Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل "هوارية" من البقايا الأدبية للعشرية السوداء في الجزائر

تباين الآراء في الأوساط الثقافية بين مؤيد ومعارض للرواية امتد إلى داخل البرلمان

الكاتبة والمترجمة إنعام بيوض الفائزة بجائزة آسيا جبار للرواية في الجزائر (مواقع التواصل)

ملخص

اعتبر بعض المعترضين تسمية رواية بـ"هوارية" بهذا الاسم المتداول على نطاق واسع في الغرب الجزائري ووضع صورة مدينة وهران على غلافها "إساءة غير مباشرة للمدينة التي عاشت فيها الروائية لسنوات ومن هنا وجه بعضهم اعتراضه لشخص الروائية".

أثار فوز رواية "هوارية" للكاتبة والمترجمة إنعام بيوض بجائزة آسيا جبار للرواية في الجزائر موجة من الجدل في الأوساط الثقافية والأدبية، وتردد صداها في وسائط التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية بين مؤيد لقرار لجنة التحكيم باعتبار أنها انحازت للبعد الفني والجمالي للعمل، وآخر معارض رأى أن أسطرها تتضمن مفردات "نابية تخدش حياء المجتمع الجزائري" وعموم قراء لغة الضاد.

بدأت حالة الجدل هذه منذ إعلان أسماء الفائزين بجائزة آسيا جبار في دورتها السابعة قبل أسبوعين، إذ نشر عدد من الناشطين المحسوبين على مجالي الأدب والإعلام مقاطع من الرواية تتضمن ما اعتبروه "إساءة للقيم"، مستهجنين أن تتوج الكاتبة الجزائرية بالجائزة التي ترعاها وزارة الإعلام من المال العام.

بدا منذ البداية أن منتقدي قرار لجنة التحكيم التي ترأسها الأكاديمي والمتخصص في التراث والأدب الشعبي عبدالحميد بورايو، بجانب ستة أسماء أخرى، اعتمدوا على حملات واسعة على مواقع التواصل تنتقص من شخص الروائية وتشكك في أخلاقها والتزامها الأكاديمي أكثر من تقديمهم لرؤية نقدية حصيفة تناقش المسار السردي والفني للرواية الفائزة، بل إن بعضهم تجاوز الرواية والروائية ليطالب بإسقاط اسم آسيا جبار من الجائزة التي ترعاها إحدى مؤسسات الدولة، إذ اعتبروا المسار الأدبي والأكاديمي لآسيا نفسها يتماهى مع الرؤى الغربية والفرنسية خصوصاً، على رغم أنها تعد من مناضلي الثورة التحريرية (1954/1962) ضد الاستعمار، فضلاً عن كونها من رواد الرواية الوطنية.

على الطرف الآخر دافع عدد معتبر من الكتاب والروائيين الجزائريين عن الرواية الفائزة، معتبرين أن ثمة حملة ممنهجة يقودها تيار المحافظين ضد الروائية إنعام بيوض لأغراض أيديولوجية، في حين ذهب بعضهم إلى وصف المنتقدين بـ"جيش الانكشاريين الجدد"، بحسب وصف الروائي الشهير واسيني الأعرج، معتبرين أن هناك محاولات لمحاكمة العمل الروائي بخلفيات أخلاقية ودينية، مما يتناقض مع أغراض الأدب الذي ينبغي أن يبقى حراً عن مثل هذه الشروط، ولا يمكن قراءته خارج السياق الفني والأدبي ببعده الجمالي.

أزمة تسيس وأخلقة

بجانب المحاولات الواسعة لمحاكمة النص الأدبي بخلفيات دينية وأخلاقية عبر نشر صفحات من الرواية في مواقع التواصل الاجتماعي وتوجيه اتهامات تتجاوز الشروط الأدبية والنقدية، سعى التيار المحافظ من الأدباء والناشطين إلى توجيه سهامهم صوب كل من دافع عن العمل الأدبي الموسم بـ"هوارية"، بمن فيهم روائيون حققوا أسماءهم في المجال الأدبي، من طينة واسيني الأعرج وأحميدة العياشي وغيرهما. وتطور الأمر من الشق الأدبي والروائي إلى المجال السياسي، وذلك من خلال توجيه اتهامات تتعلق بتعمد الروائية الإساءة إلى إحدى مناطق الوطن، وتحديداً مدينة وهران (غرب الجزائر)، معتبرين أن اسم البطلة (وهو عنوان الرواية أيضاً) يرمز إلى مدينة وهران، بخاصة أن عوالم الرواية تجري في هذه المدينة، بالتالي افتراض أنها تنتقص من نسوتها وشرفهن.

والتقطت "حركة مجتمع السلم"، التابعة لأحد الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، طرف الخيط الممدود في مواقع التواصل الاجتماعي، لتتقدم كتلتها البرلمانية بمراسلة مفتوحة لوزير الإعلام الجزائري محمد لعقاب، مطالبة إياه بإعادة النظر في قرار لجنة التحكيم الذي منح الجائزة لرواية "تتضمن ألفاظاً قبيحة وبذيئة "، بحسب وصفها.

 

 

وأكدت الكتلة السياسية أن ثمة ضرورة ملحة لفتح تحقيق موسع حول معايير التتويج للجوائز الأدبية ذات البعد الوطني، كما انضم إليها حزب آخر هو "حزب البناء الوطني"، الذي اتهم الروائية بـ"إثارة الكراهية"، فيما طالبت جمعية الأمير عبدالقادر الجزائري الرئيس عبدالمجيد تبون بوضع حد لما سمته "الإساءة للمرأة الجزائرية" من خلال عمل أدبي ينتقص من مكانتها ويطعن في عرضها.

أزمة "تسيس" العمل الروائي الفائز لم تتوقف عند هذا الحد، إذ تداعى بعض الناشطين للمطالبة بإقامة دعوى قضائية ضد الروائية ودار النشر التي أصدرت العمل، بتهم تتعلق بـ"نشر الفجور وخدش حياء المجتمع، والتعدي على ثوابته الوطنية والدينية".

الجماعات الأدبية المسلحة

أمام تطور مضاعفات الأزمة أعلنت مالكة دار "ميم" للنشر والتوزيع آسيا علي موسى إغلاق الدار نهائياً، قائلة في بيان نشرته على صفحة الدار "للمثقفين وللقراء الحقيقيين والمزيفين ولدور النشر الحقيقيين وأشباه دور النشر، نعلن في هذا اليوم انسحابنا من النشر. دار ميم أغلقت أبوابها في وجه الريح، وفي وجه النار. لم نكن إلا دعاة سلم ومحبة ولم نسع إلى نشر غير ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأثار هذا الإعلان قلق عدد من الكتاب الجزائريين، إذ علق الروائي بومدين بلكبير بقوله إن "إغلاق دار ’ميم‘ أبوابها يكشف عن أزمة كبيرة يعيشها الأدب الروائي في الجزائر". أضاف أن القرار الأخير للدار سيسهم في مضاعفة الحملة على الرواية، معتبراً أن من يقودون الحملة ضد الرواية ومؤلفتها "لم يقرأوا حرفاً منها، لأنها ما زالت غير متوفرة في المكتبات".

في حين كتب الناقد السعيد بوطاجين في منشور له على أحد مواقع التواصل الاجتماعي أنه "لم يعد مهتماً بالكتابة عن الأدب الجزائري"، موضحاً أن قراره ليس نابعاً من استعلاء أو تنكر للمستوى الرفيع لبعض النصوص الأدبية، بل تجنب لما وصفه بـ"الجماعات الأدبية المسلحة" التي تهيمن على المشهد الثقافي، وتشكل تكتلاً نافذاً وضاغطاً له منطق خاص ومريدين وقنوات تلفزيونية داعمة.

الصراع الأيديولوجي

من جهته يرى أستاذ البلاغة والنقد الأدبي بجامعة الجزائر أحمد سعدون أن الاعتراض الأساسي، الذي فجر الجدل وفتح المجال لاعتراضات جانبية، كان بسبب تضمن الرواية لمشاهد جنسية مبتذلة وألفاظ نابية بالعامية الجزائرية، إذ لم يتقبل القراء أن تتوج رواية بجائزة وطنية رسمية تقدم باسم الشعب المحافظ، بما يتعارض مع قيمه ومرجعياته الدينية والأخلاقية.

ويعترف سعدون وهو أحد الذين انتقدوا الرواية أن ثمة اعتراضات جانبية نالت من شخص الروائية عوض عملها الإبداعي، مبرراً ذلك بالقول إن الاعتراض الرئيس فتح المجال لظهور انتقادات أخرى نشأت بناء على ظهور معطيات تتعلق بالقضية موضع الجدل، إذ إن تسمية الرواية بـ"هوارية" (وهو اسم متداول على نطاق واسع في الغرب الجزائري)، ووضع صورة مدينة وهران على غلافها، قرأه كثيرون بأنه إساءة غير مباشرة لهذه المدينة التي عاشت فيها الروائية لسنوات، ومن هنا وجه بعضهم اعتراضهم لشخص الروائية.

ونبه إلى أن ثمة انتقادات طاولت أعضاء لجنة التحكيم بعد أن اكتشف الجمهور أن بعضهم لا علاقة له بالنقد الروائي، ولا يمتلك الكفاءة والخبرة لتقييم الروايات، وتابع "بل إن أحد الأعضاء كان متسابقاً بروايته في الجائزة نفسها منذ سنتين فقط، ولم تفز روايته، فكيف تحول بعد سنتين إلى عضو في لجنة التحكيم؟".

وفي تعليقه على الحملات التي طاولت شخصية الروائية آسيا جبار، يرى سعدون أن الجدل حول مسيرتها قديم متجدد، ويدخل في إطار الصراع الأيديولوجي بين ثنائية (الوطنية / الاستعمار) و(الهوية / الاستغراب)، الذي ظهرت بوادره من قبل اندلاع الثورة وظل مستمراً إلى يومنا هذا، وكان فوز رواية تتضمن ما يخالف بعض عناصر الهوية الجزائرية مؤشراً إلى بعضهم ليربط هذا التتويج بالتوجه الأيديولوجي للكاتبة التي سميت الجائزة باسمها.

تعالي الأدباء

الأكاديمي الجزائري أحمد سعدون قال في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إن المدافعين عن الرواية نوعان، بعضهم كان خطابه هادئاً متزناً، والآخر بعضهم من الأدباء المشهورين هاجموا القراء ووصفوهم بـ"مصطلحات مسيئة" كنوع من التعالي والفوقية، ولذلك فمن المنتظر أن يكون رد فعل القراء عنيفاً على من يرون أنهم كانوا السبب الأساس في شهرتهم ومكانتهم الأدبية.

 

 

ويقر بأن من وجهوا انتقادات لاذعة لتتويج رواية "هوارية" لم يكونوا في حاجة إلى أدوات النقد ابتداء لتبرير اعتراضهم، لأنه مبني على مخالفات تمس بالهوية بعيداً من القيمة الأدبية للرواية أصلاً. وعلى رغم ذلك انبرى كثير من النقاد الأكاديميين مثل (فاتح علاق وعزوز لحسن والسعيد بوطاجين ونسيمة بوصلاح وعادل صياد) بعد ذلك لتقديم مقالاتهم التقييمية للرواية، التي أجمعت على تواضع الرواية لغة ومضموناً مع بساطة بنائها الروائي وعدم تميزها في أي منحى من المناحي، بل وقعت في التكرار والنمطية عند معالجتها لواقع الأحياء الشعبية في مدينة وهران، كما تصدى آخرون لتشريحها لغوياً واستخراج عشرات الأخطاء الصرفية والتركيبية والمعجمية واللهجية، كما فعل المترجم عمار قواسمية.

مرجعيات دينية وقيمية

وفي رده على سؤال يتعلق بمحاولات أخلقة الفن ومقاربته دينياً وأخلاقياً، رد أستاذ البلاغة أن هذا الأمر ليس مما يدرك بالرأي أو يؤسس بالأكثرية، بل يحدده مفهوم الفن ووظيفته والبيئة التي يمارس فيها، موضحاً "أن المقاربة الجمالية والفنية هي العنصر الأساس الذي يميز الفن عن غيره، فهو عنصر تكويني وجودي، أما الأخلقة فهي عنصر توجيهي وظيفي، لأنها الإطار الذي يرسم حدود الممارسة الفنية، وهو عنصر متغير يختلف من شعب لآخر ومن ثقافة لأخرى، ولا يمكن أن يستغني الفن عن أحدهما، فإذا غاب الأول أصبح الفن جافاً فارغاً، وإذا غاب الثاني أصبح الفن عبثية وعشوائية".

وقال "بما أننا في مجتمع مسلم محافظ، فالإبداع الفني سيكون مؤطراً بقيم هذا المجتمع ومرجعياته الدينية والاجتماعية والثقافية، ليكون منسجماً مع تطلعات المجتمع وما ينتظره من هذا الفن ليرتقي بالذوق العام، ويثري الرصيد الفني لأفراد المجتمع من دون أن يصادم أخلاقياته وأعرافه".

وقلل أستاذ البلاغة والنقد من المخاوف التي عبر عنها بعض الأدباء الجزائريون، بخاصة بعد وصول الجدل لقبة البرلمان وتأثير ذلك في حرية الإبداع، موضحاً أن البرلمان يتضمن لجنة مكلفة بالثقافة والإعلام، ومن صلاحياته مساءلة وزير الإعلام، ومن الطبيعي تماماً أن يطرح الموضوع هناك لأنه يقع ضمن صلاحيات البرلمان، بخاصة في ظل الاعتراضات الكبيرة في المجتمع حول تتويج الرواية بالجائزة على رغم مصادمتها لقيم المجتمع وانتهاكها لبعض المواد القانونية المتعلقة بالآداب العامة وشروط النشر، وهو مبرر كاف لمعالجة القضية قانونياً.

تحالف مصالح

من جهته رأى الروائي والصحافي أحميدة العياشي أن "رواية ’هوارية‘ لم تخرج عن تقاليد الرواية العالمية كفن، ولا عن تقاليد الرواية العربية التي انتقدت المجتمع بتناقضاته وصراعاته عبر تقديم نماذج تعيش بيننا وتتصارع في سبيل تحقيق سعادتها بأشكال مختلفة ومتناقضة، وهذا ما تعرضت إليه الروائية إنعام بيوض في روايتها التي اتخذت من وهران وأحد أحيائها مسرحاً لفئة اجتماعية تعاني يومياً للحفاظ على حد أدنى من العيش، يتداخل فيه المتاجر بالدين والمخدرات وبالسياسة وباللحم الرخيص في فترة عرفتها الجزائر بـ’العشرية السوداء‘، حين انفجرت حرب أهلية اتخذت شكل الإرهاب والسعي نحو إقامة دولة إسلامية كانت ذريعة لاغتيال المثقفين ومن وصفوا بالعلمانيين، لتمتد إلى مختلف مكونات المجتمع ممن رفضوا الامتثال لأيديولوجيا شمولية ادعت تمثيلها الحصري للإسلام الصحيح".

 

 

واعتبر العياشي أن الجدل الذي ثار أخيراً لا علاقة له بالأدب ومحتوى الرواية، بل جزء من حملة ممنهجة تلاقت فيها مصالح قوى عدة للتشهير بالرواية التي وصفت بالمعادية (للمجتمع الجزائري المحافظ من أنصار التحديث والتنوير)، وهذه القوى التي اختفت وراء ثورتها الأخلاقية ضد الرواية ومن يساندونها هي القوى المنضوية تحت تيار فكري وثقافي وسياسي معين، وهو تيار الإخوان المسلمين وحلفاؤه من التقليديين وقدامى اليساريين المتأسلمين، إضافة إلى بعض الأشخاص الذين لم يستسيغوا فوز امرأة يعتبرونها دخيلة على مجتمعهم الأدبي.

سجال تيارات سياسية وفكرية

الروائي والصحافي أحميدة العياشي أشار أيضاً إلى أن السجال الذي استمر لأكثر من أسبوعين ظل يجري بين المدافعين عن استقلالية الإبداع وعدم إذعانه لأية سلطة، منها السلطة الأخلاقية بمفهوم المحافظين التقليديين وقوى الإسلام السياسي، وبين تيار المحافظين الذي يحاول العودة للواجهة من خلف ستار هذه الرواية، بعد أن تعرض بعض رموزه للتحقيق والسجن لأسباب تتعلق بالفساد وبصراعات سياسية تمتد من الفترة التي يصفها الجزائريون بـ"حراك فبراير"، إذ خرج منها التيار المحافظ خاسراً على الصعيد السياسي.

وقدر أنه بجانب التيار المحافظ هناك نوعان من المثقفين الذين عارضوا الرواية تحت ذريعة استعمال الكاتبة عبارات نابية، الأول هم من الذين تقدموا بأعمالهم للجائزة وخسروا الرهان، واعتبروا أن عدم وصول أعمالهم إلى قوائم الجائزة الطويلة والقصيرة هو انحياز لكاتبة قريبة من دوائر لجنة التحكيم. وداخل هذا النوع شباب مبتدئون تقدموا إلى الجائزة وأثار حفيظتهم فوز كاتبة من جيل الكهول، وهؤلاء استثمروا في التهجم على الكاتبة وشرفها وسمعتها وعلى محاربة كل من يقف بجنبها. أما النوع الثاني فقدامى يساريون تخلوا عن يساريتهم واصطفوا بجانب القوى المحافظة، وذلك منذ فترة صعود الإسلاموية الراديكالية في فترة التسعينيات، وأصبحوا معادين لكل ما هو علماني وتنويري، ويخوضون حروباً بالوكالة عن التيار الإسلاموي، ضد من يسمونها النخب الفرنكوفونية أو العلمانية.

وختم حديثه بالقول إن هذه الحملة كشفت عن أزمة عميقة داخل الطبقة الوسطى، وعن أزمة ثقافية لم تحل بعد حول قضايا الهوية واللغة والدين والحداثة، في ظل غياب توافق بين النخب التي لم تتمكن من إعادة إنتاجها النقدي بشكل جديد، وذلك على أنقاض خطاب مهترئ لم يتجاوز حدود النقاشات الموروثة عن نظام الحزب الواحد وثقافة الدولة التسلطية التي أسهمت في هذا الانهيار الثقافي، مما أدى إلى تراجع الوعي النقدي عند النخب الجامعية والثقافية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة