Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحمي صناعة أشباه الموصلات تايوان من عدوان صيني؟

وفقاً للمخابرات الأميركية فقد أصدرت بكين أوامر لجيشها "بأن يكون جاهزاً بحلول عام 2027" لغزو تايوان، ولكن كيف يبدو العيش تحت وطأة هذا التهديد المستمر؟ في الآتي تحقيق ميداني على الأرض يكشف عن مفاجآت

 الأحداث الأخيرة هزت تايوان وأيقظتها من حال الاسترخاء التي عاشته طويلاً (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

يرى بعضهم أن هناك عاملاً اقتصادياً بارزاً قد يشكل رادعاً قوياً لأي تحرك صيني محتمل ضد الجزيرة، يتمثل في الهيمنة تايوان على صناعة أشباه الموصلات العالمية، وتحديداً من خلال شركة عملاقة واحدة تقع جنوب العاصمة تايبيه وهي شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC)

بعد ساعات قليلة من وصولنا إلى تايبيه، انطلقنا أنا وزوجتي في رحلة بحث عن معرض فني لمصور شهير كنا قد تلقينا دعوة إلى حضوره، لكن خرائط "غوغل" لم تكن خير معين في تحديد موقع المعرض الموقت الذي كُتب بالرموز الصينية، وانتهى بنا المطاف في قبو أحد مواقف السيارات.

وبفضل مساعدة بعض السكان المحليين الودودين، وإن لم يخف بعضهم دهشتهم من وجهتنا، وصلنا أخيراً إلى المكان المنشود وهو حفل فني يقدمه رجل يرتدي سروالاً داخلياً ضيقاً، يؤدي حركات رياضية بطيئة بشكل يكاد يكون مؤلماً أمام جمهور من الناس من جميع الأجناس والميول الجنسية والأعمار الذين ظلوا يحدقون في العرض باهتمام.

قد يبدو هذا المشهد بعيداً كل البعد من موضوع الجغرافيا السياسية الذي أريد تغطيته، لكنه في الواقع يمثل جزءاً لا يتجزأ من قصة تايوان، ففي الوقت الذي تواجه فيه الجزيرة تهديداً مستمراً من الصين دفعها إلى زيادة الإنفاق الدفاعي وإعادة فرض التجنيد الإلزامي، هناك جانب آخر من أشكال الصمود يتجلى في تحدي تايوان المتزايد لتأكيد هويتها وما تمثله كبديل متسامح يحل محل حكم الحزب الواحد.

كانت تايوان أول دولة آسيوية تعترف بزواج المثليين، وهو أحد التطورات الحديثة التي تفخر بها، وخلال أسبوعين قضيتها في تايوان أدركت أنني ارتكبت خطأ فادحاً في اختيار مسار رحلتي، فلقد وصلت إلى تايوان عبر هونغ كونغ مما أثار استغراب كثير من الأشخاص الذين قابلتهم هناك.

ألم أكن أعلم أن الصينيين قد يكونون قد سرقوا بياناتي وحصلوا على حمضي النووي وتتبعوني بتقنية التعرف على الوجه؟ بصراحة لم يخطر ببالي ذلك، وأقر أنني كنت ساذجاً.

لقد استيقظت تايوان من حال الرضا والتراخي التي عاشتها طويلاً في أعقاب واقعتين، الأولى هي الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 والذي اعتبره كثيرون، بما في ذلك الأوكرانيون والخبراء الغربيون، غير مرجح، والثانية هي حملة القمع الصينية على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ عام 2019.

وحتى أثناء وجودي في تايبيه كانت وسائل الإعلام المحلية تعج بأخبار إدانة 14 ناشطاً من هونغ كونغ بتهمة التخريب، وأثناء توقفي لفترة قصيرة في هونغ كونغ في طريق عودتي إلى لندن، صُدمت بمدى التغير الذي طرأ على المدينة، فظاهرياً بدت كما كانت دائماً، لكن الحياة في الشوارع كانت تخضع لرقابة مشددة من قبل حراس أمن بالزي الرسمي أو بملابس مدنية، وكانوا منتشرين في كل مكان.

لعقود من الزمن كانت هونغ كونغ مركزاً حيوياً وليبرالياً للتغطية الإخبارية عن الصين وشرق آسيا، وانتقل بعض الصحافيين منها إلى سنغافورة، لكن حرية التعبير مقيدة بشدة هناك أيضاً، وبعدها برزت تايوان كوجهة جديدة للصحافيين والمراسلين الدوليين، إذ استغلت الفرصة لتعزيز مكانتها كمركز ثقافي وسياحي في المنطقة، في ظل تشديد الأنظمة الاستبدادية قبضتها على أماكن أخرى.

 

ويسود بين سكان تايوان البالغ عددهم 24 مليون نسمة مزيج فريد من الجدية والدعابة والاسترخاء واليقظة، فبينما يتحدث الناس باستمرار عن التهديد القادم من الجهة الأخرى، في إشارة إلى الصين، يواصلون حياتهم اليومية بصورة طبيعية.

وعلى رغم تقلب حدة التهديد الصيني إلا أن الاتجاه العام لا يبعث على الطمأنينة، وفي هذا السياق ذكر لي أحد الدبلوماسيين أن "المهمة المركزية للحزب الشيوعي الصيني هي سياسة 'الصين الواحدة' وهذا أمر ثابت ولم يتغير، والفرق الوحيد هو أن الرئيس شي جينبينغ جعله أكثر صراحة"، إذ يعتبر الرئيس الصيني أن تايوان مقاطعة متمردة ستخضع في النهاية للسيطرة الصينية.

وفقاً للاستخبارات الأميركية فقد أصدر شي أمراً لجيشه بالاستعداد لغزو تايوان بحلول عام 2027 وعبور مضيق تايوان الذي يبلغ عرضه 180 كيلومتراً وغزو الجزيرة، وتأتي هذه الأنباء في ظل تصاعد التوترات بين الصين وتايوان حيث تفرض الصين نفوذها الجوي والبحري والمعلوماتي بصورة متزايدة في المنطقة من خلال عمليات عسكرية وتدريبات بالذخيرة الحية، مما يزيد عزلة الجزيرة.

وتشير التقارير إلى أن تايوان غير مستعدة لمواجهة أي حصار محتمل، إذ لا تمتلك سوى مخزون يكفي لأسبوعين من الغاز بعد تفكيك مفاعلاتها النووية القليلة.

 

جهود الصين الحثيثة لعزل تايوان أثمرت نجاحاً في تقليص عدد الدول التي تعترف بها من 35 دولة عند بداية هذا القرن إلى 12 دولة صغيرة فقط حالياً، ولهذا السبب فإن أية محاولة تواصل رفيعة المستوى مع تايوان تثير غضب بكين الشديد، وقد وصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها ربما عندما زارت رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك نانسي بيلوسي، (والشخصية الثالثة في هرم السلطة بالولايات المتحدة)، الجزيرة في أغسطس (آب) 2022.

وردت الصين على هذه الزيارة بإطلاق صواريخ باليستية وإجراء مناورات عسكرية حول الجزيرة مباشرة بعد مغادرة نانسي بيلوسي، وقال لي أحد النشطاء التايوانيين بنبرة تمزج بين الجدية والدعابة إن "جميع سكان الجزيرة تنتابهم حال قلق عندما نقترب من شهري أبريل (نيسان) وأغسطس لأن المضيق بين الصين وتايوان يكون في أهدأ حالاته خلال هذين الشهرين، مما يجعل احتمال الغزو أكثر ترجيحاً".

ويرى بعضهم أن هناك عاملاً اقتصادياً بارزاً قد يشكل رادعاً قوياً لأي تحرك صيني محتمل ضد الجزيرة، يتمثل في الهيمنة تايوان على صناعة أشباه الموصلات العالمية، وتحديداً من خلال شركة عملاقة واحدة تقع جنوب العاصمة تايبيه وهي شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC) إذ تشكل 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لتايوان، إضافة إلى أن معظم الإنتاج العالمي من الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر والسيارات وأجهزة التلفزيون، وصولاً إلى مصابيح LED من المرجح أن تحوي أشباه موصلات من إنتاج هذه الشركة.

 

وفي ظل التوترات المتصاعدة بين الصين وتايوان برز مصطلح جديد هو "درع السيليكون" الذي يشير إلى الدور الحيوي الذي تلعبه تايوان في صناعة أشباه الموصلات العالمية، إذ تتفوق على كل من الولايات المتحدة والصين في هذا المجال، ويتساءل المحللون عن هل ستجازف الصين بتعريض هذه الصناعة الحيوية للخطر من خلال غزو الجزيرة؟

الآراء منقسمة حول هذه الأمر، إذ يرى بعضهم أن أي انخفاض في الإنتاج سيضر بالولايات المتحدة بقدر ما سيضر بالصين، وفي إحدى الأمسيات في العاصمة تايبيه صادفت تجمعاً لافتاً في إحدى أبرز معالمها السياحية، ففي مساء الرابع من يونيو (حزيران) الماضي الذي يصادف الذكرى السنوية لـ "مذبحة ساحة تيانانمن"، احتشد جمع غفير في محيط قاعة تشيانغ كاي شيك التذكارية، وقد اتسم التجمع بالحماسة والسلمية في آن، وقدم مزيجاً فريداً من الخطابات السياسية والعروض الموسيقية تتخلله أكشاك لبيع الطعام، وانضم إلى النشطاء التايوانيين الأشخاص المنفيون من هونغ كونغ والصين إلى جانب عدد من المتفرجين الذين دفعهم الفضول للتوقف.

وأصبح هذا الميدان اليوم أحد أهم منصات التجمعات، في مفارقة تاريخية تعيد للأذهان ماضي تايوان المؤلم، فبعد انتصار الشيوعيين بقيادة ماو في الحرب الأهلية عام 1949، لجأ القوميون المهزومون من حزب الـ "كومينتانغ" إلى تايوان وأسسوا هناك جمهورية الصين البديلة، وشهد عهد شيانج كاي شيك الذي امتد 38 عاماً فترة قمع عرفت باسم "الإرهاب الأبيض"، سُجن خلالها 140 ألف شخص وأعدم ما يصل إلى 4 آلاف بتهمة التعاطف مع الشيوعية.

وحتى تجاوزتها سوريا، كانت تايوان تحمل الرقم القياسي لأطول فترة فرض للأحكام العرفية من قبل نظام في أي مكان في العالم، وقد قطعت تايوان شوطًا طويلاً وترغب في البقاء على هذا النحو.

© The Independent

المزيد من آراء