ملخص
حملت الإغريقيات والرومانيات واليونانيات ونسوة مصر القديمة والفارسيات باقات من الأعشاب العطرية خلال احتفالات الزواج، لدرء الأرواح الشريرة وجلب الحظ السعيد للعروسين والموجودين، ولكنهن لم يلقين بها على حشد من الفتيات
تدير العروس ظهرها لمجموعة من الفتيات يقفن خلفها بينما تحمل في يدها باقة من الزهور لترميها إلى الخلف حيث الفتيات العازبات يتنافسن للحصول على الباقة.
هذا المشهد الذي يتكرر في الأعراس التي كنا نشاهدها في الأفلام السينمائية انتقل إلى معظم الأعراس حول العالم ودخل في تقاليد وعادات محلية، وباتت العروس ترمي الباقة سواء كانت في الهند أم في جنوب أفريقيا أم في ألمانيا وفي أي مكان، بعدما شاع هذا التقليد وبات ركناً من أركان العرس، وهكذا فإن العروس ستدير ظهرها في نهاية الاحتفال بالزواج لترمي باقة الزهور والجميع يترقب هوية الفتاة سعيدة الحظ التي ستلتقطها.
فماذا يعني رمي العروس باقة الزهور خلف ظهرها؟ وأين بدأ هذا التقليد؟ وإلى ماذا ترمز الباقة؟ ومن لها أحقية الوقوف خلف العروس لمحاولة الحصول على الباقة، ولا سيما وأن الفتاة التي ستلتقط الباقة ستكون، بحسب المعتقدات، العروس المقبلة، فهل هي مؤشر أمل وتفاؤل بالمقبل؟
باقة العروس بدلاً من فستانها
تختلف التقديرات حول أصول هذا التقليد وزمن انطلاقه، فيقول بعضهم إن تقليد رمي باقة الزهور يعود للقرون الوسطى الأوروبية، وكانت الفتاة التي تحصل على جزء من فستان العروس أو زهرة من زينة الزفاف تعتبر محظوظة، لأن العرس مكان للفرح والاحتفال ويمكن أن ينتقل الفرح والسرور إلى آخرين عبر الاحتفاظ برمز الحظ السعيد، وقد تتزوج الفتاة المحظوظة بفتى أحلامها، وهذا السلوك الشعبي كما غيره من السلوكيات طبع معظم المجتمعات التقليدية القديمة التي كانت تؤمن بكثير من المعتقدات، وبعضها لا يزال يمارس حتى يومنا هذا، مثل تميمة العين الزرقاء لمنع الحسد وغيرها كثير.
في العصور الأوروبية الوسطى كان الحصول على قطعة من فستان العروس يعتبر علامة حظ بعد لجوء العازبات إلى تمزيق الفستان قطعاً صغيرة توزع على الحاضرات، ليتركن العروس شبه عارية بعد معركة شديدة، لعُرف كان سائداً حينها يقول إن العروس لن ترتدي فستان العرس مرة أخرى، لأنه من المستحيل أن تتزوج ثانية.
ويقال إن رمي الباقة كان بمثابة محاولة إلهاء من قبل العروس للفتيات عن تقطيع فستانها، وتطور تقليد الحصول على رمز الحظ السعيد من العرس بمرور الوقت إلى تحديد الباقة كرمز للتفاؤل بالمستقبل، واعتمد رميها من قبل العروس للفتيات بدلاً من تركهن يخترن ما يعجبهن من فستانها أو من زينة الزفاف.
ثم تحول رمي الباقة إلى تقليد رئيس في برنامج العرس، إذ تختار العروس زهور الباقة والمكان الذي ستُرمى فيه، وهي تختار أيضاً الفتيات اللواتي سيقفن خلفها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأفلام منعت اندثاره
ولم ينتظر انتشار هذا التقليد وصول الإنترنت والهاتف المحمول ومواقع التواصل، بل تكفلت أفلام السينما والتلفزيون في إيصاله قبل ذلك بكثير، وكان لهذه الأعراس التلفزيونية دور كبير في استعادة هذا التقليد الذي كان يكاد يقتصر على مجتمعات قليلة في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، ولولا هذه الاستعادة السينمائية التي انتقلت بالعدوى إلى أعراس العالم لكان من المحتمل أن يندثر هذا التقليد.
وقد يتساءل بعضهم عن سبب رغبة العازبات الشديدة في الحصول على رمز التفاؤل من العروس والزواج، ويجيب بعض من تابعوا هذا الموضوع في بريطانيا، حيث يعتقد أن التقليد بدأ فيها، بأن الزواج لم يكن مجرد أمر رومانسي تحلم به الفتاة العازبة وهي تجلس على شباك غرفتها تنتظر الفارس على حصان أبيض ليخلصها من وحدتها ويأخذها إلى جنة الحياة الزوجية، كما يظهر الأمر في قصص الأميرات الفلكلورية الموجهة إلى البنات الصغيرات، وإنما كان الزواج استثماراً اقتصادياً، فالمرأة غير العاملة تحتاج إلى زوج يعيلها ويرفعها من طبقة اجتماعية إلى أخرى، فقد سعت النساء إلى تغيير وضعهن الاجتماعي من خلال عقد زواجات متفق عليها أو معدّة لمصلحة اتفاق عمل بين عائلتين كبيرتين، أو تتعلق بتقارب وخلافة وإرث ما، والفتاة العازبة التي لا تسعى إلى طلب الزواج عبر التقاط قطعة من فستان العروس كانت تبدو وكأنها ترفض تقليداً اجتماعياً يستدعي التفاؤل والسعادة، وفي قصص الأطفال والروايات التاريخية عشرات الفتيات اللواتي عشن حياة مضنية لأنهن رفضن الزواج برجل لم يخترنه.
أما في زمننا الحالي فلم يعد المحيطون يتدخلون في هدف الزواج أو إذا ما كان العروسان متحابان أو غير ذلك، إلا أن تقليد رمي باقة الزهور بقي صامداً، والفتيات اللواتي يقفن خلف العروس لالتقاطها لم يختفين، بل ويقال إن أعدادهن ارتفعت لأسباب كثيرة ترتبط بالعلاقات الاجتماعية الحديثة المؤدية إلى ارتفاع نسبة عنوسة النساء حول العالم. وفي الوقت عينه لم تعد جميع الفتيات تقفن خلف العروس، إما لأنهن يعتبرن الأمر تقليداً عفا عليه الزمن، أو لعدم الشعور بالإحراج أمام الجمع من كون الفتاة عازبة ولم تتزوج بعد على رغم سنّها، وبالطبع لم تعد الفتيات مجبرات على الوقوف خلف العروس، وباتت العروس في معظم الأحيان تختار أسماء صديقاتها وقريباتها اللواتي سيقفن في حلقة رمي باقة الزهور.
الباقة الثانية للعروس
وجدت كيت نوريس في موقع "بيغسايل" (BIGSALES) لترتيبات الزفاف من الألف إلى الياء، أن أصل تقليد رمي الزهور يعود لغابر الزمن في العصور الوثنية حين كانت زهور الزفاف تمثل الخصوبة والتجدد، وكان يعتقد أنها تجلب الحظ، وحملت الإغريقيات والرومانيات واليونانيات ونسوة مصر القديمة والفارسيات باقات من الأعشاب العطرية خلال احتفالات الزواج لدرء الأرواح الشريرة وجلب الحظ السعيد للعروسين والموجودين، ولكنهن لم يلقين بها على حشد من الفتيات.
وفي الأعراس الحديثة والمكلفة أصبح شكل وترتيب وتنسيق ونوعية الزهور والقماش الذي تلف به الباقة من المظاهر المهمة التي تدل على أناقة العروس والبذخ واحترام هذا التقليد، ولهذا باتت الباقة المعتنى بها مرتفعة الثمن وتتمسك الفائزة بالاحتفاظ بها، وترى الكاتبة في قسم "الحياة" في مجلة "ريدرز دايجست" أليكسا إريكسون أن العروس التي تحترم التقاليد وتؤمن بطاقة الخير والشر تجد أن رمي الأزهار أو إتلافها دليل شؤم وتدنيس لمقدس خاص بها، لهذا بات من شبه المعتاد أن تطلب العروس باقة زفاف ثانية لتحتفظ بها وترمي الأخرى.، وغالباً ما تكون باقة الزفاف الثانية نسخة أبسط وأرخص من الباقة الحقيقية.
وفي الأرقام الواردة في موقعbridilly.com) ) التابع لأحد أهم شركات الزفاف، فإن الباقة الصغيرة الرخيصة باتت تكلف ما بين 50 و85 دولاراً في الولايات المتحدة، وقد يهبط الثمن إلى النصف في معظم أنحاء العالم.