ملخص
يستكشف الناقد الأدبي روبرت ماكرام ما يجعل القراءة الصيفية رائعة ويقترح أن يكون كتاب العطلة المثالي جذاباً ومسلياً، ومن الأفضل اكتشافه بالصدفة
إن كان من الممكن أن تتملكنا القراءة في بعض الأحيان مثل مخدر النشوة، فإن القراءة الصيفية يجب أن تعدنا برحلة العمر. لكن يبقى "كتاب الإجازة المثالي" لغزاً كبيراً، إذ نادراً ما يتحقق هذا الحلم. ربما، كما هو الحال عند الوقوع في الحب فإن اختيار الكتاب الذي ستقرأه خلال العطلة هو نوع من الإثارة من الأفضل تركه للصدفة.
ذات مرة في القرن الماضي خلال عصر الحبر والورق وبمحض الصدفة كنت محظوظاً بما يكفي لتجربة أفضل كتاب على الإطلاق للقراءة خلال العطلة الصيفية. اكتشفت لاحقاً أن الكاتب صامويل جونسون وصف الرواية بأنها "أول كتاب في العالم لما يعرضه من معرفة بالقلب البشري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قرأت كتاب "كلاريسا، أو تاريخ سيدة شابة" Clarissa, or The History of a Young Lady للكاتب صامويل ريتشاردسون أول مرة كجزء من طبعة متعددة المجلدات، أثناء إجازة صيفية في فرنسا. في المنزل الذي كنت أقيم فيه، بعد أن استهلكت الكتب التي أحضرتها للرحلة تقطعت بي السبل للحصول على كتاب للقراءة أثناء العطلة. ومع عدم توافر أي شيء آخر باللغة الإنجليزية التقطت كتاب كلاريسا، أو بالأحرى قمت بحذر شديد بفتح المجلد الأول من المجلدات الثمانية للتفكير في العنوان الفرعي "فهم أهم مخاوف الحياة الخاصة، وبالتحديد المحن التي قد تصاحب سوء سلوك الوالدين والأبناء في ما يتعلق بالزواج".
في البداية، كنت أجهل أهمية وتأثير "كلاريسا" بقدر ما كنت أجهل سمعتها المخيفة كأطول رواية في اللغة الإنجليزية (نحو 970 ألف كلمة). ولكن في غضون ساعات كنت في قبضة مخدر شرس ومسكر، الدراما المتهورة التي رويت في سلسلة من الرسائل لكلاريسا هارلو وانجذابها القاتل إلى الفاسق الطائش روبرت لوفليس.
سرعان ما ضاعت بقية إجازتي في ضبابية غامضة وركض مهووس ومضطرب نحو الذروة المحطمة التي تستسلم فيها هذه السيدة الشابة للجنون الموقت، بل وما هو أسوأ من ذلك. لم ترق أية قراءة صيفية لاحقة لمستوى إثارة هذه التجربة على الإطلاق (ربما تكون هذه هي المتعة التي لا يمكن أن تتكرر مع الكتب التي تكتشف خلال عمر تقضيه بالقراءة).
قد تعترض وتقول إن "كلاريسا" ليست نموذجاً لكتاب العطلات المثالي، كتبها طويلة جداً وتقليدية جداً جداً للغاية بكل معنى الكلمة. ومع ذلك... وبطريقة غريبة فإن تحفة ريتشاردسون تفي بجميع المعايير وتلبي كل التوقعات لقراءة صيفية رائعة.
لا شك أنه كان اكتشافاً محظوظاً يناسب مزاجي في ذلك الوقت لكنني أيضاً أفهم أن الكتب الكلاسيكية ليست مناسبة للجميع، إذ تتشارك في الصفات التي لا تتناسب دوماً بصورة جيدة مع روتين أو إيقاعات العطلة. قد تترك رواية مارسيل بروست "البحث عن الزمن المفقود" A La Recherche Du Temps Perdu مستاء ومحبطاً. وبعبارة أخرى، مقابل كل تحفة فنية أوروبية احزم كتاباً لأغاثا كريستي.
ولكن حتى لو لم تكن الكتب المناسبة للقراءة الصيفية كلاسيكية فيجب أن تكون تجربة ساحرة. ويجب أن تحتكر جزءاً كبيراً من عطلتك بصورة لا تنسى وأن تلهم كثيراً من النقاشات، وقبل كل شيء يجب أن تكون ترفيهية، تشع كمنارة مشرقة من التألق بعد فترة طويلة من عودتك إلى عالم العمل.
بالطبع، ما لم تكن تخطط للذهاب إلى عطلتك على متن حافلة فإن رواية مكونة من ثمانية مجلدات تعد رفيقاً غير عملي خلال السفر على متن طائرة. علاوة على ذلك وعلى رغم صدى حملة "أنا_أيضاً" MeToo [حركة عالمية لمناهضة التحرش والتعدي الجنسي ضد النساء] في الرواية، تنتمي كلاريسا إلى فئة لم تعد رائجة. ويريد القارئ خلال القرن الـ21 شيئاً أخف وطأة وأكثر معاصرة وآنياً. الذوق في القراءة هو شيء غريب ولا يوجد له أي معيار. فكيف يمكننا إذاً التوصل إلى إجماع على القراءة المثالية للصيف؟
"لماذا لا تسافر خالي الوفاض؟ انطلق بخفة وحرية. اشتر كتاباً في المطار. إذا لم يعجبك اتركه على متن الطائرة"
تحذير، لا تقلل أبداً من دور الغرور في الكتب التي نختار عرضها. كقراء، نحن معتادون على التباهي. هل تتذكرون لعبة "الإذلال" التي وصفها ديفيد لودج للمرة الأولى في روايته "تغيير الأماكن" Changing Places في السبعينيات؟ يسجل اللاعبون نقاطاً من خلال الاعتراف بالكتب الشهيرة التي لم يقرؤوها أبداً. وتصل حبكة فرعية مسلية للذروة الكوميدية عندما يعترف هوارد رينغباوم الذي يسعى بشدة إلى الفوز بأنه لم يقرأ "هاملت" أبداً، بالتالي يدمر آفاقه الأكاديمية.
وتتمثل رؤية لودج الخالدة في عالم القراءة في أن كل من يخطو إلى عالم الكتب والرسائل من أجل تحسين الذات يخاطر بالإذلال. ما هو تعريف الكتب الكلاسيكية على أية حال؟ هناك عدد من التعريفات لكن تعريف إيتالو كالفينو هو أفضلها "الكتاب الكلاسيكي هو الكتاب الذي لم يكمل أبداً ما يريد قوله". ربما يكون الدليل المعقول الوحيد هو سلسلة من الإشارات نحو العقل المتحرر.
إذا كنت في حيرة من أمرك، فإليك نصحيتي، جرب شيئاً أكثر غرابة.
إليك أفضل 10 كتب للعطلة بحسب رأيي، وأفضل أنواع الكتب التي قد ترغب في الحصول عليها (ربما على جهاز كيندل) هذا الصيف:
1. للاسترخاء، كتاب تشويق رائع أو لغز كلاسيكي، كتابا "برايتون روك" Brighton Rock أو "الأميركي الهادئ" The Quiet American للكاتب غراهام غرين، و"السبات العميق" The Big Sleep للكاتب رايموند تشاندلر وكتابا "غرباء على قطار" Strangers on a Train أو "السيد ريبلي الموهوب" The Talented Mr Ripley للكاتبة باتريشيا هايسميث، أو كتابا "السمكري، الخياط، الجندي، الجاسوس" Tinker Tailor Soldier Spy و"الجاسوس المثالي" Tinker Tailor Soldier Spy للكاتب جون لو كاريه.
2. كتاب واقعي رائج، أعمال مناسبة وعملية مثل كتاب "العاقل، تاريخ مختصر للجنس البشري" Sapiens للكاتب يوفال نوح هراري.
3. الشعر، لغروب الشمس والشفق، مثلاً الشعراء بول مولدون وشارون أولدز أو هانا سوليفان.
4. كتاب إباحي، الخيال المثير مناسب جداً للعطلات. ويعد كتاب "على الأطراف الأربعة" من تأليف ميراندا جولاي من أكثر الكتب شعبية لهذا العام.
5. السيرة الذاتية، أوصي بكتابين هما سيرة حياة إيان فليمنغ الرائعة للكاتب نيكولاس شكسبير، و"وايفدوم" Wifedom للكاتبة آنا فوندر وهو دراسة رائعة عن كراهية جورج أورويل للنساء ودينه غير المعترف به لزوجته الأولى إيلين أوشوغنيسي.
6. رواية معاصرة، "ادخل أيها الشبح" Enter Ghost للكاتبة إيزابيلا حماد و"المحو" Erasure للكاتب بيرسيفال إيفرت أو ربما رواية الراحل بول أوستر العظيمة "موسيقى الصدفة" The Music of Chance.
7. رواية كلاسيكية، "على الطريق" On the Road من تأليف جاك كيروك أو "الحياة الخشنة" Roughing It للكاتب مارك توين.
8. شيء نادر وغريب، نصيحتي هي كتاب "هادريان السابع" Hadrian The Seventh بقلم فريدريك رولف.
9. كتاب سفر، أنصح بشيء من كتابة بول ثيروكس أو باتريك لي فيرمور.
10. كتاب إضافي، للحصول على الاسترخاء الكامل، أي شيء من تأليف جيلي كوبر وستيفن كينغ أو بي جي وودهاوس.
سأنهي من حيث بدأت، في عالم الاكتشافات السعيدة بمحض الصدفة. لماذا لا تسافر خالي الوفاض؟ انطلق بخفة وحرية. وعلى حد تعبير كريولانس [قائد أسطوري في مسرحية تحمل نفس الاسم من تأليف ويليام شكسبير] "هناك عالم [آخر] في مكان آخر". عش بذكائك. استدن واقترض وتوسل وربما حتى اسرق. لقد فعلت ذلك في صيف أحد الأعوام الماضية وكانت النتيجة جامحة، مع بعض الاكتشافات غير العادية. اشتر كتاباً في المطار. إذا لم يعجبك اتركه على متن الطائرة. هناك دائماً كتاب آخر على رف في مكان آخر. في هذا القرن الرقمي الغريب ما زلنا نعيش في عالم الطباعة.
باعتبارك رحالاً بين الكلمات، ستعيد تأكيد حقيقة أن القراءة هي تجربة سعيدة ومبهجة وفردية. تدور الأحداث في عالم لا توجد فيه رقابة ولا رجال شرطة ولا ضوابط حكومية، العقل المتحرر!
© The Independent