Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مناصرة جنوب أفريقيا للجنوب العالمي يضعها في دائرة الرصد

من المرجح أن يشهد برلمانها معارك ساخنة في شأن السياسة الخارجية للبلاد

رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا (أ ف ب)

ملخص

الجمهور الجنوب أفريقي مناصر لقضايا الجنوب العالمي بشكل عام ضد الهيمنة الغربية، كما أنه منحاز أخلاقياً لحقوق الشعب الفلسطيني.

 تعد دولة جنوب أفريقيا قوة متوسطة مهمة وصوتاً للتغيير في النظام الدولي، كما أن لها وزناً أفريقياً لا يستهان به، إذ تحوز على أوزان عالية في المحيطين الدولي والإقليمي، وهي منطلقة من تراث سياسي متمايز نتيجة عدد من المعطيات ربما يكون من أهمها نضال البلاد الطويل لنظام الفصل العنصري برمزه الأشهر نيلسون مانديلا، وأيضاً التفاعل الجنوب أفريقي في إطار السياسات العالمية إلى حد استضافة بريتوريا المتوقعة لقمة الـ20 خلال 2025.

ونظراً إلى هذا الوزن الإقليمي والدولي لدولة جنوب أفريقيا فإننا نلاحظ تسابقاً محموماً حالياً في مراكز الفكر والأبحاث الغربية في شأن محاولة الإجابة عن أسئلة من نوع هل من تغيير في اتجاهات جنوب أفريقيا الخارجية، وما حدود هذا التغيير إن وجد، وأخيراً ما العوامل الداخلية المؤثرة في أي اتجاهات جديدة لإحدى الدول القائدة في أفريقيا، وهذه التساؤلات تفسر لنا بطبيعة الحال أن وزير الخارجية الجنوب أفريقي الجديد رونالد لامولا هو ضيف دائم على المنتديات البحثية حالياً.

وقد يكون المعطى الأهم لنا في كتلة دول الجنوب هو دور جنوب أفريقيا ونضالها المتواصل، إلى جانب كل من مصر والجزائر ونيجيريا في بلورة وزن جماعي يحمي مصالح الجنوب العالمي انطلاقاً من السياق الأفريقي.

 من هنا فإن دور جنوب أفريقيا في كتلة "بريكس" هو دور قائد يعول عليه في نطاق دول الجنوب عموماً، وفي النطاق الأفريقي خصوصاً، كما أن دور جنوب أفريقيا في رفض السياسات العنصرية لإسرائيل في حربها على غزة مقدر في السياقين العربي والإسلامي، ويعول عليه لقيادة إدانات دولية لإسرائيل لها طابع قانوني يترتب عليه ربما إجراءات دولية قد تسهم في تطويق إسرائيل في أي من المراحل المقبلة.

 وقد يكون أيضاً من عوامل الدفع نحو حل الدولتين الذي يتبناه العرب في فلسطين، ذلك أن القضية الفلسطينية تلعب دوراً خاصاً في سياسة جنوب أفريقيا الخارجية، التي حاربت تاريخياً الفصل والتمييز العنصري، وهي أيضاً من أوائل الدول التي صنفت ما يجري للفلسطينيين أنه إبادة جماعية، ورفعت دعوى بالعنوان ذاته ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

وصعدت جنوب أفريقيا أيضاً من الدعم المعنوي للشعب الفلسطيني عبر تنظيم مسيرات في جنوب أفريقيا هي من المسيرات النادرة في عموم القارة الأفريقية، وحضرها أعضاء وقيادات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذين تجمعهم بفلسطين علاقة خاصة مؤسسة على العلاقات الودية بين نيلسون مانديلا وياسر عرفات.

وطبقاً لهذا المشهد فإن فقدان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي المنتمي أيديولوجياً لقيم معاداة العنصرية لدوره ووزنه في جنوب أفريقيا بعد حصوله على 159 مقعداً فقط من أصل 400 مقعد برلماني يثير التساؤلات في شأن مستقبل السياسة الخارجية الجنوب أفريقية وطبيعة توجهاتها الجديدة، وكذلك التداعيات المحتملة المؤثرة في عدد من الملفات الإقليمية الأفريقية، وكذلك على دور بريتوريا النشط في محكمة العدل الدولية.

في البداية نشير إلى أن الاتجاهات الأيديولوجية لأحزاب الائتلاف الحكومي في جنوب أفريقيا هي متعارضة إلى حد الصراع، إذ إن حزب التحالف الديمقراطي، أحد أحزاب حكومة الوحدة الوطنية الحالية والحائز على 89 مقعداً برلمانياً بما جعله ثاني أكبر الفائزين، ينظر إليه كممثل لمصالح البيض ومصالحهم الاقتصادية بجنوب أفريقيا، إذ إنه على الصعيد الداخلي مناهض لبعض المبادرات الهادفة إلى تمكين السكان السود، التي تنفذها حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، مثل المبادرة الصحية ومصادرة الأراضي لصالح السكان الأصليين من الأصول الزنجية.

السياسة الخارجية 

أما على الصعيد الخارجي فإن سياسات حزب التحالف الديمقراطي دافعة نحو التنسيق مع الغرب بشكل عام، ومتماهية مع سياساته خصوصاً في ما يتعلق بتقديم الدعم لإسرائيل والعداء مع روسيا، ورفض عضوية جنوب أفريقيا لتكتل "بريكس" الممثل لكتلة الجنوب العالمي، ذلك أنه عندما أجرت جنوب أفريقيا مناورات بحرية مشتركة مع روسيا والصين في فبراير (شباط) 2023 عارضها حزب "التحالف الديمقراطي" تحت مظلة أنها لا تحقق حياد جنوب أفريقيا في الحرب الروسية - الأوكرانية، وأنها قد تنفر شركاء جنوب أفريقيا في المعسكر الغربي، إذ وصفت هذه الخطوة بوصمة العار في السياسات الخارجية لجنوب أفريقيا، خصوصاً أنه قد سبقها زيارة قام بها رئيس التحالف الديمقراطي جون ستينهويزن لكييف التي أعلن الحزب دعمه لها.

على صعيد مواز فإن حزب "التحالف الديمقراطي" خلال مايو (أيار) 2023، قدم دعوى قضائية أمام المحاكم المحلية للمطالبة بإصدار مرسوم يلزم حكومة البلاد بالامتثال لمتطلبات المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك باعتبار أن جنوب أفريقيا دولة عضو في اتفاق روما المنظم لأعمال المحكمة، لذا فإن غياب فلاديمير بوتين عن قمة "بريكس" في جنوب أفريقيا العام الماضي ينظر إليه كانتصار لحزب "التحالف الديمقراطي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وطبقاً لكل المعطيات سالفة الذكر فإن السياسات الخارجية الجنوب أفريقية قد تواجه ضغوطاً كبيرة من الأحزاب المعارضة، من شأنها تحجيم اتجاهات حزب المؤتمر الأفريقي التاريخية في السياسة الخارجية خلال المرحلة المقبلة، وذلك في قضايا رئيسة منها تراجع دور جنوب أفريقيا في مجموعة "بريكس" التي هي نقطة ارتكاز لدول الجنوب العالمي عموماً والدول الأفريقية خصوصاً، وهي المجموعة التي تتفاعل إيجاباً بالضرورة مع كل من روسيا والصين.

أما على صعيد سياسات جنوب أفريقيا في دعم الحق الفلسطيني في محكمة العدل الدولية فقد تواجه ضغوطاً مماثلة على حزب "المؤتمر الوطني" في هذه القضية، الذي يحوز فقط على ثلث مقاعد البرلمان فقط.

معارك ساخنة

وقد يكون من المرجح أن يشهد برلمان جنوب أفريقيا معارك ساخنة في شأن السياسة الخارجية للبلاد، لكن بتأثير نسبي في قوة اندفاعها وليس في اتجاهاتها، وذلك لعدد من الأسباب منها أن الجمهور الجنوب أفريقي مناصر لقضايا الجنوب العالمي بشكل عام ضد الهيمنة الغربية، كما أنه منحاز أخلاقياً لحقوق الشعب الفلسطيني. وربما هذا ما يفسر أن موقف حزب التحالف الديمقراطي المناهض لدعم الفلسطنيين قد أثر سلباً في موقفه الانتخابي، فجاء في المركز الثاني على رغم قوته وقدراته الحزبية.

أما الورقة الثانية في يد حزب "المؤتمر الوطني" فهي حلفاؤه من الأحزاب الأخرى وخصوصاً  حزب رمح الأمة (MK)، الذي أسسه نيلسون مانديلا نفسه عام 1961، ولديه اتجاهات حزب المؤتمر الوطني نفسها، وهو الحزب الذي حل ثالثاً في البرلمان بنسبة مقاعد نحو 15 في المئة.

أما الحليف الثالث فهو حزب "المقاتلون من أجل الحريات الاقتصادية" الذي يتحالف مع حزب المؤتمر الوطني في السياسات الخارجية، وهو الحزب الحائز على نحو 10 في المئة من المقاعد البرلمانية، وهو ما يعني دعم قدرات حزب المؤتمر الوطني في البرلمان بما يزيد على نصف عدد المقاعد.

أما ثالث أوراق حزب "المؤتمر الوطني" في تمديد سياساته الخارجية هو احتفاظه بالوزارات السيادية ومنها وزارت مثل الخارجية والدفاع، إذ احتفظ بـ20 وزارة من مجموع 32 وزارة، حصل فيها رئيس حزب المعارضة الرئيس (التحالف الديمقراطي) على مقعد وزير الزراعة.

وأخيراً فإن القدرات السياسية لحزب المؤتمر الوطني ترجح استمرار سياساته الخارجية في إطارها العام، خصوصاً مع النجاح في إنتاج تشكيلة حكومية هي لصالحه، وهو ما قد يعني استمرارية مواقف جنوب أفريقيا في شأن الشؤون الأفريقية والعالمية، مثل دعمها للوحدة الأفريقية والتكامل الإقليمي والقاري، وميل البلاد نحو روسيا والصين، وذلك من دون إهمال أن مشاركة أحزاب التحالف الديمقراطي، وحزب إنكاثا للحرية، في إدارة الحكومة إلى بعض الخلافات حول الموقف الرئيس للبلاد في شأن دعم الفلسطينين خصوصاً.

كما أنه من المتوقع أن يحدث نوع من الجدل بين أحزاب حكومة الوحدة الوطنية حول الاتفاق على الإطار العام  للسياسة الخارجية، وربما تتبنى وزارات الحكومة سياسات غير متناسقة، إذ توجد مكاتب للشؤون الخارجية في جميع الدوائر الحكومية تقريباً في البلاد، وهو ما قد ينعكس على الوزن الدولي لجنوب أفريقيا في أطر محددة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل