Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملف الذاكرة لا يعرف لحملات انتخابات الجزائر سبيلا

المرشحون تبون وحساني وأوشيش اهتموا بالاقتصاد وتجنبوا "النبش" في التاريخ الاستعماري

لا يسقط ملف الذاكرة من قائمة اهتمامات الجزائريين خلال انتخابات الرئاسة (epa)

ملخص

يرى مراقبون أن ملف الذاكرة في الجزائر من الناحية العملية لا يمكن حله من خلال الحملة الانتخابية على اعتبار أنه يتم عبر تواصل تقوم به مؤسسات الدولة لأنه ملف حساس ينظر الجميع إليه على أنه ليس من الحكمة تحمل موقف مسبق إزاءه.

على عكس المعتاد لم يلقَ ملف الذاكرة اهتماماً موسعاً من قبل الحملات الانتخابية لرئاسة الجزائر 2024 بعدما ظل في الاستحقاقات السابقة مادة دسمة لاستقطاب الناخبين. فتجريم الاستعمار وفضح انتهاكاته وإبادته وهمجيته والتهجم على فرنسا لم يسجل حضوراً كبيراً في خطابات المرشحين والمتنافسين، لا سيما ما تعلق بوعود "الاعتراف والاعتذار" واسترجاع الأرشيف وجماجم المقاومين وفتح ملف التفجيرات النووية، وهي كلها ملفات لا تزال عالقة.

وأخذت ملفات اجتماعية واقتصادية حيزاً واسعاً من الحملة الانتخابية لرئاسيات السابع من سبتمبر (أيلول) الجاري التي تفصل على نهايتها ساعات ليبقى موضوع الذاكرة خارج مجال التغطية لدى المرشحين الثلاثة، إذ لم يتعد "النبش" فيه ثواني وجملاً وعبارات، ما طرح نقاط استفهام وفتح أبواب التأويلات.

وما أثار التساؤل لدى الشارع أن العلاقات الفرنسية - الجزائرية تعيش إحدى "أحلك" فتراتها، بعد تهجم اليمين على الجزائريين خلال الانتخابات التشريعية، ثم تبعها اعتراف باريس بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون بمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية كحل وحيد لأزمة الإقليم وما قابله من "غضب" جزائري رافقه وعيد مع تخفيض التمثيل الدبلوماسي بعد استدعاء السفير لدى باريس إثر بيانات شديدة اللهجة.

أوشيش يفضل الهدوء

في حين ترقب المواطن الجزائري "انتفاضة" المرشحين للرئاسة ضد فرنسا مر الملف مرور الكرام، وهو الذي كان في مناسبات عدة مادة دسمة للمرشحين من أجل "جلب" أصوات الناخبين، غير أن المرشح عن حزب جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في البلاد يوسف أوشيش يرى أن "ملف الذاكرة الوطنية تبنته جبهة القوى الاشتراكية، ولا بد أن نتعامل معه بهدوء وسنسعى إلى استرجاع كل أرشيف الثورة التحريرية، وإعادة كل ما نهبته فرنسا من بلادنا من آثار ومعالم حضارية والحصول أيضاً على التعويض المعنوي لضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، ومجازر الثامن من مايو (أيار) 1948، ونطالبهم بالاعتراف بالذنب وتحمل مسؤولياتها عما اقترفته من جرائم ضد شعبنا إبان احتلالها منذ 1830 إلى 1962، بعدها نصل إلى العمل المشترك بين الدولتين لأن العلاقات الدولية يجب أن تتبعها الرصانة والهدوء".

 

 

وتابع على لسان مدير حملته الانتخابية جمال بالول أنه "يجب التعامل مع فرنسا بقاعدة رابح - رابح، وبالندية، وليس بمنطق دولة محتلة ودولة مستعمرة، فنحن شعب سيد في دولة سيدة للدفاع عن مصالحنا وعن رعايانا وعن دولتنا ووطننا وللدفاع عن مواقفنا الدبلوماسية، ولا نرضى بالتدخل في شؤوننا، ولا بإملاءات من أي كان".

تبون يتعهد مواصلة النجاح

أما المرشح المستقل عبدالمجيد تبون، وعلى رغم أن ملف الذاكرة تحرك بصورة إيجابية خلال عهدته الأولى باعتراف الجميع، فإن حملته الانتخابية لم تتوقف عند الموضوع بالحجم المنتظر مقارنة بما قدمه وهو رئيس الجمهورية، ولم يتعد التطرق دائرة ممثليه على شاكلة الأمين العام لـ"المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء" خليفة سماتي الذي قال في تجمع شعبي إن "البلاد شهدت خلال العهدة الرئاسية الأولى لتبون تحقيق عديد من المكتسبات أهمها ملف الذاكرة الذي تم التأكيد في شأنه أنه لا يقبل التنازل أو المساومة".

وأوضح سماتي "أن دعم المرشح تبون في الاستحقاق الرئاسي المقبل سيمكنه من مواصلة الاهتمام بملف الذاكرة الوطنية وبالمجاهدين وأرامل الشهداء وذوي الحقوق".

حساني و"ذاكرة وطنية حيوية"

في حين يركز المرشح عن حزب حركة مجتمع السلم عبدالعالي شريف حساني على أهمية وجود ذاكرة وطنية حيوية وجامعة، وفق ما ذكر القيادي في حركة النهضة التي تدعمه أسامة بوغازي، مضيفاً أن ذلك ضمن التعهدات الـ62 التي عرضها على الشعب الجزائري، إذ يسعى إلى تنمية منظومة القيم الوطنية لدى الناشئة، وتشجيع الأبحاث الأكاديمية والفنية التي تتناول الذاكرة الوطنية.

وأضاف بوغازي أن مرشحهم حساني يهدف إلى تبليغ تاريخ الجزائر للأجيال الصاعدة ودعم المشاريع ذات البعد التاريخي، وقال إن برنامجه يشمل تجريم الاحتلال الفرنسي للجزائر بنص قانوني، إضافة إلى دعم الجمعيات والمؤسسات التي تسهم في توثيق الذاكرة الوطنية.

ملف أكبر من وعد انتخابي

وتعليقاً على "تجنب" المتنافسين على كرسي الرئاسة في الجزائر التطرق إلى ملف الذاكرة أو منحه حيزاً واسعاً من الاهتمام، كما جرت عليه العادة، يقول المحلل السياسي صالح عوض في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن ملف الذاكرة من الناحية العملية لا يمكن حله من خلال الحملة الانتخابية على اعتبار أنه يتم عبر تواصل تقوم به مؤسسات الدولة، مشدداً على أنه ملف حساس ينظر الجميع إليه على أنه ليس من الحكمة تحمل موقف مسبق إزاءه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد عوض أن المستقبل كفيل بأن يكشف القدرة من عدمها على معالجة الملف، لذلك يكثر الحديث خلال الحملات الانتخابية على ملفات داخلية اجتماعية واقتصادية لأن ذلك بالإمكان وضع خطط وبرامج لإنجازه، موضحاً أن المسألة لها علاقة بالواقعية السياسية لدى جميع المرشحين. وختم بأن الجميع تأكد اليوم أن الموضوع أكبر من وعد انتخابي، إنه مرتبط بالتواصل مع الطرف الآخر.

عوامل عدة متداخلة

من جانبه يعد الحقوقي أدم مقراني أن غياب ملف الذاكرة في الحملة الانتخابية يمكن تفسيره من خلال عوامل عدة متداخلة تعكس الأولويات الحالية للسياسة الجزائرية، وكذلك التحديات التي تواجه المرشحين في مخاطبة القضايا الأكثر إلحاحاً لدى الناخبين، مبرزاً أن المشهد السياسي الجزائري الحالي مشبع بقضايا اقتصادية واجتماعية ملحة مثل البطالة وارتفاع كلف المعيشة وتحديات التنمية الاقتصادية، كما يبدو أن المرشحين يركزون على تقديم حلول واقعية لمشكلات الحياة اليومية للمواطنين، مثل تحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل، وهو ما يعده كثر أولى من العودة إلى ملفات الماضي. وأوضح أن هناك شعوراً متزايداً بين الطبقة السياسية الحاكمة بأن الحديث عن الذاكرة قد لا يكون في مصلحة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، خصوصاً أن الجزائر تعيش مرحلة من الاستقرار النسبي بعد الحراك الشعبي والسلطات الحالية تسعى جاهدة إلى الحفاظ على هذا الوضع، وعليه فإن أي نقاش موسع حول قضايا الذاكرة، بخاصة المتعلقة بالعشرية السوداء والحقبة الاستعمارية، قد يعيد فتح جراح قديمة ويؤدي إلى انقسامات جديدة في المجتمع، وهو ما يسعى المرشحون إلى تجنبه. واعتبر أن ملف الذاكرة أصبح مؤطراً بصورة كبيرة ضمن الخطاب الرسمي، مما يقلل من أهميته في الحملات الانتخابية.

"ملف لا يقبل التنازل والمساومة"

ويرى الحقوقي أدم مقراني أنه يمكن النظر إلى غياب ملف الذاكرة في سياق التحولات الجيلية في الجزائر، فالأجيال الجديدة، بخاصة الشباب الذين يمثلون نسبة كبيرة من الناخبين، قد لا يعدون قضايا الذاكرة ذات أهمية كبرى بالنسبة لهم، فهم يركزون أكثر على المواضيع التي تؤثر مباشرة في حياتهم اليومية ومستقبلهم، مثل التعليم وفرص العمل والسياسات الاقتصادية، مشيراً إلى أن ضعف تناول هذا الملف يعكس أيضاً تراجع تأثيره في تحديد مسار الانتخابات، وبروز تحولات كبيرة في الأولويات.

ويعرف ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا تجاذبات انتهت في كثير من الأحين إلى توتر أو جمود على رغم الجهود التي تبذلها أطراف في البلدين. وقال الرئيس الجزائري المنتهية ولايته عبدالمجيد تبون في رسالة بمناسبة "اليوم الوطني للذاكرة"، إن "ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي بفعل مرور السنوات، ولا يقبل التنازل والمساومة، وسيبقى في صميم انشغالاتنا حتى تتحقق معالجته معالجة موضوعية جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية".

وختم حديثه قائلاً، "إنني في وقت أؤكد فيه الاستعداد للتوجه نحو المستقبل في أجواء الثقة، أعتبر أن الصدقية والجدية مطلب أساس لاستكمال الإجراءات والمساعي المتعلقة بهذا الملف الدقيق والحساس".

المزيد من تقارير