختلق عدواً لأن مشروعها يقوم على اختلاق المعارك، فالوهم منهج أي ميليشيات لا تعيش إلا في بيئة الحروب.

ويتطرق إلى استخدام اسرائيل مقاتلات "أف- 35" وهي نوعية حديثة من الصعب أن تلتقطها رادارات بعض البلدان فكيف بدول العالم الثالث، مستحضراً  الضربات التي حدثت في العراق عام 1991 عندما تم تدمير البلاد في حين لم تستطِع أنظمة الدفاع الجوي فعل شيء يذكر.

فرحة بالضرب

وفي حروب من هذا النوع لا بد من أن تمتلك طيراناً مقاتلاً يقصف أهدافاً مماثلة، فيحدث نوع من التكافؤ فضلاً عن قوات الردع الأخرى وهذا الأمر لا يملكه الحوثي الذي يقدم اليمن سائغة ومكشوفة ويخوض حروب بإمكانات صفرية ويناوش بالمسيّرات.

ويوضح الهداشي أن الحوثيين "لا يخشون على البلد ومقدراتها ودماء أهلها وما فيها وكل المنشآت وإن أحرقت لا تهمّهم وهذا سلوك إيران وأذرعها التي تقاتل نيابة عنها وبعيداً منها".

ويفسر أن الدفاع الحوثي نابع من بحثه المستمر والحثيث للاشتباك المباشر مع إسرائيل، موضحاً أن
"الحوثيين تتملكهم السعادة إزاء الضربة الإسرائيلية أمس لأنه منذ 20 عاماً يبحثون عن ذريعة يبررون بها شعارهم الذي يرفعونه "الموت لأميركا... الموت لإسرائيل" ولو أدى ذلك إلى حرق اليمن كله، فهذا لا يهمهم أبداً".

ويرى أن "لا معنى لأي عمل عسكري ضدهم إذا لم يستهدف قيادات الجماعة شخصياً، خصوصاً وهي تعرفهم وتعرف مواقعهم".

الاستهتار مهلكة

ويقلل الهداشي من تأثيرات الضربة الحوثية في إسرائيل ولكنه في الوقت ذاته يحذر من تنامي قدرات الجماعة العسكرية على غفلة من خصومها.

ويعتبر أن أي ميليشيات بإمكانها قصف أي منطقة جغرافية اليوم، خصوصاً أن الإحداثيات لم تعُد مجهولة ومن الممكن تحديدها من الإنترنت وتبرمج مسبقاً على الهدف نفسه.

ويساوي بين احتمالية أن تكون المسيّرة أطلقت من اليمن أو من لبنان أو سوريا أو العراق، ولكن بالنظر إلى المسافة الطويلة التي قطعتها يؤكد أن "غالبية المسيّرات تحلق لفترات طويلة لأنها تعمل بأشبه ما يكون ببطارية تشحن وليس بالمحروقات التي تحتاج إلى وزن وسعة أكبر".

وبالحديث عن فشل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي المتطورة في رصد جسم المسيّرة كما يتردد، يقول إن غالبية الرادارات لا تكتشف كل المسيّرات خصوصاً الصغيرة منها ولكن يمكن رؤيتها بالعين المجردة وما حصل هو حال ارتخاء في إسرائيل.

ويوضح أن هذه الغفلة العسكرية سببها طمأنينة إسرائيل من عدم قصفها سواء من "حماس" أو من "حزب الله"، كما حدث على غفلة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وغيرها من الأحداث العسكرية الكبرى التي تشهد انتكاسة سريعة بسبب هذا النوع من التراخي واللامبالاة".

مع ذلك يقرّ بأن إيران زودت الحوثي بإمكانات عسكرية متطورة منها صورايخ كروز والصواريخ الباليستية والمسيّرات ولكن خصوم الحوثي مستهترون به وهذا الاستهتار هو ما سبّب انتصاره وبقاءه كل هذه المدة.

الخروج عن اللعبة بمصير بن لادن

ووسط تضارب البيانات العسكرية واتهامات من المعارضة للحكومة بالفشل في حماية أمن إسرائيل، يرى الهداشي أن الحادثة لا تعبّر عن اختراق أمني كبير وليس لها بعد استراتيجي مؤثر، ولهذا لا يتوقع أن تثير أي تطورات عدا بعض الإجراءات الأمنية لأنها "عملية بسيطة ولا تكاد تذكر وسيتم احتواؤها، خصوصاً أن الإدارة الأميركية لا تريد توسعاً لنطاق الحرب ولكن من الوارد جداً قصف نقاط عسكرية معينة في صنعاء أو الحديدة سواء من الطيران الإسرائيلي أو الأميركي والبريطاني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويردف أنه في حال استمر الحوثيين بعملياتهم و"تمردهم وخروجهم عن اللعبة والمساحة المتروكة لهم وفق المشهد الذي يرغب الغرب في استمراره بالمنطقة، فسيتعرضون لضربات حقيقية كبرى ومنها استهداف القيادات الحوثية واحداً تلو الآخر".

يضيف أنه "مثلما وصلوا إلى أسامة بن لادن وقاسم سليماني يستطيعون أن يصلوا إلى عبدالملك الحوثي متى ما أرادوا، لكنهم حالياً لا يرغبون في القضاء على قادة الحوثيين بهدف بقاء ابتزاز الإقليم وبيع الأسلحة والرئيس بايدن لمح إلى هذا المسعى".

بين الحديدة وبندر عباس

تعليقاً على هذه التطورات التي حذرت منها الحكومة الشرعية في بيان دانت فيه القصف الإسرائيلي على الحديدة واتهمت الحوثي بإدخال البلاد في أتون صراعات خطرة، تساءل السفير اليمني لدى بريطانيا ياسين سعيد نعمان ماذا لو كان القصف الإسرائيلي أمس طاول ميناء عبادان أو بندر عباس أو خرمشهر في إيران، وليس ميناء الحديدة، ترى هل كان رد فعل العالم سيكون الصمت كما حدث مع ميناء الحديدة؟ وهل كانت إيران ووكلاؤها سيكتفيان بجعجعة بلهاء إزاء حدث ضخم كهذا؟.

ويتساءل أيضاً عن عدم قيام إسرائيل بالقصف نفسه على هذه الموانئ الإيرانية عندما هاجمتها إيران بعدّها وعتادها في الـ13 من أبريل (نيسان) الماضي، واكتفت برسالة تحذيرية كما بررت وتجاوزت كل حد في الرد عندما جاءها الهجوم من المكان الذي يسيطر عليه أحد وكلاء إيران.

ويجيب نعمان "نحن نعرف أننا أمام عدو يجيد الاستعراض في المكان الذي توفره له إيران سواء في اليمن المكلوم، أو لبنان المصادر، أو سوريا المنهكة، والاثنتان (إيران وإسرائيل) متفقتان على إدارة معركتهما، إن كانت هناك معركة حقيقية من أساسه، في هذه البلدان التي تستعرض فيها إسرائيل عضلاتها ضد مقدرات شعوبها، مع الحفاظ على كل من يوفر لها أسباب مثل هذا الاستعراض من الميليشيات وقادتها".

وذكّر بما قاله أمس وزير الدفاع الإسرائيلي بعد قصف ميناء الحديدة إن "الشرق الأوسط كله يشاهد لهب الحرائق الصادرة من ميناء الحديدة"، وإزاء ذلك تساءل السفير اليمني، "ما يمكن طرحه مقابل هذا الاستعراض الأجوف والجبان هو لماذا لم يشاهد الشرق الأوسط مثل هذا اللهب من أحد موانئ أو منشآت إيران حينما كان على إسرائيل أن تجعل من مشاهدته تعبيراً عن قوة، لا استعراضاً سخيفاً كما يحدث في غزة ولبنان واليمن وسوريا".

ويقول نعمان "هل أدرك وكلاء إيران أن كل ما يقومون به هو أنهم وضعوا مقدرات بلدانهم وشعوبهم ومعها حاضر ومستقبل هذه الشعوب بين حجري الرحى الإيرانية والإسرائيلية، فالأولى تستخدمهم لخوض معاركها الخاصة نيابة عنها والأخيرة لاستعراض بطولات حمقاء أقل ما يقال إنها جبانة".

إسرائيلي بملايين اليمنيين

وفي حين تقصف ميليشيات الحوثي منطقة الصياحي بمحافظة تعز ومناطق المدنيين في مديرية رداع بمحافظة البيضاء، راح إعلام الجماعة ومعه إعلام أذرع محور إيران بكيل المديح للضربة وتصويرها بالمنجز النوعي الذي يؤذن باقتراب تحرير قطاع غزة المنكوب، مما يضعه مراقبون في إطار الدعاية الضخمة لتمرير أهداف سياسية وعسكرية داخلية خدمة لإيران ومشروعها في اليمن والمضائق المائية والمنطقة العربية.

ويعتبر الكاتب السياسي ناصر الشليلي أن الحركة الحوثية منذ ظهورها قبل 20 عاماً قتلت ما يقارب 400 ألف يمني وجرحت الملايين وهجرت ما يقارب خمسة ملايين من مناطقهم في أكبر عملية نزوح لليمنيين داخلياً وخارجياً منذ انهيار سد مأرب.

ويضيف أنها "بقتلها مدنياً إسرائيلياً أمس فهو إيذان بمواصلة قتل وتهجير وتفجير من بقي من اليمنيين وشن الحروب وزراعة ملايين الألغام في الطرقات والمساجد والمزارع وآلاف الصواريخ والمسيّرات التي انهالت عليهم في كل المدن لتقتل النساء والأطفال المسالمين تحت شعار الموت لأميركا والموت لإسرائيل".

التمسح بقميص إسرائيل

بالإشارة إلى الأهداف الحوثية من محاولات الدخول في عمليات استهداف متبادلة مع إسرائيل، يقول الكاتب السياسي رماح الجبري إن الجماعة الحوثية أداة تستمد قوتها من إيران وهي في حكم الماضي إن تخلت عنها.

ويدرج كل "هذه المناوشات في إطار البحث عن شرعنة لانقلابها وتوطيد المشروع الإيراني في اليمن والمنطقة العربية وتصوير محورها بالندية مع إسرائيل وأن الموقف المحلي والإقليمي والدولي من سلوكياتهم الانقلابية الإرهابية ينبع من موقف العداء مع إسرائيل.

ويدلل بأن الأذرع الإيرانية تتخادم لهذا الغرض لإكساب مشاريعهم بعداً جماهيرياً في وجدان الناس والبسطاء الذين لا يعرفون حقيقة مشاريعهم وأهدافهم التدميرية والسلالية الخطرة.

ولا يستبعد الجبري أن "يكون مصدر العملية التي استهدفت الكيان الصهيوني بعض الكيانات الإيرانية القريبة من الأراضي الفلسطينية ودعت الحوثي إلى تبني العملية كون إيران و’حزب الله‘ يخشيان الرد الإسرائيلي المباشر".

ويؤكد أن أي رد إسرائيلي على الميليشيات الحوثية "سيخدم الموقف الحوثي ليواصل التغطي بشعارات القضية الفلسطينية ويجلب لها التعاطف الشعبي والإسلامي الكبيرين وتصوير أي رد أو مقاومة لمشروعه هو موجه لمجرد دفاعه عن الفلسطينيين".

هروب إلى الأمام

ويرى الجبري أن "الجماعة الحوثية وجدت في القضية الفلسطينية منفذاً للهروب من الاستحقاقات الداخلية التي عليها تجاه أبناء الشعب اليمني في المناطق الخاضعة لسيطرتها وكذلك متطلبات إنهاء الحرب وتحقيق السلام في اليمن".

ولذلك "هي مستمرة في عملياتها التي لم يكُن لها أثر فعلي في حرب إسرائيل على غزة، بل إن مناوشات أدوات إيران في اليمن ولبنان والعراق واستغلال القضية الفلسطينية تركا مبررات لإسرائيل لتستمر في حربها على غزة".

ويرى أن المجتمع الدولي مطالب بتغيير آلية التعامل مع الميليشيات الحوثية وإلغاء كل ما من شأنه اعتبارها طرفاً سياسياً وجزءاً من مستقبل اليمن.

وأخيراً يشير إلى أن الخيار الأفضل لهزيمة الحوثي هو دعم القوات اليمنية الرافضة للميليشيات الحوثية وتجاوز اتفاق ستوكهولم في الحديدة الذي فرضه المجتمع الدولي والإقليمي، وإلا فإن الخطر قائم والحرب مستمرة والمصالح الدولية والإقليمية تحت التهديد الإيراني.

ولم يتسن الحصول على تعليق من جماعة الحوثي، إذ تواصلت "اندبندنت عربيية" مع عضو الوفد التفاوضي حميد عاصم للتعليق على جملة هذه التطورات، والرد على ما يطرح عن مساعيهم إلى الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل وتعريض مقدرات البلاد للقصف والتدمير كما الحال بغزة، في حين لا يمتلكون قدرة عسكرية مكافئة، لكن القيادي عاصم لم يرد حتى كتابة هذا التقرير.

المزيد من تقارير