Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا نعرف عن "مملكة الفاو" التي صنفت تراثا عالميا؟

القرية الهائمة وسط تضاريس "الربع الخالي" جنوب الرياض وثقت تاريخاً من تلاقي الحضارات الإنسانية في الجزيرة العربية عبر آلاف السنين

منطقة "الفاو" كانت نقطة استراتيجية لطرق التجارة القديمة في شبه الجزيرة العربية  (منظمة يونيسكو)

فيما كانت بين أوائل الآثار المكتشفة في السعودية، صنفت "يونيسكو" أخيراً منطقة "الفاو" الأثرية جنوب منطقة الرياض، موقعاً ثقافياً يمتلك قيمة عالمية استثنائية للتراث الإنساني ليكون ثامن المواقع السعودية المسجلة على قائمة التراث العالمي، بعد تسجيل محمية "عروق بني معارض" العام الماضي، الواقعة على مسافة قريبة من الفاو.

وتعدّ القرية التراثية من أكبر وأشهر المناطق الأثرية في شبه الجزيرة العربية، ولها أهمية خاصة بحسب موقعها الجغرافي الذي كشف عن تبوّئها مكانة نادرة في عصور مضت، بوصفها تسيطر على الطريق التجاري وملتقى قوافل تحمل المعادن والحبوب والنسيج، إذ لا تستطيع القوافل السير من دون المرور بها لأنها محطة تجارية على الطريق الممتد من جنوب الجزيرة العربية إلى شمال شرقي الخليج العربي وبلاد الرافدين وشمال غربي الحجاز وبلاد الشام إلى أن أصبحت مركزاً اقتصادياً وسياسياً وثقافياً في محيطها الإقليمي، بحسب تقدير الباحثين والمؤرخين.

ووصفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية بـ "النقطة الاستراتيجية" لطرق التجارة القديمة في شبه الجزيرة العربية التي شهدت تعاقب ثلاثة شعوب مختلفة على الموقع عبر القرون.

وقال وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان عبر حسابه على منصة "إكس" إنه بإدراج منطقة الفاو الأثرية حقّقت المنظومة الثقافية مستهدف "رؤية 2030" في عدد المواقع السعودية المسجلة على قائمة التراث العالمي وهي ثمانية مواقع.

فيما رجح الرئيس التنفيذي لهيئة التراث جاسر الحربش خلال مداخلة مع قناة "الإخبارية" أن يكون موقع "الفاو" الذي تم تسجيله في لائحة "يونيسكو"، أيقونة جذب رئيسة للزوار من داخل المملكة وخارجها، وأضاف أن الهيئة لديها مواقع معتمدة مع وزارتي الثقافة والسياحة في المسار السياحي الثقافي، وأن هناك مواقع تاريخية أخرى مرتبطة بالتاريخ ما قبل الميلاد وبعده وما قبل الإسلام وبعده.

 

عاصمة الكنديين

وتقع قرية "الفاو" الأثرية على أطراف صحراء الربع الخالي جنوب منطقة الرياض، وتمتد على مساحة محمية تبلغ 50 كيلومتراً مربعاً، وتحيط بها منطقة عازلة بمساحة 275 كيلومتراً مربعاً، عند تقاطع صحراء الربع الخالي وتضاريس سلسلة جبال طويق التي تشكل ممراً ضيقاً يسمى "الفاو".

ولم تكُن أرض "الفاو" في القدم بيئة صحراء قاحلة، بل كانت تسمى "ذات الجنان" لما تزخر به من أرض زراعية خصبة  وكان لها كذلك دور اقتصادي واجتماعي وأسهمت في استقطاب الإنسان واستقراره منذ فترات طويلة، إذ تشير المصادر إلى أن القرية كانت عاصمة لمملكة كندة الأولى في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد إلى مطلع القرن الرابع الميلادي.

وقال مكتشف قرية الفاو عالم الآثار السعودي الراحل عبدالرحمن الأنصاري في كتابه الخاص عن القرية إنها "كانت محطة للتجار والمسافرين والحجاج من الممالك المختلفة في جزيرة العرب، ومركزاً دينياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً في قلب شبه الجزيرة"، وكان الأنصاري أول من بدأ بالتنقيب في قرية الفاو الأثرية وأشرف على أعمال التنقيب من عام 1971 حتى 1995.

الاكتشافات الأثرية

وبحسب "يونيسكو"، في الموقع نحو 12 ألف قطعة من البقايا الأثرية التي تعود لفترة تمتد من عصور ما قبل الميلاد إلى أواخر عصر ما قبل الإسلام، ومن الاكتشافات الأثرية التي عثر عليها في الموقع الأدوات التي استخدمتها الشعوب الأولى والتي تعود للعصر الحجري القديم والحديث.

ووفق تقارير هيئة التراث، أظهرت التنقيبات التي بدأت في الموقع قبل أكثر من 40 عاماً أن النسيج العمراني للقرية يتشكل من المنطقة السكنية التي تشمل منازل وساحات وطرقات بأنواع متعددة والصخور والحصون ومنطقة السوق الرئيسة التي تضم المرافق والخدمات وأهمها الآبار والقنوات المائية وخان القوافل، فيما تُعدّ المنطقة السكنية من أهم معالم "الفاو"، إذ تقدم نسيجاً عمرانياً متكاملاً وتعطي صورة لمدينة عربية قبل الإسلام واهتم سكانها كذلك بزخرفة جدران المنازل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشتمل القرية شمال المنطقة السكنية على سوق ضخمة تتكون من ثلاث طوابق وتحيط بها الأسوار العالية والأبراج من أربع جهات وتتوسط السوق بئر دائرية مطوية بالحجارة وتتصل بها قناة تصب خارج السوق وقد يكون ذلك لأسباب أمنية.

وكشفت أعمال التنقيب عن عدد كبير من الآثار التي تبرز مستوى متقدماً من المدنية وتوسع شبكة علاقات سكان الفاو التجارية وصلاتهم الحضارية وتشتمل الاكتشافات على أوانٍ فخارية وخزفية وزجاجية وحجرية وفضية وبرونزية وحلي ذهبية وفضية وعملات فضية وبرونزية ونقوش كتابية ورسوم جدرانية ملونة.

وأعلنت هيئة التراث في يوليو (تموز) 2022 نجاح فريق علمي سعودي وخبراء دوليين في العثور على عدد من الاكتشافات الأثرية في القرية، أهمها العثور على منطقة لمزاولة الشعائر الدينية  في الواجهة الصخرية لأطراف جبال طويق المعروفة باسم "خشم قرية" وبقايا مائدة لتقديم القرابين لسكان "ذات كهل"، كما كانت تسمى الفاو في السابق نسبة إلى معبود كندة كهل.

وظهرت كذلك نقوش تعبدية عدة منتشرة في المكان واكتشفت بقايا مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري الحديث قبل ثمانية آلاف سنة وتوثيق أكثر من 2807 مقابر منتشرة في الموقع، ومن أهم النتائج الكشف عن نقش تعبدي في معبد جبل لحق من قبل شخص اسمه "وهب الات" من عائلة "ملحة" الجرهائيين من مدينة "الجرهاء" المفقودة في الجزيرة العربية، ويشير النقش إلى العلاقة بين مدينة الفاو ومدينة الجرهاء التي من المتوقع أن تكون تجارية بحكم موقع مدينة الفاو على الطرق التجارية القديمة.

 

مقابر "الفاو"

وفي المدينة السكنية وعلى شواهد القبور والفخار والمواد الأثرية الأخرى عبّر سكان القرية عن أفكارهم وخواطرهم بالخط المسند الجنوبي الذي أخذ في القرية شكلاً متميزاً، فضلاً عن وجود عدد كبير من الرسوم الفنية المختلفة إذ اهتم الفنان العربي في شبه الجزيرة العربية برسم مشاهداته في الحياة اليومية على لوحات فنية تختلف في جودتها من مكان إلى آخر.

وحوى الطرف الغربي لـ"الفاو" ثلاثة أنواع من المقابر من بينها مقابر للنبلاء، بحيث يتكون القبر من غرفتين شرقية وغربية، يتوسطهما مهبط بعمق نحو ثلاثة أمتار ونصف وله نقر "مراقي" وهي عبارة عن حفر صغيرة منقورة في الجدار على الجانبين يضع فيها المرء قدميه للنزول أو الصعود من المقبرة.

وهناك مقابر عائلية جماعية تعود لأسر وأشخاص ذي مكانة سياسية واجتماعية في المدينة، فالقبر يكون بعمق خمسة أمتار وبعرض متر واحد وطول ستة أمتار من الشمال إلى الجنوب، وعلى الجدارين الشرقي والغربي نقر "مراقي" وتوجد أربعة أبواب في اتجاه الجهات الأصلية الأربع وتقود ثلاثة من هذه الأبواب إلى أقبية منحوتة في الأرض بصورة شبه دائرية.

وبذلك ينضم المنظر الثقافي لمنطقة "الفاو" إلى قائمة مواقع السعودية في التراث العالمي لـ"يونيسكو" بعد محمية "عروق بني معارض" وموقع "الحِجْر" في العُلا و"حي الطريف" بالدرعية التاريخية ومنطقة "جدة التاريخية" ومواقع الفنون الصخرية في حائل و"واحة الأحساء" ومنطقة "حِمى الثقافية" في نجران.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير