Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بات الأدباء يستهدفون منتجي التلفزيون عوض القراء؟

تتضمن الرواية الجديدة للمؤلفة تافي بروديسر آكنر كل مقومات مسلسل تلفزيوني رائع، فلا عجب إذن في أن يكون المسلسل المقتبس عن هذا العمل في طور التحضير. لكن كايتي روسينسكي تتساءل، هل يتأثر الروائيون بحماسة قطاع الترفيه لتلقف الروايات بسرعة؟

صار من الشائع أن يتلقف المنتجون حقوق إنتاج الكتب قبل أن ينتهي الكتاب من تأليفها (ولل بوكس.كو.يوكاي)

ملخص

يبدو أن الأدباء والروائيين يضعون نصب أعينهم استقطاب المنتجين التلفزيونيين أو منتجي المنصات الرقمية للترويج لأعمالهم أكثر من استقطاب اهتمام القراء

في الصفحات الأولى من كتاب "تسوية لونغ آيلند" وهو الإصدار الثاني للمؤلفة تافي برودسير آكنر، تجد كماً من الترقب والغموض يمكن تحويله بسهولة إلى مشاهد افتتاحية مصورة مثيرة في مسلسل تلفزيوني. نحن في مارس (آذار) 1980. كارل فليتشر صاحب مصنع بوليسترين يتسبب بدرجة كبيرة من التلوث وكان والده الناجي من المحرقة اليهودية شيده. وقد أثرى المصنع عائلة فلتشر بصورة "تعصى التصور وعلى نحو استثنائي"، حتى قياساً على حي لونغ آيلند الفاخر في ميدل روك. يبلغ كارل مصف [موقف] السيارات أمام منزله بخطوات سريعة، وهو جاهز ليوم عمل جديد. وفي لحظة يعم السواد عالمه حين يرمي به خاطفان داخل السيارة قبل أن يحبساه داخل خزانة لأيام عدة أثناء محاولتهما انتزاع أموال فدية من زوجته. وحتى بعد مرور 30 سنة تقريباً على الحادثة لا تزال آثار الصدمة "وأصداؤها عنيفة وقوية وتسري في روح وجسد" عائلة فلتشر وأولاد الأسرة الثلاثة في العقود التالية. لا شك في أنها تركة لا يحسدون عليها.

تدور أحداث هذا الكتاب إذاً في حقبة معاصرة سيبدو تصويرها رائعاً على الشاشة بلا شك (كل تلك المنازل الفاخرة على الواجهة البحرية المليئة بأشياء من ثمانينيات القرن الماضي). وهو يقدم أيضاً حبكة مشوقة ومؤامرة اختطاف مبنية على قضية واقعية، (استوحت برودسير آكنر القصة من عملية اختطاف جاك تايش صديق والدها خلال عام 1974، حينها طالب مختطفوه بفدية تبلغ 750 ألف دولار ’578700 جنيه إسترليني‘، وكانت الأعلى في الولايات المتحدة في ذلك الوقت). وتسلط الرواية الضوء على إنفاق باذخ وتركة من الصدمات النفسية الكبيرة المتوارثة التي يفترض أن يتعامل معها ثلاثة أخوة يختلفون اختلاف الليل والنهار عن بعضهم بعضاً (أتذكرون مسلسل الخلافة Succession؟).عندما أصدرت برودسير آكنر كتابها الأول خلال عام 2019 "فلايشمان في ورطة" الذي يلقي نظرة نقد لامعة على طلاق ثنائي ثري في نيويورك، تحولت الرواية إلى مسلسل قصير حقق نجاحاً ساحقاً على قناة هولو/ديزني بعد أعوام. لذلك لن يفاجئكم على الأرجح أن يكون المنتجون اشتروا أساساً الحق في شراء حقوق الإنتاج التلفزيوني لرواية تسوية لونغ آيلند. وفي الواقع تلقف المنتجون الرواية قبل أن تصل إلى رفوف المكتبات حتى، وهو مآل يصبح شائعاً أكثر فأكثر على ما يبدو. فقد حدث الشيء نفسه مع رواية بوني غارموس الناجحة "دروس في الكيمياء" Lessons in Chemistry (التي تحولت إلى مسلسل من بطولة بري لارسون على تلفزيون آبل)، فيما جرى الإعلان عن تمثيل جودي كومر دور البطولة في مسلسل مقتبس عن رواية جين بيغن "السويسرية الضخمة" Big Swis قبل عام تقريباً من نشرها، وبيعت حقوق رواية "اللائحة" The List للكاتبة البريطانية يومي أديغوكيه لمحطة أتش بي أو، وبي بي سي وشركة آي 24 للإنتاج عندما كانت لا تزال منهمكة في تأليفها.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال أبريل (نيسان) وقبل ثلاثة أشهر من موعد إطلاق كتاب برودسير آكنر الثاني، أفادت التقارير بأن منصة تلفزيون آبل بلس اشترت حقوق الإنتاج التلفزيوني لأي اقتباس مستقبلي له (يمكن اعتبار منصة الترفيه التابعة لعملاق التكنولوجيا أكثر منصات البث التي تتسم بمنحى أدبي، إذ يقوم الجزء الأكبر من برامجها الناجحة على كتب وروايات بدءاً من مسلسل التجسس المضحك والمظلم "أحصنة بطيئة" Slow Horses ووصولاً إلى الملحمة التاريخية "باتشينكو" Pachinko). ووفقاً لموقع أخبار هوليوود ديدلاين Deadline، كانت عدة استديوهات تتنافس على المشروع ووصلت بعض العروض "إلى مليون دولار كمقدم". ومن المتوقع أن تكتب برودسير آكنر سيناريو المسلسل، كما فعلت في مسلسل فلايشمان في ورطة (الذي حصلت بفضله على ترشيح لجائزة إيمي العام الماضي).

لو عدنا بالزمن 10 أعوام إلى الوراء تقريباً لوجدنا أن عدة صحف كبيرة أعلنت أن المسلسلات التلفزيونية أصبحت في الواقع الجيل الجديد من الروايات، فهي تطرح شخصيات معقدة قادرة على منافسة أكثر الشخصيات تعقيداً في الأدب، ويمكنها طرح أسئلة كبيرة من طريقة حياتنا. ويمكننا استعراض مثال "بريكينغ باد" (اختلال ضال أو انحراف) Breaking Bad  و"الرجال المجانين" Mad Men، و"آل سوبرانو" The Sopranos (الذي ذكرته جنيفر إيغان الحائزة جائزة بوليتزر في إحدى المرات وقالت إنه ألهمها في تأليف روايتها زيارة من زمرة الحمقى). وبدأ "العصر الذهبي" للتلفزيون يبهت مع تبني شركات البث مقاربة الكم "الكبير والأكبر"، إذ أخذت تملأ منصاتها حد الإفراط ببرامج متوسطة الجودة أولاً، ثم بـ"محتوى" دون المتوسط يفضل مشاهدته عبر تقليب الصفحات على الهاتف. بالتالي لا شك في أن التلفزيون لم يقتل الرواية، لكنه أسهم في تكوين علاقة شبه تكافلية بين الكتب والبرامج التلفزيونية الجيدة.  

ربما كبحت منصات البث إنفاقها خلال الأشهر الأخيرة لكنها لا تزال في حاجة إلى قصص كثيرة تستلهم منها لكي تحافظ على اهتمام المشاهدين. وتعد الروايات مصدراً موثوقاً يستخدم كمادة في التلفزيون (فالمسلسل الذي يتألف من ثماني حلقات يناسب الروايات الطويلة ذات الحبكة المعقدة أكثر بكثير من فيلم ساعتين مثلاً). أما جملة "مقتبس عن رواية" فتعطي شعوراً بالأهمية، وفي المقابل، فيما يصعب على الكتاب أن يؤمنوا قوتهم أكثر فأكثر أصبح بيع فرص شراء حقوق الإنتاج طريقة يمكن أن يكسب منها الروائيون مبلغاً لا بأس به من المال (كما يقدم البرنامج الناجح طريقة سهلة لزيادة مبيعات الكتب).

وهذا خيار يعود بالربح على الطرفين مع أن المرء قد يتساءل إن كان بعض الروائيين يأخذون بعين الاعتبار صفقة تلفزيونية مستقبلية أثناء تأليفهم الكتب. وخلال عام 2021 أصدرت مجلة ذا أتلانتيك مقالاً للأكاديميين ألكساندر مانشل ولورا بي مكغراث وجاي دي بورتر يشرح كيف جمع الثلاثي قائمة بأنجح 400 رواية في القرن الـ21، ووجدوا أن بعض العناصر التي سموها "الخيارات الجمالية" ظلت تظهر المرة تلو الأخرى "حبكات منفصلة وشخصيات متوازية الأهمية وعالم بتفاصيل معقدة".

وتشمل رواية تسوية لونغ آيلند هذه العناصر الثلاثة، إذ فيها استعراض مطول للذكريات في بعض الأحيان يمكن أن يتحول إلى حلقات منفردة ممتازة، فيما يتعمق النص في رسم شخصيات الإخوة فليتشر الثلاثة. فهناك نايثان الذي يهاب المخاطرات كثيراً بسبب اختطاف والده لدرجة أنه يسرف في شراء بوالص تأمين لأمور متخصصة جداً، ولدينا برنارد الذي يلقب بـ"بيمر" وهو كاتب سيناريو يقمع صوته الداخلي باللجوء للمخدرات والممارسات الجنسية التي تتضمن العبودية والهيمنة والسادية والماسوشية، وأخيراً جيني التي تحاول تحديد هويتها بمعارضة والديها الرأسماليين الثريين عبر الغوص في سياسات النقابات العمالية. ويعطي تنقل برودسير آكنر بمهارة بين وجهات النظر هذه شعوراً بوجود مشهدية تصويرية. وأحياناً تجد خاصية سيناريو الأفلام في الكتابة، أي مثلاً عند استخدام عبارة "ينتقل المشهد إلى" عندما تتغير المشاهد.

إنما بالطبع في الموضوع أكثر من منطق الحلقة المفرغة "الدجاجة أم البيضة". فمعظم تلك الميزات التي تؤهل الرواية لبيع فرصة شراء حقوق إنتاجها تعد صفات مرحب بها في الروايات (يمكن وصف معظم روايات تشارلز ديكنز التي نشرها على دفعات وكانت السبب في تعميم النهاية المشوقة، تلك الأداة المفضلة في التلفزيون بأنها "حبكات منفصلة وشخصيات متوازية الأهمية وعالم بتفاصيل معقدة"). ولا شك في أنه يمكن اعتبار كتاب تسوية لونغ آيلند قراءة مشوقة وبخاصة أنه يلقي نظرة على طريقة انتقال الصدمات النفسية (والمال الذي قد تحسبون أنه يخفف تلك الصدمات) عبر شجرة العائلة حتى عندما يقع في فخ السيناريو المتكرر الذي يختم أحداثاً كثيرة بسرعة فيما يسرع نحو النهاية التي تتخللها كثير من لحظات الإدراك العاطفي.        

وتتمتع بروسيبر آكنر بدرجة كافية من الإدراك الذاتي [تدرك سبل التوسل بمقارنات مع مسلسلات تلفزيونية قوية) كي تلعب باستخدام مقارنات مع مسلسلات تلفزيونية قوية، وهي تقوم بذلك من خلال إدخال تجربتها في قطاع الترفيه في الرواية. فشخصية بيمر شكلت ذات يوم ثنائياً في الكتابة مع صديق الطفولة تشارلي الذي أنتج معه فيلماً ناجحاً جداً في تسعينيات القرن الماضي حول عملية اختطاف (ربما يختلف المكان والشخصيات لكن الحبكة مبنية بصورة كبيرة على المحنة التي مر بها والده). وبيمر مهووس بالعودة إلى مواضيع الاختطاف وما شابه مرة تلو الأخرى، إذ يعدل ويعيد عمله القديم لكن صديقه لديه فكرة محددة، مسلسل تلفزيوني عن مجموعة إخوة يريد كل واحد منهم إدارة المصنع الذي تمتلكه العائلة منذ أجيال.

ومع أنه لا لبس في أن القصة مبنية على عائلة فليتشر لا يستطيع بيمر أن يرى إمكانات نجاحها. ويقول "ليس سوى شركة عائلية، وليس فيها أية إثارة ولا يمكن بناء قصة برمتها عليها". وبعد إنهاء الشراكة بينهما وتحرر تشارلي منها يحقق مسلسل "شركة عائلية" نجاحاً ساحقاً ويحصد الجوائز ويستقطب مشاهير للظهور فيه وحتى يلهم سن "تشريع واحد في الأقل يتعلق بضريبة الميراث". ولا شك إذن في أنه يمكن نسج قصة منها لأنها تدور حول أشخاص فعليين وحول نقاط ضعفهم، تماماً مثل "تسوية لونغ آيلند" بدلاً من أن تقوم على مؤامرات ومكائد درامية. وبصراحة، من الأرجح أنني سأتابع المسلسلين بشغف. 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة