تستمر ذكرى الغزو العراقي للكويت كحدث بارز في التاريخ الخليجي، إذ إنه خلّف تضحيات وآثاراً لا تزال ملموسة وعلى رغم مرور الأعوام وسقوط نظام صدام حسين بواسطة الولايات المتحدة، إلا أن التحديات الأمنية والسياسية الناتجة من هذا الحدث ما زالت تؤثر في المنطقة، مما ألقى بظلاله على العلاقات الكويتية - العراقية، فيرى المراقبون أن التهديد الإيراني أصبح بارزاً في قضايا عدة بعد انحسار تهديد صدام، مما أدى إلى حال من التذبذب في العلاقات بين البلدين خلال الأعوام الأخيرة.
ذكرى حاضرة
على رغم مرور ثلاثة عقود ونصف على الغزو العراقي للكويت، إلا أن هذا الحدث لا يزال حاضراً بقوة في الوعي الكويتي والإقليمي، متزامناً مع التوترات الحالية التي تشهدها المنطقة، خصوصاً وسط التصعيد الإسرائيلي الأخير الذي تمثل في اغتيال القيادي في ميليشيا "حزب الله" فؤاد شكر ورئيس المكتب السياس لحركة "حماس" إسماعيل هنية.
وفي مفارقة لافتة، نفى الجيش الكويتي بحزم الادعاءات التي زعمت استخدام أراضيه وقواعده نقطة انطلاق لاستهداف الميليشيات العراقية التي رددت تلك المزاعم، في ما يعتقد بأنه ذريعة للتحرش بالأمن الكويتي الذي سارع إلى النفي، وتأكيده عدم السماح باختراق أجواء البلاد أو استعمال أراضيها لشن هجمات على الدول الشقيقة والصديقة.
وهكذا فإنه على رغم توقعات تحسن العلاقات بعد زوال نظام صدام، فإن الواقع السياسي أظهر أن الشكوك والمخاوف لا تزال تُلقي بثقلها على هذه الأطراف، فالكويت لا تزال تشعر بالقلق من الموقف العراقي تجاهها، في وقت تواصل إيران ممارسة ضغوطها على الجانب العراقي.
مزاعم عراقية في الذكرى
في أوائل أغسطس عام 1990، ادعى النظام العراقي آنذاك أن الكويت والإمارات العربية المتحدة كانتا "تحاربان رزق العراق" عبر خفض أسعار النفط وإغراق السوق وأن الكويت كانت تسرق النفط من الحقول الحدودية، وفقاً لتصريحات وزير النفط العراقي السابق عصام الجبلي في مقابلة تلفزيونية منشورة على مواقع التواصل، نفى خلالها ادعاءات بغداد تجاوز الكويت للحدود العراقية واستخراج البترول داخل الأراضي العراقية.
بعد دخول الجيش العراقي إلى الكويت بأيام، أعلن صدام حسين أنه سيسحب قواته بعد ما قال إنه "مساندة الثورة" المزعومة، إلا أن تلك الذرائع لم تقنع المجتمع الدولي الذي اعتبر أن الهدف الحقيقي هو السيطرة على ثروات الكويت النفطية وتحقيق الطموحات التوسعية للنظام البعثي، إذ أصدر حينها مجلس الأمن الدولي قراره رقم 660 الذي دان فيه بشدة هذا الغزو وطالب العراق بالانسحاب الفوري من الكويت.
ومما يثير تساؤل المراقبين حتى بعد سقوط النظام العراقي، أن الكويت لا تزال تواجه تداعيات تلك الحرب، فالتوترات الإيرانية والعراقية لا تزال تغازل القضايا والملفات الكويتية مثل خورعبدالله الذي يشكل أحد أبرز ملفات ترسيم الحدود بين البلدين، بحيث يقع هذا الخور شمال الخليج العربي بين الجزر الكويتية وشبه جزيرة الفاو العراقية، وكان محل نزاع بين البلدين حتى قبل استقلال الكويت عام 1961، نظراً إلى امتلاك العراق سواحل محدودة على الخليج، وفق ما يتردد.
تفشي عقيدة الغلو الأصولي
يؤكد الإعلامي الكويتي خالد الطراح في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن الكويت "انشغلت من دون مبرر في شؤون إقليمية معقدة، مما أدى إلى تفشي عقيدة الغلو الأصولي، في المقابل غاب مشروع إعادة ترميم العلاقات مع الجار العراق على المستويات الثقافية والإعلامية وعلى مستوى القوى المدنية".
وأضاف أن "شرارة العداء لا تزال موجودة في كثير من الأوساط العراقية، مما يشير إلى قصور في الدبلوماسية الكويتية منذ التحرير وحتى الآن، فلم تُعِد ترتيب الأوراق بما يتناسب مع المجتمع العراقي والنخب السياسية المستقلة والمتحررة من القيود الفارسية"، لكنه لفت إلى ضرورة النظر بعز وفخر إلى ذكرى الغزو، "فالشعب الكويتي قدم درساً تاريخياً إلى العالم بتلاحمه ضد المحتل ومع القيادة السياسية الشرعية".
ورأى الطراح أن الكويت كان من المفترض أن تخرج بعدد من الدروس الاجتماعية والسياسية التي تعزز أركان الدولة المدنية، "ولكن تراكمت الأخطاء وتآكل مفهوم الدولة المدنية وتفشى الفساد"، في إشارة إلى المرحلة التي سبقت العهد الحالي ودعوة أمير البلاد الشيخ مشعل الصباح إلى حل البرلمان وتعليق مواد في الدستور، مبرراً ذلك بأن واقع الدولة أصبح في حال من الفوضى لا يمكن السكوت عنها.
وأكد أن "غزو الكويت لا يزال رواية غير مكتملة ولم توثق بصورة شاملة، فهناك جوانب مهمة وأمور كثيرة لم يتم توثيق الرواية لها، مما سمح لكثير من المزاعم بالانتشار".
ملفات كويتية مطروحة
في ذكرى الغزو العراقي للكويت قبل 34 عاماً، يستذكر الكويتيون شخصيات أدت دوراً كبيراً في تحرير بلادهم وتعبئة الشعب والعالم لتلك الغاية، أمثال العاهل السعودي حينها الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز وأميرهم الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح والأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح (ولي العهد ورئيس الوزراء آنذاك) ممن اضطلوا بدور محوري في حشد الدعم الدبلوماسي العربي والدولي للشرعية الكويتية والدفاع عن حق الكويت في السيادة والاستقلال، حين أصدر النظام العراقي السابع بقيادة صدام حسين أوامره للقوات العسكرية بغزو الأراضي الكويتية واحتلالها، وبعد ستة أشهر من الغزو في الـ17 من يناير (كانون الثاني) 1991 بدأت قوات التحالف الدولي عملياتها العسكرية المعروفة باسم "عاصفة الصحراء" لتحرير دولة الكويت وإعادة السيادة والاستقلال إليها.
وفي آخر اجتماع للمجلس الوزاري الخليجي قبل أيام في الدوحة، أبدت المنظومة الخليجية دعمها القوي للموقف الكويتي في عدد من القضايا الشائكة التي تواجهها مع جارتيها إيران والعراق، تحديداً حق الكويت في "حقل الدرة" الذي تطالب إيران بملكيته، كذلك دعا المجلس بغداد إلى التراجع عن إعلانها التخلي عن "اتفاقية خور عبدالله" التي أثار إبطالها من قبل المحكمة العراقية الاتحادية غضب الخليجيين قبل أشهر، وهذا الإجراء العراقي أعاد إلى الأذهان المخاوف من سيناريو غزو الكويت في عهد صدام عام 1990 وذرائعه الواهية.
وأكد المجلس الوزاري "رفضه التام" لما جاء في حيثيات الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا في العراق، معتبراً أي قرارات أو ممارسات أحادية الجانب من العراق في هذا الشأن باطلة وملغاة ورافضاً الإجراء العراقي بإلغاء بروتوكول المبادلة الأمني الموقع عام 2008 والخطة المشتركة لضمان سلامة الملاحة في "خور عبدالله".
بعد 34 عاماً كيف ينظر الكويتيون إلى العراق؟
يقول وزير الإعلام الكويتي السابق سعد بن طفلة العجمي في سياق مقالة كتبها في "اندبندنت عربية" لمناسبة الذكرى الـ34 للغزو إن المواطنين الكويتيين ينظرون إلى جيرانهم في بغداد بمشاعر متباينة، فمن جهة يرون العراق المستقر والمزدهر شريكاً محتملاً يمكن أن يسهم في استقرار الكويت وتطورها، وأن التعاون بين البلدين هو الخيار الأفضل، ومن جهة أخرى هناك عوامل عدة تلقي بظلالها على المشهد العراقي الحالي.
ومن بين تلك العوامل بحسبه أن "الحكومة العراقية الحالية قد تبدو مدنية في المظهر وحسنة العبارة، إلا أنها ليست الجهة الحاكمة الفعلية في العراق، وهناك هيمنة إيرانية على تشكيل الحكومات العراقية ومراكز صنع القرار، إضافة إلى استنزاف موارد العراق والاقتتال الطائفي المستمر، مما يشغل العراق بمشكلاته الداخلية".
ونقل أن بلاده تتمنى أن "يتعلم العراق من دروس التاريخ الذي أدى إلى كارثة غزو الكويت عام 1990 ويأملون في استقرار العراق وتحقيق السلام الدائم بين البلدين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تصريح صدر عن السفيرة البريطانية لدى الكويت بليندا لويس للمناسبة، أشادت لويس بالشجاعة والتضحيات التي قدمها الشعب الكويتي قائلة "في هذا اليوم المهم نحيي عزيمة الكويتيين وإصرارهم على استعادة حريتهم وسيادتهم الوطنية"، وأضافت أن "المملكة المتحدة تقف إلى جانب الكويت، متذكرة الروابط التاريخية والشراكة الوثيقة التي تربطنا بها على مر العقود".
وأكدت لويس الدور الحاسم الذي أدته قوات التحالف، بمن فيهم الجنود البريطانيون في تحرير الكويت وأنه "لا يزال التزام المملكة المتحدة بسيادة الكويت وأمنها راسخاً إلى يومنا هذا، كما كان قبل 34 عاماً".
فصل حاسم لدول مجلس التعاون
وشكلت الحرب فصلاً حاسماً في منظومة الخليج التي هبت لنجدة الكويت وتجييش الرأي العالمي ضد صدام، لا سيما السعودية التي كان دفاعها عن الكويت في مواجهة التهديدات العراقية باكراً قبل عقود من غزو صدام حسين للكويت عام 1990، فكان للمملكة موقف حاسم ومؤازر للحكومة الكويتية في مواجهة محاولات الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم ضم الكويت إلى العراق عام 1961، وينبع هذا الموقف من عوامل عدة، أهمها الدور القيادي للسعودية في مجتمع الخليج، إضافة إلى المصالح الإقليمية والاقتصادية والنفطية التي كانت تربطها بالكويت، وأهمية الحفاظ على استقرار المنطقة وعدم الاعتداء على دول مجلس التعاون، بحسب المتخصصين.
ووفقاً للمتخصص في الدراسات الأمنية والاستراتيجية اللواء السعودي عبدالله القحطاني، فإن الجيش العراقي كان في ذلك الوقت الأكبر والأكثر تدريباً في المنطقة، إذ خرج للتو من حرب طويلة استمرت لمدة ثمانية أعوام مع إيران، وعلى رغم أن هذا الجيش كان منهكاً، لم يكُن غزو العراق للكويت بحاجة إلى فكر أو تخطيط استراتيجي كبير.
وأضاف القحطاني أن العراق حاول "إعطاء تفسيرات مختلفة لوجود قواته المسلحة على حدود الكويت، من بينها أنها كانت في تمارين عسكرية للضغط على الكويت من أجل التفاوض في شأن التعويضات والديون والقضايا النفطية. إلا أنه ثبت أن هناك خطة استراتيجية عراقية لغزو الكويت وضمها إلى العراق والاستيلاء على مقدراتها، وهي مأساة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العرب".