ملخص
جاءت عملية اغتيال هنية ضمن إطار سلسلة تاريخية من اغتيالات القادة السياسيين والعسكريين والمفكرين الفلسطينيين، واستهدفت الاغتيالات زعماء من حركة "فتح" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وحركتي "حماس" و"الجهاد".
لم يكن رد فعل السلطة الفلسطينية على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية خارجاً عن مألوف العلاقة بينهما، على رغم خصومتهما السياسية التي لم تهدئها الحرب المتواصلة منذ نحو 10 أشهر في قطاع غزة. فالرئيس الفلسطيني محمود عباس دان بعد ساعة على إعلان مقتل هنية في طهران اغتيال "القائد الوطني الكبير هنية"، واعتبره "عملاً جباناً وتطوراً خطراً"، ودعا عباس الشعب الفلسطيني وقواه إلى "الوحدة والصبر والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي"، ثم أعلن الحداد وتنكيس الأعلام ليوم واحد حداداً على اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسماعيل هنية.
وهاتف الرئيس الفلسطيني رئيس حركة "حماس" في الخارج خالد مشعل معزياً باغتيال "رئيس المكتب السياسي للحركة، رئيس الوزراء السابق القائد الوطني إسماعيل هنية".
العلاقة الإنسانية
وأعلنت حركة "فتح" أنها سترسل وفداً للمشاركة في تشييع جثمان هنية في العاصمة القطرية الدوحة بعد غد الجمعة، في خطوة تعكس حرص الحركة على العلاقة الإنسانية مع خصمها السياسي.
وعم الإضراب الشامل اليوم مدن وبلدات الضفة الغربية كافة، حيث أغلقت المحال التجارية والمؤسسات الرسمية والأهلية والجامعات أبوابها وتوقفت حركة المواصلات العامة.
وجاءت عملية اغتيال هنية ضمن سلسلة تاريخية من اغتيالات القادة السياسيين والعسكريين والمفكرين الفلسطينيين، واستهدفت الاغتيالات زعماء من حركة "فتح" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وحركتي "حماس" و"الجهاد".
الثمن
وقال مستشار الرئيس الفلسطيني محمود الهباش إن إسرائيل "يجب أن تدفع ثمن فعلتها وعلى المجتمع الدولي معاقبتها عليها".
وعلى رغم الخلاف السياسي بين "حماس" و"فتح" فإن الهباش أوضح أن هنية "يبقى فلسطينياً، قد نختلف معه لكنه قائد فصيل جزء من الشعب الفلسطيني، وكان رئيساً لمجلس الوزراء الفلسطيني"، وأشار الهباش إلى أن اغتيال هنية "يوفر حافزاً إضافياً يدفع الفلسطينيين إلى طي صفحة الانقسام المتواصلة بين ’فتح‘ و’حماس‘ منذ عام 2007".
واعتبر مدير مركز "ثبات" للدراسات الاستراتيجية جهاد حرب أن رد فعل السلطة الفلسطينية و"منظمة التحرير" "ينسجم مع القيم والتقاليد والأعراف الفلسطينية، فعند الموت تتوقف الخصومة ويتم تجاوز الخلافات السياسية"، واستبعد حرب أن يؤدي اغتيال هنية إلى "تأثيرات جدية إيجابية في إنهاء الانقسام بين حركتي ’فتح‘ و’حماس‘، فالانقسام بينهما أكبر بكثير من إعلان الحداد وتقديم التعازي".
صورة الردع
وعد أستاذ الدراسات الإقليمية في جامعة "القدس" عبدالمجيد سويلم اغتيال هنية "يشكل محاولة إسرائيلية للبحث عن صورة الردع التي فقدتها، وليس الردع نفسه الذي فشلت في تحقيقه منذ نحو 10 أشهر خلال الحرب على غزة"، وأشار سويلم إلى "وجود دعم أميركي لعملية اغتيال هنية، وذلك بعد إقناع تل أبيب واشنطن بضرورة اغتيال أسماء كبيرة في حركة "حماس" قبل إنهاء الحرب، وتوقع أن يكون هناك "رد قوي من ’حماس‘ وإيران على الاغتيال"، مضيفاً "نحن ذاهبون إلى حرب مفتوحة ولا نعرف هل ستكون شاملة أم لا"، وأوضح سويلم أن تداعيات الاغتيال ستكون "خطرة جداً في الضفة الغربية وستكون هناك حالة نوعية جذرية عما شهدناه حتى الآن"، ووفق سويلم فإن السلطة الفلسطينية "لا تملك أي شيء، سوى الشجب والإدانة وإعلان الحداد، وليست لديها رغبة في أن يكون لها حول وقوة"، وتابع أن "إسرائيل جردت السلطة الفلسطينية من مكامن قوتها، وأصبحت عاملاً غير مؤثراً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العمل الميداني
ومع أن المتخصص في مجال العلوم السياسية في جامعة "الخليل" بلال الشوبكي أشار إلى أن اغتيال قائد حركة "حماس" "سيحفز كثيراً من الجهات على الأرض لتصعيد العمل الميداني"، إلا أنه أوضح أن اغتيال هنية ليس "سوى حلقة صغيرة في مجريات حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة". واستبعد الشوبكي تطورات كبيرة في الضفة الغربية "فليس هناك جديد عما يحصل منذ 10 أشهر سوى النمو التدريجي للخلايا المسلحة وبخاصة في شمال الضفة الغربية"، ووفق الشوبكي "لن تحدث تغييرات جوهرية في طبيعة الأوضاع في الضفة الغربية، بسبب أن القدرات التنظيمية للفصائل الفلسطينية فيها محدودة للغاية، فلو كانت هناك قوة لكانت ظهرت في الأيام الأولى للحرب"، وعن العلاقة بين "حماس" و"فتح" شدد الشوبكي على أن تقديم التعازي وإعلان الحداد "سلوك إيجابي متوقع من السلطة الفلسطينية كدلالة على احترام الفلسطيني للفلسطيني"، لكن الشوبكي استبعد أن يبنى على ذلك لإقامة استراتيجية جديدة في العلاقة بين الجانبين "فصراعهما لا علاقة لهنية به".
وعد الشوبكي اغتيال شخصية سياسية تتحرك في المطارات "ليس عظيماً من الناحية الاستخباراتية، فهنية ليس شخصية عسكرية تتخفى"، إلا أن الشوبكي أشار إلى أن اغتياله يحمل دلالات سياسية "تمكن الحكومة الإسرائيلية من تسويق صورة نصر بين الإسرائيليين، وتشفي غليل اليمين الإسرائيلي المتطرف"، وأضاف أن تل أبيب "غير معنية بالتوصل إلى اتفاق للتهدئة في قطاع غزة، بل تهدف إلى تصعيد الأوضاع حتى على المستوى الإقليمي، وجر واشنطن إلى التدخل من جديد"، ووفق الشوبكي فإن إسرائيل "تريد تقديم شيء للإسرائيليين في ظل عدم القدرة على تقديم نصر في قطاع غزة، ومحاولة ترميم صورة الردع على المستوى الإقليمي، وإظهار أن لها اليد العليا في المنطقة".
رسالة
واعتبر الباحث في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد أن إسرائيل باغتيال هنية "تبعث برسالة بأنها لا تريد إيقاف الحرب في الفترة المقبلة"، وبحسب أبو عواد فإن تل أبيب تريد "استعادة جزء من قوة الردع التي تعترف بأنها تضررت منذ هجوم السابع من أكتوبر وإيصال رسائل بأن يد الموساد قادرة على الوصول إلى أي مكان"، وأضاف أن إسرائيل تستهدف من وراء الاغتيال "تعقيد المشهد وإعطاء انطباع لإيران وحلفائها بأنها لا تخشى توسيع دائرة الحرب"، كما أن توقيت الاغتيال ومكانه يوحيان بأن إسرائيل "تحظى بضوء أخضر أميركي لتفعل ما تشاء من خلال الشراكة مع واشنطن"، وأوضح أن الاغتيال يشير إلى ثقة "إسرائيلية بأن طهران لا تستطيع التحرك عسكرياً في المرحلة الحالية لأسباب مختلفة"، واستعبد في الوقت عينه تصعيد الأوضاع في الضفة الغربية على رغم التضامن الكبير من القيادة الفلسطينية مع حركة "حماس"، "فالحرب الدامية على غزة لم تؤد إلى اندلاع مواجهات كبيرة في الضفة".
وعد الباحث في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور أن اغتيال هنية في طهران "يمثل قراراً استراتيجياً إسرائيلياً - أميركياً بهدف إنهاء حال الاستفزاز في شمال إسرائيل وجنوب لبنان لمصلحة تل أبيب". ووفق منصور فإن الاغتيال يعد أيضاً ضربة "لـ’حماس‘ وصفعة لطهران وإفهامها بأن تل أبيب لا تخشاها، وتضع الجانبين أمام خيارين إما تصعيد الحرب أو إنهائها"، ولم يستعبد منصور "زيادة الاحتقان في الضفة الغربية، فحركة ’حماس‘ وإيران معنيتان بإشعال جبهة الضفة ودفع الأوضاع فيها إلى المواجهة المسلحة".