Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما بعد الحرب في السودان... سينمائيون يبحثون عن بدائل إنتاجية

قطعت الحرب طريق النمو الطبيعي نحو تأسيس صناعة وكاميرا الموبايل أحد الحلول

بعد استقلال البلاد 1956 لم تتمكن السينما السودانية من تأسيس صناعة راسخة حتى في فترة نهاية الستينيات وحتى بداية الثمانينيات (اندبندنت عربية)

ملخص

مع بداية الحرب ونزوح الناس من الخرطوم إلى مدني ونهر النيل ومختلف الولايات كان منتج فيلم "وداعاً جوليا" محمد العمدة يفكر وقتها في إيجاد مناطق بديلة لأفلامه القادمة، فالمكان هو سيد الصورة السينمائية.

تاريخ السينما في السودان من وجهة نظر كثر من السينمائيين السودانيين بدأ بوصفه تاريخ مشاهدة، إضافة إلى إنتاج الأفلام التسجيلية. أرخ السينمائي السوداني الرائد إبراهيم شداد أول عرض سينمائي بالسودان عام 1907 عن الملك جورج الخامس وزيارته السودان، وعرض في افتتاح خط السكة الحديد في مدينة الأبيض. وتلا ذلك بناء دور عرض سينمائية أولها عام 1935 بسينما "كولزيوم"، وسينما الـBlue Nile الخاصة بالجيش، وهي جزء من مبنى البركس، حيث كانت تقطن القوات البريطانية حينها (جامعة الخرطوم حالياً).

وبحسب السينمائي الرائد سليمان محمد إبراهيم كان غالب تلك الدور مخصصاً حينها للبريطانيين والجاليات الأجنبية، ولم يكن متاحاً للسودانيين، فنشأت حركة موازية تمثلت في بناء دور عرض سينمائية سميت "الوطنيات"، وأصبحت نافذة للسودانيين على العالم، وتعرض فيها أفلام عربية وأميركية في الغالب.

أما بعد استقلال السودان 1956 فلم تتمكن السينما السودانية من تأسيس صناعة راسخة حتى في فترة نهاية الستينيات وحتى بداية الثمانينيات، والتي برز فيها عدد من السينمائيين الرواد، وينضوي بعضهم الآن في "جماعة الفيلم السوداني".

في العقد الأخير برز جيل سينمائي سوداني جديد واستطاع كسر حالة الجمود المستمرة، فشهد إنتاجاً سينمائياً متميزاً، تمكن من نيل قدر أكبر من التقدير العالمي والوصول إلى الجمهور غير السوداني، فإنه على رغم ذلك لم يتمكن من الوصول إلى الجمهور السوداني على نحو واسع، بسبب محدودية أو غياب دور العرض في السودان، إضافة إلى عراقيل وضعتها الحكومات السودانية.

تفاؤل على رغم الحرب

لم تشكل حالة الحرب التي اندلعت في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023 بالخرطوم وتمددت إلى عدد من ولايات السودان عائقاً فعلياً في مسألة عرض وتوزيع الأفلام داخل السودان فحسب، لكنها قطعت الطريق أيضاً نحو عودة دور العرض في السودان لتقدم أفلاماً سودانية، وهو اتجاه كانت بدايته تتشكل فعلاً، كما يؤكد المنتج وصانع الأفلام السوداني ياسر فائز.

وبصورة عامة يرى فائز أن حالة ما بعد الحرب الأخيرة قد قطعت طريق النمو الطبيعي للسينما السودانية نحو تأسيس صناعة، وهو اتجاه كان سيستغرق سنوات، وكان يمكن له أن يستند إلى عودة الإنتاج خلال هذا العقد واستمراره، لكن فائز يؤكد في حديثه إلى "اندبندنت عربية" متفائلاً "لم تتمكن الحرب من إيقاف الإنتاج السينمائي السوداني ولن تستطيع، لكنها ستؤثر فيه تأثيراً كبيراً".

ويعزز فائز نبرته التفاؤلية بأن تمويل وإنتاج الأفلام بات يجري عادة بشراكات غير سودانية، مما يتيح استمرار هذه الشراكة ما بعد الحرب، كما أن معظم المنتجين والمخرجين السودانيين إما أنهم كانوا يعيشون بالأصل في بلدان أخرى إلى جانب السودان، أو انتقلوا للعيش في بلدان أخرى بسبب الحرب.

 

ومن حيث تأثير حالة الحرب على الإنتاج السينمائي، يرى فائز أن السينما لن تستجيب سريعاً للتغيرات الاجتماعية والديموغرافية والعمرانية، التي حدثت في السودان وظلت تحدث بسبب الحرب، لأن معظم السينمائيين السودانيين يعيشون خارج السودان حالياً، وشكلت الحرب وواقعها الأمني صعوبات جدية في الحصول على سرديات راهنة وعلى مشاهد حديثة بصورة واسعة للسودان، مما يشكل عائقاً مباشراً نحو تحقيق أفلام وثائقية من داخل السودان.

أما بالنسبة إلى الأفلام الروائية، بحسب فائز، فإن فرص إنتاجها من داخل السودان قد تكون شبه مستحيلة، فإلى جانب الصعوبات الأمنية تسببت الحرب في تراجع خدمات الكهرباء والإنترنت والنقل والسكن وغيرها، والتي لا بد يحتاج إليها الإنتاج السينمائي عموماً، وبخاصة إنتاج الأفلام الروائية، مما يدفع إلى اعتماد دول الجوار كموقع بديل للإنتاج السينمائي للأفلام الروائية، وهو أمر له تحدياته الفنية واللوجيستية.

ويأمل فائز في أن يتيح ذلك الانفتاح نحو الجوار فهماً أعمق للإنسان السوداني، لأن هنالك امتدادات ثقافية للسودان لم تكن مرئية على نحو كاف، كما أن الأمر يخلق تفاعلاً بين السينما السودانية ونظيراتها في المنطقة من حيث الإنتاج والتوزيع، وهو أيضاً أمر يراه فائز قد يمكن من تطوير معارف ومهارات العاملين في السينما السودانية، ويرفد بآخرين جدد، بخاصة أن السودان لم تكن به أية أكاديميات سينمائية.

المكان سيد الصورة السينمائية

مع بداية الحرب ونزوح الناس من الخرطوم إلى مدني ونهر النيل ومختلف الولايات كان منتج فيلم "وداعاً جوليا" محمد العمدة يفكر وقتها في إيجاد مناطق بديلة لأفلامه القادمة، فالمكان هو سيد الصورة السينمائية. بدأ العمدة في البحث عن مصورين، لتكوين ما سماه قاعدة بيانات مفتوحة لأماكن مختلفة داخل السودان الواسع، لكن مع تسارع آلة الحرب، لم يجد مناصاً من التفكير في التصوير بمناطق مشابهة للخرطوم أو غيرها من المدن السودانية، في الدول المجاورة، كمصر وتشاد.

ويستشهد العمدة في حديثه إلى "اندبندنت عربية" بتجربة السينمائيين السوريين بعد اندلاع الحرب في بلادهم، وكيف استطاعوا خلق بدائل لأماكن التصوير، في تونس وتركيا ولبنان بحسب البيئة التي يحتاجون إليها، وطبيعة الأفلام.

ويرى العمدة أن أي توقف للإنتاج السينمائي بسبب الحرب، بإمكانه تدمير ما بدأت تحققه السينما السودانية خلال عقد، وستمزق الصورة الواعدة التي بدأت تتشكل في أكبر المهرجانات السينمائية، ويدعو إلى ابتكار حلول عبر العمل الجماعي، بخاصة أن الحالة الأمنية الناتجة من الحرب ستسهم في تشكيك الممولين في إمكانية تصوير أفلام داخل السودان. ويقول إن إدخال معدات إنتاج الأفلام من كاميرات وخلافها، إلى السودان أثناء الحرب، قد يعرض صناع الأفلام إلى مساءلة قانونية، إن لم يكن التضحية بأرواحهم، حتى في المناطق التي ما زالت تحت سيطرة الجيش، فضلاً عن الكثافة السكانية العالية في تلك المناطق بسبب النزوح، مما يزيد من الكلفة العالية. ويقترح العمدة العمل على إقامة ملتقى للسينمائيين الفاعلين لخلق حلول إنتاجية بديلة لضمان استمرارية إنتاج الأفلام السودانية.

كاميرا الموبايل بديلاً

على عكس توجه السينمائيين السودانيين بعد الحرب نحو الإنتاج خارج السودان، يمضي المخرج وصانع الأفلام السوداني محمد فاوي، إلى تأسيس "فاوي فيلمز" في مدينة بورتسودان شرق السودان، وهي المدينة التي فضلاً عن كونها ميناء البلاد على البحر الأحمر، تحولت إلى عاصمة إدارية، جراء اندلاع الحرب في الخرطوم، وباتت القيود الأمنية المفروضة عليها سمة الحياة فيها.

خرج فاوي بعد اندلاع الحرب بالخرطوم نازحاً إلى بورتسودان، ضاع أرشيفه المصور من مختلف مناطق السودان، إضافة إلى فقدان معدات التصوير وجميع ممتلكاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول فاوي، "معظم صناع الأفلام السودانيين غادروا السودان وانتشروا بين مصر وإثيوبيا وأوغندا وكينيا والإمارات، وبدأوا التواصل مع شركات الإنتاج خارج السودان، وبات هنالك توجه لصناعة الأفلام من الخارج"، مضيفاً "أما صناعة السينما داخل السودان حالياً، فآلت إلى الصفر".

على المستوى الشخصي لم يجد فاوي معنى لوجوده خارج السودان. وخلال وجوده ببورتسودان، تمكن من صناعة أفلام وثائقية لعدد من القنوات، موظفاً عدداً من الشباب المبتدئين، ليستطيع مواصلة عمله ويتكمن تأسيس شركة الإنتاج السينمائي الخاصة به.

وفي مركز "بورتي الثقافي" بدأ يؤسس عمله مرة أخرى ببورتسودان من الصفر وأقام عدداً من الورش المتخصصة بتأثير الفنون في المجتمع. يقول، "كانت بداية العمل محفوفة بالقيود الأمنية في العاصمة الإدارية. استطعت التقديم للتمويل للتدريب على التصوير والأثر الاجتماعي للفنون والإعلام، وهو مجال تخصصي الأساس، لكن واجهتني أيضاً مشكلة انعدام المعدات".

فوجئ فاوي بأن أحد الإعلانات التجارية مصور بجهاز موبايل حديث، فأوحى له الإعلان باستخدام كاميرا الموبايل، فطلب من الجهة الممولة للورش استجلاب جهاز موبايل بمواصفات محددة، فاكتشف جودة التصوير بالموبايل واحترافيته. ويقول، "قد لا يقل تصوير الموبايل عن أية كاميرا محترفة، وأنتجنا خلال الورش فيلمين محترفين من طريقه، أحدهما عن فرقة موسيقية تكونت من تجمع ثلاث فرق بعد الحرب، وصل أعضاؤها نازحين من الخرطوم والأبيض ومدني، إلى بورتسودان، والآخر يحكي عن مثقف وموسيقي وأستاذ من جبال النوبة ويقطن بورتسودان يرغب في إعادة لغته الأم إلى الحياة".

بعد نجاح استخدام الموبايل في تصوير الأفلام، اتخذ فاوي قراراً بالعدول عن شراء كاميرات حديثة غالية الثمن، ويصعب إدخالها إلى بورتسودان نظراً إلى القيود الأمنية، وفضل الاستعاضة عنها بكاميرا الموبايل، والاستفادة من إمكانية التصوير بالموبايل بسهولة.

يعمل فاوي حالياً على إنتاج عدد من الأفلام الوثائقية لعدد من المنظمات والقنوات، وفيلم روائي قصير "طنين" سيشارك في مهرجان القاهرة، إضافة إلى فيلم روائي آخر "في الظلام".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة