ملخص
يرى المراقبون لشؤون منطقة القرن الأفريقي أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لجأ إلى أنقرة بوصفها حليفاً إستراتيجياً، خصوصاً بعد توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع حكومة صوماليلاند، نصت على حصول إثيوبيا على منفذ بحري على السواحل الصومالية، للأغراض التجارية والعسكرية في مقابل اعترافها باستقلال صوماليلاند.
أثار إعلان حكومة صوماليلاند (الإقليم غير المعترف به دولياً في الصومال) رفضها نشر قوات البحرية التركية وحداتها في الصومال، حالاً من الجدل حول مصير الاتفاقات العسكرية المبرمة بين حكومة الصومال بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود، والحكومة التركية التي نصت على موافقة مقديشو على نشر وحدات تركية على شواطئها في المحيط الهادئ قرب مضيق باب المندب.
وجاء إعلان حكومة هرجيسا (عاصمة صوماليلاند أو أرض الصومال) في بيان رسمي أصدرته خارجيتها، الذي نص على أنها ترفض أي انتشار للقوات التركية داخل المناطق البحرية لـ"أرض الصومال".
وأضاف البيان أنه على اعتبار أن "صوماليلاند دولة مستقلة وذات سيادة، تظل ملتزمة بتعزيز العلاقات الثنائية القوية مع جيرانها بما في ذلك الحليف الإستراتيجي إثيوبيا على أساس الاحترام المتبادل والتعاون".
وأضاف البيان أنه "من المؤسف أن إدارة مقديشو، بقيادة حسن شيخ محمود التي لا تسيطر بصورة كاملة على عاصمتها، تستمر في محاولات زعزعة استقرار صوماليلاند من خلال دعم الجماعات المسلحة المحلية، إضافة إلى "إبرام اتفاقات عسكرية مع قوى خارجية، من دون توافق مع هرجيسا" أو إقامة اعتبار لسيادتها الجغرافية والسياسية، مما يسهم في تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي.
وأشار البيان إلى أن "النظام في مقديشو، الذي يفتقر إلى السيطرة والصدقية، لن يكون أبداً جزءاً من المعادلة الإستراتيجية لاستقرار المنطقة".
وتضمن البيان تهديداً بإمكانية لجوء هرجيسا إلى حليفها الإستراتيجي إثيوبيا لمواجهة اتفاق مقديشو وأنقرة، معتبراً أن "من حق صوماليلاند الدخول في علاقات واتفاقات مع دول أخرى، لمواجهة هذا التطور".
وكانت كل من مقديشو وأنقرة أبرمتا في مايو (أيار) الماضي اتفاقاً للتعاون في مجالي الدفاع والاقتصاد خلال زيارة وزير الدفاع الصومالي لأنقرة.
وفي عام 2017، افتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية خارجية لها في مقديشو، كما توفر التدريب للجيش والشرطة الصوماليين.
وفي الـ19 من يوليو (تموز) الجاري قدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اقتراحاً للبرلمان يطلب فيه الإذن بنشر قوات تركية في الصومال، بما يشمل المياه الإقليمية الصومالية.
وجاءت هذه الخطوة بعد يوم من إعلان وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، أن بلاده تعتزم التنقيب عن النفط والغاز في ثلاث مناطق قبالة السواحل الصومالية.
مصادقة البرلمان
وصادق البرلمان التركي في الـ26 من يوليو الجاري، على مذكرة رئاسية في شأن إرسال عناصر من القوات المسلحة التركية إلى الصومال لمدة عامين من أجل دعم أنشطة ضمان الأمن ومكافحة الإرهاب والتهديدات الأخرى.
وذكرت "وكالة أنباء الأناضول" التركية أن المصادقة على المذكرة الرئاسية تأتي في إطار اتفاق التعاون الدفاعي بين تركيا والصومال.
وجاء في المذكرة أن أنشطة التدريب والمساعدة والاستشارات مستمرة لضمان الأمن والاستقرار في الصومال تقع ضمن نطاق الاتفاقات الثنائية وإعادة هيكلة قوات الدفاع والأمن الصومالية والتأكد من قدرتها على مكافحة الإرهاب.
وأشارت المذكرة إلى أن الحكومة الصومالية طلبت المساعدة من تركيا، بما في ذلك دعم قواتها المسلحة من أجل مكافحة الإرهاب والقرصنة وجميع أنواع التهريب وغيرها من التهديدات، بما يتماشى مع الأهداف المحددة في الاتفاقات الثنائية.
التحديات الإقليمية
ويرى المراقبون لشؤون المنطقة أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لجأ إلى أنقرة بوصفها حليفاً إستراتيجياً، خصوصاً بعد توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع حكومة صوماليلاند، نصت على حصول إثيوبيا على منفذ بحري على السواحل الصومالية، للأغراض التجارية والعسكرية في مقابل اعترافها باستقلال صوماليلاند.
ورغم الجهود الدبلوماسية التي بذلتها مقديشو لإبطال الاتفاق، والحفاظ على السيادة الصومالية على كافة أراضيها، بما في ذلك الأراضي الواقعة تحت سيطرة حكومة هرجيسا، فإن التغاضي الأميركي عن الخطوة الإثيوبية، الذي فُسر من قِبل مقديشو باعتباره توافقاً أميركياً إثيوبياً، خصوصاً أن عدداً من الدراسات التي أعدها خبراء أميركيون في مراكز بحثية مرتبطة بالبنتاغون، تشير إلى أن السعي الإثيوبي لإنشاء قاعدة عسكرية متقدمة للبحرية الإثيوبية قرب مضيق باب المندب، يخدم في نهاية المطاف المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة.
وهو ما يُفسر الصمت الأميركي تجاه مذكرة التفاهم التي وقعتها أديس أبابا مع إقليم لا يتمتع بالاعتراف الدولي، وهو يتناقض مع المواثيق الدولية بما فيها ميثاق الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وعوض إدانة هذا التوجه الإثيوبي رفضت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، التعليق على المذكرة في الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي، مؤكدة أن البيت الأبيض يرى ضرورة في إجراء مفاوضات بين مقديشو وأديس أبابا.
ومنذ نحو أسبوعين طرح الرئيس الصومالي مبادرة لاستفادة إثيوبيا من منفذ بحري على شواطئ الصومال، عبر اتفاق قانونية تُبرم بين مقديشو وأديس أبابا، وحدد شروط استفادة الأخيرة من المنفذ بنقطتين رئيستين: أن تكون الاستفادة للأغراض التجارية وتحت السيادة الصومالية، وهو ما رفضه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ضمنياً في خطابه الأخير أمام البرلمان، إذ دافع عن مذكرة التفاهم المبرمة مع هرجيسا، كما انتقد سعي مقديشو لتقديم شكوى ضد بلاده في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، معتبراً أن حل هذا الملف ينبغي أن يتم بالتفاوض الثنائي بين الطرفين وليس بالسعي إلى القوى الدولية والإقليمية.
محك مذكرة التفاهم
من جهته رأى المختص في شؤون منطقة القرن الأفريقي عبدالرحمن أبوهاشم أن "الحكومة الصومالية في مقديشو برئاسة حسن شيخ محمود تمتلك الشرعية القانونية والسياسية باعتبارها حكومة منتخبة، وتتمتع بالسيادة داخلياً وخارجياً، ولها اعتراف دولي بوصفها ممثلاً لجمهورية الصومال بكل أراضيها ومياهها الإقليمية، بما في ذلك الأراضي الواقعة تحت سيطرة ما يُعرف بإقليم صوماليلاند، مما يخولها إبرام اتفاقات تعاون بما في ذلك معاهدات الدفاع المشترك، مع أي قوى إقليمية أو دولية، فيما يغيب هذا الحق عما يُعرف بـحكومة صوماليلاند التي تتمتع بحكم ذاتي منذ سقوط حكم الرئيس الأسبق سياد بري في عام 1991، من دون الحصول على اعتراف دولي بها".
ويعتقد أبوهاشم أن "تصريحات حكومة هرجيسا تندرج في إطار الدفاع عن مذكرة التفاهم التي أبرمتها مع إثيوبيا للتنازل أو تأجير أراضٍ ومياه إقليمية تابعة لسيادة جمهورية الصومال، وهو ما تعده مقديشو بمثابة تعدٍ على شرعيتها، وتعريض السيادة الصومالية للخطر". وأضاف أن "مقديشو تتحرك من خلال اعتبار مذكرة التفاهم بوصفها مهدداً رئيساً لسيادة واستقلال الصومال ووحدة أراضيه من جهة، وبوصفها خطوة خطرة تسهم في زعزعة الأمن والاستقرار بمنطقة القرن الأفريقي من جهة أخرى. ولذا تسعى مقديشو إلى تقوية وضعها الداخلي من خلالها قنوات التواصل مع زعماء القبائل والنخب في إقليم صوماليلاند الذين لا يؤيدون تمكين إثيوبيا من السواحل الصومالية. كما تعمل على المستويين السياسي والدبلوماسي، إضافة إلى عقدها اتفاق دفاع مشتركاً مع تركيا، بغرض الاستغناء عن القوات الأفريقية العاملة في الصومال، وتعويضها بالوجود التركي الذي يدعم وحدة الصومال".
عقدة تاريخية
ويرى أبوهاشم أن "ثمة صراعاً للنفوذ الدولي في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن"، لكنه لا يرى أن ثمة صراعاً حقيقياً بين تركيا وإثيوبيا، مضيفاً أن بعض النخب الإثيوبية تروّج لهذا الصراع، إذ إنها تنطلق من فرضية أن إثيوبيا "قلعة مسيحية" و"جزيرة وسط بحر إسلامي معادٍ"، وهذه السردية التاريخية القديمة تتحكم في تفكير بعض النخب الإثيوبية ولذا ثمة اعتراضات واضحة، للعودة التركية إلى البحر الأحمر وخليج عدن.
ويعد أبوهاشم أن "تركيا اليوم تتمتع بعلاقات دبلوماسية وتجارية جيدة مع إثيوبيا، ولها مساعٍ واضحة لتقريب وجهات النظر والتفاهم والمصالحة بين حكومتي البلدين إثيوبيا والصومال". وزاد أن "تركيا تملك كل الإمكانات العسكرية لمساعدة حكومة الصومال في مجالات مكافحة التمرد وبسط نفوذ الدولة وسلطتها على جميع أقاليم الصومال، ولا أعتقد أن حكومة هرجيسا أو أديس أبابا قادرة على وقف مثل هذا التحرك في حال احتاج الأمر إلى قرار جاد من مقديشو وأنقرة بالتحرك نحو استعادة الصومال لكامل سيادته على أراضيه ومياهه الإقليمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السعي إلى إمبراطورية وليس منفذاً
ويوضح المتخصص في شؤون القرن الأفريقي أن "السعي الإثيوبي الذي يقوده رئيس الوزراء آبي أحمد، لا يتعلق بتأجير موانئ أو توافر خدمات الترانزيت، لأغراض اقتصادية وتجارية نظراً إلى تضاعف عدد السكان كما ظل يردد في الإعلام الإثيوبي، بل يهدف في الأساس إلى بناء إمبراطورية وامتلاك موانئ وقواعد عسكرية على البحر الأحمر، بما يتناسب وطموحه بالسعي إلى أن يكون نظامه مؤثراً وفاعلاً في الإستراتيجيات الدولية في المنطقة، وهذا ليس سراً إذ صرح في أكثر من مناسبة بأن امتلاك إثيوبيا للموانئ هي مسألة حياة أو موت، أي بمعنى أنها قضية وجودية بالنسبة إلى نظامه، وقد يقوض التدخل التركي هذا الطموح المتعاظم لتأسيس الإمبراطورية الإثيوبية المطلة على المحيط والمشرفة على مضيق باب المندب".
وفي تعليقه على المواقف الغربية تجاه مذكرة التفاهم الموقعة بين أديس أبابا وهرجيسا، فرأى أبوهاشم أنها "بدت دبلوماسية، إذ لم تؤيد أي دولة بصورة صريحة هذا الاتفاق"، مضيفاً "لكن لم يكن رئيس الوزراء الإثيوبي ليخطو خطوات بهذه الخطر والجرأة ما لم تكن هناك تطمينات قد يكون تلقاها من العالم الغربي خصوصاً الولايات المتحدة، وأن المواقف المعلنة ما هي إلا للاستهلاك الإعلامي ولم تتجاوز هذا الحد".
وتابع "نظرة الغرب التقليدية نحو إثيوبيا تاريخياً، تبدو متأثرة في السردية المستهلكة، بأنها قلعة المسيحية المستهدفة من المحيط المجاور الذي يتمتع بامتيازات إستراتيجية في باب المندب وخليج عدن. ويبدو أن آبي أحمد يحاول إعادة تفعيل هذه السردية، خصوصاً أن تصريحاته أمام الإعلام الإثيوبي والنخب الرسمية الإثيوبية تدور حول هذه الفرضية، وأحقية بلاده في امتلاك موانئ على السواحل الصومالية والإريترية".
خطر التدخل التركي
بدوره رأى المختص في الشأن الإثيوبي محاري سلمون أن "ثمة حقائق ينبغي مناقشتها بعيداً من الرؤية التقليدية لما يعرف بسيادة الصومال ووحدته الترابية"، مشيراً إلى أن "خريطة الصومال القديم التي تشكلت في عام 1960، بوحدة طوعية بين الصومال البريطاني الذي استقل في ذات العام من الاستعمار، والصومال الإيطالي، قد انتهت تماماً بحلول عام 1990، ونشوب الحرب الأهلية الطاحنة، إذ أعلن الصومال البريطاني (صوماليلاند) مجدداً استقلاله وظل يمارس سيادته بعيداً من مقديشو، من دون أن يحصل على الاعتراف الدولي".
وأوضح سلمون أن "المواثيق الدولية بما فيها ميثاق الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وغيرها من المنظمات الدولية، تضمن هذا الحق للدول التي ظلت خاضعة للاستعمار الأوروبي"، مضيفاً أن "قضية الاعتراف الدولي ليست ذات أهمية أمام توفر الشرعية القانونية والسياسية، والممارسة الفعلية للسيادة على الأرض"، مؤكداً أن "هذا الإقليم أعلن استقلاله عن بريطانيا في الـ26 من يونيو (حزيران) 1960، واعترفت به أكثر من 34 دولة عضو في الأمم المتحدة، قبل أن تتم الوحدة الطوعية مع الصومال الإيطالي في يوليو (تموز) من ذات العام. وبالتالي فإن الشرعية القانونية والسياسية التي توافرت منذ ستة عقود لا تزال قائمة".
وذكر المتخصص الإثيوبي أن "حكومة هرجيسا تمارس سيادتها منذ عام 1990 على كل أراضيها وتجري انتخابات برلمانية ورئاسية وتتمتع بكل شروط السيادة، بما فيها صك عملة وطنية، وعلاقات دولية وغيرها، ولذا فإن من حقها رفض الانتشار التركي على أراضيها باعتبارها تمارس السيادة على أراضيها وتتمتع بالمصوغ القانوني والشرعية السياسية".
واعتبر سلمون أن "التدخل التركي في الصومال الإيطالي (مقديشو) قد يمر من دون معارضة من هرجيسا، لكن أي تحول نحو أراضي صوماليلاند قد يجر المنطقة عموماً إلى حروب طاحنة".
ولفت سلمون إلى أن "وجود قوات تركية في الصومال يعود إلى عام 2017، إذ انتشرت وحدات تركية في مقديشو من دون اعتراض يذكر من قبل هرجيسا، باعتبار أن ذلك يخص سيادة مقديشو". وتابع "البيان الأخير لحكومة هرجيسا يخص الأراضي الخاضعة لسيادة صوماليلاند، وفي هذه الحال يحق لهرجيسا الدفاع عن سيادتها سواء بالاستعانة بحليفها الإثيوبي أو غيره من الدول"، مشيراً إلى أن "هناك اتفاقات وقعت سابقاً مع الإمارات حول تطوير الموانئ، مما يؤكد أن هذا الإقليم يتمتع بالسيادة".