Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاولة اغتيال ترمب... السياق والمبالغة

الحديث عن مؤامرة تلمح إلى تورط مؤسسات الدولة الأميركية المتحفظة على نهج الرئيس السابق يتضمن كثيراً من المبالغات

الدماء تسيل من أذن ترمب على وجهه بعد محاولة فاشلة لاغتياله (رويترز)

ملخص

اغتيل أربعة من رؤساء الولايات المتحدة وهم أبراهام لينكولن وجيمس جارفيلد وويليام ماكينلي وبعد ذلك جون كيندي بوصفه أحدث حالة تاريخياً نسبياً، وأحاطت بهذه الحالة الأخيرة شبهات واضحة للتآمر والغموض المعروف لكل من حاول دراستها.

لم تكن محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب هي الأولى من نوعها لمحاولة اغتيال مرشح رئاسي أو رئيس أميركي، وليست الأكثر أو الأقل أهمية في تاريخ اغتيالات الرؤساء الأميركيين. كما أن مسألة اغتيال الساسة والقادة السياسيين ظاهرة مصاحبة للبشرية منذ الحضارات القديمة، وفي الحقيقة إن مناقشة هذه المسألة ربما تأخذنا إلى جوانب عدة ضرورية لوضع محاولة اغتيال المرشح الجمهوري ترمب في سياقها المناسب وبخاصة أن بعض الكتابات أبرزت سردية بدأت تسود في بعض أوساط اليمين المؤيد له حول المؤامرة.

ظاهرة بشرية عبر التاريخ

كما هو معروف لا تكاد تخلو أية حضارة قديمة من قصص الاغتيالات السياسية. في مصر القديمة كانت هناك فرضيات أو تفسيرات حول ظروف وفاة أحد أبرز ملوكها إخناتون، ومن بعده ابنه توت عنخ آمون، ولكن ربما كان الأشهر في التاريخ القديم اغتيال يوليوس قيصر على يد عدد من كبار قادة بلاده، وفي التاريخ الإسلامي العربي اغتيل ثلاثة من الخلفاء الراشدين المتعاقبين وهم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب. ولم تتوقف سلسلة الاغتيالات في الدولتين الأموية والعباسية ثم العثمانية، كما لم تتوقف سلسلة الاغتيالات في أوروبا خلال العصور القديمة والوسطى والحديثة، وبعضها نجح، وبعضها أخفق.

اغتيل أربعة من رؤساء الولايات المتحدة وهم أبراهام لينكولن وجيمس جارفيلد وويليام ماكينلي وبعد ذلك جون كيندي بوصفه أحدث حالة تاريخياً نسبياً، وأحاطت بهذه الحالة الأخيرة شبهات واضحة للتآمر والغموض المعروف لكل من حاول دراستها.

ولكن قائمة الاغتيالات الفاشلة ربما تكون أطول من تلك الناجحة في التاريخ الأميركي الذي هو تاريخ حديث، فقد كانت هناك محاولة لاغتيالات شملت في ما بعد الحرب العالمية الثانية الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، ورونالد ريغان وجورج بوش الابن وباراك أوباما، والقصد من هذا الحصر ليس التسجيل التاريخي وإنما التذكير بأننا أمام ظاهرة معتادة في عالم السياسة عموماً وفي عالم السياسة الأميركية خصوصاً.

الديمقراطية والعنف والسياسة

يتصور بعض أن الديمقراطية وتداول السلطة بصورة سلمية يؤدي إلى تقليص العنف السياسي، ومن بينه أعلى مراحل هذا العنف الاغتيالات والتمرد المسلح، والمفارقة هنا أنه لا يوجد أي دليل على أن الديمقراطية تعرف حالات اغتيال سياسي أقل من النظم الشمولية، فمع كثير من الملاحظات حول الديمقراطية الأميركية لا يمكن نفي أنها إحدى أقوى وأرسخ التجارب الديمقراطية في التاريخ، ولكنها أيضاً من أكثر المجتمعات الغربية التي تطبق الديمقراطية من حيث ظاهرة الاغتيالات السياسية. ولعل الهند التي توصف بأنها أكبر الديمقراطيات من حيث عدد السكان شهدت عدداً كبيراً من الاغتيالات في عصر ديمقراطيتها المستقلة، واغتيال رئيس وزراء السويد أولف بالم نموذج آخر في ديمقراطية مستقرة وربما تكاد تكون من أرقى النماذج الديمقراطية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معنى ما سبق أن فكرة تداول السلطة وعدم انغلاق الأفق السياسي الذي تعانيه مجتمعات عدة ويسبب عنفاً سياسياً في صورة تمردات أو اغتيالات ليس وحده سبباً لظاهرة الاغتيالات، وحقيقة الأمر أن كثيراً من البشر وبخاصة الذين يمارسون الاغتيالات ولا ينتمون إلى تنظيمات سياسية متشددة توجه للقيام بهذه المهمات وإن كان بعضهم كذلك، هؤلاء البشر الذين ينفذون الاغتيالات لا يؤمنون بأن عليهم الانتظار لتداول السلطة بل تصل بهم الكراهية والرغبة في تعجيل التحولات إلى استباق العملية الديمقراطية سواء لتعجلهم أو لأنهم يخشون الوقوف في صف الأقلية مما يعني أنه لن يسمح لأفكارهم بالوصول إلى الحكم، ومن ثم يقررون إحداث الفوضى.

وتشير كثير من حالات الاغتيال السياسي إلى دوافع للشهرة أو للخلاص من الحياة أو الانتقام من هؤلاء الساسة أو الزعماء وتحول الأمر إلى رغبة شخصية في الانتقام لدوافع شخصية من مظالم فردية أو جماعية أو من أسباب حقيقية أو أوهام ليست مبنية على أسباب واقعية.

لماذا تثير محاولة اغتيال ترمب تساؤلات مقلقة؟

أثارت محاولة اغتيال ترمب حديثاً خاصاً عن المؤامرة في أوساط قطاعات مؤيدة للرئيس السابق تعرف أن كثيراً من مؤسسات الدولة الأميركية كانت لها تحفظات على نهجه وأفكاره، وفي الحقيقة أن هذا الطرح يتضمن كثيراً من المبالغات.

فعلى رغم أن الظاهرة معتادة في التاريخ الأميركي والبشري، وحديث المؤامرة متكرر في بعض هذه الحالات، بخاصة حالة اغتيال جون كيندي بملابساتها المريبة وتحديداً سلسلة الاغتيالات التالية لمن اغتاله ثم من اغتال الأخير، وربط هذا بفكرة رغبة الأطر الحاكمة في التخلص من رئيس من خارجها لاعتبارات كثيرة آنذاك، فإنه من الصعب قبول هذا الطرح في الحالة الحالية لاعتبارات واضحة.

الاعتبار الأول مباشر ويتعلق بشخص من حاول الاغتيال، فمن الواضح أنه شاب حديث السن تحول على رغم صغر عمره بين الحزبين الكبيرين، ومن الصعب في ضوء المعلومات المنشورة عنه حتى الآن افتراض أن هذه المحاولة مرتبطة بتنظيم أكبر.

 

 

الاعتبار الثاني تداخل القوى التي تدعم ترمب مع منظومة القوى المسيطرة على النظام الأميركي، حتى لو كانت هناك مشكلة في نهج الرجل، وبعبارة أخرى أن الكتلة المسيطرة في الولايات المتحدة التي ينتمي إليها ترمب والمتحكمة في مؤسسات صنع القرار الأميركي، ولكنه يزعجها بأفكاره المتطرفة والحادة، وهذه الجماعة التي اتهمت سابقاً باغتيال جون كيندي الكاثوليكي الليبرالي وتجاوزت الآن عن هذا البعد، لن تقدم على هذه المغامرة في عالم أكثر انفتاحاً وضد من خرج من صفوفها ولو كان قد أصبح أكثر تطرفاً.

وأخيراً فإن الحسابات الرشيدة تكشف عن أن محاولة الاغتيال ستصب لمصلحة اليمين المتطرف وموجة عنف سيصعب التحكم فيها سواء نجحت المحاولة أو فشلت. ويؤكد هذا بالفعل أنها أدت إلى تقدم ترمب في استطلاعات الرأي مما ينفي المؤامرة عن الطرف المعادي له.

العنف والانقسام في المجتمع الأميركي

ولكن هناك سياق أكبر وأكثر خطراً في ما تعكسه محاولة الاغتيال، ويتمثل في بعدين متداخلين وهما العنف المتأصل في المجتمع الأميركي منذ نشأته ومسألة حمل السلاح، والبعد الثاني الذي كتبنا عنه كثيراً من قبل وهو شدة الاستقطاب، وهذا الأخير ليس مثل الانقسام التاريخي بين الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري، بين اليمين والوسط، الذي كان يقلل منه كذلك كتلة وسطية في الحزبين في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، بينما الاستقطاب الحالي بين تيار يهيمن حالياً على الحزب الجمهوري من اليمين المحافظ الذي تسيطر عليه كتلة أنغلو سكسونية بروتستانتية يزعجها تراجع هيمنتها التاريخية انتخابياً وديموغرافياً وتواجه هذا بالتشدد اليميني في مواجهة كتلة أقل تماسكاً ولكنها أكثر عدداً من الجماعات الإثنية المختلفة، بما فيها ملايين من البيض الأنغلوسكسونيين أيضاً الذين يتبنون أفكاراً ليبرالية بعضها مغال فيها بالنسبة إلى تقاليد السياسة الأميركية ويتركز هذا الخلاف حول عدد كبير من القضايا تتقدمها قضايا الهجرة والإجهاض وحقوق المثليين وطريقة إدارة السياسات الاقتصادية والخارجية.

والخطر الحالي ينبع من المخاوف من تكرار ما حدث في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 عندما رفض ترمب الاعتراف بهزيمته وأدت رسائله التحريضية إلى المشهد الخطر الذي لم يتوقعه العالم من اقتحام المؤسسات الأميركية، ومن وجود مخاوف أن الاستقطاب الحاد الحالي قد يدفع الطرفين لرفض نتائج الانتخابات مما قد يقود لمزالق من الصعب السيطرة عليها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل