Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"صحة" نهر "السين" معتلة بالصرف الصحي والجرذان

منذ عام 1923 حظرت السباحة نهائياً في النهر نظراً لارتفاع مستويات تلوثه

شكل نهر السين الشريان الرئيس للعاصمة الفرنسية، حالة ثقافية وجمالية استقطبت عبر قرون، الفنانين والأدباء والسينمائيين (أ ف ب)

كثيراً ما شكل نهر السين الشريان الرئيس للعاصمة الفرنسية، الممتد من شمال البلاد وصولاً إلى القناة الإنجليزية حالة ثقافية وجمالية استقطبت عبر قرون، الفنانين والأدباء والسينمائيين الذين راحوا يتماهون في نتاجاتهم الإبداعية مع سحره الخاص.

لكن منذ عام تقريباً، ومع اقتراب التحضير لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي تستضيفها باريس حالياً لغاية الـ11 من أغسطس (آب) القادم، استقطب "السين" الأنظار من وجهة نظر مختلفة، اهتمت أكثر بتفحص الحالة الصحية لمياهه التي من المفترض أن يغطس فيها السباحون المتنافسون خلال الأولمبياد، وذلك بعد نحو 100 عام من حظر السباحة فيه.

من أكثر أنهار أوروبا تلوثاً

في القرن الـ19 بدأت المخاوف من جودة مياه السين الذي يمتد على طول 776 كيلومتراً، ومما قد تسببه من أمراض للإنسان. ومنذ عام 1923، حظرت السباحة نهائياً في النهر، نظراً لارتفاع مستويات تلوثه. إلا أن الباريسيين ظلوا يسبحون ويستحمون فيه حتى الستينيات.

وفي السبعينيات أعلن متخصصون أن مستويات التلوث باتت مرتفعة جداً، وأن النهر صار ميتاً بيئياً، لا أسماك فيه تقريباً، مما جعل السباحة فيه مستحيلة كونها تشكل خطراً صحياً كبيراً.

وتعد مشكلة الصرف الصحي السبب الرئيس في تلوث أكثر أنهار العالم رومانسية، فحتى عقود قليلة، كان يحول نحو نصف مياه الصرف الصحي في المدينة إلى النهر، والكارثة الكبرى أن التصريف كان يجري دائماً من دون معالجة.

أدت هذه العملية المتكررة طوال عقود إلى انتشار مجموعة متنوعة وخطرة من البكتيريا في مياه النهر، أبرزها البكتيريا الإشريكية القولونية والمكورات المعوية، وهي عوامل مسببة لأمراض عدة مثل تسمم الدم والتهاب الرئة والتهاب المعدة والأمعاء والتهابات المسالك البولية.

كذلك للقوارض التي تتخذ من ضفاف النهر مستوطنات لها، دور في سوء الحالة الصحية لمياهه متسببة بخطر انتشار "داء البريميات" الذي ينتقل عبر الملامسة المباشرة لبول الفئران أو الجرذان، مما يؤدي إلى أعراض عدة تفتك بالقلب والكلى والكبد.

فضلاً عن أن جودة مياه الأنهار بالمدن الكبرى، معرضة جداً لأن تتأثر بعديد من الأمور، مثل تلوث الهواء والمخلفات الكيماوية وما يمكن أن يخلفه مرور الزوارق بصورة غير قانونية من أضرار.

وفي الفترة ما بين نهاية سبتمبر (أيلول) 2023 ونهاية مارس (آذار) 2024، أجري 14 تحليلاً لمياه السين تحت جسري ألكسندر الثالث وألما (حيث ستقام منافسات الترياتلون والسباحة في المياه المفتوحة)، وقد عُثر أكثر من مرة على تركيزات مرتفعة لنوعين خطرين من البكتيريا التي تدل على تلوث المياه بـ"البراز" البشري.

من جهة أخرى أكدت حملة اختبار أجرتها شبكة العمل الأوروبية لمكافحة المبيدات الحشرية، العام الماضي في أهم المجاري المائية في 10 دول من الاتحاد الأوروبي، أن نهر السين يأتي في المركز الثاني من بين 23 ممراً مائياً جرى اختبارها.

وقد حددت الشبكة أن النهر ملوث تلوثاً "ضخماً" بحمض ثلاثي فلورو أسيتيك الذي يعتقد أنه قد يتسبب بتغيرات هرمونية ممكن أن تؤدي إلى خطر الإصابة بالسرطان، وهو مشتق مما يسمى "الملوثات الأبدية" أو مواد (البيرفلوروألكيل)، ويعد ملوثاً كيميائياً دائماً يوجد في المبيدات الحشرية.

 

جهود التنظيف

خلال العقود الماضية التفتت الحكومة إلى ضرورة إعادة "السين" إلى الحياة، وفي الثمانينيات بدأت جهود جادة من أجل تحقيق هدفها، لكن هذه الجهود أخذت تتبلور أكثر منذ عام 2015، حين خصصت مدينة باريس ومجتمعات "إيل دو فرانس" أكثر من 1.4 مليار يورو لعمليات التنظيف، في سعيها لتمكين إقامة فعاليات أولمبية في المياه المفتوحة في النهر.

ومن أجل منع تصريف المياه العادمة في النهر، ظهرت مبادرات عديدة، من بينها إنشاء أحواض لتخزين مياه الأمطار ومنعها من أن تصب فيه، مثل ذلك الحوض الذي أنشئ بسعة تخزينية تصل إلى 50 ألف متر مكعب تحت جسر أوسترليتز، إذ إن الهطول الغزير لمياه الأمطار من شأنه أن يرفع معدلات البكتيريا في النهر.

هذه الجهود، أخذت تتسارع وتيرتها منذ عام تقريباً، في وقت أصبحت مراقبة مياه السين، ومتابعة جودتها وصحتها التحدي الأكبر لمنظمي "أولمبياد باريس 2024" والشغل الشاغل لوسائل الإعلام التي راحت تتساءل حول إمكانية إقامة المنافسات في مياهه.

إلا أنه وقبل أقل من شهر على انطلاق أولمبياد باريس، وجدت مستويات غير آمنة من بكتيريا "إي كولاي" في نهر السين، ولعل استمرار هطول الأمطار أدى إلى تفاقم المشكلة، كونها تخترق نظام الصرف الصحي، وتتسبب بالتالي، بتدفق بكتيريا البراز إلى النهر.

وعلى رغم أن السلطات الفرنسية، أعلنت منذ منتصف يوليو (تموز) الجاري، أن نهر السين نظيف بدرجة كافية للسباحة، ظلت الشكوك قائمة، وألغيت أكثر من حصة تدريبية في السباحة، وجرى تعديل في برنامج بعض المنافسات خلال الأيام الأولى من انطلاق الألعاب الأولمبية الصيفية.

كما كانت سلطات باريس، قد أعلنت عن افتتاح ثلاثة مواقع للسباحة أمام الجمهور بحلول يونيو من العام المقبل.

إعادة تدشين السين

قال منظمو أولمبياد باريس 2024، اليوم الأربعاء، إن المسؤولين اتخذوا قرار إمكانية إقامة منافسات السباحة في السين، بناء على تحليل عينات من النهر جمعها الخبراء في الساعة الخامسة فجراً من اليوم السابق وبعد مناقشات مع خبراء الطقس.

وبالفعل، قفزت 55 رياضية تمثل 34 دولة في نهر السين اليوم ضمن منافسات الثلاثي للسيدات بأولمبياد باريس 2024 بعدما أظهرت أحدث الاختبارات تراجع مستوى تلوث النهر.

وتنطلق منافسات الثلاثي وتنتهي عند جسر ألكسندر الثالث ويجوب خلالها الرياضيون جزءاً من شارع الشانزليزيه والمعالم الأثرية بما في ذلك متحف أورسيه

المزيد من منوعات