Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ختان أفريقيات مقيمات بألمانيا حماية أم تشويه تناسلي؟

أرقام أممية تشير إلى تعرض 200 مليون امرأة وفتاة في جميع أنحاء العالم لهذه العادة

تتبخر فرحة الفتيات الأفريقيات المقيمات في ألمانيا برحلة السفر إلى مجتمعاتهن الأصلية بسبب الختان (مواقع التواصل)

ملخص

هناك ما بين 1500 و5700 فتاة تعيش في ألمانيا معرضات بشدة لخطر الختان من الدول الخمس الرئيسة التي ينتشر فيها ختان النساء والفتيات، وهي إريتريا والعراق والصومال ومصر وإثيوبيا.

مثلما جرت العادة ينتظر أبناء المهاجرين الأفارقة في ألمانيا عطلة الصيف لزيارة بلدانهم الأصلية في القارة السمراء للاستمتاع بلقاء الأحبة وتخزين ذكريات جميلة عن بلدان آبائهم وأمهاتهم، فإن هذه العطلة تتحول إلى مرحلة لا تنسى لعديد من الفتيات، إذ يعاد تشكيل أجسادهن الأنثوية من خلال الختان الذي يعد غير قانوني في البلد الأوروبي ويعرضهن لشعور بعدم الانتماء لمجتمعاتهن الأوروبية، لكن في ثقافة عائلاتهن الأصلية "يمثل ذلك مرحلة للعبور إلى حياة تتوافق مع قيم وأعراف بلدانهم الأم".

بالنسبة إلى مريام الشابة الصومالية المقيمة في فرانكفورت فإن الختان هو من أبشع ما يمكن أن تتعرض له الفتيات الصغيرات، إذ إنها لا تزال تتذكر تلك اللحظات بحسرة، "كنت أشعر بألم شديد لدرجة أنني لم أتمكن من الجلوس لمدة 10 أيام".

تحاول مريام تجاوز تلك اللحظات المؤلمة التي عاشت وهي في عمر ثماني سنوات، لكنها لا تستطيع، وتقول في هذا الصدد، "لا أستطيع أن أنسى ذلك، إنها ذكرى لن تختفي، وشعورك بأنك مختلفة عن أقرانك في المدرسة". تضيف مريام بنبرة حزينة "أمهاتنا هن من يجبرننا على الختان، كنت أتوسل لوالدتي، لكنها كانت قاسية ولم تهتم لصراخي، وعدت أن ذلك من مصلحتي".

ترفض الشابة البالغة من العمر 22 سنة أن تقوم بختان بناتها الصغيرات مستقبلاً، وتقول في هذا الصدد، "لن أسمح بتشويه أعضائهن، عليهن أن يشعرن أنهن مثل زميلاتهن وصديقاًتهن في ألمانيا". وتضيف مريام "كانت والدتي مصرة على ختاني، وتعد أنه إجراء ضروري لإزالة الخطايا غير المرغوب فيها".

في الصومال، 98 في المئة من الفتيات والنساء تراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة يتعرضن لبثر أعضائهن التناسلية، بحسب تقارير إعلامية.


"الختان كشكل من الهوية الثقافية"

من جهته اعتبر المحلل النفسي رشيد المناصفي "أن ظاهرة ختان الفتيات تعد من القضايا المثيرة للجدل في بعض الثقافات، وتعكس مجموعة من المعتقدات"، موضحاً أن "ممارسة تلك الظاهرة خلال عطلة الصيف يمكن تفسيرها على أنها رغبة في الاحتفاظ بالتقاليد، إذ إن بعض الأسر تحافظ عليها كشكل من الهوية ويرغب الآباء والأمهات في ممارسة هذا الطقس الذي يعد ضرورياً بالنسبة لهم للحفاظ على التقاليد الموروثة، كما أن هناك ضغوطاً اجتماعية داخلة المجتمعات المهاجرة تمارس على العائلة، أو المجتمع الذي تعيش فيه الأسرة، وهنا يصبح الختان شرطاً أساساً لتقبل الفتاة في مجتمعها". ويضيف "ولأن الختان غير قانوني في بلد الإقامة يمارس من طرف العائلات في عطلة الصيف، وهذه الظاهرة تحتاج إلى فهم عميق لأنها متعددة التفسيرات وتحتاج لفهم للخلفيات الثقافية والاجتماعية التي تشكل سياق هذه القرارات".

بين الأعراف وقوانين ألمانيا

ويمضي المحلل النفسي المتخصص في قضايا الهجرة في أوروبا قائلاً "تواجه ظاهرة الختان تحديات كبيرة في المجتمعات متعددة الثقافات، إذ تتداخل حقوق الطفل مع حرية الدين والتزامات القانونية والأخلاقية".

وعن تأثير الختان في صحة الفتيات اللاتي يعشن في بلد أوروبي، يجيب المناصفي "ختان الفتيات يمكن أن يكون له تداعيات كبيرة على الصحة النفسية لهن، لكن الأسر تتبع قوانين القبيلة أو الأعراف وتقاليد البلد الأم، ومن بين هذه التداعيات الصدمة النفسية لأنه يتضمن إجراءات مؤلمة للفتاة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات ما بعد الصدمة، ويمكن أن تشعر الفتيات بالعزلة عن المجتمع في أوروبا، خصوصاً إذا علمن أن هذه الممارسة غير مقبولة في بلد إقامتهن، وقد يشعرن أنهن مختلفات عن أقرانهن وأنهن لا ينتمين للمجتمع بصورة كاملة".

وبحسب المتحدث ذاته، "العيش بين ثقافتين مختلفتين يمكن أن يسبب للفتيات صراعاً داخلياً، ويشعرن أنهن تائهات بين ثقافة وتقاليد عائلاتهن ومعايير وقيم المجتمع الأوروبي، وقد يعانين من الخوف والقلق من أن يتم اكتشاف أنهن تعرضن للختان، واحتمال تعرضهن للعقاب والتمييز بسبب هذه الممارسة، وشعورهن بالعار والخجل بسبب ختانهن يمكن أن يؤثر سلباً في تقديرهن لذواتهن، ويشعرن أنهن أقل من أقرانهن، وتجربتهن قد تؤثر في قدرتهن على إقامة علاقة صحية مع الآخرين، بما في ذلك علاقات الحب والارتباط وخوفهن من التمييز".

ختان الفتيات غير مرتبط بالأديان

"الختان يؤثر سلباً في الحياة الجنسية للفتيات، وهو تجسيد للقيم الذكورية المنتشرة لدى الشعوب الأفريقية"، هذا ما تراه إلين غروينباوم عالمة الأنثروبولوجيا الأميركية، مشيرة إلى أن مجرد تعميمات عن الختان وفهم مغلوط لظاهرة قديمة جداً وغير مرتبطة بالأديان أو الفكر الذكوري. وبحسب غروينباوم فإن الختان لا علاقة له بالأديان، مضيفة "في السودان، لم أكن أعلم أن غير المسلمات وأتباع بعض الديانات الأفريقية التقليدية يمارسون بتر الأعضاء التناسلية، وهناك جهود علمية قليلة لشرح أسباب هذه الممارسات، أخبرتني شابة سودانية من أسرة مسيحية قبطية أن شقيقاتها الأكبر سناً قد خُتنَّ، وأن هذا أمر شائع بين المسيحيين الأقباط".

 

 

هل تدمر حياة النساء الجنسية بسبب الختان؟

أمضت عالمة الأنثروبولوجيا الأميركية سنوات في السودان ودرست رمزية الختان هناك، وتقول في هذا الصدد، "غالباً ما يعتقد أن ختان الإناث يمارس كوسيلة للسيطرة على جسد المرأة، لكن الحياة الجنسية الأنثوية "لا تدمر ولا تتأثر بختان الإناث"، وأن تلك الظاهرة "لا تؤثر تماماً في الرغبة الجنسية لدى جميع النساء". وتوضح "أن قضايا الهوية الجنسية واضحة في عديد من الثقافات، وكثير ما يعطى أهمية لإزالة بعض الأجزاء من الأعضاء التناسلية، وبالنسبة إلى الصوماليين يجعل هذا المرأة أكثر أنثوية". وتضيف "يعتقد شعب الكيكويو في كينيا أن الختان ضروري لإزالة الغموض حول الجنس من خلال إزالة البظر، لكي تكون المرأة حقيقية، يجب أن تكون قد تغيرت جسدياً، وتمارس عملية الختان للتمييز بوضوح بين الجنسين".

"إزالة الذكورة من الإناث"

من خلال دراستها للسودان تدحض فكرة تأثير الختان على الحياة الجنسية للنساء، قائلة "في محادثة مع جارة سودانية في العام الذي عشت فيه في مدينة ود مدني، أخبرتني جارتي، التي أنجبت أخيراً، عن عادة ختانها (عادة الختان سترضي زوجها). سألتني عما إذا كنا هناك ختان في الولايات المتحدة، فأجبتها: "لا نحن نترك النساء (طبيعيات) دون ختان على الإطلاق"، فتوقفت متأملة قبل أن تجيب، "بالنسبة لنا" ينظر إلى البظر والشفرين "أجزاء ذكورية"، على أنها شيء يجب إزالته، حتى لا ينتج منه غموض في الجنس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضيف غروينباوم في هذا الصدد، "يعتقد بعض الناس في مصر أن البظر غير المختون سيطول في النهاية إلى أن يصبح قضيبَ ذكرٍ، يعتقد أن ملامسة مثل هذه الأجزاء الذكورية للطفل عند الولادة تسبب ضرراً له، وهي فكرة ليست فريدة من نوعها في مصر، وبالنسبة لشمال السودان، تعد الأجزاء الذكورية (البظر والشفرين) ليست ذكورية فحسب، بل قبيحة ويجب إزالتها، وأن ختان الإناث يزيل أية بقايا للذكورة".

"السودانيات يتمتعن بمشاعر عاطفية عميقة"

واكتشفت عالمة الأنثروبولوجيا أن "السودانيات يتمتعن بمشاعر عاطفية عميقة، وكثيراً منهن يقعن في حب أزواجهن ويتكيفن مع زيجاتهن وحياتهن بصفة عامة، بما في ذلك الجنس. وأكدت عديد من النساء على قدرتهن على الوصول إلى النشوة الجنسية، أي ما يقارب 90 في المئة من السودانيات اللاتي تمت مقابلتهن زعمن أنهن يصلن بانتظام إلى النشوة الجنسية أو وصلن إليها في وقت ما من حياتهن".

وتؤكد ضرورة عدم التعميم في تناول ظاهرة الختان، مشيرة إلى أنه "عندما نأخذ في الاعتبار البلدان والثقافات العديدة في المناطق الأفريقية المختلفة، حيث ينتشر الختان، فمن الواضح أن التعميم في شأن تأثيرات هذه العمليات على الأعضاء التناسلية للنساء أمر خاطئ، ومن غير المناسب أيضاً أن نستنتج أن هناك تأثيراً موحداً على الحياة الجنسية للمرأة".

"استئصال البظر لا يقلل من الرغبة الجنسية"

تقول إلين غروينباوم عالمة الأنثروبولوجيا الأميركية أيضاً إن "حديث الكاتبة المصرية نوال السعداوي عن تجربة طفولتها المؤلمة مع الختان دفع عديداً من القراء في الولايات المتحدة إلى استنتاج مفاده أن الحياة الجنسية للمرأة تتضرر بسبب الختان. وفي دراسة أجريت على شعب الإيبو في نيجيريا أكدت أن استئصال البظر لا يقلل من الرغبة الجنسية لدى المرأة، على عكس الاعتقاد السائد بأن الاستئصال من شأنه أن يؤثر في الرغبة الجنسية".

وتعد الدراسة التي أجرتها العالمة إلين غروينباوم "جدل ختان الإناث: وجهة نظر أنثروبولوجية" من الدراسات القليلة التي صبت اهتمامها على الشعوب الأصلية لفهم رمزية الختان، وانتقدت التعميم وربط الختان بالأديان والذكورية.

حملات في ألمانيا ضد الختان

تطلق منظمات حقوق المرأة والطفل وحقوق الإنسان، مثل منظمتي Terres des Femmes" و"يونيسيف" في ألمانيا حملات ضد تشويه الأعضاء التناسلية منذ عقود.

بحسب منظمة الصحة العالمية فإنه نحو 200 مليون امرأة وفتاة في جميع أنحاء العالم تعرضن للختان، على رغم أن ختان الفتيات مجرم قانونياً في عديد من البلدان. كما أن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية أمر غير قانوني ويعاقب عليه القانون في ألمانيا، ومنذ عام 2015، ينطبق هذا أيضاً على ختان الفتيات في الخارج.

 

 

ليس لدى منظمة "Terre des Femmes" أرقام دقيقة، لكن إحصاءات سابقة للمنظمة كشفت عن أن 65 ألف امرأة مهاجرة في ألمانيا جرى ختانها، و15 ألف فتاة يمكن أن يتعرضن لخطر تشويه الأعضاء التناسلية على رغم أنهن يعشن في ألمانيا. والختان هنا يعني استئصال البظر والشفرين لدى الفتيات جزئياً أو كلياً، وفي بعض الأحيان يتم إغلاق فتحة المهبل بعد ذلك.

ووفقاً لدراسة قدمتها الوزارة الاتحادية لشؤون الأسرة في ألمانيا عام 2017، هناك ما يقدر بـ50 ألف امرأة تعرضن للتشويه التناسلي ويعشن في ألمانيا، كما أن هناك ما بين 1500 و5700 فتاة تعيش في ألمانيا معرضات بشدة لخطر الختان من الدول الخمس الرئيسة التي ينتشر فيها ختان النساء والفتيات في ألمانيا وهي إريتريا والعراق والصومال ومصر وإثيوبيا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات