Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أحدنا يعود مرة أخرى" رواية بوليسية في صيغة يوميات

الأميركية كارين ماكمنوس بين جماعية التحقيق وعبثية الانتقام

الروائية الأميركية كارين ماكمنوس (صفحة الكاتبة - فيسبوك)

ملخص

"أحدنا يعود مرة أخرى" رواية بوليسية للكاتبة الأميركية كارين ماكمنوس، مكتوبة على شكل يوميات، وتمتد زمنياً خلال عشرين يوماً، حافلة بالتحقيقات الجماعية التي تفضي إلى نتائج عبثية وأسرار.

"أحدنا يعود مرة أخرى" للروائية الأميركية كارين م. ماكمنوس، صدرت حديثاً بالترجمة العربية عن "الدار العربية للعلوم ناشرون"، بتعريب نور العيون حامد، بعد روايات عدة مثل "أحدنا يكذب"، "أحدنا هو التالي"، "إثنان يمكنهما كتمان السر" و"الأقرباء". تتخذ الرواية هذه من صيغة اليوميات شكلاً سردياًّ، وتُسنَد عملية السرد فيها إلى رواة مشاركين.

تجري أحداث الرواية، ذات صيف، في بلدة بايفيو، وتتسلسل في خطية زمنية، طيلة عشرين يوماً، على وجه التحديد، تمتد بين 22  يونيو (حزيران) و30 يوليو ( تموز)، وتشغل اثنين وأربعين فصلاً من الرواية، على  أن وقائع اليوم الواحد قد تجري روايتها بالتزامن من عدة رواة، مما يتيح الإلمام بالمشهد الروائي من زوايا مختلفة، لكنها متكاملة في ما بينها. ناهيك بست وحدات سردية تعود لستّ سنوات خلت، وتشكل خلفية تاريخية للأحداث، وتُسنَد عملية الروي فيها إلى شخصيتين غير سويتين، يتجاور في كلٍّ منهما، الجلاد والضحية.

 مسحة بوليسية

 يشكّل الإفراج عن جيك ريوردان، الطالب السابق في مدرسة بايفيو الثانوية، والنزيل الحالي في  مركز  وإيست لحجز الأحداث، وهو المتهم بمحاولة خنق حبيبته أدي وتلفيق تهمة قتل سايمون كيليهر لها ولأصدقائها، البداية الفعلية للأحداث. هكذا يقلّب لواعج قديمة، ويثير مخاوف كامنة، حتى إذا ما أعقبت الإفراج عنه حوادث غامضة، من قبيل اختطاف فيبي والعثور عليها مخدّرة في كوخ معدات قديمة، واختفاء برونوين لبعض الوقت والعثور عليها لاحقاً، وخطف ريجي والعثور عليه ميتاً في قاعة تبديل الملابس الرياضية في ثانوية بايفيو، تزداد مخاوف الطاقم، وتتمحور شكوك أعضائه حول المفرج عنه. ويأتي الترويج لتغيير قواعد اللعبة في بايفيو، عبر خرق لوحة إعلانات إلكترونية، ليفاقم من تلك المخاوف، فيجدون أنفسهم، كلٌّ من موقعه، في صلب تحقيق جماعي، ينصرفون فيه إلى تفكيك الوقائع الغامضة وإعادة تركيبها، في محاولة منهم لجلاء الحقيقة واكتشاف الفاعل الحقيقي، مما يضفي على النص مسحة بوليسية، تتم على نار هادئة رغم درامية بعض الأحداث. وفي نهاية هذه العملية، وبنتيجة تقاطع الأدوار وتكاملها، يتم اكتشاف المتورّطين في الجرائم المرتكبة دون أن يتم القبض عليهم، فيفلتون من العقاب.

خلال التحقيق الجماعي، يلتقي أعضاء الطاقم في كافيه كونتيجو أو في منزل مشترك أو في مكان استجمام أو في موقع سياحي، يتبادلون المعلومات والآراء، ويقترحون الخطوات اللاحقة، ويتوزعون العمل في ما بينهم. وفي هذا السياق، تقوم أدي، حبيبة جيك السابقة التي حاول خنقها، بزيارة صهرها المحامي إلي للتعبير عن قلقها من الإفراج عنه واستطلاع إمكان إدانته في المحاكمة الجديدة، وتجمع المعلومات وتتبادلها مع الأصدقاء والزملاء في الطاقم. وتقوم فيبي، الموظفة في كافيه كونتيجو، بالحصول على معلومات عن واضعي الإعلان الغامض "التمرين يصنع الأفضل"، وتقودها محاولة العثور على سانا إلى شقة إيفي، فتكتشف من خلال ورق الجدران أنها المكان الذي احتُجزت فيه، وأن لصاحبة الشقة دوراً في عملية الاختطاف. ويقوم نيت، الموظف في كافيه كونتيجو، باقتفاء أثر السيارة الحمراء المشتبه بها، ويهب لنجدة أدي التي أرسلها مع زميله في العمل غافين، بعد اكتشاف هوية الأخير الحقيقية. ويقوم كوبر، البطل الرياضي، بأعمال لوجستية، فيُقلّ أدي لزيارة المحامي في سان دييغو، ويأتي بفيبي إلى الكافيه لتخبر الطاقم بما حصل معها، ويداهم المنزل الذي احتجزت فيبي وأدي وجيك فيه. وتقوم مايف باستخدام مهاراتها الإلكترونية للحصول على معلومات عن جيك، وتلتقط صورة لورق الجدران في منزل أسرته الصيفي، وتنتحل شخصية إلكترونية لتقصي أخبار منتدى الانتقام. وتقوم فانيسا بالحصول على معلومات من والدة جيك عن الإعلان، مستغلّة حالة سكرها وتقرّبها منها، وتزوّد نيت بها. وتقوم برونوين بالحصول على صورة الكتاب السنوي لمدرسة أوهايو وإرساله إلى حبيبها نيت.

 وبنتيجة هذه الأعمال، يتبيّن لأعضاء الطاقم أن إيفي، الموظفة في كافيه كونتيجو، تقف وراء الجرائم المرتكبة بمساعدة غافين حبيبها وزميلها في العمل، وأن اسمها الحقيقي تشيلسي ألتون، وأنها تنتحل اسم إيفي وتعمل في الكافيه لتنفيذ مخططها في الانتقام من جيك ريوردان والمتعاطفين معه، على خلفية قيام والد الأخير بقتل والدها الكسندر ألتون، الذي يرتبط مع أم جيك بعلاقة عاطفية قديمة. وبالفعل، تنجح تشيلسي في تنفيذ ما عزمت عليه، وتبلغ الذروة في إطلاق الرصاص على جيك بعد اختطافه رغم معرفتها المسبقة بأنه أخوها البيولوجي المتحدر من ألكسندر ألتون وليس من سكوت ريوردان. والمفارق أن تشيلسي ومساعدها ينجحان في الفرار بعد ارتكاب جرائمهما والإفلات من العقاب، لعل الكاتبة تدخر ذلك لجزء ثالث من الرواية، تضعه فيما بعد.

   شبكة علائقية

هذه الأعمال تتمخّض عن شبكة علائقية تتعالق فيها شخوص الرواية لا سيما أعضاء الطاقم منهم؛ على المستويين الجماعي والثنائي؛ فعلى المستوى الأول، تتجاور في هذه الشبكة علاقات الزمالة والصداقة والحب والتضامن والتعاون والخصام والانتقام والخيانة بين الشخوص المختلفة، فلا يتورع الواحد منهم عن المخاطرة وتجشّم الصعاب ليساعد الآخرين وينقذهم من الخطر، أو الإيقاع بهم وتحميلهم مسؤولية أعمال لم يقوموا بها، وهو ما يتمظهر في وقائع كثيرة في الرواية لا يتّسع المقام لذكرها. وعلى المستوى الثاني، نقع على مجموعة من الثنائيات المتعالقة في الرواية، من قبيل: جيك / سايمون، جيك / أدي، نيت / برونوين، مايف / لويس، نيت / باتريك، فيبي / نوكس، أشتون / إلي، كوبر / كيلي، سانا / ريجي، سكوت / كاترين،  ألكسندر / كاترين، تشيلسي / غافين، جولز / شون، وغيرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على أن حضور هذه الثنائيات النصي يختلف من ثنائية إلى أخرى، وأنماط العلاقة بين أطرافها تتراوح بين الزمالة والصداقة والحب والوئام والخصام والغدر والخيانة. وبذلك، تشكّل الرواية مختبراً علائقياًّ، يجري فيه اختبار شتى أنواع العلاقات البشرية بين المراهقين، في عالم مرجعي غربي، يعكس اختلالاً في سلم القيم، فيغدر الحبيب بحبيبته، وتقتل الأخت أخاها، وتخون الزوجة زوجها، ويتنكر فيه الابن لأبيه البيولوجي، ويفشي الصديق أسرار صديقه، من جهة، ويعكس التضامن بين الأصدقاء من أفراد الطاقم وتضحية الواحد منهم في سبيل الآخر.

من خلال هذه التعالقات الروائية، تطرح ماكمنوس في روايتها أهمية العمل الفريقي في تحقيق النجاح، وعبثية الانتقام من الأبرياء، وخطورة الإفلات من العقاب، وعواقب الإفراط في تدليل الأبناء، وخطورة تفكك الأسرة، وسواها من الأعطاب التي تعتور المجتمع الغربي، بنسخته الأميركية. وهي تفعل ذلك في إطار بوليسي، يشحذ القابلية على القراءة، وتؤثثه بمحتوى من التفاصيل الكثيرة التي تتحكم بها، وتدرجها حيث ينبغي أن تكون. وبذلك، تبدي ماكمنوس، كالعادة، مهارة واضحة في حشد التفاصيل والتصرّف بها، وفي الإمساك بالخيوط السردية، على كثرتها، وإدراجها في جدلية الاتصال والانفصال، ما يتمخّض عنه رواية سلسة، مشوّقة، تمتع قراءتها وتفيد.       

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة