ملخص
باعتراف من كير ستارمر أن المملكة المتحدة ليست محصنة من صعود القومية والشعبوية، مما يستدعي من حزب العمال الاستعداد لمواجهة التهديدات من اليمين واليسار معاً في الانتخابات المقبلة.
أفاد كير ستارمر في إطار الحفلة الصيفية التي أقامتها مجلة "نيو ستيتسمان" يوم الإثنين بأن المملكة المتحدة "ليست محصنة" من صعود القومية والشعبوية الذي تشهده القارة.
وأضاف "لا تعتقدوا ولو لدقيقة واحدة أن الأمر لا يمكن أن يحدث هنا على الإطلاق"، وتابع "يمكن أن يحدث وقد يحدث، إذا فشلنا في مشروعنا الهادف إلى تحقيق التغيير، ومشروعنا الهادف إلى أن نكون حكومة خدمات تعيد الثقة في فكرة أن السياسة يمكن أن تكون قوة للتغيير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على رغم أن حزب العمال كان عقد العزم قبل الانتخابات على أن يكون صارماً في شأن الجريمة والهجرة بمجرد توليه الحكومة، إلا أن نجاح ناجل فاراج في الرابع من يوليو (تموز) عزز هذه الرغبة بشدة. وأثار حزب "ريفورم" Reform UK (الإصلاح البريطاني) مخاوف حزب العمال بسبب احتلاله المركز الثاني بعد الحزب الحاكم، في 89 دائرة انتخابية، مما جعل الذعر يدب في الحزب من أن يجتذب فاراج الناخبين الذين يشعرون بخيبة الأمل في السياسة بشكل عام ومن حكومة حزب العمال بشكل خاص.
ومع ذلك ثمة خطر متمثل في أن حزب العمال ليس متنبهاً بشكل كاف إلى التهديد الخطر بدرجة مساوية الذي يأتيه من اليسار، أي من الخضر والمستقلين، بمن في ذلك الناشطون المؤيدون لفلسطين. عادة ليس لحزب العمال أعداء أكثر يسارية منه، ولكن سيتعين عليه أن يعتاد على وجودهم.
خلال الانتخابات كان حزب العمال مدركاً تماماً للخطر الآتي من حزب الخضر، كما خشي أن ينتزعوا مقعد ثانغام ديبونير، وزير الثقافة في حكومة الظل آنذاك، في بريستول سنترال، بيد أن حزب العمال أصيب بصدمة بسبب الناشطين المؤيدين لفلسطين. وعندما أعرب ويس ستريتنغ عن قلقه من أنه قد يكون تحت تهديد من أحد هؤلاء الناشطين من أنصار فلسطين في إلفورد نورث، قام مسؤولو حزب العمال باعتبار ذلك نوبة من "التوتر الذي ينتاب المرشح". ولكن ستريتنغ كان على حق، إذ قلصت غالبيته البالغة 5218 إلى 528 فقط، كما خسر جوناثان آشوورث بشكل غير متوقع في دائرة ليستر ساوث الانتخابية أمام خصم آخر من أنصار فلسطين.
لقد أدرك حزب العمال مسألة فاراج، إلا أنه لم يتحدث كثيراً عن الشعبوية اليسارية، وهذا يقلق بعض القياديين الذين يتسمون بالحكمة في حزب العمال. أندرو هاروب، الأمين العام المنتهية ولايته لجمعية فابيان التابعة لحزب العمال، قال إنه سيكون في الانتخابات المقبلة "عرضة لأن يغادره الناخبون [ليلتحقوا بحزبي] الخضر أو الديمقراطيين الأحرار وليس فقط [بحزب] المحافظين". وأضاف "سيحتاج كير ستارمر إلى إثبات نفسه للناخبين المهتمين بالصراع العالمي، والحفاظ على البيئة والعدالة الاجتماعية، وليس فقط لأولئك الذين يتأرجحون في الاختيار بين حزب العمال والمحافظين".
على رغم أن سياسة تحديد سقف [المساعدات الحكومية للعائلات] بطفلين ستلغى على الأرجح، إلا أنه سيكون هناك عدد من المطالب المماثلة، ولن يكون لدى الحكومة ما يكفي من المال لإرضاء منتقديها اليساريين حتى بعد أن يرفع حزب العمال الضرائب في الخريف. وأعتقد أن ستارمر كان محقاً في تعليق عضوية النواب السبعة الذين تحدوا الحكومة في شأن سياسة سقف المساعدات المحدد بطفلين، إلا أن الأمر قد يؤدي إلى تفاقم مشكلته مع اليسار.
وكان حلفاء ستارمر توقعوا قبل الانتخابات أن تتمرد عليه مجموعة من نواب اليسار، ويجري طردها عملياً فتنضم إلى جيرمي كوربين، بيد أنهم [الحلفاء] لم يكونوا قلقين بخصوص هذا الاحتمال. لكن حتى مع تمتعهم حالياً بالغالبية الساحقة، فإنه لا يمكنهم أن يشعروا بالارتياح للغاية [حيال تمرد من ذاك النوع]. وقد تواصل كوربين، الذي احتفظ بمقعده في إزلنغتون نورث بعد أن تخلى عنه حزب العمال، هو والنواب المستقلون الأربعة الآخرون، مع المتمردين السبعة من الحزب الحاكم. حتى أن ثمة إشاعات تفيد بأن حزباً يسارياً متشدداً جديداً، [ربما تم تأسيسه] على أساس مشروع السلام والعدالة الجديد بزعامة كوربين، الذي قد يحظى أيضاً بدعم بعض النقابات العمالية اليسارية.
بدا قبل الانتخابات العامة أنه من غير المرجح أن يزدهر مثل هذا الحزب [المتشدد المزعوم] في ظل نظامنا الانتخابي المتقادم الذي يعتمد على الغالبية المطلقة. غير أن التقلبات التي طغت على حزب المحافظين قد تؤدي إلى النتيجة ذاتها بالنسبة إلى حزب العمال في المرة المقبلة، إذا فشل في الوفاء بوعوده. سيكون من الخطأ أن يعتبر حزب العمال أن سباق هذا العام كان "انتخابات غزة"، لقد نظم المستقلون حملات وسينظمون أخرى حول قضايا مختلفة.
والواقع أن التهديد الذي يواجه المحافظين من جناحهم اليميني هو أكثر وضوحاً، وسيخيم شبح فاراج على انتخابات الزعامة لديهم. لكن المحافظين خسروا (ما مجموعه 17 في المئة) لمصلحة حزبي العمال والديمقراطيين الأحرار، أي ما يقرب من عدد الأصوات نفسها التي حصلوا عليها في عام 2019. كما خسروا أمام حزب "ريفورم" (25 في المئة من الأصوات)، وعدداً أكبر بكثير من المقاعد.
ومع ذلك يسعى المتنافسون على الزعامة إلى استرضاء اليمنيين من أعضاء القاعدة الشعبية، إذ هدد توم توغندهات، مرشح توجه "الأمة الواحدة" المعتدل في الحزب، بالانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي الهيئة التي دأب على الدفاع عنها، والانعطاف إلى اليمين ينطوي على المجازفة بتنفير الناخبين الوسطيين الذين يحتاج المحافظون إلى استعادتهم [إلى صفوف الحزب]. وإن المواقف المتعلقة بالسياسات التي قد تفوز بالأصوات في انتخابات الزعامة، مثل تفضيل الانسحاب من الاتفاقية [الأوروبية لحقوق الإنسان]، ومعارضة تصفير صافي الانبعاثات، والمواقف اليسارية المعادية للتمييز، والروابط الأقوى مع الاتحاد الأوروبي، لن تنجح في كسب عدد كاف من الناخبين الوسطيين في الانتخابات العامة.
وحتى لو استعاد المحافظون جميع أنصارهم السابقين الذين انشقوا لينضموا إلى الإصلاح هذا الشهر، فإن "توحيد اليمين" لن يؤدي بالضرورة إلى تحقيق مكاسب انتخابية. ووفقاً لمنظمة "مور إن كومون"، فإن ثلاثة فقط من كل 10 ناخبين من حزب المحافظين قالوا إنهم قد يصوتون لمصلحة حزب الإصلاح، مع استعداد مزيد منهم للتحول إلى أحزاب يسارية.
ولا يستطيع المحافظون أن يفترضوا أن التصويت التكتيكي ضدهم هذا الشهر كان حدثاً لن يتكرر مرة ثانية. ومن شأن التحول إلى اليمين أن يشجع على التصويت التكتيكي. وسيحاول ستارمر احتضان الديمقراطيين الأحرار، ويبدو أن ميثاق عدم الاعتداء الذي أبرمه مع إيد ديفي لا يزال صامداً، حتى على رغم وجود حزب العمال في السلطة.
وسيتعين على كل من حزبي العمال والمحافظين أن يتعلم الالتفات إلى اليسار وكذلك اليمين، من أجل الفوز في الانتخابات المقبلة.
© The Independent